أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى ,واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله
أما بعد : إن التكذيب بالبعث والنشور مسألة خطيرة؛ لأنها تتعلق بمصير الإنسان في الحياة الأخروية، والتي ينال فيها المرء سعادته أو خسارته الأبدية، ولعظم هذا الأمر أعطانا الله تعالى من الأدلة السمعية والبصرية ما تقر به القلوب وتستنير به البصائر، مما يوصل العبد إلى المطلوب ألا وهو إخلاص العبودية لربه من خلال إيمانه بوجود الله وتصديق شرعه، والإيقان باليوم الذي أخبر به تعالى فما هي الأدلة المطلوب للاستدلال بها على منكري البعث؟ولا يتأتى ذالك إلا إذا أصلنا المسالة من قواعدها وهاهي بعض الوريقات تؤصل المسائل من جذورها وتتضمن محورين أساسيين يتفرع كل منهما على محاور هي كالأتي :

v فتنة التكذيب بالبعث والنشور.
ü أصناف المكذبين بالبعث والنشور.
ü مصير المكذبين بالبعث يوم القيامة.
v الأدلة على البعث والنشور.
ü أدلة القرآن بوقوع البعث والنشور.
· الاستدلال بحدوث النشأة الثانية من حدوث الأولى.
· قدرته تعالى على إيجاد العظيم مثبتة قدرته على إيجاد الحقير.
ü الأدلة العقلية على قدرة تحويل الله الخلق من حال إلى حال.
· إحياء الله لبعض الموتى في الحياة الدنيا.
· إحياء الأرض بالنبات بعد إنزال المطر عليها.
· مقتضى عدل الله موجب للبعث والنشور.





















v فتنة التكذيب بالبعث والنشور.
فإن الإيمان بالبعث من ركائز هذا الدين، ومن أركان الإيمان، والحديث في الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ وهو حديث جبريل عندما أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليعلم الصحابة أمر دينهم حين سأله عن الإيمان وأركانه، قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالعبث بعد الموت، وبالقدر خيره وشره من الله تعالى[1]) ستة أركان لا بد من تحققها في عقيدتك أيها المؤمن، وإذا انهدم ركن من أركان الإيمان ذهب الإيمان.
والذين يمارون في البعث أو يشكون فيه فهؤلاء لم تدخل حقيقة الإيمان قلوبهم، بل ما زالوا يعيشون في الضلال، الذي هو الضياع وعدم معرفة الطريق، تقول: فلان ضال، أي: إلى الآن تائه لا يدري أين يتجه.
وفلان مهتدٍ، أي: عرف الطريق ولزمها، ولهذا يقول عز وجل:
أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ [2] الذين يشكون في أمر البعث والنشور في ضلال بعيد؛ لأنهم إلى الآن لم يعرفوا الطريق الموصل إلى الله تعالى عبر أركان الإيمان الستة، ألا وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وبالبعث بعد الموت، وبالقدر خيره وشره من الله تعالى.
إذن ما هي الدلائل والبراهين التي نستطيع أن نثبت بها أن البعث والنشور كائن لا محالة؟ فإننا نواجه بالمكذبين، ونواجه بالضالين والزائغين عن صراط الله المستقيم، وربما يوردون علينا بعض الشبه، ولكن ونحن نعلم علم اليقين بالأدلة والقواطع والبراهين الساطعة على صدق إيماننا وعلى أدلة بعثنا بعد موتنا؛ نقف على أرضٍ صلبة، ونتيقن ونجزم أن من لا يؤمن بالبعث فهو ضالٌ ولو كان من كان، وأن من يؤمن بلقاء الله، ويؤمن بالبعث والنشور فهو المهتدي، يقول عز وجل:
فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [3].
والتكذيب ليس جديداً في حياة البشر، فإن أمر البعث والتصديق به عقدة العقد، ومشكلة المشاكل عند أصحاب العقول المتحجرة، والقلوب القاسية، والنفوس الحيوانية الهابطة الذين يرون في الإيمان قيداً على شهواتهم وملذاتهم، وهم يريدون أن يعيشوا حياة البهائم بدون قيود وضوابط، وإنما يأكلون ويشربون ما يشاءون، ويسرحون ويمرحون وينامون ويسهرون كيف يشاءون، هؤلاء يتفلتون من ضوابط وقيود الإيمان بالتكذيب والعلل والشبهات الساقطة الذابلة الهاوية التي لا أساس لها من الصحة.

ü أصناف المكذبين بالبعث والنشور.
