‏بَاب ‏ ‏الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ ‏ ‏قَالَ قَالَ ‏ ‏اللَّيْثُ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَمْرَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَائِشَةَ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ‏ ‏قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَقُولُ الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ ‏ ‏وَقَالَ ‏ ‏يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ‏ ‏بِهَذَا ‏



‏قَوْلُهُ : ( بَاب الْأَرْوَاح جُنُود مُجَنَّدَة ) ‏
‏كَذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَة فِي مُعْظَم الرِّوَايَات , وَهِيَ مُتَعَلِّقَة بِتَرْجَمَةِ آدَم وَذُرِّيَّته , لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُمْ رُكِّبُوا مِنْ الْأَجْسَام وَالْأَرْوَاح . ‏

‏قَوْلُهُ : ( وَقَالَ اللَّيْث ) ‏
‏وَصَلَهُ الْمُصَنِّف فِي " الْأَدَب الْمُفْرَد " عَنْ عَبْد اللَّه بْن صَالِح عَنْهُ ‏

‏قَوْلُهُ : ( الْأَرْوَاح جُنُود مُجَنَّدَة إِلَخْ ) ‏
‏قَالَ الْخَطَّابِيُّ : يُحْتَمَل أَنْ يَكُون إِشَارَة إِلَى مَعْنَى التَّشَاكُل فِي الْخَيْر وَالشَّرّ وَالصَّلَاح وَالْفَسَاد , وَأَنَّ الْخَيِّرَ مِنْ النَّاس يَحِنّ إِلَى شَكْله وَالشِّرِّير نَظِير ذَلِكَ يَمِيل إِلَى نَظِيره فَتَعَارُف الْأَرْوَاح يَقَع بِحَسَبِ الطِّبَاع الَّتِي جُبِلَتْ عَلَيْهَا مِنْ خَيْر وَشَرّ , فَإِذَا اِتَّفَقَتْ تَعَارَفَتْ , وَإِذَا اِخْتَلَفَتْ تَنَاكَرَتْ . وَيُحْتَمَل أَنْ يُرَاد الْإِخْبَار عَنْ بَدْء الْخَلْق فِي حَال الْغَيْب عَلَى مَا جَاءَ أَنَّ الْأَرْوَاح خُلِقَتْ قَبْل الْأَجْسَام , وَكَانَتْ تَلْتَقِي فَتَتَشَاءَم , فَلَمَّا حَلَّتْ بِالْأَجْسَامِ تَعَارَفَتْ بِالْأَمْرِ الْأَوَّل فَصَارَ تَعَارُفهَا وَتَنَاكُرهَا عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْعَهْد الْمُتَقَدِّم . وَقَالَ غَيْره : الْمُرَاد أَنَّ الْأَرْوَاح أَوَّل مَا خُلِقَتْ خُلِقَتْ عَلَى قِسْمَيْنِ , وَمَعْنَى تَقَابُلهَا أَنَّ الْأَجْسَاد الَّتِي فِيهَا الْأَرْوَاح إِذَا اِلْتَقَتْ فِي الدُّنْيَا اِئْتَلَفَتْ أَوْ اِخْتَلَفَتْ عَلَى حَسَب مَا خُلِقَتْ عَلَيْهِ الْأَرْوَاح فِي الدُّنْيَا إِلَى غَيْر ذَلِكَ بِالتَّعَارُفِ . قُلْت : وَلَا يُعَكِّر عَلَيْهِ أَنَّ بَعْض الْمُتَنَافِرِينَ رُبَّمَا اِئْتَلَفَا , لِأَنَّهُ مَحْمُول عَلَى مَبْدَأ التَّلَاقِي , فَإِنَّهُ يَتَعَلَّق بِأَصْلِ الْخِلْقَة بِغَيْرِ سَبَب . وَأَمَّا فِي ثَانِي الْحَال فَيَكُون مُكْتَسَبًا لِتَجَدُّدِ وَصْف يَقْتَضِي الْأُلْفَة بَعْد النُّفْرَة كَإِيمَانِ الْكَافِر وَإِحْسَان الْمُسِيء . وَقَوْله " جُنُود مُجَنَّدَة " أَيْ أَجْنَاس مُجَنَّسَة أَوْ جُمُوع مُجَمَّعَة , قَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ : وَيُسْتَفَاد مِنْ هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْإِنْسَان إِذَا وَجَدَ مِنْ نَفْسه نُفْرَة مِمَّنْ لَهُ فَضِيلَة أَوْ صَلَاح فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْحَث عَنْ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ لِيَسْعَى فِي إِزَالَته حَتَّى يَتَخَلَّص مِنْ الْوَصْف الْمَذْمُوم , وَكَذَلِكَ الْقَوْل فِي عَكْسه . وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : الْأَرْوَاح وَإِنْ اِتَّفَقَتْ فِي كَوْنهَا أَرْوَاحًا لَكِنَّهَا تَتَمَايَز بِأُمُورٍ مُخْتَلِفَة تَتَنَوَّع بِهَا , فَتَتَشَاكَل أَشْخَاص النَّوْع الْوَاحِد وَتَتَنَاسَب بِسَبَبِ مَا اِجْتَمَعَتْ فِيهِ مِنْ الْمَعْنَى الْخَاصّ لِذَلِكَ النَّوْع لِلْمُنَاسَبَةِ , وَلِذَلِكَ نُشَاهِد أَشْخَاص كُلّ نَوْع تَأْلَف نَوْعهَا وَتَنْفِر مِنْ مُخَالِفهَا . ثُمَّ إِنَّا نَجِد بَعْض أَشْخَاص النَّوْع الْوَاحِد يَتَآلَف وَبَعْضهَا يَتَنَافَر , وَذَلِكَ بِحَسَبِ الْأُمُور الَّتِي يَحْصُل الِاتِّفَاق وَالِانْفِرَاد بِسَبَبِهَا . ‏


