أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


عثمان بن أرطغرل مؤسس الدولة العثمانية

د. نظام الدين إبراهيم أوغلو
باحث أكاديمي تركماني ـ تركيا
[email protected]

ولد عثمان بن أرطغرل في عام 656هـ/1258م، الذي تنتسب إليه الدولة العثمانية وهي السنة التي غزا فيها المغول بقيادة هولاكو بغداد عاصمة الخلافة العثمانية، وكانت الأحداث عظيمة، والمصائب جسيمة، يقول ابن كثير: " ومالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان، ودخل كثير من الناس في الآبار وأماكن الحشوش، وقني الوسخ، وكمنوا كذلك أياماً لايظهرون وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الحانات ويغلقون عليهم الأبواب فتفتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار، ثم يدخلون عليهم فيهربون منهم إلى أعالي الأمكنة فيقتلونهم بالأسطح، حتى تجري الميازيب من الدماء في الأزقة، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وكذلك في المساجد والجوامع والربط، ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى ومن التجأ إليهم. لقد كان الخطب عظيم والحدث جلل، والأمة ضعفت ووهنت بسبب ذنوبها ومعاصيها ولذلك سلط عليها المغول، فهتكوا الأعراض، وسفكوا الدماء، وقتلوا الأنفس، ونهبوا الأموال، وخربوا الديار، في تلك الظروف الصعبة والوهن المستشري في مفاصل الأمة ولد عثمان مؤسس الدولة العثمانية، وهنا معنى لطيف ألا وهو بداية الأمة في التمكين هي أقصى نقطة من الضعف والانحطاط تلك هي بداية الصعود نحو العزة والنصر والتمكين، إنها حكمة الله وإرادته ومشيئته النافذة. قال تعالى: (إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين) سورة القصص:3. وقال سبحانه وتعالى: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض (القصص، آية: 5،6. ومن لاشك أن الله تعالى قادر على أن يمكن لعباده المستضعفين في عشية أو ضحاها، بل في طرفة عين قال تعالى: (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون (النحل: 40. فلا يستعجل أهل الحق موعود الله عزوجل لهم بالنصر والتمكين، فلابد من مراعاة السنن الشرعية والسنن الكونية، ولابد من الصبر على دين الله عزوجل: (ولو شاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض) سورة محمد: 4. ( والله إذا أراد شيئاً هيأ له أسبابه وأتى به شيئاً فشيئاً بالتدرج لادفعة واحدة. وبدأت قصة التمكين للدولة العثمانية مع ظهور القائد عثمان الذي ولد في عام سقوط الخلافة العباسية في بغداد.
أولاً: أهم الصفات القيادية في عثمان الأول: عندما نتأمل في سيرة عثمان الأول تبرز لنا بعض الصفات المتأصلة في شخصيته كقائد عسكري، ورجل سياسي، ومن أهم هذه الصفات:
أـ الشجاعة: عندما تنادى أمراء النصارى في بورصة ومادانوس وأدره نوس وكته وكستله البيزنطيون في عام 700هـ/1301م لتشكيل حلف صليبي لمحاربة عثمان بن أرطغرل مؤسس الدولة العثمانية واستجابت النصارى لهذا النداء وتحالفوا للقضاء على الدولة الناشئة تقدم عثمان بجنوده وخاض الحروب بنفسه وشتت الجيوش الصليبية وظهرت منه بسالة وشجاعة أصبحت مضرب المثل عند العثمانيين.
2ـ الحكمة: بعد ما تولى رئاسة قومه رأى من الحكمة أن يقف مع السلطان علاء الدين ضد النصارى، وساعده في افتتاح جملة من مدن منيعة ، وعدة قلاع حصينة، ولذلك نال رتبة الإمارة من السلطان السلجوقي علاء الدين صاحب دولة سلاجقة الروم. وسمح له سك العملة باسمه، مع الدعاء له في خطبة الجمعة في المناطق التي تحته.