المكذبون بالبعث والنشور أصناف:
الصنف الأول: صنف الملاحدة الذين أنكروا وجود الله أصلاً -عليهم من الله ما يستحقون- ومنهم بعض الفلاسفة والشيوعيون الذين يعيشون في هذه الأزمان الذين يقولون: لا إله والحياة مادة، وإذا ناقشتهم على بساط العقل والمنطق تهاووا وسقطوا؛ لأنهم لا يملكون أدلة، وعندما تناقشه عن ساعته التي في يده وتقول له: هذه الساعة ليس لها صانع، يقول لك: مستحيل، تقول له: من صنعها؟ يقول: المهندس، تقول: والمهندس له صانع؟ يقول: لا.
ليس له صانع، تقول له: كيف؟!! أقول إن الساعة ليس لها صانع فلا تصدق، وأقول: إن المهندس الذي صنعها له صانع فتقول لا.
لا صانع له؟ أيهما أشد عقدة: المهندس أم الساعة؟ سبحان الله العظيم! مستحيل أن تكون الساعة من غير صانع، وليس بمستحيل أن يكون إنسان من غير خالق! لا والله
أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُون[4].
هؤلاء الملاحدة الذين ينكرون صدور الخلق وحدوثه عن الله سبحانه وتعالى ينكرون النشأة الأولى والثانية أصلاً، وهم منكرون لوجود الله تبارك وتعالى، فهؤلاء لا نقاش معهم.
الصنف الثاني: قوم يعترفون بوجود الله تعالى، ولكنهم يكذبون بالبعث بعد الموت، ومن هؤلاء العرب الذين بعث النبي صلى الله عليه وسلم فيهم، فإنهم كانوا يقرون بوجود الله، يقول تعالى:
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ .[5] فهم معترفون بأنه الخالق لهذه السماوات والأرض، ولكنهم يقولون: أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ [6] هذا هو الصنف الذي يؤمن بوجود الله لكنه يكذب بوجود البعث؛ يدعون أنهم يؤمنون بالله ولكنهم يدعون أن قدرة الله عاجزة عن إعادتهم وإحيائهم بعد إماتتهم، وهؤلاء هم الذين ضرب الله لهم الأمثلة والبراهين والحجج بأنه قادرٌ على البعث والنشور؛ لأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
الصنف الثالث: قوم يؤمنون بالبعث لكن على صفة وهيئة تختلف عما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يؤمنون بأساطير وخرافات وضلالات وفلسفات وأفكار ليس يدعمها دليل لا من كتاب ولا سنة، فهؤلاء في حكم المكذبين.
هذه أصنافهم.

ü مصير المكذبين بالبعث يوم القيامة.
ذكر الله عز وجل في القرآن الكريم صوراً ونماذج من كفرهم وتكذيبهم وذمهم ومقتهم وتهددهم وتوعدهم، يقول الله في سورة الرعد: وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [7] بعد أن ذكر الله في أول السورة جولة في آثار خلق السماوات والأرض قال بعد ذلك: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [8] قال: وإن تعجب يا محمد فإن ما يثير عجبك هو تكذيبهم بالعبث والنشور بعد أن رأوا آيات الله وقدرته العظيمة في خلق السماوات والأرض: وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [9].
ثم وصفهم الله فقال عز وجل:
أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ [10] أي: هذا جاحد؛ والجاحد لا حيلة معه، هذا أول وصف: وَأُولَئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ [11] يعني: من العذاب يوم القيامة أن يغلّهم الله بالأغلال في أعناقهم؛ لأنهم غلّوا عقولهم، أي: قيدوها وعاشوا في سجن المادة الضيق ولم يخرجوا إلى عالم الغيب الوسيع؛ العالم الذي ينتظم الدنيا والآخرة، فلما قيدوا عقولهم وغلّوها عذبهم الله بأن غلّهم في الأعناق يوم القيامة: وَأُولَئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [12] هؤلاء المكذبون وصفهم الله بأنهم كفار، وأنهم في الأغلال في جهنم وأنهم أصحاب النار هم فيها خالدون.[13]
وعندما أوردوا فريتهم:
وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ [14]قال الله لهم مكذباً وراداً عليهم: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ [15]يعني: بعد البعث قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [16] يبعثهم الله عز وجل من قبورهم ويقررهم ويقول: أليس هذا بالحق الذي وعدكم به رسلي؟! والذي أنزلته في كتبي وحذرتكم منه؟ قالوا: بلى وربنا.
لا يوجد مجال للتكذيب؛ لأنهم رأوا الأمر رأي العين، رأوا الأمر على حقيقته فقالوا: بلى وربنا؛ يحلفون بالله في مظهر من الضعف والشفقة والتذلل والخضوع، لم يعرفوا الله عز وجل في الدنيا حتى يرحمهم يوم القيامة، ولكن لم يعرفوه إلا حينما أضاعوا الفرصة.
مثلهم مثل الطالب البليد الذي يُكذّبُ بالامتحانات، فهو يشتغل في العام الدراسي من أوله إلى آخره، والطلاب المؤمنون بصدق الإدارة والتعليم يجتهدون، لكن هذا المكذب يقول: لا أحتاج امتحانات.
