أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم
السلفيّةُ المُعاصرة / إشكاليّة التاريخِ و الخِطاب
الحمد لله و حده ، و الصلاة و السلام على مَـن لا نبيّ بعده ؛ ربِّ يسّر و أعِنْ يا كريم ..
لماذا هذا الموضوع ؟
مَن تأمل في واقع السلفية المعاصرة المتمثلة بمن ينتسبون إليها , رأى ضعفا في التعامل مع الأحداث والمستجدات ، وغيابا للمشروع الدعوي, وانتشارا لأنواع من الخطابات العلمية التي تحتاج إلى إعادة نظر وتجديد وَفق معاييرَ علميةٍ .
لم يكن الواقعُ - يوما- حاكما على الشرع أو محددا له ؛ إلا أنه يتطلب من أهل العلم إحسان تنزيل الشرع عليه , وحسن التعامل معه , بما يكون من شأنه تحقيقُ الشرع ومعالجةُ القدر.
ما تقدم ذكره من مشكلات في ثنايا الخطاب السلفي المعاصر, يحتاج من المنتسبين إلى السلفية إعادة النّظر في الخطاب الحالي, وهم من أقدر الناس على ذلك, كيف لا وقد انتسبوا إلى عقيدة, وفكر, ومنهج اكتنز في ثناياه جوهر الإسلام .
الإشكالية التاريخية :
والمراد بها بيان المراحل التي مرّ بها الفكر السلفي , لمعرفة مواضع القوة والضعف ، وبيان السند التاريخي للسلفيّة المعاصرة .
إشكالية المفهوم :
مفهوم السلفية له تعلق بالتاريخ بشكل كبير وظاهر ، فالسلفية في العهد النبوي تمثلت بالإسلام جملة - وهو الوحي - ، وأما في عهد الصحابة - أي بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم - تمثلت بالكتاب والسنة – أيضا – ؛ إلا أنّه احتاج إلى نوع من الاجتهاد , الذي خرج من رحمه بعد ذلك منهجُ التعامل مع النص الشرعي ، ومن المعلوم أن هذا التعاملَ مع النص الشرعي كان له مستند شرعي من الكتاب و السنّة ، مثّلته كثير من الآيات الواردةِ في الثناء على الصحابة وتفضيلهم , كذلك كثير من الأحاديث القولية منها والعملية ، هذا فضلا عن كون الصحابة - رضي الله عنهم - يمثلون الجيل الأول في الأمّة , وهو الذي يستند إليه عقلا في تفسير النص وبيان منهج التعامل معه ، هذا من الناحية الشرعية , أما من الناحية العلمية فقد ملكوا أدوات العلم المؤهلة للكلام في الدين.
هل يدخل مَن بعد الصحابة في مفهوم السلفية :
اختلف أهل العلم في هذه المسألة ، ولم أرَ من حرّرها تحريرا يمكن الركون إليه ، ولحل الإشكال يمكن أن يقال الآتي :
إذا كان النظر إلى قضية الاحتجاج بأقوالهم وأفعالهم , فالصحيح أنهم لا يدخلون وليس في أقوالهم وأفعالهم حجة من هذا الجانب , وقد تكلم عن هذه المسألة بعض أهل الأصول حيث ذكر الاختلاف في أقوال التابعين هل يحتج بها , وهي على قولين في مذهب الإمام أحمد , الصحيح منهما عدم الاحتجاج .
ولكن إذا كان النظر إلى قربهم من الصحابة ومعرفتهم الأكيدة بالنصوص الشرعية ومناهج الصحابة في التعامل معها ، فإن منهجهم هنا معتبر ولا يمكن أن يستغنى عنه , وهذا يقال في جيل التابعين جملة ومَن بعدهم مِن الأئمة ، وممّا يُظهر أهميةَ ما جاء عن التابعين , هو معالجتهم للثروة العلمية التي تركها الصحابة - رضي الله عنهم - , حيث تركوا الصحيح من الأقوال والمتفق عليه , والمختلف فيه , بل تركوا الضعيف , والشاذّ من الاجتهادات , وهذا كله استدعى وجود مثل هذا الجيل الذي زخر بالعلماء والأئمة الكبار لكي يهذبوه ويرتبوه وينقلوه إلى الأمة من بعدهم وهذا مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم :" و إنّ العلماء ورثة الانبياء.."وكذلك من جاء بعدهم من الأئمة , كالأئمة الأربعة الذين كان لهم قدمُ صدق في هذا الدين, ومن تأمل في صنيع أهل العلم رأى أنهم قد التفتوا إلى أهمية هذه القضية -أقصد مكانة العلماء والحاجة إليهم في كل وقت وحين - حتى أدخلوا ذلك في كتب الاعتقاد , وهذا له عندهم عدة اعتبارات , منها ما تقدم ذكره , قال الإمام الطحاوي - رحمه الله - :" وعلماء السلف من السابقين , و مَن بعدهم من التابعين , أهل الخير والأثر, وأهل الفقه والنظر, لا يُذكرون إلا بالجميل , ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل", وهذا ما عبر عنه الإمام اللالكائي في مقدمة كتابه " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة " حيث قال :" فهلم الآن إلى تدين المتبعين وسيرة المتمسكين وسبيل المتقدمين .."
