أحبب طلابك يحبوك:
فإذا أردت أيها المعلم أن يحبك طلابك فأحببهم، وإذا رغبت بأن يعاملوك وكأنك أب لهم فعاملهم وكأنهم أبناء لك؛ فإن من الطباع اللازمة للطلاب أنهم يحبون من يتحبب لهم، ويميلون إلى من يحسن إليهم، ويأنسون بمن يعاملهم بالرفق، ويقابلهم بالبشاشة والبشر؛ فما لم يشعر الطالب أن معلمه يحبه، ويحب الخير له فلن يقبل على التلقي منه، ولو أيقن أن الخير عنده، وأيُّ خير يمكن أن يتم بغير حب؟
فواجب المربي الحاذق المخلص إذا أراد أن يصل إلى نفوس طلابه من أقرب طريق، وأن يصلح نزعاتهم بأيسر كلفة، وأن يحملهم على طاعته وامتثال أمره بأسهل وسيلة _أن يتحبب إليهم، ويقابلهم بوجه متهلل، ويبادلهم التحية بأحسن منها، ويحادثهم بلطف وبشاشة، ويظهر لهم من الحنان والعطف ما يحملهم على محبته.
فإذا أحبوه أطاعوا أمره، وإذا أطاعوا أمره وصل في توجيههم في الصالحات إلى ما يريد، وتمكن من حملهم على الاستقامة، وطَبْعِهم على الخير والفضيلة.
فإذا ملك نفوسهم بهذه الطريقة حبب إليهم المدرسة، والقراءة والعلم؛ فالطالب لا يفلح في التربية، ولا ينجح في الدراسة إلا إذا أحب معلمه كحبه لأبويه، وأحب المدرسة كحبه لبيته.
وكثيراً ما ترى من الطلاب الذين يربيهم معلموهم على هذه الطريقة الحكيمة _يباهي أحدهم تِرْبَه بِقِسْمِه ومعلمه، ويباهي زميله من مدرسة أخرى بمدرسته كما يتباهون في العادة بالآباء والبيوت، وما ذلك إلا أثر من آثار المعاملة من المعلم.([1])
هذا ومما يرسخ المحبة وينميها بين المعلم وطلابه _زيادة على ما مضى _ ما يلي:
أ_ العناية بمصالح الطلاب وأحوالهم: قال ابن جماعة ×: =وينبغي أن يعنى بمصالح الطالب+.([2])
وقال: =ويؤنسهم بسؤالهم عن أحوالهم وأحوال من يتعلق بهم+.([3])
ب_ الصبر على بعض ما يصدر من الطلاب: فإن لذلك أثراً في محبة الطلاب لمعلمهم؛ إذ يدركون أن ذلك نابع من محبته لهم، وشفقته عليهم.
قال الإمام النووي ×: =ويجريه مجرى ولده في الشفقة عليه، والصبر على جفائه، وسوء أدبه، ويعذره في سوء أدب وجفوة تعرض منه في بعض الأحيان؛ فإن الإنسان معرض للنقائص+.([4])
جـ _ احترام الطلاب ومراعاة مشاعرهم: فالمعلم النبيل ذو المروءة والأدب _هو من يحترم طلابه، ويراعي مشاعرهم، فلا يؤذيهم بكلمة، أو إشارة، بل يحفظ عليهم عزتهم وكرامتهم طالما أنهم يسيرون على حد الأدب.
قال ابن عباس _رضي الله عنهما_: =أعز الناس عليَّ جليسي الذي يتخطى الناس إليَّ، أما والله إن الذباب يقع عليه فيشق عليَّ+.([5])
وقال الأحنف بن قيس ×: =لو جلست إلى مائة لأحببت أن ألتمس رضا كل واحد منهم+.([6])
وقال بعضهم: =صحبت الربيع بن خثيم عشرين عاماً ما سمعت منه كلمة تعاب+.([7])
ولقد كان رسول الله " أكرم الناس لجلسائه، فقد كان يعطي كل واحد منهم نصيبه، ولا يحسب جليسُه أن أحداً أكرم عليه منه.([8])
د _ التعرف على أسماء الطلاب: لأن ذلك يشعرهم بقيمتهم واعتبارهم.