إنها كذب في كذب.
من قال لكم بأن هناك امتحانات.
لا يوجد شيء، وعاش طوال السنة وهو يلعب ولا يذاكر، ولا يفتح حتى كتاباً، وفي آخر يوم من العام الدراسي أدخل الصالة وعزلت عنه الكتب والمواد، وقدمت له الأسئلة، ولما رآها وإذا به لا يعرف منها حرفاً واحداً، أما المجتهدون فقد بدءوا يجيبون، وأما هذا اللعاب لا يعرف حتى حرفاً واحداً، فيقول له رئيس اللجنة -ولله المثل الأعلى-: لماذا كذبت بالامتحان، أليس هذا الامتحان حق؟ فيقول: بلى يا سعادة المدير.
يا رئيس اللجنة؛ يريد أن يسترحمه، أي: أخرجني واتركني أنظر إلى الأسئلة! أمهلني أراجع! أمهلني أذاكر! قال الله عز وجل:
فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [17].
أخي ليس لديك إلا فرصة واحدة فلا تضيعها؛ لأن التصحيح صعب! نعم.
هي مرة واحدة؛ من فرط فيها خسر الخسارة التي ليس بعدها ربح، ومن اغتنمها وعمل بها ربح الربح الذي ليس بعده خسارة، وكما جاء في الحديث: ينادى يوم القيامة: ألا إن فلان بن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً، ثم يبيض وجهه، ويأخذ كتابه بيمينه، ويعرضه على الخلائق، وأما ذاك الساقط -والعياذ بالله- الخامل؛ ينادى عليه يوم القيامة: ألا إن فلان بن فلان قد شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبداً، فيسود وجهه، ويأخذ كتابه بشماله، ويقول للخلائق:
يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ [18].
ويرد الله أيضاً على طائفة من المكذبين وهم يقولون:
أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً [19]شيء مستغرب! كيف سيعود هذا خلقاً جديداً؟!! فقال الله تعالى لهم: قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً [20] أي: كونوا أصعب وأقوى شيء، كونوا حجراً أو حديداً لا بشراً من عظم ولحم: أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ [21]تصوروا أي شيء أعظم من الحديد أو الحجر أو...
أي شيء؛ يتحداهم الله بألا يبقوا على أصل خلقتهم حتى يستحيل عليه أن يعيدهم في نظرهم، يقول: حولوا أنفسكم إلى أي مادة صعبة أو إلى أي مادة كبيرة في نفوسكم وعقولكم:
فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً [22] الحجب الآن بين العالم المشاهد والعالم المغيب حدها الموت، وبعد الموت ينكشف كل شيء!
v الأدلة على البعث والنشور.
أما الأدلة على البعث والنشور فكثيرة، وإذا طُلب منك دليل فإن لديك من الأدلة ما تقنع به الحجارة فضلاً عن البشر؛ لأن الإيمان بالبعث دل عليه القرآن والسنة النبوية المطهرة، والقرآن كله من أوله إلى خاتمته مملوء بذكر أحوال البعث والنشور، وأحوال يوم القيامة، وأحوال الجنة والنار، وتفاصيل ما هو كائن وما سيكون إلى يوم القيامة، وما سيكون بعد يوم القيامة في الجنة والنار، وفي عرصات القيامة .
وتقرير ذلك بالأمثال والأخبار والأيمان والأقسام، وكما ذكر القرآن الأدلة ذكر أيضاً فرية المكذبين بالبعث والنشور، وذكر أيضاً شبهاتهم وفندها، ورد على مزاعمهم واحدة بعد واحدة حتى لم يعد لهم دليل يستطيعون أن يستندوا عليه في إثبات كذبهم وضلالاتهم.
والفطرة السليمة التي سلمت من الأصابع البشرية الضالة تهدي إلى الإيمان بالبعث وتدل عليه، ولا صحة أبداً لما يزعمه الضالون من أن العقول تمنع وقوع البعث والنشور، فإن العقول تقره ولا تمنع من وقوعه، بل توجب وقوعه، والأنبياء لا يأتون أبداً بما تحيله العقول، بل يأتون بما تقبله العقول وتوجبه، ومن تلك الأدلة ما يلي:

ـــــ الدليل الأول:إخبار الله تبارك وتعالى في القرآن بوقوعه: وهل أصدق من الله عز وجل؟ إذا أخبر الله في القرآن بخبر لزم منك -أيها المؤمن- بمقتضى إيمانك أن تصدق؛ لأنه لا أحد أصدق من الله قيلاً، وقد أخبر الله عز وجل أن البعث والنشور كائن، وهذا من أعظم الأدلة الدالة على وقوع البعث؛ فمن آمن بالله وصدق برسول الله صلى الله عليه وسلم وكتابه الذي أنزله الله على رسوله فلا مناص له من الإيمان بما أخبر به من البعث والنشور، والجزاء والحساب، والجنة والنار.
