أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


مختصر تفسير الطبري جديد ونادر جدا يغني عن كل كتب التفسير المختصر كالفقه الميسر وغيره
وهذا نموذج منه فقط الآيات الأخيرة من سورة هود
{وَ} أَرْسَلْنَا..
{إِلَى} وَلَدِ..
{مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} فَلَمَّا أَتَاهُمْ..
{قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} أَطِيعُوهُ، وَتَذَلَّلُوا لَهُ بِالطَّاعَةِ لِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ، وَنَهَاكُمْ عَنْهُ..
{مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} مَا لَكُمْ مِنْ مَعْبُودٍ سِوَاهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْكُمُ الْعِبَادَةَ غَيْرُهُ..
{وَلَا تَنقُصُوا} النَّاسَ حُقُوقَهُمْ فِي..
{الْمِكْيَالَ} مِكْيَالِكُمْ..
{وَالْمِيزَانَ} مِيزَانِكُمْ..
{إِنِّي أَرَاكُمْ} وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ..
{بِخَيْرٍ} في الدُّنْيَا، من الْمَالِ، وَالزِينَة، وَرُخْصِ السِّعْرِ..وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ شُعَيْبٌ؛ لِأَنَّ قَوْمَهُ كَانُوا فِي سَعَةٍ مِنْ عَيْشِهِمْ، وَرُخْصٍ مِنْ أَسْعَارِهِمْ، كَثِيرَةٌ أَمْوَالِهِمْ ..
{وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} بِمُخَالَفَتِكُمْ أَمْرَ اللَّهِ وَبَخْسِكُمُ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ فِي مِكَايِيلِكُمْ وَمَوَازِينِكُمْ أَنْ يُنْزِلَ بِكُمْ..
{عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ}[84] فَجَعَلَ الْمُحِيطَ نَعْتًا لِلْيَوْمِ، وَهُوَ مِنْ نَعْتِ الْعَذَابِ، إِذْ كَانَ مَفْهُومًا مَعْنَاهُ، وَكَانَ الْعَذَابُ فِي الْيَوْمِ..
{وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا} النَّاسَ..
{الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} بِالْعَدْلِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تُوَفُّوا أَهْلَ الْحُقُوقِ الَّتِي هِيَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ حُقُوقَهُمْ عَلَى مَا وَجَبَ لَهُمْ مِنَ التَّمَامِ بِغَيْرِ بَخْسٍ وَلَا نَقْصٍ..
{وَلَا تَبْخَسُوا} تُنْقِصُوا..وتَظْلِمُوا..
{النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} حُقُوقَهُمُ الَّتِي يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُوَفُّوهُمْ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ..
{وَلَا تَعْثَوْا} وَلَا تَسِيرُوا..وتَسْعَوْا..
{فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}[85] تَعْمَلُونَ فِيهَا بِمَعَاصِي اللَّهِ..كنُقْصَانَ الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ..
{بَقِيَّةُ} مَا أَبْقَاهُ..
{اللَّهِ} لَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَفُّوا النَّاسَ حُقُوقَهُمْ بِالْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ بِالْقِسْطِ، فَأَحَلَّهُ لَكُمْ..
{خَيْرٌ لَكُمْ} مِنَ الَّذِي يَبْقَى لَكُمْ بِبِخْسِكُمُ النَّاسَ مِنْ حُقُوقِهِمْ بِالْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ..
{إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} مُصَدِّقِينَ بُوعِدِ اللَّهِ وَوَعِيدِهِ وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ..
{وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ} أَيُّهَا النَّاسُ..
{بِحَفِيظٍ}[86] بِرَقِيبٍ أُرَقِبُكُمْ عِنْدَ كَيْلِكُمْ، وَوَزْنِكُمْ هَلْ تُوَفُّونَ النَّاسَ حُقُوقَهُمْ أَمْ تَظْلِمُونَهُمْ، وَإِنَّمَا عَلِيَّ أَنْ أُبْلِّغَكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمُوهَا..
{قَالُوا} قَوْمُ شُعَيْبٍ..
{يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ} عِبَادَةَ..
{مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ..
{أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} مِنْ كَسْرِ الدَّرَاهِمِ وَقَطْعِهَا، وَبَخْسِ النَّاسِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ..
{إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ} الَّذِي لَا يَحْمِلُهُ الْغَضَبُ أَنْ يَفْعَلَ مَا لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَهُ فِي حَالِ الرِّضَا..
{الرَّشِيدُ}[87] فِي أَمْرِهِ إِيَّاهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ..فَإِنَّهُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ قَالُوا ذَلِكَ لَهُ اسْتِهْزَاءً بِهِ؛ وَإِنَّمَا سَفَّهُوهُ وَجَهِّلُوهُ بِهَذَا الْكَلَامِ..
{قَالَ} شُعَيْبٌ لِقَوْمِهِ..
{يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ} بَيَانٍ وَبُرْهَانٍ..
{مِنْ رَبِّي} فِيمَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ، وَالْبَرَاءَةِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، وَفِيمَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ إِفْسَادِ الْمَالِ..
{وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا} حَلَالًا طَيِّبًا..
{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} بَلْ لَا أَفْعَلُ إِلَّا بِمَا آمُرُكُمْ بِهِ، وَلَا أَنْتَهِي إِلَّا عَمَّا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ..
{إِنْ} مَا..
{أُرِيدُ} فِيمَا آمُرُكُمْ بِهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْهُ..
{إِلَّا الْإِصْلَاحَ} إِلَّا إِصْلَاحَكُمْ وَإِصْلَاحَ أَمْرِكُمْ..
{مَا اسْتَطَعْتُ} مَا قَدَرْتُ عَلَى إِصْلَاحِهِ لِئَلَّا يَنَالَكُمْ مِنَ اللَّهِ عُقُوبَةً مُنَكِّلَةً، بِخِلَافِكُمْ أَمْرَهُ وَمَعْصِيَتِكُمْ رَسُولَهُ..