‏قَوْلُهُ : ( وَقَالَ يَحْيَى بْن أَيُّوب ) ‏
‏هُوَ الْمِصْرِيّ ‏
‏( حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن سَعِيد بِهَذَا ) ‏
‏يَعْنِي مِثْل الَّذِي قَبْله , وَقَدْ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن أَبِي مَرْيَم عَنْ يَحْيَى بْن أَيُّوب بِهِ , وَرُوِّينَاهُ مَوْصُولًا فِي مُسْنَد أَبِي يَعْلَى وَفِيهِ قِصَّة فِي أَوَّله عَنْ عَمْرَةَ بِنْت عَبْد الرَّحْمَن قَالَتْ " كَانَتْ اِمْرَأَة مَزَّاحَة بِمَكَّة فَنَزَلَتْ عَلَى اِمْرَأَة مِثْلهَا فِي الْمَدِينَة , فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَة فَقَالَتْ : صَدَقَ حِبِّي , سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَذَكَرَ مِثْله . وَرُوِّينَاهُ فِي فَوَائِد أَبِي بَكْر بْن زُنْبُور مِنْ طَرِيق اللَّيْث أَيْضًا بِسَنَدِهِ الْأَوَّل بِهَذِهِ الْقِصَّة بِمَعْنَاهَا , قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ : أَبُو صَالِح لَيْسَ مِنْ شَرْط هَذَا الْكِتَاب وَلَا يَحْيَى بْن أَيُّوب فِي الْأُصُول , وَإِنَّمَا يُخْرِج لَهُ الْبُخَارِيّ فِي الِاسْتِشْهَاد , فَأَوْرَدَ الْبُخَارِيّ هَذَا الْحَدِيث مِنْ الطَّرِيقَيْنِ بِلَا إِسْنَاد فَصَارَ أَقْوَى مِمَّا لَوْ سَاقَهُ بِإِسْنَادٍ ا ه . وَكَانَ سَبَب ذَلِكَ أَنَّ النَّاظِر فِي كِتَابه رُبَّمَا اِعْتَقَدَ أَنَّ لَهُ عِنْده إِسْنَادًا آخَر , وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ سَاقَهُ بِصِيغَةِ الْجَزْم فَيَعْتَقِد أَنَّهُ عَلَى شَرْطه , وَلَيْسَ الْأَمْر كَذَلِكَ . قُلْت : وَلِلْمَتْنِ شَاهِد مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