وقد نوع الله تبارك وتعالى في الكتاب الكريم أساليب الإخبار ليكون أوقع في النفوس وآكد في القلوب، ففي بعض المواضع من القرآن يخبر الله بوقوع يوم القيامة إخباراً مؤكداً بـ(إن) يقول الله عز وجل:
إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا [23] ومرة يؤكد بـ (إن، واللام)، يقول جل ذكره: وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [24] اللام الداخلة على (آتية) لام التوكيد، إن: حرف توكيد ونصب، ومرة يؤكد بـ( ما ): إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ [25] ومرة بأداة الحصر: إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ [26] هذه كلها أساليب في تأكيد عملية الإخبار عن البعث والنشور وأنه كائن لا محالة.
ــــ الدليل الثاني:
قَسَم الله تبارك وتعالى؛ فيقسم الله على وقوع البعث؛ أنت إذا أخبرك رجل تثق في خبره صدقت خبره، وإذا أكد لك الخبر بأي وسيلة من وسائل التوكيد كان الخبر آكد عندك، وإذا أكده لك بالقسم وأنت تعرف أنه رجلٌ صادق بار مؤمن لا يمكن أن يكذب فإن الخبر عندك يأخذ مأخذ المسلمات، سبحان الله! الله عز وجل يخبر ويؤكد ويقسم على وقوعه، يقول الله تبارك وتعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ [27] هذا قسم يقسم الله بالذي لا إله إلا هو فيه بنفسه.
ويقسم على وقوعه بما شاء من مخلوقاته، يقول الله عز وجل:
وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاتِ وِقْراً * فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ [28] يعني: إن يوم الدين يوم البعث والنشور لواقع.
ويقسم الله بخمسة أشياء في سورة الطور:
وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ [29].
ثم يأمر رسوله بأن يقسم بالله تبارك وتعالى على وقوعه، ويرد على المكذبين فيقول الله تعالى:
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ [30] ويقول عز وجل: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [31] ويقول جل ذكره: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [32].
ــــ الدليل الثالث:
ذمه تعالى للمكذبين في بعض مواضع القرآن ذماً مباشراً، فيقول تبارك وتعالى: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [33] أي: خاسر لا خير فيه.
ما ربح من دنياه إلا العذاب والسخط!.
ليته ما خلق!.
ليته ما عرف هذه الحياة! لو لم يعرف الحياة لكان في عداد المهملين!.
لو كان حيواناً لكان في عداد من يصير تراباً!.
لكنه عاش في الدنيا ليعبد الله، ومكنه الله وزوده بوسائل الإدراك؛ العقل والنظر والسمع ولكنه ما استخدم هذه الوسائل فخسر دنياه؛ قال الله تعالى:
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [34] ويقول: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ [35]أي: عمي عن الإيمان بالله والعياذ بالله! ا
ــــ الدليل الرابع:وكما ذم المكذبين يمدح أهل الإيمان المصدقين جعلنا الله جميعاً منهم؛ يمدحهم ويقول: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [36] هذا ثناء؛ سماهم الله راسخين في العلم، أي: ليسوا سطحيين؛ لأنه العلم عن الله، علم الكتاب والسنة، ليس علم المادة؛ قد تجد إنساناً عالماً رأسه مثل الجبل في الذرة والفلك والطب والهندسة.
وفي كل شيء، لكنه في علم الله لا يعرف شيئاً، هذا أجهل ثور -والعياذ بالله- في الأرض، وتجد آخر لا يستطيع أن يقرأ حتى حرفاً واحداً، لكن عنده من الإيمان بالله مثل الجبال.
هذا هو العالم؛ لأن الله تعالى يقول:
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [37] أي: العلماء به، وبعد ذلك الراسخون في العلم الذين رسخت قلوبهم في العلم بحقائق هذه الحياة حتى عرفوا مصيرهم وعرفوا سر خلقهم ووجودهم، وعرفوا البعث بعد الموت.
هؤلاء راسخون؛ لأنهم غاصوا في أعماق الحقائق، أما السطحيون الذين عرفوا من الدنيا السطح فقط، فإنهم يعيشون وتفكيرهم في هذه الدنيا فقط؛ في المادة وعناصرها وأجزائها، هؤلاء قال الله تعالى فيهم:
يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [38] هؤلاء -والعياذ بالله- ستكون لهم مواقف مخزية وحينها يتمنون أنهم ما عرفوا هذه الحياة.
