إذا كان للصبر (حدود) كما يقال فإنني اعتقد اعتقاداً جازماً أنه ليس للصداقة تلك الحدود المصطنعة لعدة أسباب منها أن الصداقة عاطفة جياشة تنطلق من مكتسبات منعطفات زاخرة بالتجارب والقيم العقلانية، وأنها حالة من حالات الشعور المتفردة بامتلاك مساحة واسعة من الكر والفر الوجداني دونما تحمل تبعات تنضوي تحتهما الضغوط الملزمة والقاهرة وأن الصداقة بمجملها خليط بديع من الصدق والوفاء والحب وهذا الثالوث نواة للتوازن السلوكي، كما أنه وقود يذكي في النفوس بهجتها ويزيل عنها الحسرات والعبرات، ويمنحها الرؤية الثاقبة مما يعينها على دفع المنغصات والمكدرات التي تعتورها بين الحين والآخر. إن الصداقة إطلالتنا على الأنا) نطمئن من خلالها على أحوال مشاعرنا وأنها مازالت بألف خير تعمل بكفاءة وقدرة عالية وأننا لم نتضخم خواء على حساب أحاسيسنا المغلوطة ومجساتنا المادية التي تستجلب أحيانا من رداء الكبر وأحيانا من صدى ما نعتقده حقاً وهو أبعد ما يكون عن ذلك. التشبث بالصديق أمر بالغ الأهمية ومن الخطأ التفريط بقلب منحك جسراً آمنا تعبر إليه ووضعك ضمن أولويته وفي أجندة اهتماماته. قيل لابن السماك: أي الاخوان أحق ببقاء المودة؟ قال: الوافر دينه، الوافي عقله، الذي لا يملك على القرب ولا ينساك على البعد، إن دنوت منه داناك، وإن بعدت عنه راعاك، وإن استعنت به عضدك وإن احتجت إليه رفدك، وتكون مودة فعله أكثر من مودة قوله.
وأما الأضداد فأولئك الذين استبدلوا الطريق بالصديق، وعندما تيقظوا تلفتوا يمنة ويسرة فلم يجدوا طريقا ولا صديقا يمنحانهما بعداً متكافئا مع العرف والتقاليد فأصبحوا أكثر تشاؤما وسوداوية يرددون قول الشاعر:
سمعنا بالصديق ولا نراه
على التحقيق يوجد في الأنام
وأحسبه محالا نمقوه
على وجه المجاز من الكلام
نعم (للصديق) وجود ولكن كيف ومتى نراه !! ذلك هو السؤال ؟؟
فصديقك هو إنسان يفهم ماضيك ويثق في مستقبلك ويتقبلك بالصورة التي أنت عليها..