أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


حكم الوقف على قوله تعالى : [قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا ]
قال تعالى: [وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى (..) شَهِدْنَا (.ْ.) أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ]. [الأعراف: 172]
في قوله تعالى: [شَهِدْنَا]ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه من تتمة كلام بني آدم.
أي: شهدنا على أنفسنا بأنك ربنا ولا معبود لنا سواك (1)، وهو قول أبي ابن كعب، وعبد الله بن عباس.
وعلى هذا التأويل: فلا يحسن الوقف على [بَلَى]إذ لا يصح فصل بعض المقول عن بعض، ويوقف عندئذ على [شَهِدْنَا]، ويبتدأ بـ [أَنْ تَقُولُوا]أي: لئلا تقولوا إنا كنا عن هذا غافلين.
قال السدي: قال بعضهم: هو خبر عن قول بني آدم حين أشهد الله بعضهم على بعض، فقالوا بلى شهدنا. (2)
(1)، انظر: المكتفى: (278).
(2) تفسير معالم التنزيل للبغوي: 3/300
قال الفخر الرازي: أن كان قوله: [شَهِدْنَآ]من بقية كلام الذرية، فعلى هذا التقرير، يكون قوله: [أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَـامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَـافِلِينَ]متعلق بقوله: [وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ]، والتقدير: وأشهدهم على أنفسهم، بكذا وكذا، لئلا يقولوا يوم القيامة [إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَـافِلِينَ]أو كراهية أن يقولوا ذلك وعلى هذا التقدير، فلا يجوز الوقف عند قوله: [شَهِدْنَآ]لأن قوله: [أَن تَقُولُوا]متعلق بما قبله وهو قوله: [وَأَشْهَدَهُمْ]فلم يجز قطعه منه.
القول الثاني: أنه قول الملائكة.
وذلك أن بني آدم لمَّا اعترفوا بربوبية الله تعالى لهم، قال تعالى للملائكة: اشهدوا فقالوا: شهدنا أي: على اعتراف بني آدم، وهو قوله مجاهد والضحاك والسدي، وعلى هذا يحسن الوقف: على [بَلَى]لأنه تمام كلام بني آدم، وقوله: [شَهِدْنَا]حكاية كلام الملائكة، وهو قول نافع ومحمد بن عيسى، والقتبي، والدينوري (1).
قال السدي: هو خبر من الله عن نفسه وملائكته أنهم شهدوا على إقرار بني آدم. (2)
قال الكلبي: (شَهِدْنَا) من قول الملائكة، وفيه حذف تقديره: لما قالت الذرية: بلى قال الله للملائكة: اشهدوا، قالوا: شهدنا، قوله: أن يقولوا يعني: وأشهدهم على أنفسهم أن يقولوا، أي: لئلا يقولوا أو كراهية أن يقولوا(3)
1) انظر: معالم الاهتداء: (119- 121).
(2) تفسير معالم التنزيل للبغوي: 3/300
3 تفسير معالم التنزيل للبغوي: 3/300
وقال الفخر الرازي: إن كان قوله (شَهِدْنَا) من كلام الملائكة، وذلك لأنهم لما قالوا [بَلَى]قال الله للملائكة اشهدوا فقالوا شهدنا،
وعلى هذا التأويل: يحسن الوقف على قوله: [قَالُوا بَلَى]لأن كلام الذرية قد انقطع ههنا (1
قال الفخر الرازي: تقريره: أن الملائكة قالوا شهدنا عليهم بالإقرار، لئلا يقولوا ما أقررنا، فأسقط كلمة [لا]كما قال: [وَأَلْقَى فِى الارْضِ رَوَاسِىَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ](النحل: 15) يريد لئلا تميد بكم، هذا قول الكوفيين، وعند البصريين تقريره: شهدنا كراهة أن يقولوا (2)
القول الثالث: أن (شَهِدْنَا) من قول الله تعالى والملائكة
والمعنى: شهدنا على إقراركم، وهو قول أبي مالك، ويروى عن السدي أيضا، ومعنى[أَن تَقُولُوا]عند الكوفيين (لئلا تقولوا) وعند البصرين كراهة أن تقولوا
وعلى هذا التأويل: فيحسن الوقف أيضا على [بَلَى]لأنه تمام كلام بني آدم، وقوله: [شَهِدْنَا]حكاية كلام الله تعالى والملائكة.