ـــ الدليل الخامس:
من ضمن الأساليب في الإخبار أنه تبارك وتعالى يذكر في القرآن أن وعد البعث صادق، ولا مجال لتكذيبه، ويقول: ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ * فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ [39] يقول: لا تخف ولا تشك في هؤلاء الذين يعبدون غير الله؛ إنما يعبدون الشهوات والطواغيت والمادة، وهم سائرون على ما سار عليه أسلافهم من الكفار والمكذبين، ولكن الجزاء عندنا، وسوف نوفيهم نصيبهم غير منقوص.[40]
ويقول سبحانه وتعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً [لقمان:33] هذا وعد الله الذي لا يتبدل ولا يتغير أبداً، ويقول عز وجل: وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ [41]ويقول مهدداً ومتوعداً: فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ [42] ويقول جل ذكره: إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ [43].
ــــ الدليل السادس
: إخباره تعالى عن مجيئه في بعض الأحيان بصيغة الاقتراب، فيقول تبارك وتعالى: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً [44] يعني: يوم القيامة وَنَرَاهُ قَرِيباً [45] ويقول: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ [46] أتى هنا فعل ماضٍ، وعبَّر الله عز وجل بالماضي ليؤكد تحقق وقوعه وقربه وكأنه قد وقع، أَتَى أَمْرُ اللَّهِ أي: البعث والنشور فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [47] ويقول الله عز وجل: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُول الكَافرُونَ هَذَا يَومٌ عَسرٌ}[48]


· الاستدلال بحدوث النشأة الثانية من حدوث الأولى.
الاستدلال على وقوع وإمكان النشأة الثانية بالأولى، أي: ذكر الله في القرآن الكريم أدلة على أن النشأة الأخرى ستكون بناءاً على وقوع النشأة الأولى، فنحن نشاهد في كل يوم خلقاً جديداً؛ أطفال يولدون، من خلقهم؟ اسأل الآن من الذي خلق هذا الولد؟ سبحان الله! حتى الأطباء يقولون: يضعه الأب نطفة وتستقبله الأم عن طريق بويضة، ويحصل اللقاح بين البويضة وهذه النطفة؛ والنطفة حيوان منوي صغير يدخل في هذه البويضة وتغلق عليه، ثم تطرد الحيوانات المنوية الأخرى فتموت، وبعد ذلك: من علم عنه في تلك الظلمات؟ ومن رباه؟ وبعد ذلك يبقى أربعين يوماً كما هو نطفة، وبعد أربعين يوماً يتحول إلى علقة، وبعد أربعين يوماً يتحول إلى مضغة، وبعد أربعين يوماً يتحول إلى عظام -هيكل عظمي كامل- ثم ينشئه الله خلقاً آخر؛ ثم يكسوا الله العظام لحماً، وبعد ذلك يبدأ في النمو .
بينما الصغير يولد تجد معه قدرة على المص، وتجد (الكتكوت) يخرج من البيضة، ومباشرة تجده يقف على قدميه ويبحث عن حب ويأكل، لكن الطفل الصغير لا يستطيع أن يأكل ولا يستطيع أن يهضم، إذاً ليس عنده أسنان، ماذا عنده؟ عنده فم، وعندما تعطيه ثدي أمه يرضع مباشرة.
هذه الأضلاع وهذا العظم.
وبعد ذلك يبدأ الولد في النمو المتوازن سواء بسواء؛ الضلع الذي هنا يطلع مثل الضلع الذي هنا، واليد التي هنا مثل اليد التي هنا، والرجل التي هنا مثل الرجل التي هنا، والعين هذه تطلع مع العين هذه، سواء بسواء، خلايا متوازنة! كل شيء في مكانه! سبحان الله الذي لا إله إلا هو!! فالذي خلق هذا الخلق هو الذي نراه كل يوم يحدث، كل يوم يأتي لنا ولد أو بنت كذلك .

من الذي يحدد نسبة البنات والأولاد في الشعوب والأمم؟ لا أحد يحدد أبداً، ولا يستطيع أحد أن يحدد، ولو حدده الناس وترك للأب أن يختار لكان كل واحد يقول: أريد رجالاً، أريد أن أتفاءل برجال، وذاك يريد رجالاً .
وكثر الرجال.
من أين لهم نسوة؟ ثم بعد ذلك ماتوا وانقرض الجنس البشري.
لكن لا.
أنت يأتي لك أولاد وذاك يأتي له بنات، وقد تكون البنت هذه أبرك من بعض الرجال، لا تظن أن البنت إذا جاءت بأنك تنهزم! لا يا أخي.