وقال :" .. فهذا دين أُخذ أوّلُه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشافهة لم يشبه لبس , ولا شبهة , ثم نقلها العدول عن العدول من غير تحامل ولا ميل ، ثم الكافة عن الكافة ، والصافة عن الصافة ، والجماعة عن الجماعة, أخذ كف بكف, وتمسك خلف بسلف كالحروف يتلو بعضها بعضا ويتسق أخراها على أولاها, رصفا و نظما . "
وقال :" وكان في الإسلام من يؤخذ عنه هذه الطريقة قوم معدودون أذكر أساميهم في ابتداء هذا الكتاب .." .
ما هي الفوائد المترتبة على إعمال هذا الأصل :
لإعمال هذا الأصل فوائد عديدة , نذكر منها الآتي :
- عصم أهل السنة من الاختلاف والتفرق , فمن تأمل في سير أهل السنة عبر التاريخ رأى أن الخلاف بينهم محصور, وأن عقيدتهم مصونة , ينقلها الخلف عن السلف .
- يدل على صحة الاستدلال ، حيث تعد موازينهم ومناهجهم هي الحاكمة والمصححة .
- حسم مادة الابتداع والضلال , فكل من خالف أهل السنة في أصل من أصولهم ولج في البدعة والإحداث .
إشكالية الاسم و التسمية :
للسلفية أسماء عبر التاريخ ، ومن المهم أن نبين أن اختلاف الأسماء يعود إلى جهة النظر من ذلك :
- الأصل الذي تبنى عليه السلفية ، كالكتاب والسنة أو الحديث ..., فمن أسمائهم : أهل الكتاب والسنة , وأهل الحديث..إلخ
- أوإلى البيئة الحاضنة , مثل أن يتبناها أهل مذهب معين أو إقليم معين, من ذلك تسميتهم بالحنابلة مثلا .
التاريخية وأثرها في الفكر السلفي :
يمكن أن نقسم مراحل التاريخ الذي مرت به السلفية إلى عدة مراحل :
أ****- مرحلة القرون الثلاثة الأولى : وهي تمثل مرحلة الازدهار والنضوج والقوة، وهي الأصل لكل ما بعدها من المراحل .
ب****- مرحلة الامتداد :
و في هذه المرحلة انتشرت الفرق الكلامية , في الامصار وتبناها الولاة والقضاة والحكام , مما ساعد على سرعة الانتشار و اتساعه , كما أسهم في انحصار مذهب أهل السنة في الأمصار عموما , وقد كان لهذا الانحصار مظاهرُ , من أهمّها :
- أنّ بعض مَن أرّخ لتاريخ الفِرَق والعقائد لم يذكر مذهب أهل السنة, كالشهرستاني في "الملل والنحل" .
- كذلك : فقد تمثل مذهب أهل السنة في تلك المدة بالمقالات أكثر مما تمثل بالأفراد الجماعات .
ج- مرحلة التجديد والتنظير: مرحلة شيخ الإسلام ابن تيمية (- رحمه الله - ت 728هـ) :
لنذكر هنا محطات من حياة شيخ الإسلام - رحمه الله - :
- يُعدّ ابنُ تيمية منظّرَ السلفية ، ومجدّد الدين, ومن نظر في الظروف التي عاشها ، وعلم أحوال مجتمعِه , العلمية والسياسية والاجتماعية, أدرك أهمية ما قام به شيخ الإسلام ابن تيمية من إصلاح وتجديد على مختلف الصُعُد والمجالات .
- انحدر ابن تيمية من أسرة حنبلية عريقة ، حيث كان أبوه شيخ الحنابلة بدمشق الشام , وجدّه أبو البركات إمام وقته ، وهو من أعلم أهل زمانه , وأعرفهم بمواضع الخلاف , وقد كان الشيخ يثني عليه كثيرا .