3ـ الاخلاص: عندما لمس سكان الأراضي القريبة من إمارة عثمان أخلاصه للدين تحركوا لمساندته والوقوف معه لتوطيد دعائم دولة اسلامية تقف سداً منيعاً أمام الدولة المعادية للاسلام والمسلمين.
4ـ الصبر: وظهرت هذه الصفة في شخصيته عندما شرع في فتح الحصون والبلدان، ففتح في سنة 707هـ حصن كته، وحصن لفكه، وحصن آق حصار، وحصن قوج حصار. وفي سنة 712هـ فتح حصن كبوه وحصن يكيجه طرا قلوا، وحصن تكرر بيكارى وغيرها وقد توج فتوحاته هذه بفتح مدينة بروسة في عام 717هـ/1317م، وذلك بعد حصار شديد دام عدة سنوات، ولم يكن فتح بروسة من الأمور السهلة بل كان منأصعب ما واجهه عثمان في فتوحاته، حيث حدثت بينه وبين قائد حاميتها اقرينوس صراع شديد استمر عدة سنوات حتى استسلم وسلم المدينة لعثمان. قال تعالى: (يأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون (سورة آل عمران:200.
5ـ الجاذبية الايمانية: وتظهر هذه الصفة عندما احتك به اقرينوس قائد بروسه واعتنق الاسلام أعطاه السلطان عثمان لقب ( بك) وأصبح من قادة الدولة العثمانية البارزين فيما بعد، وقد تأثر كثير من القادة البيزنطيين بشخصية عثمان ومنهجه الذي سار عليه حتى امتلأت صفوف العثمانيين منهم، بل أن كثيراً من الجماعات الاسلامية انخرطت تحت لواء الدولة العثمانية كجماعة (غزياروم) أي غزاة الروم، وهي جماعة اسلامية كانت ترابط على حدود الروم وتصد هجماتهم عن المسلمين منذ العصر العباسي، وقد أعطتها هذه المرابطة خبرات في جهاد الروم عمقت فيها انتماءها للاسلام والتزامها بكل ماجاء به الاسلام من نظام، وجماعة (الإخيان) (اي الاخوان) وهم جماعة من أهل الخير يعينون المسلمين ويستضيفونهم ويصاحبون جيوشهم لخدمة الغزاة وكان معظم أعضاء هذه الجماعة من كبار التجار الذي سخروا أموالهم للخدمات الاسلامية مثل : إقامة المساجد والتكايا و"الخانات" الفنادق، وكانت لهم في الدولة مكانة عالية، ومن هذه الجماعة علماء ممتازون عملوا في نشر الثقافة الاسلامية وحببوا الناس في التمسك بالدين، وجماعة (حاجيات روم) أي حجاج أرض الروم، وكانت جماعة على فقه بالاسلام، ومعرفة دقيقة لتشريعاته، وكان هدفها معاونة المسلمين عموماً والمجاهدين خصوصاً وغير ذلك من الجماعات.
6ـ عدله: تروي معظم المراجع التركية التي أرّخت للعثمانيين أن أرطغرل عهد لابنه عثمان مؤسس الدولة العثمانية بولاية القضاء في مدينة قره جه حصار بعد الاستيلاء عليها من البيزنطيين في عام 684هـ/1285م وأن عثمان حكم لبيزنطي نصراني ضد مسلم تركي، فاستغرب البيزنطي وسأل عثمان: كيف تحكم لصالحي وانا على غير دينك، فأجابه عثمان: بل كيف لا أحكم لصالحك، والله الذي نعبده، يقول لنا : (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) سورة النساء، 58 ، وكان هذا العدل الكريم سبباً في اهتداء الرجل وقومه الى الاسلام إن عثمان الأول استخدم العدل مع رعيته وفي البلاد التي فتحها، فلم يعامل القوم المغلوبين بالظلم أو الجور أو التعسف أو التجبر، أو الطغيان، أو البطش وإنما عاملهم بهذا الدستور الرباني: (أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد الى ربه فيعذبه عذاباً نكراً وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسراً (سورة الكهف: آية: 87،88. والعمل بهذا الدستور الرباني يدل على إيمان وتقوى وفطنة وذكاء وعلى عدل وبر ورحمة.