إن الله عز وجل هو الذي يضع البركة في البنت والولد، ورب امرأة كانت أبرك من مئات وعشرات من الرجال! ولا حول ولا قوة إلا بالله! فالخلق يتم والأولاد يولدون كل يوم، وبعد ذلك يرى الإنسان هذا بأم عينيه؛ ثم هو ينكر أن الله قادر على أن يحيي الناس مرة أخرى! إن الذي خلق قادر غير عاجز على أن يعيد، سبحان الله! إن الذين يطلبون دليلاً على البعث بعد الموت يغفلون عن خلقهم الأول، فالقادر على خلقهم أول مرة قادرٌ على إعادة خلقهم مرة ثانية، وقد أكثر الله عز وجل من الاستدلال على النشأة الآخرة بالنشأة الأولى، وتذكير العباد الذين يستبعدون إمكان وقوع البعث بعد الموت بذلك، يقول الله عز وجل في نقاشٍ عقلي منطقي في سورة مريم:
وَيَقُولُ الْأِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً [49] قال الله: أَوَلا يَذْكُرُ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً [50]ثم يقسم الله تعالى ويقول: فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ [51]يقسم الله تبارك وتعالى أنه سوف يحشر هؤلاء وكل شيطان متمرد على أمر الله.
وأيضاً يقول الله تبارك وتعالى وهو يذكر في القرآن الكريم أبانا آدم أن الله خلقه من تراب، فالقادر على جعل التراب بشراً سوياً لا يعجزه أن يعيد البشر بشراً سوياً.
عندما تأتي شخصاً بنى له بيتاً من الحجارة ثم جاء وهدها، هل تقول: لا تقدر على أن تبنيها مرة ثانية؟ لا.
الذي بدأ قادر على الإعادة؛ لأن الإعادة أسهل من البداءة، وإلا فإن الله عز وجل لا يعجزه شيء، كل شيء سهل، يقول الله تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ [52].
وقد أمر الله الناس بالسير في الأرض، والتذكر لما سيكون فيها، والنظر إلى كيفية بدء الخلق فيها، يقول الله تبارك وتعالى:
أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [53]وقال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى [54] كلمة: (أهون عليه) هذه في البشر، لكن له المثل الأعلى، فكل شيء هين على الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [55] فكما خلق فهو قادر على أن يعيد، إذ لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.


· قدرته تعالى على إيجاد العظيم مثبتة قدرته على إيجاد الحقير.
من أدلة وقوع البعث والنشور: أن الذي قدر على أن يخلق الأعظم قادر على أن يخلق الأقل عظمة، فإن من يستطيع أن يحمل خمسين كيلو لا يعجزه حمل كيلو، أليس كذلك؟ والذي يستطيع أن يجري مائة متر لا يعجزه أن يسير خطوات؛ لأنه قدر على الكثير فمن باب أولى أن يقدر على القليل.
وقبيح في نظر البشر أن يرمى بالعجز عن حمل الشيء الحقير من يستطيع أن يحمل الشيء العظيم، ومثله: إذا غلب إنسان رجلاً شديد البأس قوياً لا يقال له: إنك لا تستطيع أن تصرع هذا الهزيل، أي: إذا رأيت رجلاً أمسك برجل قوي جداً وصرعه، ورأيت آخر سفيهاً وصغيراً وقلت: أتحداك أن تصرع هذا؟ ماذا يقول لك؟ يقول: يا أخي! أنا قدرت على ذلك الذي مثلي مرتين وطرحته، أما هذا فسوف أنفخه نفخة تأخذه إلى هناك .
لماذا؟ لأن الذي يقدر على الأكبر يقدر على الأصغر، ولله المثل الأعلى تبارك وتعالى.
والله تعالى من جملة خلقه ما هو أعظم من خلق الناس، فكيف يقال للذي خلق السماوات والأرض: إنك لا تستطيع على أن تخلق الناس؟ يقول الله تعالى:
وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً [56] وقال تعالى: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ [57] وقال عز وجل: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [58] وقال سبحانه: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [59] قال محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله : وَمُوقِعُ الِاسْتِدْرَاكِ فِي قَوْلِهِ: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ مَا اقْتَضَاهُ التَّوْكِيدُ بِالْقِسْمِ مِنَ اتِّضَاحِ أَنَّ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ. فَالْمَعْنَى: أَنَّ حُجَّةَ إِمْكَانِ الْبَعْثِ وَاضِحَةٌ وَلَكِنَّ الَّذِينَ يُنْكِرُونَهَا لَا يَعْلَمُونَ، أَيْ لَا يَعْلَمُونَ الدَّلِيلَ لِأَنَّهُمْ مُتَلَاهُونَ عَنِ النَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ مُقْتَنِعُونَ بِبَادِئِ الْخَوَاطِرِ الَّتِي تَبْدُو لَهُمْ فَيَتَّخِذُونَهَا عَقِيدَةً دُونَ بَحْثٍ عَنْ مُعَارِضِهَا، فَلَمَّا جَرَوْا عَلَى حَالَةِ انْتِقَاءِ الْعِلْمِ نُزِّلُوا مَنْزِلَةَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُمْ فَلِذَلِكَ نَزَلَ فِعْلُ يَعْلَمُونَ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ وَلَمْ يُذْكَرْ لَهُ مَفْعُولٌ.[60]
ü الأدلة العقلية على قدرة تحويل الله الخلق من حال إلى حال.