قال ابن جماعة ×: =وينبغي أن يستعلم أسماءهم وأنسابهم ومواطنهم، وأحوالهم+.([9])
هـ _ مخاطبتهم بكناهم وأحب الأسماء إليهم: وفي هذا مزيد احترام وتقدير لهم.
قال ابن جماعة: =وينبغي أن يخاطب كُلاً منهم ولا سيما الفاضل المتميز بكنيته ونحوها من أحب الأسماء إليه، وما فيه له تعظيم وتوقير؛ فعن عائشة _رضي الله عنها_ =كان رسول الله " يكني أصحابه؛ إكراماً لهم+.([10])([11])
و_ استشارتهم ببعض الأمور: فذلك مما يزرع الثقة في نفوس الطلاب، ومما ينمي الألفة والمحبة بينهم وبين معلمهم.
ز_ معرفة الطبائع وفهم العقليات: فبذلك تعامل الطالب بما يوائمه، وتعالجه بالدواء الذي يلائمه.
ح_ صفاء السريرة للطلاب: فقد جرت سُنَّةُ الله أن من صفت سريرته، وغَزُرَتْ صالحاته _أحدقت إليه الضمائر الحرة، وأوْلَتْهُ ودَّاً وانعطافاً.([12])
فإذا كان المعلم صافي السريرة سليم الصدر للطلاب أحبه الطلاب، وعلموا منه الإخلاص لهم، والرحمة بهم، ولو كان يؤدبهم ويعاقبهم على أخطائهم.
فلا ينبغي أن يستهان بإضمار المحبة للطلاب والشفقة عليهم؛ بحجة أنهم لا يدركون ذلك.
لا؛ بل إنهم يدركون ويميزون، ويلحظون ذلك من نظرات العيون.
وصدق من قال:
والعين تنطق والأفواه صامتةومن قال:
حتى ترى من ضمير القلب تبيانا
العين تبدي الذي في نفس صاحبها
من العداوة أو ودٍّ إذا كانا([13])
إن العيونَ على القلوب شواهدومن قال:
فَبَغِيْضُها لك بَيِّنٌ وحبيبُها
وإذا تلاحظت العيونُ تفاوضت
وَتَحَدَّثَتْ عَمَّا تُجِنُّ قلوبها
يَنْطِقْنَ والأفواهُ صامتةٌ فما
يخفى عليك بريئُها ومريبها([14])
لا تسألنَّ المرء عما عندههذه بعض الأمور التي تحبب المعلم لطلابه، وتحببهم به.
واسْتمْلِ ما في قلبه من قلبكا
إن كان بغضاً كان عندك مثلُهُ
أو كان حباً فاز منك بِحُبِّكا([15])
فإذا أحببت الطلاب وأحبوك وجدت سعادتك بينهم أكثر مما تجدها في البيت وبين الأصحاب.
([1]) انظر آثار الشيخ محمد البشير الإبراهيمي 3/161_162.
([2]) تذكرة السامع والمتكلم ص89.
([3]) تذكرة السامع والمتكلم ص107.
([4]) المجموع شرح المهذب للنووي 1/30، وانظر تذكرة السامع والمتكلم ص89.
([5]) عيون الأخبار 1/307، وأدب المجالسة وحمد اللسان ص33، وبهجة المجالس 1/45.
([6]) بهجة المجالس 1/45.
([7]) سير أعلام النبلاء للذهبي 4/259.
([8]) انظر دلائل النبوة لأبي نعيم ص555.
([9]) تذكرة السامع والمتكلم ص100_101.
([10]) رواه مسلم 1/271.
([11]) تذكرة السامع والمتكلم ص107.
([12]) انظر مناهج الشرف ص53.
([13]) الخصائص لابن جني 1/247.
([14]) الأبيات لمحمود الوراق، انظر ديوانه تحقيق د. وليد قصاب ص84.
([15]) ديوان محمد الوراق ص156.