- يعد شيخ الاسلام ابن تيمية عند الحنابلة من العلماء الذين بلغوا مرتبة الاجتهاد المطلق , وكان يسير في اجتهاده على أصول الإمام أحمد, بل كان معدودا ممن يُرجع إلى ترجيحه في المذهب كما نصَّ على ذلك المرداوي في مقدمة الانصاف .
- هذا الاجتهاد الذي تقدم وصفُه عند ابن تيمية ؛ فَهِمه بعضُ العلماء بصورة غير صحيحة , حيث ظهر في طريقة شيخ الإسلام العلمية النزعة إلى الاجتهاد , والخروج عن مألوف عصره ووقته, وهذا كما تقدم له ما يبرره , من انتشار الجمود بين المنتسبين إلى المذاهب فما عاد الواحد منهم يسهم في تحرير مذهب إمامه أو تصحيحه , كما انتشر الوهن بين الناس والجهل..، ومثل هذه الظروف اقتضت منه القيام بعملية تصحيحية وهذا شأن العلماء في كل زمان , وهو مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم :"من أن الله يبعث للأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها" ؛ إلا أن هذه النزعة الاجتهادية لم تخرج ابن تيمية عن أصول الإمام أحمد بل سار فيه سيرة مصحح , وقد سلك طريقة التصحيح على وَفق الدليل التي هي أعلى أنواع التصحيح , ومن هنا كثر ذكر الدليل في كلامه مما أُشكل على المتأخرين وظنوا أن الشيخ خرج عن فقه الحنابلة وطريقتهم .
القواعد العامة التي قررها ابن تيمية :
ذكر أهل العلم في ثنايا سيرة شيخ الإسلام أن له قواعدَ عامّة قد سار عليها وأسس عليها طريقته العلمية , وهي :
1- تقديم الشرع على العقل .
2- رفض التأويل الكلامي .
3- الاستدلال بالآيات والبراهين القرانية .
ومن نظر في هذه القواعد رأى انها تحاكي واقعه الذي عاشه.
دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية (1115هـ - 1206هـ ) :
تعد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب امتدادا للدعوة السلفية التي أحياها شيخ الإسلام ابن تيمية ، وقد ظهر أثر دعوة ابن تيمية في كتابات علماء الدعوة النجدية بصورة كبيرة , وأما ما يظهر من فرق بين الدعوتين فهو يعود إلى الظروف التي أحاطت بكل واحدة من الدعوتين فدعوة شيخ الإسلام كانت دعوة فردية لا تدعهما دولة وإنما دعوة إصلاحية كان النظر فيها لمسائل العلم والرد على المخالفين , وهذه أبرز مظاهرها ، وأما دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب فقد وجدت دولة ؛ لذلك قامت بتطبيق الحدود وإقامة الشرع .
بواعث قيام دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب :
1- تحقيق التوحيد .
2- تنقية مصادر التلقي .
3- نشر السنن وإظهارُها ونبذ البدع ومظاهرِها .
4- القيام بواجبات الدين وفرائضه العامة .
5- تحكيم شرع الله تعالى كما أمر الله .
6- تحقيق الجماعة ونبذ الفرقة .
- أما بالنسبة للمذهب الفقهي للدعوة الإصلاحية ، فهو المذهب الحنبلي كما صرح بذلك عدد من أئمة الدعوة ومنهم إمام الدعوة - رحمه الله-
إلا أن ثمة منزعا فقهيا ظهر عند بعض علماء الدعوة وهو الميل إلى طريقة شيخ الاسلام في الاجتهاد , وهذا كما قدمت يعود إلى فهم غير دقيق للمنزع الاجتهادي الذي ظهر عند شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - .
4- السلفية المعاصرة :
والمراد بها : النمط الذي ظهربعد سقوط الخلافة العثمانية وما جاء بعد ذلك .
- العوامل المؤثرة في السلفية المعاصرة :
أ****- سقوط الخلافة ؛ وهو أبرز العوامل التي أثرت في نشوء الجماعات الاسلامية عموما ، فقد كان ظهور الجماعات حاجة ملحة أملاها الواقع من أجل تعويض أثر غياب الخلافة العامة , كما سيأتي .
آثار سقوط الخلافة :
1- من أبرز آثار سقوط الخلافة : تغيُّبُ الشرع ونزعُ السِّمة السياسة للأمة .
2- ومنها : تفكيك دولة الإسلام إلى دويلات .
3- ظهور نزعات غير شرعية مثل القومية والاشتراكية والوطنية , والآن العلمانية والرأسمالية واللبرالية .