من الأدلة: قدرته تبارك وتعالى على تحويل الخلق من حال إلى حال؛ له القدرة البالغة المطلقة التي لا يعجزها شيء، والله قد بين لنا أنه قادر على أن يحول الناس من حالة إلى حالة: ويحول المادة من حالة إلى حالة.
ما هي المادة التي تجدها صلبة وعندما تسلط عليها حرارة تتحول إلى سائلة الثلج! من يتصور أن الثلج يصبح ماء؟ ومن يتصور أن الماء يتحول إلى بخار؟ لكن إذا سخنه يصير بخاراً! فالذي يقدر على تحويل المواد من مادة إلى أخرى أليس قادر على أن يحول الإنسان من طين إلى أن يكون بشراً سويا؟! سبحان الله العظيم! يقول الله تبارك وتعالى:
وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [61] بين الله تبارك وتعالى في أكثر من موضع أن من تمام ألوهيته أنه يقدر على تحويل الخلق من حالٍ إلى حال، ولذا فهو يميت ويحيي، ويخلق ويفني، ويخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [62] فهو يخرج من الحبة الجامدة الصماء نبتة غضة طرية خضراء تزهر وتثمر وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ثم تعطي هذه النبتة حبوباً جامدةً ميتة، ويخرج من الطيور الحية البيضُ الميت، ويخرج من البيض هذا حياة طيور جديدة.
سبحان الله! إن هذا لهو قادر على أن يحيي الموتى.
وتقليب العباد من حال إلى حال، ومن موت إلى حياة، ومن حياة إلى موت دليل على عظمته وقدرته تبارك وتعالى، يقول الله تعالى:
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [63].
· إحياء الله لبعض الموتى في الحياة الدنيا.
وهذه تؤكد عملية إحياء الأموات.
إحياء الأموات في هذه الحياة؛ حصل هذا أن أناساً ماتوا فأحياهم الله، وإحياؤهم دليل على قدرة الله عز وجل على إحياء الناس كلهم بعد الموت، ولقد شاهد البشر في فتراتٍ مختلفة من التاريخ عودة الحياة مرة أخرى إلى الجثث الهامدة والعظام البالية المتفتتة، بل شاهدوا الحياة تدب في الجمادات،
أولا :قد حدثنا الله عز وجل وأخبرنا عن هذه المعجزات الباهرات في كتابه الكريم فمن ذلك: قوم موسى لما قالوا له: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [64] وقد مارس العملية أولاً حين قال: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ [65]فالله تعالى قال له: لَنْ تَرَانِي أي: لن تستطيع أن تصمد عيناك لرؤيتي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي إذا تمكن جبل الطور من أن يستقر ويواجه عظمة الإله فسوف تراني، يقوله الله عز وجل، فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً الله لم يتجلَّ لموسى ولو تجلى له لاحترق، لكن تجلي الله للجبل جعله يخر مدكوكاً: جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [66]ـــ[67]لا إله إلا الله!! هؤلاء قومه قالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [68] قال الله تعالى: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ [69] صعقتهم الصاعقة وماتوا وتقطعت قلوبهم في أجوافهم، لكن قال الله تعالى: فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [70] فالله أحياهم بعد أن أماتهم وبعثهم لعلهم يعرفون الله تبارك وتعالى.[71]
كذلك بنوا إسرائيل لما قتل فيهم قتيل بين قبيلتين: وكان رجل منهم له ولد وهذا الولد له عم، فأراد الولد أن يقتل عمه ليأخذ ماله، فقتله ثم حمله ورماه في القبيلة الثانية، وجاء في اليوم الثاني وإذا بالمقتول عندهم، قالوا: أنتم الذين قتلتموه، قالوا: ما قتلناه ونحن أبرياء منه، قالوا: لا بد أن نسأل، ثم ذهبوا إلى موسى عليه الصلاة السلام، قالوا: هذا الرجل وجدناه قتيلاً عند آل فلان وهم ينكرون قتله، فمن قتله؟ فطلب موسى من الله تبارك وتعالى أن يوحي إليه بمن قتل هذا المقتول، فالله عز وجل أمر بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة حتى يؤخذ شيء من هذه البقرة ويضرب بها ذلك الميت فتعود له الحياة ويخبر بمن قتله.
فبنوا إسرائيل على عادتهم لا يمتثلون الأمر مباشرة، ولكنهم يلفون ويدورون، قالوا: يا موسى ما لونها؟ ما هي؟ ما شكلها؟ ما طولها؟ ما عرضها؟ فشدد الله عليهم؛ كلما سألوا سؤالاً أعطاهم صفة لا يجدونها، حتى إنهم لم يجدوا تلك البقرة إلا عند امرأة من بني إسرائيل رفضت أن تبيعها لهم إلا بملء جلدها ذهباً أحمر، يقول بعض المفسرين: لو أنهم أخذوا أي بقرة من البقر وذبحوها لوجدوا الغرض، لكن لما شددوا شدد الله عليهم..