{وَمَا تَوْفِيقِي} إِصَابَتِي الْحَقَّ فِي مُحَاوَلَتِي إِصْلَاحَكُمْ وَإِصْلَاحَ أَمْرِكُمْ..
{إِلَّا بِاللَّهِ} فَإِنَّهُ هُوَ الْمُعِينُ عَلَى ذَلِكَ إِنْ لَا يُعِنِّي عَلَيْهِ لَمْ أُصِبِ الْحَقَّ فِيهِ..
{عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} إِلَى اللَّهِ أُفَوِّضُ أَمْرِي، فَإِنَّهُ ثِقَتِي وَعَلَيْهِ اعْتِمَادِي فِي أُمُورِي..
{وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}[88] أُقْبِلُ بِالطَّاعَةِ وَأَرْجِعُ بِالتَّوْبَةِ..
{وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ} يَحْمِلَنَّكُمْ..
{شِقَاقِي} عَدَاوَتِي وَبُغْضِي وَفِرَاقِ الدِّينِ الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ، عَلَى الْإِصْرَارِ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَبَخْسِ النَّاسِ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ، وَتَرْكِ الْإِنَابَةِ وَالتَّوْبَةِ..
{أَنْ يُصِيبَكُمْ} فَيُصِيبُكُمْ..
{مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ} مِنَ الْغَرَقِ..
{أَوْ قَوْمَ هُودٍ} مِنَ الْعَذَابِ..
{أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ} مِنَ الرَّجْفَةِ..
{وَمَا} دَارُ..
{قَوْمُ لُوطٍ} الَّذِينَ ائْتَفَكَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ..
{مِّنكُمْ بِبَعِيدٍ}[89] هَلَاكُهُمْ، أَفَلَا تَتَّعِظُونَ بِهِ وَتَعْتَبِرُونَ؟ فَاعْتَبِرُوا بِهَؤُلَاءِ، وَاحْذَرُوا أَنْ يُصِيبَكُمْ بِشِقَاقِي مِثْلُ الَّذِي أَصَابَهُمْ..
{وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} أَيُّهَا الْقَوْمُ مِنْ ذُنُوبِكُمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمُ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا مُقِيمُونَ مِنْ عِبَادَةِ الْآلِهَةِ وَالْأَصْنَامِ، وَبَخْسِ النَّاسِ حُقُوقَهُمْ فِي الْمَكَايِيلِ وَالْمَوَازِينِ..
{ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} ارْجِعُوا إِلَى طَاعَتِهِ وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ..
{إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ} بِمَنْ تَابَ وَأَنَابَ إِلَيْهِ أَنْ يُعَذِّبَهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ..
{وَدُودٌ}[90] ذُو مَحَبَّةٍ لِمَنْ أَنَابَ وَتَابَ إِلَيْهِ يَوَدُّهُ وَيُحِبُّهُ..
{قَالُوا} قَوْمُ شُعَيْبٍ لِشُعَيْبٍ..
{يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ} نَعْلَمُ..
{كَثِيرًا} حَقِيقَةَ كَثِيرٍ..
{مِمَّا تَقُولُ} وَتُخْبِرُنَا بِهِ..
{وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا}[91] ذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ ضَرِيرًا..
{وَ} يَقُولُونَ..
{لَوْلَا رَهْطُكَ} لولا أن نتقي قومَكَ وعَشِيرَتَكَ ..
{لَرَجَمْنَاكَ} لَسَبَبْنَاكَ.. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَقَتَلْنَاكَ ..
{وَمَا أَنْتَ} مِمَّنْ يَكْرُمُ..
{عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ}[91] فَيَعْظُمُ عَلَيْنَا إِذْلَالُهُ وَهَوَانُهُ، بَلْ ذَلِكَ عَلَيْنَا هَيِّنٌ..
{قَالَ} شُعَيْبٌ لِقَوْمِهِ..
{يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ} أَعَزَزْتُمْ قَوْمَكُمْ، فَكَانُوا أَعَزَّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ..
{وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} وَاسْتَخْفَفْتُمْ بِرَبِّكُمْ، فَجَعَلْتُمُوهُ خَلْفَ ظُهُورِكُمْ، لَا تَأْتَمِرُونَ لَأَمْرِهِ، وَلَا تَخَافُونَ عِقَابَهُ، وَلَا تُعَظِّمُونَهُ حَقَّ عَظَمَتِهِ.. يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا لَمْ يَقْضِ حَاجَةَ الرَّجُلِ: نَبَذَ حَاجَتَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ: أَيْ تَرَكَهَا لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، وَإِذَا قَضَاهَا قِيلَ: جَعَلَهَا أَمَامَهُ وَنُصْبَ عَيْنَيْهِ؛ وَيُقَالُ: ظَهَرْتَ بِحَاجَتِي وَجَعَلْتَهَا ظِهْرِيَّةً: أَيْ خَلْفَ ظَهْرِكَ..
{إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}[92] عِلْمُهُ بِعَمَلِكُمْ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَهُوَ مُجَازِيكُمْ عَلَى جَمِيعِهِ عَاجِلًا وَآجِلًا..
{وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} عَلَى تَمَكُنِكُمْ مِنَ الْعَمَلِ الَّذِي تَعْمَلُونَهُ..
{إِنِّي عَامِلٌ} عَلَى تُؤَدَةٍ مِنَ الْعَمَلِ الَّذِي أَعْمَلُهُ..
{سَوْفَ تَعْلَمُونَ} أَيُّنَا الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ، وَالْمُخْطِئِ عَلَيْهَا، وَالْمُصِيبِ فِي فِعْلِهِ، الْمُحْسِنُ إِلَى نَفْسِهِ..
{مَنْ} الَّذِي..
{يَأْتِيهِ} مِنَّا وَمِنْكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ..
{عَذَابٌ يُخْزِيهِ} يُذِلُّهُ وَيُهِينُهُ..
{وَ} يَخْزِي أَيْضًا..
{مَنْ} الَّذِي..