4- الأثر الفكري لسقوط الخلافة ودخول الاستعمار , حيث انقسم الناس إلى ثلاثة تيارات رئيسية :
أ****- التغريبيون ؛ وهم الذين دَعوا لأخذ ما عند الغرب , ورأوا ان ذلك هو سبيل التقدم والرُّقي , بل دعا بعضهم صراحة إلى أخذ كل شيئ ، حلالٍ أوحرام .
ب****- الإصلاحيون ؛ وهؤلاء لم يقبلوا كل ما عند الغرب إلا أنهم ترخصوا في اشياء , وتأثروا ببعض ما دعا إليه الغرب , ومن رَحِم هذه الدعوة خرج مَن يقول بعدم وجوب تطبيق الحدود.
ت****- المحافظون ؛ وهم الذين عملوا على حفظ ثوابت الأمة ومسلماتها , وردوا على الغرب هجمته , ووقفوا لكل مَن حاول تغريب المجتمع .
الجماعات الاسلامية :
تقدم معنا أن ظهور الجماعات كان تلبية لحاجة واقعية , و لكن تعدد الحاجات وتعدد جوانب النظر ، كان له أثر في طبيعة الجماعات التي ظهرت في الساحة ، حيث حاول بعضها سد الفراغ السياسي وإعادة إحياء نظام الخلافة ، وبعضها نظر إلى ضعف الجانب الإيماني وانعدام مظاهره فكانت دعوته إصلاحية من هذا الجانب ولكل واحد من هذين الاتجاهين جماعات تمثله .
وهنا لا بد من التنبيه على مسائل مهمة منها :
1- أن فهم طبيعة هذه الجماعات وظروف النشأة يعين على حسن التعامل معها ، وإدراك أهمية وجودها في الواقع .
2- تنوعت اهتمامات الجماعات - كما تقدم - على حسب ما تراه يناسب المجتمع , وترى أنه هو الجانب المفقود ، فمنها من توسع في نظره وعمل على حفظ الثوابت والقطعيات وظهر عنده نوع قصور ، وخلل في الهدي الظاهر والسنن وقصر في مواضع الخلاف على اعتبار أنه خلاف سائغ .
بينما اهتمت بعض الجماعات بالدين عامة وركزت على مواضع الخلاف على اعتبار أن الدين واحد - وهو حق - ولكن أهملت وقصرت في إعذار المخالف .
المحاضن الدعوية :
مثلت الجماعات الاسلامية محاضن للشعوب المسلمة ، حيث وجدت فيها ملاذا لتلبية الرغبة الدينية .
المحضن السلفي :
من ضمن هذه المحاضن كان المحضن السلفي حيث مثل ملجئًا لكثير من أصحاب التدين الفِطري ، وقد تميزت هذه المحاضن بأمور منها:
1- المحافظة على عموم الهوية أو على الوجود .
2- البساطة في الطرح .
3- نبذ السياسة و العمل بها .
4- التركيز على صلاح الفرد والأسرة .
ما تقدم من خصائص للمحضن الدعوي - وبطبيعة الحال لا يراد بذكرها ذم أو مدح – كان لها الأثر البالغ على المنتمين لهذه المحاضن ، وقد تعددت مظاهر التأثر مما يستدعي إعادة النظر في الثقافة السائدة وإعادة صياغة المشروع السلفي من جديد بما يتناسب مع الواقع الحالي من خلال إعمال الأصول الشرعية واستثارة التراث السلفي الذي اكتز في طياته وكوامنه جوهر الإسلام الصافي .
من أبرز المظاهر الخصائص المحضن السلفي :
أ****- انتشار التدين الفطري بين المنتسبين لهذه المحاضن ، وهذا النوع من التدين - وإن كان له ايجابيات - إلا أن له سلبيات فهو لا يمنع أو لا يعصم صاحبه من التلون الفكري وكثرة التغير .
ب****- غياب المشاريع الدعوية والعلمية ، وهذا هو الذي يتناسب مع طبيعة هذه المحاضن ، فتجد أن المشاريع الدعوية الموجودة هدفها جمع الأفراد والمحافظة على تجمعهم .
ت****- الارتباط بالرموز ، حيث وجد لكل محضن وتجمع للسلفين ، رمز يتجمعون حوله ويأخذون منه علمهم وفكرهم ، وهذا الأمر وإن كان له أثر إيجابي مثل : حفظ الفرد من الذوبان والمحافظة على مكتسباته ، إلا أن له أثرا سلبيا حيث يمثل الرمزُ المؤشرَ الذي تسير به الجماعة, كما أنهم سيتقيدون بعلمه وفكره وقدرته على مواجهة التغيرات والمستجدات العلمية والفكرية والاجتماعية, مما يجعلهم عرضة للتغير من غير مقدرة على التحكم به سلبا أو ايجابا.
