الجمعة, 31 أكتوبر 2008
عبدالله فراج الشريف
حينما ظهرت هذه الوسيلة الأسرع في الاتصال ونقل المعلومات عبر العالم (شبكة الانترنت)، تبارى سكان العالم في الاستفادة منها، فنشأت عليها آلاف المواقع العلمية والإخبارية، ومواقع لمراكز الأبحاث على تنوّعها، وسهل للأفراد والمؤسسات ومكّنها من تتبع المعلومات عبر هذا النهر المتدفق بها على هذه الشبكة ذات النفع العظيم ..
وطبعًا ظهرت بعض المشكلات في التعاطي مع هذه الشبكة، من مشكلات تخص الملكية الفكرية، إلى مشكلات تخص اختراق المواقع وتدميرها، ومن مشكلات الدخول إلى المواقع الرسمية والعبث بها، ولكن لم ينشأ من المشكلات في سائر أرجاء العالم ما نشأ في الديار الإسلامية من العبث المجنون، والذي ثمنه في الغالب فتن تبدأ بالتكفير والتفسيق والتضليل، وتنتهي بإراقة الدماء، فنحن العرب والمسلمين اشد الناس استخدامًا سيئًا لهذه الشبكة، وفي بلادنا عبث من نوع آخر يقوم به الجاهلون، ومرضى النفوس، والحاقدون، ممّن تمتلئ بهم ساحته اليوم، فخفافيش الظلام ذات الألوان السوداء والحمراء تتلاطم أجنحتها العفنة في فضائه، ومَن يدخل إلى ساحات ومنتديات الانترنت ويتجول في صفحاته ومواقعه باللغة العربية، خاصة ما كان مصدرها خليجيًّا أو من بلادنا على وجه الخصوص سيدرك معنى ما أقول ..
فهذه مواقع أُنشئت من أجل استعادة فن الهجاء الجاهلي في أقذر صوره، ممّا لا يوفر عرضًا، ولا ينتقي لفظًا وينحدر إلى هاوية سحيقة، فلا يستبقي في نفسه من محاسن الاسلام شيئًا، ثم زاد الطين بلة أن زحف هؤلاء على مواقع الصحف على شبكة الإنترنت، فأخذوا يتجولون، ويزرعون على صفحاتها تعليقاتهم الهجائية السخيفة، فإذا كتب مثلي عن ظاهرة سيئة، لها بالمجتمع ضرر فادح، مثل ظاهرة الفتاوى الغريبة التي لا تقوم على دليل، وتسيء الى الإسلام ومعتنقيه، أو تحدّث عن ظاهرة التكسب بالدِّين، والتي اصبحت مؤخرًا منتشرة بين بعض مَن ينسبون انفسهم للعلم والدعوة والوعظ، ملتزمًا أدب النبوة، فلا يذكر أحد ممّن يمثلون الظاهرة باسمه، ولا يشير إلى رسمه، وإنما يذكر الفعل ويبين حرمته بالدليل، وينهي عنه املاً في منع ضرره، جاء هؤلاء العابثون فقالوا: قصد الكاتب فلانًا وفلانًا، فيسيئون إلى من ذكروا أسماءهم، وكأنهم يحملون في قلوبهم على مَن ذكروا أسماءهم حقدًا، فهم الذين نالوا المذكورة أسماؤهم بالإساءة لا الكاتب، ولعل بعض مَن يمارسون هذا العبث هم مَن تنطبق عليهم ما وصف الكاتب فعلهم في مقاله، فأخذوا يدافعون عن أنفسهم وجبنوا عن الإعلان عن أسمائهم ليعرفهم الناس بسيماهم، وإن كان هؤلاء يفعلون مثل هذا وهم يظنون أن هذا دفاع عن مَن يذكرون أسماءهم فهو أشد الناس جهلاً، بل لعلهم بلغوا من السذاجة درجة لا يفرقون بها بين الاساءة والدفاع، او بين الذم والثناء ..
ونحن حينما نكتب عن الظواهر نحددها عبر ألفاظ دقيقة، نتوخّى بها وصف الفعل لا فاعله، ولنا في ذلك قدوة حسنة، فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذكر قول القائل أو فعله بقوله: “ما بال أقوام قالوا كذا أو فعلوا كذا”،
لا يذكرهم بأعيانهم، وإنما يذكر أفعالهم ويصفها للناس لتحذر..
وهؤلاء العابثون لا يمارسون هواياتهم القبيحة إلا حيث يأمنون أن تكتشف أعيانهم، فلو اشترط عليهم ألاَّ يُنشر لهم ما يكتبون على صفحات الإنترنت إلاَّ إذا ذكروا أسماءهم الحقيقية، كما نفعل نحن على صفحات الصحف، لرأيتهم يولّون الأدبار، ولا يلوون على شيء، وما أجبن انساناً يحتمي بهذه الطريقة حتى لا يُحاسب، فهو ضئيل الحجم معنى، وطبعًا هؤلاء لا يحسبون حسابًًا لما ينالهم من الإثم وهم يمارسون عبثهم هذا، فهم لا يدركون حل ما يفعلون أو حرمته، وما أكثر هؤلاء اليوم ممّن لا يعلمون من العلم الشرعي إلاَّ قشورًا سمعوها في مجالس إثم، تعمرها الغيبة والبهتان تطلق في حق الخلق خاصهم وعامهم، همهم الإساءة إلى عباد الله الغافلين عن ما يتداول هؤلاء في الخفاء، والذين أتاحت لهم هذه الوسيلة (الانترنت) العظيمة النفع للخلق ممّن هداهم الله سواء السبيل، فلم يجد هؤلاء العابثون استغلالاً لها إلاَّ بهذا الأسلوب الفج، الذي يدل على ما تمتلئ به الصدور من قيح وصديد يفتك بها، فكان الله في عون مَن هذا منهجه، ورده الى الحق ردًّا جميلاً..
إنه سميع مجيب.
المـصـدر صـحـيـفـة المـديـنـة الـسـعـوديـة