{هُوَ كَاذِبٌ} فِي قِيلِهِ وَخَبَرِهِ مِنَّا وَمِنْكُمْ..
{وَارْتَقِبُوا} انْتَظِرُوا وَتَفَقَّدُوا..
{إِنِّي} إِنِّي أَيْضًا ذُو رِقْبَةٍ لِذَلِكَ الْعَذَابِ..
{مَعَكُمْ رَقِيبٌ}[ 93] وَنَاظِرٌ إِلَيْهِ بِمَنْ هُوَ نَازِلٌ مِنَّا وَمِنْكُمْ..
{وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} قَضَاؤُنَا فِي قَوْمِ شُعَيْبٍ بِعَذَابِنَا..
{نَجَّيْنَا شُعَيْبًا} رَسُولَنَا..
وَالَّذِينَ آمَنُوا} بِهِ فَصَدَّقُوهُ عَلَى مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ..
{مَعَهُ} مَعَ شُعَيْبٍ، مِنْ عَذَابِنَا الَّذِي بَعَثْنَا عَلَى قَوْمِهِ..
{بِرَحْمَةٍ مِنَّا} لَهُ، وَلِمَنْ آمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ عَلَى مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ..
{وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} مِنَ السَّمَاءِ أَخْمَدَتْهُمْ فَأَهْلَكَتْهُمْ بِكُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ..وَقِيلَ: إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، صَاحَ بِهِمْ صَيْحَةً أَخْرَجَتْ أَرْوَاحَهُمْ مِنْ أَجْسَامِهِمْ..
{فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [94] عَلَى رُكَبِهِمْ وَصَرْعَى بِأَفْنِيَتِهِمْ..
{كَأَنَّ لَمْ يَغْنَوْا} يَعِشْ قَوْمُ شُعَيْبٍ الَّذِينَ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِعَذَابِهِ حِينَ أَصْبَحُوا جَاثِمِينَ..
{فِيهَا} فِي دِيَارِهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ..
{أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ} أَبْعَدَ اللَّهُ مَدْيَنَ مِنْ رَحْمَتِهِ بِإِحْلَالِ نَقْمَتِهِ..
{كَمَا بَعِدَتْ} مِنْ قَبْلِهِمْ..
{ثَمُودُ}[95] مِنْ رَحْمَتِهِ بِإِنْزَالِ سَخَطِهِ بِهِمْ..
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا} بِأَدِلَّتِنَا عَلَى تَوْحِيدِنَا..
{وَسُلْطَانٍ} وَحُجَّةٍ ..
{مُبِينٍ}[96] تُبَيِّنُ لِمَنْ عَايَنَهَا، وَتَأَمَّلَهَا بِقَلْبٍ صَحِيحٍ، أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَكَذِبِ كُلِّ مَنِ ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ دُونَهُ، وَبُطُولِ قَوْلِ مَنْ أَشْرَكَ مَعَهُ فِي الْأُلُوهَةِ غَيْرَهُ..
{إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} يَعْنِي إِلَى أَشْرَافِ جُنْدِهِ وَتُبَّاعِهِ.. فَكَذَّبَ فِرْعَوْنُ وَمَلَؤُهُ مُوسَى، وَجَحَدُوا وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ، وَأَبَوْا قَبُولَ مَا أَتَاهُمْ بِهِ مُوسَى مِنْ عِنْدِ اللَّهِ..
{فَاتَّبَعُوا} مَلَأُ فِرْعَوْنَ..
{أَمْرَ فِرْعَوْنَ} دُونَ أَمْرِ اللَّهِ، وَأَطَاعُوهُ فِي تَكْذِيبِ مُوسَى وَرَدِّ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ..
{وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ}[ 97] لَا يَرْشُدُ أَمْرُ فِرْعَوْنَ مَنْ قَبِلَهُ مِنْهُ، فِي تَكْذِيبِ مُوسَى، إِلَى خَيْرٍ، وَلَا يَهْدِيهِ إِلَى صَلَاحٍ، بَلْ يُورِدُهُ نَارَ جَهَنَّمَ ..
{يَقْدُمُ} فِرْعَوْنَ..
{قَوْمَهُ} يَقُودُهُمْ.. يَمْضِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ..
{يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} فَيَمْضِي بِهِمْ إِلَى النَّارِ حَتَّى يُورِدُهُمُوهَا، وَيَصْلِيهِمْ سَعِيرُهَا..
{وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ}[98] الَّذِي يَرِدُونَهُ..
{وَأُتْبِعُوا} وَأَتْبَعَهُمُ اللَّهُ..
{فِي هَذِهِ} الدُّنْيَا مَعَ الْعَذَابِ الَّذِي عَجَّلَهُ لَهُمْ فِيهَا مِنَ الْغَرَقِ فِي الْبَحْرِ..
{لَعْنَةً وَ} فِي..
{يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أَيْضًا..يُلْعَنُونَ لَعْنَةً أُخْرَى..
{بِئْسَ الرِّفْدُ} الْعَوْنُ..
{الْمَرْفُودُ}[99] الْمُعَانُ.. يعني: اللَّعْنَةُ الْمَزِيدَةُ فِيهَا أُخْرَى مِنْهَا..تَرَادَفَتْ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَتَانِ مِنَ اللَّهِ لَعْنَةٌ فِي الدُّنْيَا، وَلَعْنَةٌ فِي الْآخِرَةِ..
{ذَلِكَ} الْقَصَصُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَكَ يا مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَالنَّبَأُ الَّذِي أَنْبَأَنَاكَهُ فِيهَا ..
{مِنْ أَنْبَاءِ} أَخْبَارِ ..
{الْقُرَى} الَّتِي أَهْلَكْنَا أَهْلَهَا بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، وَتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُ..
{نَقُصُّهُ عَلَيْكَ} فَنُخْبِرُكَ بِهِ..
{مِنْهَا قَائِمٌ} بُنْيَانُهُ عامرٌ غيرُ منهدِم، بَائِدٌ أَهْلِهِ..