7ـ الوفاء: كان شديد الإهتمام بالوفاء بالعهود، فعندما اشترط أمير قلعة اولوباد البيزنطية حين استسلم للجيش العثماني، أن لايمر من فوق الجسر أي عثماني مسلم الى داخل القلعة التزم بذلك وكذلك من جاء بعده . قال تعالى (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤلا (سورة الاسراء، 34. آية التجرد لله في فتوحاته: فلم تكن أعماله وفتوحاته من أجل مصالح اقتصادية أو عسكرية أو غير ذلك ، بل كان فرصة تبليغ دعوة الله ونشر دينه ولذلك وصفه المؤرخ احمد رفيق في موسوعته (التاريخ العام الكبير) بأنه كان عثمان متديناً للغاية، وكان يعلم أن نشر الاسلام وتعميمه واجب مقدس وكان مالكاً لفكر
8ـ سياسي واسع متين، ولم يؤسس عثمان دولته حباً في السلطة وإنما حباً في نشر الاسلام 8. ويقول مصر اوغلو : " لقد كان عثمان بن أرطغرل يؤمن إيماناً عميقاً بأن وظيفته الوحيدة في الحياة هي الجهاد في سبيل الله لأعلاء كلمة الله، وقد كان مندفعاً بكل حواسه وقواه نحو تحقيق هذا الهدف". هذه بعض صفات عثمان الأول والتي كانت ثمرات طبيعية لإيمانه بالله تعالى والاستعداد لليوم الآخر ، وحبه لأهل الإيمان وبغضه لأهل الكفر والعصيان وحبه العميق للجهاد في سبيل الله والدعوة إليه ولذلك كان عثمان في فتوحاته يطلب من أمراء الروم في منطقة آسيا الصغرى أن يختاروا أحد ثلاثة أمور هي الدخول في الاسلام، أو دفع الجزية، أو الحرب، وبذلك أسلم بعضهم، وانضم إليه البعض الاخر وقبلوا دفع الجزية. أما ماعداهم فقد شن عليهم جهاداً لاهوادة فيه فانتصر عليهم، وتمكن من ضم مناطق كبيرة لدولته. لقد كانت شخصية عثمان متزنة وخلابة بسبب إيمانه العظيم بالله تعالى واليوم الآخر ، ولذلك لم تطغ قوته على عدالته، ولا سلطانه على رحمته، ولا غناه على تواضعه، وأصبح مستحقاً لتأييد الله وعونه، ولذلك أكرمه الله تعالى بالأخذ بأسباب التمكين والغلبة وهو تفضل من الله تعالى على عبده عثمان، فجعل له مكنة وقدرة على التصرف في آسيا الصغرى من حيث التدبير والرأي وكثرة الجنود والهيبة والوقار، لقد كانت رعاية الله له عظيمة ولذلك فتح له باب التوفيق وحقق ماتطلع إليه من أهداف وغاية سامية لقد كانت أعماله عظيمة بسبب حبه للدعوة الى الله، فقد جمع بين الفتوحات العظيمة بحد السيف، وفتوحات القلوب بالإيمان والإحسان، فكان إذا ظفر بقوم دعاهم الى الحق والايمان بالله تعالى وكان حريصاً على الأعمال الأصلاحية في كافة الأقاليم والبلدان التي فتحها، فسعى في بسط سلطان الحق والعدالة ، وكان صاحب ولاء ومحبة لأهل الإيمان، مثلما كان معادياً لأهل الكفران.

والله ولي التوفيق
نظام الدين إبراهيم أوغلو