ث****- ضعف الخطاب النَّخبَوي على مستوى المجتمع سواء في المشاركة المجتمعية أو في دفع ما يتعرض له المجتمع من التغير ، وقد ظهر شيء من هذا في النازلة الأخيرة – وهي ما يُعرف بالربيع العربي – حيث ظهر قدر كبير من الضعف في طريقة إدارة هذا الحدث الكبير, وهذا بطبيعة الحال له أسباب متعددة , منها ما يعود إلى ضعف البنية الفكرية وغياب البناء المعرفي , والشخصية الواقعية.
ج****- ضعف البناء الذاتي للأفراد ، وهذا الأثر كالنتيجة لما تقدم من ارتباط بالرمز وغياب الخطاب النخبوي وغير ذلك .
إشكالية الخطاب السلفي :
1- من الأخطاء التي وقع فيها كثير من السلفيين هو استدعاء الخطاب السابق الذي وُجد في حقبة المحاضن والتي تمثل ظرفا استثنائيا في حياة الأمة , والاستمرار على نفس النمط الفكري والطريقة في التعامل وهذا بدوره كان له أثر في الطرح السلفي المعاصر وهو أمر ظاهر للعيان .
2- من إشكاليات الخطاب المعاصر فيما يتعلق بالجانب العلمي ، هو تغليب أنواع من العلم على حساب غيرها ، مثال ذلك :
الاقتصار في دراسة مسائل الاعتقاد على مسائل تاريخية معينة كالتوحيد بأنواعه ، وهي على أهميتها إلا أنه لا ينبغي أن يُقتصر عليها بل لا بد من دراسة ما استجد من مسائل عقدية مثل : التيارات الفكرية حيث كان أثرها على واقع الأمة المعاصر أكثر وأظهر من غيرها, ومما يُظهر أهمية هذا الأمر ؛ أن التيارات المعاصرة من علمانية وديمقراطية وغيرها تتعلق بشكل مباشر بتوحيد الربوبية وهذا يستدعي تقديمه في الدراسة والتعليم, وهذا يخالف ما هو معتاد عندنا من تقديم توحيد الإلهية, وليس الكلام هنا على سبيل المفاضلة وإنما تقديم ما يتطلبه الواقع.
3- ومن إشكاليات الخطاب المعاصر : هو ظهور الخلل في التعامل مع مواضع الخلاف سواء فيما يتعلق بالشخص المخالف أو بالمسألة المُختلَف فيها ؛ وهذا النمط إن كان له ما يبرره في وقت إلا أنه قد حصل فيه نوع من المبالغة ، حيث غابت الأولويات في كثير من الأحيان .
ومن إشكاليات الخطاب السلفي العلمي : نبذ المذاهب الفقهية ، وهذه المسألة لها فلسفة تاريخية تقدمت الإشارة إلى بعضها ، إلا أن المهم هنا أن نشير إلى الأثر الذي تركه غياب المذاهب الفقهية وفي المقابل انتشر فقه الدليل ، وهو فقه غير أصيل من الناحية العلمية بل ليس له مستند عن سلف هذه الأمة وأئمتها ، فأصبح كل من يسير في هذه الطريقة كأنه مجتهد ، يجيز لنفسه أن يتكلم بما شاء من مسائل العلم , ظنا منه القدرة على ذلك , وهذا يعود إلى طريقة التفقه المُتقدمِ ذكرُها , والتي تصنع من كل منتسب إليها مجتهدا لا يملك أدوات الاجتهاد ! هذا فضلا عن انتشار الفوضى العلمية والتسرع بالفتوى وكثرة الشذوذ والخلاف .
ما المراد :
المراد الآن ؛ أن يُعاد النظر في النمط الفكري السائد على اعتبار أنه نمط كان لوجوده أسبابٌ ومسوغات اقتضاها الواقع المعاش ، وقد تقدمت الإشارة إلى بعض ذلك , كما يلزمُنا إعادة صياغة المشروع السلفي بما يكون من شأنه معالجةُ الواقع ، ومن تأمل في السلفية وتراثها رأى أنها الاقدر على إقامة مشروع للأمّة جمعاء .
هذا والله أعلم
و كتب : عصر بن محمد النصر – عفا الله عنه – الباحث في علوم السنة النبوية الشريفة - .
الأردن / الرمثا
الشيخ عصر على تويتر : @ibnmajjah77