وقوله: [أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَـامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَـافِلِينَ]
رأي أهل الوقف:
قال ابن الأنباري : قال السجستاني : الوقف على [شهدنا ]قال ابو بكر : وهذا غلط لأن (أن) متعلقة بالكلام الذي قبلها ، كأنه قال : ( وأشهدهم على أنفسهم لأن لا يقولوا إنا كنا عن هذا غافلين) ، فحذفت (لا) واكتفى منها بـ (أن)كما قال [يبن الله لكم أن تضلوا ] معناه:لأن لا تضلوا .وكما قال [وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم]فمعناه : لأن لا تميد بكم، فحذفت لا واكتفى منها بـ (أن) (3)
(1) انظر: تفسير الفخر الرازي 1/3084
(2) انظر: تفسير الفخر الرازي 1/3084
(3) انظر: إيضاح الوقف والابتداء ص: 432 .
قال الأنصاري: والوقف على التقديرين كاف (1).
قال الأشموني: واختلف في [شهدنا]هل هو من كلام الله أو من كلام الملائكة أو من كلام الذرية
فعلى أنَّه من كلام الملائكة وأنَّ الذرية لما أجابوا بـ [بلى]قال الله للملائكة اشهدوا عليهم فقالت الملائكة: [شهدنا]فبلى آخر قصة الميثاق فاصلة بين السؤال والجواب فالوقف على [بلى]تام لأنَّه تعلق له بما بعد لا لفظاً ولا معنى ، وعلى أنَّه من كلام الذرية فالوقف
على[شهدنا]وأن متعلقة بمحذوف أي فعلنا ذلك أن تقولوا يوم القيامة، فإذا لا يوقف على [بلى]لتعلق ما بعدها بما قبلها لفظاً ومعنى (2)
الراجح في المسألة:
جواز الوجهين الأولين : وهو قول
جمهور المفسرين كالبغوي، وابن كثير، وأهل الوقف كالداني، والنحاس، ومكي، والسجاوندي (2)
ورجح الثاني مجاهد , والضحاك والسدي، لأن بني آدم أقروا بالعبودية له بقولهم بلى، قال الله تعالى للملائكة: اشهدوا، فقالت الملائكة: (شَهِدْنَا) عن الضحاك قال: إن الله أخرج من ظهر آدم يوم خلقه ما يكون إلى يوم القيامة، فأخرجهم مثل الذر ثم قال: ألست بربكم قالوا: بلى، قالت الملائكة: شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين.. إلى قوله: المبطلون (3).
ورجح الرأي الأول الإمام الطبري رحمه الله: أنها من تتمة إخبار الله عن كلام بني آدم، قال رحمه الله: (( فالظاهر يدلُّ على أنه خبر من الله عن قِيل بني آدم بعضهم لبعض، لأنه جل ثناؤه قال: [وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا]، فكأنه قيل: فقال الذين شهدوا على المقرِّين حين أقروا، فقالوا: بلى شهدنا عليكم بما أقررتم به على أنفسكم، كيلا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين (4).
(1) انظر: المقصد: 315
(2) انظر: منار الهدى /315
(3) انظر: شرح كلا وبلى: (89)، وانظر: القطع: (223)، وعلل الوقوف: (2/522).
(4) انظر: تفسير أبي حاتم: 5/1615
قال الشيخ صالح آل الشيخ: الوقف على [بَلَى]، ثم تستأنف [شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ].هو أولى وأظهر، هذا من كلام بعضهم لبعض يعني بلسان الحال شهادة الحال ليكون ذلك دليلاً من الأدلّة التي تكون دافعةً لاحتجاجهم يوم القيامة، فإنّ الله جعل دَفْعْ احتجاج المشركين يوم القيامة وتَنَصُّلِهِم من التّكليف..، والرّسل جاءت بتقرير الحجة التي بعدها العذاب، مستمسكة الرسل بالأصل الذي شهد بعضهم على بعض فيه بلسان الحال وهو الإيمان بالربوبية(2).
رموز المصاحف: أشارت عموم المصاحف على ذلك بوضع علامة تعانق على ما قبل [شَهِدْنَا]وبعدها إشارة إلى جواز الوجهين (3).
(1) انظر: تفسير جامع البيان: 13/250
(2) انظر: شرح العقيدة الطحاوية: 1/230
(3) انظر: الوقف على كلا وبلى لمعد الكتاب: 94
يراجع كتاب الأثر العقدي في الوقف والابتداء لـ جمال القرش