{وَ} مِنْهَا..
{حَصِيدٌ}[ 100] خرَّ بُنْيَانُهُ، فلا يُرَى لَهُ أَثَرٌ، فهو مُلْزَقٌ بِالْأَرْضِ..
{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} وما عَاقَبَنَا أَهْلَ هَذِهِ الْقُرَى الَّتِي اقْتَصَصْنَا نَبَّأَهَا عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ مِنْهُمْ عُقُوبَتِنَا، فَنَكُونُ بِذَلِكَ قَدْ وَضَعْنَا عُقُوبَتَنَا إِيَّاهُمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا..
{وَلَكِنْ} ـنَهم..
{ظَلَمُوا} فأَوْجَبُوا لِـ..
{أَنْفُسَهُمْ} بِمَعْصِيَتِهِمُ اللَّه، وَكُفْرِهِمْ بِهِ، عُقُوبَتَهُ وَعَذَابَهُ، فَأَحَلُّوا بِهَا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَحُلُّوهُ بِهَا، وَأَوْجَبُوا لَهَا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُوجِبُوهُ لَهَا..
{فَمَا أَغْنَتْ} دَفَعَتْ..
{عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} وَيَدْعُونَهَا أَرْبَابًا مِنْ عِقَابِ اللَّهِ، وَعَذَابِهِ إِذَا أَحَلَّهُ بِهِمْ رَبُّهُمْ..
{مِنْ شَيْءٍ} وَلَا رَدَّتْ عَنْهُمْ شَيْئًا مِنْهُ..
{لَمَّا جَاءَ أَمْرُ} قَضَاءُ..
{رَبِّكَ} يَا مُحَمَّدُ بِعَذَابِهِمْ، فَحَقَّ عَلَيْهِمْ عِقَابُهُ، وَنَزَلَ بِهِمْ سَخَطُهُ..
{وَمَا زَادُوهُمْ} وَمَا زَادَتْهُمْ آلِهَتُهُمْ عِنْدَ مَجِيءِ أَمْرِ رَبِّكَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِعِقَابِ اللَّهِ..
{غَيْرَ تَتْبِيبٍ}[101] تَخْسِيرٍ وَتَدْمِيرٍ وَإِهْلَاكٍ.. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لِلرَّجُلِ: تَبًّا لَكَ..
{وَ} كَمَا أَخَذْتُ أَيُّهَا النَّاسُ أَهْلَ هَذِهِ الْقُرَى الَّتِي اقْتَصَصْتُ عَلَيْكَ نَبَأَ أَهْلِهَا بِمَا أَخَذَتْهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ، عَلَى خِلَافِهِمْ أَمْرِي، وَتَكْذِيبِهِمْ رُسُلِي، وَجُحُودِهِمْ آيَاتِي فـ..
{كَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى} وَأَهْلَهَا إِذَا أَخَذْتُهُمْ بِعِقَابِي، وَهُمْ ظَلَمَةٌ لِأَنْفُسِهِمْ، بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، وَإِشْرَاكِهِمْ بِهِ غَيْرَهُ، وَتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُ..
{إِنَّ أَخْذَهُ} إِنَّ أَخْذَ رَبِّكُمْ بِالْعِقَابِ مَنْ أَخَذَهُ..
{أَلِيمٌ} مُوجِعٌ..
{شَدِيدٌ}[102] الْإِيجَاعِ، وَهَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ، تَحْذِيرٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَنْ يَسْلُكُوا فِي مَعْصِيَتِهِ طَرِيقَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْفَاجِرَةِ، فَيَحِلُّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْمَثُلَاتِ..قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يُمْلِي» وَرُبَّمَا قَالَ: «يُمْهِلُ لِلظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ}..
{إِنَّ فِي ذَلِكَ} أَخْذِنَا مَنْ أَخَذْنَا مِنْ أَهْلِ الْقُرَى الَّتِي اقْتَصَصْنَا خَبَرَهَا عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ..
{لَآيَةً} لَعِبْرَةً وَعِظَةً..
{لِمَنْ خَافَ عَذَابَ} عِقَابَ اللَّهِ، وَعَذَابَهُ فِي..
{الْآخِرَةِ} مِنْ عِبَادِهِ، وَحُجَّةً عَلَيْهِ لِرَبِّهِ، وَزَاجِرًا يَزْجُرُهُ عَنْ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ، وَيُخَالِفُهُ فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ..وَقِيلَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّ فِيهِ عِبْرَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ بِأَنَّ اللَّهَ سَيَفِي لَهُ بِوَعْدِهِ..
{ذَلِكَ يَوْمٌ} الْقِيَامَةِ..
{مَّجْمُوعٌ لَّهُ} يَحْشُرُ اللَّهُ..
{النَّاسُ} مِنْ قُبُورِهِمْ، فَيَجْمَعُهُمْ فِيهِ لِلْجَزَاءِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ..
[وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ}[103] تَشْهَدُهُ الْخَلَائِقُ لَا يَتَخَلَّفُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَيَنْتَقِمُ حِينَئِذٍ مِمَّنْ عَصَى اللَّهَ، وَخَالَفَ أَمْرَهُ وَكَذَّبَ رُسُلَهُ..
{وَمَا نُؤَخِّرُهُ} يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْكُمْ أَنْ نَجِيئَكُمْ بِهِ..
{إِلَّا لِأَجَلٍ} لِآنٍ يُقْضَى..
{مَعْدُودٍ}[104] فَعَدَّهُ وَأَحْصَاهُ، فَلَا يَأْتِي إِلَّا لِأَجَلِهِ ذَلِكَ، لَا يَتَقَدَّمُ مَجِيئُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا يَتَأَخَّرُ.
{يَوْمَ يَأْتِ} يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَيُّهَا النَّاسُ، وَتَقُومُ السَّاعَةُ..
{لَا تَكَلَّمُ} إِنَّمَا هِيَ «لَا تَتَكَلَّمُ»، فَحَذَفَ إِحْدَى التَّاءَيْنِ اجْتِزَاءً بِدَلَالَةِ الْبَاقِيَةِ مِنْهُمَا عَلَيْهَا..
{نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ} إِلَّا بِإِذْنِ رَبِّهَا..
{فَمِنْهُمْ} فَمِنْ هَذِهِ النُّفُوسِ الَّتِي لَا تَكَلَّمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا بِإِذْنِ رَبِّهَا..
{شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ}[105]
{فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ} فِي الْحَلْقِ..وَهُوَ أَوَّلُ نُهَاقِ الْحِمَارِ وَشِبْهُهُ..وهو صَوْتٌ شَدِيدٌ..
{وَشَهِيقٌ}[106] فِي الصَّدْرِ..وَهُوَ آخِرُ نَهِيقِهِ إِذَا رَدَّدَهُ فِي الْجَوْفِ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ نُهَاقِهِ..وَهو صَوْتٌ ضَعِيفٌ..وعَنْ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ {فَمِنْهُمْ شَقِيُّ وَسَعِيدٌ} [هود: 105] سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَعَلَامَ عَمِلْنَا؟ عَلَى شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ أَمْ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَفْرُغْ مِنْهُ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ يَا عُمَرُ وَجَرَتْ بِهِ الْأَقْلَامُ، وَلَكِنْ كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» ..
{خَالِدِينَ} لَابِثِينَ..
{فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} أَبَدًا؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ إِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَصِفَ الشَّيْءَ بِالدَّوَامِ أَبَدًا، قَالَتْ: هَذَا دَائِمٌ دَوَامُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ دَائِمٌ أَبَدًا، وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ: هُوَ بَاقٍ مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ..فَخَاطَبَهُم ْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمَا يَتَعَارَفُونَ بِهِ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ: خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا.
(إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} هَذَا اسْتِثَنَاءٌ اسْتَثَنَاهُ اللَّهُ فِي أَهْلِ التَّوْحِيدِ أَنَّهُ يُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ إِذَا شَاءَ بَعْدَ أَنْ أَدْخَلَهُمُ النَّارَ ..
{إِنَّ رَبَّكَ} يَا مُحَمَّدُ..
{فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}[107] لَا يَمْنَعُهُ مَانِعٌ مِنْ فِعْلِ مَا أَرَادَ فِعْلَهُ بِمَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ مِنِ الانْتِقَامِ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، فَيُمْضِي فِعْلَهُ فِيهِمْ وَفِيمَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ فعَلَهُ وَقَضَاهُ..
{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا} رُزِقُوا السَّعَادَةَ.. بِرَحْمَةِ اللَّهِ..
{فَـ} هُمْ..
{فِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} أَبَدًا..
{إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} مِنْ قَدْرِ مَا مَكَثُوا فِي النَّارِ قَبْلَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ..وَذَلِكَ فِيمَنْ أُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ..
{عَطَاءً} مِنَ اللَّهِ..
{غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [108] غَيْرَ مَقْطُوعٍ عَنْهُمْ..
{فَلَا تَكُ} يَا مُحَمَّدُ..
{فِي مِرْيَةٍ} فِي شَكٍّ..
{مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ} الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمِكَ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَصْنَامِ أَنَّهُ ضَلَالٌ وَبَاطِلٌ، وَأَنَّهُ بِاللَّهِ شِرْكٌ..
{مَا يَعْبُدُونَ} الْأَوْثَانِ..
{إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ} اتِّبَاعًا مِنْهُمْ مِنْهَاجَ آبَائِهِمْ، وَاقْتِفَاءً مِنْهُمْ آثَارَهُمْ فِي عِبَادَتِهِمُوهَا، لَا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ، وَلَا بِحُجَّةٍ تَبَيَّنُوهَا تُوجِبُ عَلَيْهِمْ عِبَادَتَهَا..
{مِنْ قَبْلُ} عِبَادَتِهِمْ لَهَا..
{وَإِنَّا} أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيَّهُ مَا هُوَ فَاعِلٌ بِهِمْ لِعِبَادَتِهِمْ ذَلِكَ، فَقَالَ..
{لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ} حَظَّهُمْ مِمَّا وَعَدْتُهُمْ أَنْ أُوَفِّيَهُمُوهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ..
{غَيْرَ مَنْقُوصٍ}[109] لَا أُنْقِصُهُمْ مِمَّا وَعَدْتُهُمْ، بَلْ أُتَمِّمُ ذَلِكَ لَهُمْ عَلَى التَّمَامِ وَالْكَمَالِ..
{وَ}يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُسَلِّيًا نَبِيَّهُ فِي تَكْذِيبِ مُشْرِكِي قَوْمِهِ إِيَّاهُ فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِفِعْلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمُوسَى فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، يَقُولُ لَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا يَحْزُنْكَ يَا مُحَمَّدُ تَكْذِيبُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لَكَ، وَامْضِ لِمَا أَمَرَكَ بِهِ رَبُّكَ مِنْ تَبْلِيغِ رِسَالَتِهِ، فَإِنَّ الَّذِي يَفْعَلُ بِكَ هَؤُلَاءِ مِنْ رَدِّ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ عَلَيْكَ مِنَ النَّصِيحَةِ مِنْ فِعْلِ ضُرَبَائِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ وَسُنَّةِ مَنْ سُنَنِهِم، ثُمَّ أَخْبَرَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمَا فَعَلَ قَوْمُ مُوسَى بِهِ، فَقَالَ..
{لَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} التَّوْرَاةَ، كَمَا آتَيْنَاكَ الْفُرْقَانَ..
{فَاخْتُلِفَ فِيهِ} فَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ قَوْمُ مُوسَى فَكَذَّبَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَصَدَّقَ بِهِ بَعْضُهُمْ، كَمَا قَدْ فَعَلَ قَوْمُكَ بِالْفُرْقَانِ مِنْ تَصْدِيقِ بَعْضٍ بِهِ وَتَكْذِيبِ بَعْضٍ..
{وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ} يَا مُحَمَّدُ..
{مِنْ رَّبِّكَ} بِأَنَّهُ لَا يُعَجِّلُ عَلَى خَلْقِهِ بِالْعَذَابِ، وَلَكِنْ يَتَأَنَّى حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ..
{لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} لَقُضِيَ بَيْنَ الْمُكَذِّبِ مِنْهُمْ بِهِ وَالْمُصَدِّقِ، بِإِهْلَاكِ اللَّهِ الْمُكَذِّبَ بِهِ مِنْهُمْ وَإِنْجَائِهِ الْمُصَدِّقَ بِهِ..
{وَإِنَّهُمْ} وَإِنَّ الْمُكَذِّبِينَ بِهِ مِنْهُمْ..
{لَفِي شَكٍّ مِنْهُ} لَفِي شَكٍّ مِنْ حَقِيقَتِهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ..
{مُرِيبٍ}[110] يُرِيبُهُمْ فَلَا يَدْرُونَ أَحَقٌّ هُوَ أَمْ بَاطِلٌ، وَلَكِنَّهُمْ فِيهِ مُمْتَرُونَ..
{وَإِنَّ كُلًّا} وَإِنَّ كُلَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَصَصْنَا عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ قَصَصَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ..
{لَـ} جَوَاب لِـ «إنَّ»..
{ـمَّا} بِتَخْفِيفِ مَا.. بِمَعْنَى «مَنْ»..
{لَـ} لَامُ قَسَمٍ..
{يُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} بِالصَّالِحِ مِنْهَا بِالْجَزِيلِ مِنَ الثَّوَابِ، وَبِالطَّالِحِ مِنْهَا بِالشَّدِيدِ مِنَ الْعِقَابِ.
{إِنَّهُ} إِنَّ رَبَّكَ..
{بِمَا يَعْمَلُونَ} بِمَا يَعْمَلُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ..
{خَبِيرٌ}[111] لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ عمَلِهِمْ بَلْ يَخْبُرُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيَعْلَمُهُ وَيُحِيطُ بِهِ حَتَّى يُجَازِيَهُمْ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ جَزَاءَهُمْ..
{فَاسْتَقِمْ} أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ عَلَى أَمْرِ رَبِّكَ وَالدِّينِ الَّذِي ابْتَعَثَكَ بِهِ وَالدُّعَاءِ إِلَيْهِ..
{كَمَا أُمِرْتَ} كَمَا أَمَرَكَ رَبُّكَ..وَكَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ:«فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ»اسْتَقِمْ عَلَى الْقُرْآنِ..
{وَمَنْ تَابَ} رَجَعَ..
{مَعَكَ} إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَالْعَمَلِ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ مِنْ بَعْدِ كُفْرِهِ ..
{وَلَا تَطْغَوْا} وَلَا تَعْدُوا أَمْرَهُ إِلَى مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ..
{إِنَّهُ} إِنَّ رَبَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ..
{بِمَا تَعْمَلُونَ} مِنَ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا طَاعَتِهَا وَمَعْصِيَتِهَا..
{بَصِيرٌ}[112] ذُو عِلْمٍ بِهَا، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَهُوَ لِجَمِيعِهَا مُبْصِرٌ.. فَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ أَنْ يَطْلُعَ عَلَيْكُمْ رَبُّكُمْ وَأَنْتُمْ عَامِلُونَ بِخِلَافِ أَمْرِهِ، فَإِنَّهُ ذُو عِلْمٍ بِمَا تَعْمَلُونَ، وَهُوَ لَكُمْ بِالْمِرْصَادِ..
{وَلَا تَرْكَنُوا} وَلَا تَمِيلُوا أَيُّهَا النَّاسُ..قَالَ عبد الرحمن بْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ» قَالَ: الرُّكُونُ: الْإِدْهَانُ، وَقَرَأَ: «وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ»[القلم: 9] قَالَ: تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ، وَلَا تُنْكِرْ عَلَيْهِمُ الَّذِي قَالُوا: وَقَدْ قَالُوا الْعَظِيمَ مِنْ كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَكِتَابِهِ وَرُسُلِهِ. قَالَ: وَإِنَّمَا هَذَا لِأَهْلِ الْكُفْرِ وَأَهْلِ الشِّرْكِ، وَلَيْسَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، أَمَا أَهْلُ الذُّنُوبِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِذُنُوبِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ، مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ، وَلَا يَرْكَنُ إِلَيْهِ فِيهَا.اهـ..
{إِلَى} قَوْلِ هَؤُلَاءِ..
{الَّذِينَ ظَلَمُوا} كَفَرُوا بِاللَّهِ، فَتَقْبَلُوا مِنْهُمْ وَتَرْضَوْا أَعْمَالَهُمْ..
{فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} بِفِعْلِكُمْ ذَلِكَ..
{وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ} مِنْ نَاصِرٍ يَنْصُرُكُمْ وَوَلِيٍّ يَلِيُكُمْ..
{ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}[113] فَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَمْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ، بَلْ يُخَلِّيكُمْ مِنْ نُصْرَتِهِ وَيُسَلِّطُ عَلَيْكُمْ عَدُوَّكُمْ.
{وَأَقِمِ} يَا مُحَمَّدُ..
{الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} الفجر، والمغرب..
{وَزُلَفًا} جَمْعِ زُلْفَةً، كَمَا تَجْمَعُ غُرْفَةً غُرَفَ، وَحُجْرَةً حُجَرَ، وهي سَاعَات الْمَنْزِلَةِ وَالْقُرْبَةِ..
{مِنَ اللَّيْلِ} صَلَاةِ الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّها تُصَلَّى بَعْدَ مُضِيِّ زُلَفٌ مِنَ اللَّيْلِ..
{إِنَّ الْحَسَنَاتِ} الْإِنَابَةَ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَالْعَمَلَ بِمَا يُرْضِيهِ..والمقصود الصَّلَوَاتُ الْخَمْسِ الْمَكْتُوبَاتُ؛ لِصِحَّةِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَوَاتُرِهَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ مَثَلُ نَهْرٍ جَارٍ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ يَنْغَمِسُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، فَمَاذَا يُبْقِينَ مِنْ دَرَنِهِ» ، وَإِنَّ ذَلِكَ فِي سِيَاقِ أَمْرِ اللَّهِ بِإِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ، وَالْوَعْدُ عَلَى إِقَامَتِهَا الْجَزِيلُ مِنَ الثَّوَابِ عَقِيبِهَا أَوْلَى مِنَ الْوَعْدِ عَلَى مَا لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ مِنْ صَالِحَاتِ سَائِرِ الْأَعْمَالِ إِذَا خَصَّ بِالْقَصْدِ بِذَلِكَ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ..
{يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} آثَامَ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَيُكَفِّرُ الذُّنُوبَ..
{ذَلِكَ} هَذَا الَّذِي أَوْعَدْتُ عَلَيْهِ مِنَ الرُّكُونِ إِلَى الظُّلْمِ وَتَهَدَّدْتُ فِيهِ، وَالَّذِي وَعَدْتُ فِيهِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ اللَّوَاتِي يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ..
{ذِكْرَى} تَذْكِرَةً ذَكَّرْتُ بِهَا..
{لِلذَّاكِرِينَ}[114] وَعَدَ اللَّهِ، فَيَرْجُونَ ثَوَابَهُ، وَوَعِيدَهُ فَيَخَافُونَ عِقَابَهُ، لَا مَنْ قَدْ طُبِعَ عَلَى قَلْبِهِ فَلَا يُجِيبُ دَاعِيًا وَلَا يَسْمَعُ زَاجِرًا..وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بِسَبَبِ رَجُلٍ نَالَ مِنْ غَيْرِ زَوْجَتِهِ وَلَا مِلْكِ يَمِينِهِ بَعْضَ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، فَتَابَ مِنْ ذَنْبِهِ ذَلِكَ..
{وَاصْبِرْ} يَا مُحَمَّدُ عَلَى مَا تَلْقَى مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ مِنَ الْأَذَى فِي اللَّهِ وَالْمَكْرُوهِ رَجَاءَ جَزِيلِ ثَوَابِ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ..
{فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ} ثَوَابَ..
{الْمُحْسِنِينَ}[115] فَأَطَاعَوا اللَّهَ، وَاتَّبَعَوا أَمْرَهُ، فَيَذْهَبْ بِهِ، بَلْ يُوَفِّرُهُ أَحْوَجُ مَا يَكُونُوا إِلَيْهِ..
{فَلَوْلَا} فَهَلَّا..
{كَانَ مِنَ الْقُرُونِ} الَّذِينَ قَصَصْتُ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ..
{مِنْ قَبْلِكُمْ} الَّذِينَ أَهْلَكْتُهُمْ بِمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّايَ وَكُفْرِهِمْ بِرُسُلِي..
{أُولُو} ذُو..
{بَقِيَّةٍ} مِنَ الْفَهْمِ وَالْعَقْلِ، يَعْتَبِرُونَ مَوَاعِظَ اللَّهِ وَيَتَدَبَّرُونَ حُجَجَهُ، فَيَعْرِفُونَ مَا لَهُمْ فِي الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَعَلَيْهِمْ فِي الْكُفْرِ بِهِ..
{يَنْهَوْنَ} أَهْلَ الْمَعَاصِي.. وَأَهْلَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ..
{عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ} عَنْ مَعَاصِيهِمْ وكُفْرِهِمْ بِهِ فِي أَرْضِهِ..
{إِلَّا قَلِيلًا} لَمْ يَكُنْ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا يَسِيرًا، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ..
{مِمَّنْ} وَهُمُ أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ..
{أَنْجَيْنَا} فَنَجَّاهُمُ اللَّهُ مِنْ عَذَابِهِ، حِينَ أَخَذَ..
{مِنْهُمْ} مَنْ كَانَ مُقِيمًا عَلَى الْكُفْرِ بِاللَّهِ بعَذَابِهُ..
{وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} أَنْفُسَهُمْ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ سَلَفَتْ، فَكَفَرُوا بِاللَّهِ..
{مَا أُتْرِفُوا فِيهِ} مَا أُنْظِرُوا فِيهِ مِنْ لِذَاتِ الدُّنْيَا، فَكَفَرُوا واسْتَكْبَرُوا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ، وَتَجَبَّرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ..
{وَكَانُوا مُجْرِمِينَ}[116] وَكَانُوا مُكْتَسِبِي الْكُفْرَ بِاللَّهِ..
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ} يَا مُحَمَّدُ..
{لِيُهْلِكَ الْقُرَى} الَّتِي أَهْلَكَهَا، الَّتِي قَصَّ عَلَيْكَ نَبَأَهَا..
{بِظُلْمٍ} فَيَكُونُ إِهْلَاكُهُ إِيَّاهُمْ..
{وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}[ 117] فِي أَعْمَالِهِمْ، غَيْرُ مُسِيئِينَ. ظُلْمًا، وَلَكِنَّهُ أَهْلَكَهَا بِكُفْرِ أَهْلِهَا بِاللَّهِ، وَتَمَادِيهِمْ فِي غَيِّهِمْ، وَتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُمْ وَرُكُوبِهِمُ السَّيِّئَاتِ.. وَقَدْ قِيلَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَمْ يَكُنْ لِيُهْلِكَهُمْ بِشِرْكِهِمْ بِاللَّهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ «بِظُلْمٍ» ، يَعْنِي: بِشِرْكٍ، وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ لَا يَتَظَالَمُونَ، وَلَكِنَّهُمْ يَتَعَاطَوْنَ الْحَقَّ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا مُشْرِكِينَ، وَإِنَّمَا يُهْلِكُهُمْ إِذَا تَظَالَمُوا..
{وَلَوْ شَاءَ} يَا مُحَمَّدُ..
{رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ} كُلَّهَا..
{أُمَّةً} جَمَاعَةً..
{وَاحِدَةً} عَلَى مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَدِينٍ وَاحِدٍ.. مُسْلِمِينَ كُلِّهُمْ .
{وَلَا يَزَالُونَ} النَّاسُ..
{مُخْتَلِفِينَ} فِي أَدْيَانِهِمْ، وَأَهْوَائِهِمْ عَلَى أَدْيَانٍ وَمِلَلٍ وَأَهْوَاءٍ شَتَّى مِنْ بَيْنِ يَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ..
{إِلَّا} اسْتَثْنَى اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ..
{مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} فَآمَنَ بِاللَّهِ وَصَدَّقَ رُسُلَهُ، فَإِنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ وَتَصْدِيقِ رُسُلِهِ، وَمَا جَاءَهُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ..
{وَلِـ} وَعَلَى..
{ذَلِكَ} عِلْمِهِ النَّافِذِ فِيهِمْ -قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ- أَنَّهُ يَكُونُ فِيهِمُ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَالشَّقِيُّ وَالسَّعِيدُ، وَلِلِاخْتِلَافِ بِالشَّقَاءِ وَالسَّعَادَةِ..
{خَلَقَهُمْ} فَأَخْبَرَ عَنْ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ..
{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} لَعِلْمِهِ السَّابِقِ فِيهِمْ أَنَّهُمْ يَسْتَوْجِبُونَ العذاب..
{لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ} بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، وَخِلَافِهِمْ أَمْرَهُ..
{مِنَ الْجِنَّةِ} وَهِيَ مَا اجْتَنَّ عَنْ أَبْصَارِ بَنِي آدَمَ..
{وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}[119] بَنِي آدَمَ..
{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتْ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [120]
{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ} يَا مُحَمَّدُ ..
{مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ} الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَكَ..
{مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} فَلَا تَجْزَعْ مِنْ تَكْذِيبِ مَنْ كَذَّبَكَ مِنْ قَوْمِكَ وَرَدَّ عَلَيْكَ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ، وَلَا يَضِقُ صَدْرُكَ فَتَتْرُكْ بَعْضَ مَا أَنْزَلْتُ إِلَيْكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ قَالُوا: «لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ» إِذَا عَلِمْتَ مَا لَقِيَ مَنْ قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِي مِنْ أُمَمِهَا..
{وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ} السُّورَةِ..
{الْحَقُّ} مَعَ مَا جَاءَكَ فِي سَائِرِ سُوَرِ الْقُرْآنِ..
{وَ} جَاءَكَ..
{مَوْعِظَةٌ} تَعِظُ الْجَاهِلِينَ بِاللَّهِ وَتُبَيِّنُ لَهُمْ عِبَرَهُ مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ وَكَذَّبَ رُسُلَهُ..
{وَذِكْرَى} وَتَذْكِرَةً تُذَكِّرُ..
{لِلْمُؤْمِنِينَ}[120] بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ كَيْ لَا يَغْفَلُوا عَنِ الْوَاجِبِ لِلَّهِ عَلَيْهِمْ..
{وَقُلْ} يَا مُحَمَّدُ..
{لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} لَا يُصَدِّقُونَكَ وَلَا يُقِرُّونَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ..
{اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} عَلَى هَيْنَتِكُمْ وَتَمَكُّنِكُمْ مَا أَنْتُمْ عَامِلُوهُ..
{إِنَّا عَامِلُونَ}[121] مَا نَحْنُ عَامِلُوهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي أَمَرَنَا اللَّهُ بِهَا..
{وَانْتَظِرُوا} مَا وَعَدَكُمُ الشَّيْطَانُ، فَـ..
{إِنَّا مُنْتَظِرُونَ}[122] مَا وَعَدَنَا اللَّهُ مِنْ حَرْبِكُمْ وَنُصْرَتِنَا عَلَيْكُمْ..
{وَلِلَّهِ} يَا مُحَمَّدُ..
{غَيَّبُ} مُلْكُ كُلِّ مَا غَابَ عَنْكَ فِي..
{السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} فَلَمْ تَطْلُعْ عَلَيْهِ وَلَمْ تَعْلَمْهُ، كُلُّ ذَلِكَ بِيَدِهِ وَبِعِلْمِهِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَهُوَ عَالِمٌ بِمَا يَعْمَلُهُ مُشْرِكُو قَوْمِكَ وَمَا إِلَيْهِ مَصِيرُ أَمْرِهِمْ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى الشِّرْكِ أَوْ إِقْلَاعٍ عَنْهُ وَتَوْبَةٍ..
{وَإِلَيْهِ} وَإِلَى اللَّهِ..
{يَرْجِعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} مُعَادُ كُلِّ عَامِلٍ وَعَمَلِهِ، وَهُوَ مَجَازٍ جَمِيعِهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ، فَيَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ بِالْعَدْلِ..
{فَاعْبُدْهُ} فَاعْبُدْ رَبَّكَ يَا مُحَمَّدُ..
{وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} وَفَوِّضْ أَمْرَكَ إِلَيْهِ وَثِقْ بِهِ وَبِكِفَايَتِهِ، فَإِنَّهُ كَافِي مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ..
{وَمَا رَبُّكَ} يَا مُحَمَّدُ..
{بِغَافِلٍ} بِسَاهٍ..
{عَمَّا تَعْمَلُونَ}[123] عَمَّا يَعْمَلُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمِكَ، بَلْ هُوَ مُحِيطٌ بِهِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْهُ، وَهُوَ لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ، فَلَا يَحْزُنْكَ إِعْرَاضُهُمْ عَنْكَ، وَلَا تَكْذِيبُهُمْ بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ، وَامْضِ لِأَمْرِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا..قال كَعْبُ الأحبار: «خَاتِمَةُ التَّوْرَاةِ، خَاتِمَةُ هُودَ»