فبنوا إسرائيل تجاوزوا وبدءوا يلفون ويدورون .
حتى إن الصفة لم تتوفر إلا في تلك البقرة الوحيدة فاشتروها بملء جلدها ذهباً ثم ذبحوها.
وجاء موسى عليه السلام وأخذ ضلعاً من ضلعها وضرب الميت، قال الله تبارك وتعالى:
فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [72] حين ضربه قام الرجل كأنه كان نائماً، قالوا: من قتلك؟ قال: ابن أخي، وابن أخيه هو الذي يصيح ويقول: كيف تقتلون عمي؟! قال الميت: هذا الذي قتلني، فأخذوه وقتلوه، فهذا من آيات الله التي حصلت في إحياء الموتى بعد أن كانوا موتى، أحياهم الله! وإن من أحياهم قادر على إحياء جميع الأموات.[73]
ــــ الدليل الثاني:
أخبرنا الله عز وجل في آخر سورة البقرة عن الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف فقال سبحانه: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [74].
ـــ الدليل الثالث:
حدثنا الله عن الرجل الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها؛ البيوت قد تهدمت، والقبور قد نصبت، والحياة قد انطمست، فقال في عقله: أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا [75]؛ استبعد وقال: متى يحيي الله هذه الأرض بعد موتها؟ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [76]رأى العظام وهي تتشكل، ورأى العظام وهي تكسى لحماً، ورأى الروح وهي تنفخ، أما طعامه الذي كان معه قبل أن يموت فقد بقي لم يتسنه ولم يتغير ولم يتحمض ولم يتعفن رغم مرور مائة سنة وهو محفوظ بالقدرة الإلهية لم يتغير أبداً؛ لأنه آية.[77]
· إحياء الأرض بالنبات بعد إنزال المطر عليها.
وكذلك ضرب المثل بإحياء الأرض بالنبات بعد إنزال المطر عليها، ونحن اليوم نرى بعد نزول المطر والغيث والحمد لله الأرض قد اخضرت، والأشجار أثمرت، وامتلأت الأرض بالورود والألوان الزاهية والأشكال المشكلة، بعد أن كانت قبل المطر غبراء دبراء لا أثر للحياة فيها، لكن لما نزل عليها الماء، أين كانت هذه البذور؟ من الذي حفظها؟ من الذي أحياها؟ إنه الله الذي لا إله إلا هو، يقول الله تعالى: فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [78] ويقول عز ذكره: وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ [79] ويقول: إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ [80] ويقول: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [81] ويقول: وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ [82].
· مقتضى عدل الله موجب للبعث والنشور.
من حكمة الله ومقتضى عدله أن يوجب وجود بعث وجزاء بعد الموت لا بد, وإلا فإن هذا مناقض ومعارض للعدل الرباني الإلهي، لماذا؟ لأن الله خلق الخلق لعبادته، وأرسل الرسل وأنزل عليهم الكتب لبيان الطريق الموصلة إليه، فانقسم الناس إلى قسمين: قسم استجاب واستقام على طاعة الله، وعمل في سبيل الله، وبذل نفسه وماله وحياته كلها في دين الله.
وقسم رفض دين الله، وكذب رسله، وقضى حياته كلها في محاربته هو ورسله، وفي إيذاء عباد الله؛ يفتك بالأرواح. يسيل الدماء. يهتك الأعراض. يسرق الأموال. يفسد في الأرض ....
ثم يموتون كلهم، أفيليق في منطق العقل أن يموت ذلك الصالح وذلك الخبيث المنحرف الطالح ثم لا يجزي الله المحسن بإحسانه، ولا يعاقب المسيء على إساءته؟ هل هذا معقول؟ لا.
ولهذا يقول الله عز وجل:
أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ [83] ويقول: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [84] ثم يقول: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [85] أي: مستحيل، ويقول الله تعالى: لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [86] ويقول: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [87].
خاتمة
هذه الأدلة التي نغرسها في قلوبنا، ونجزم عليها ونعيش في سبيلها، ونعيش عليها ونحن مؤمنون بلقاء الله، ويترجم هذا الإيمان ويصدق أو يكذب بسلوكنا، فإن من الناس من يقول: آمنا، ولكن فعله يكذب قوله، لا يكون صادقاً من قال: آمنا إلا إذا أقام على هذا الكلام دليلاً من عبادته وترك محارم الله تبارك وتعالى، واستقامته على منهج الله.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقني وإياكم الإيمان القوي، وأن يثبتنا وإياكم عليه حتى نلقى الله.
والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



[1] رواه مسلم في كتاب الإيمان ، حديث : 8 .

[2]الشورى:18

[3]الكهف:110

[4]الطور:35

[5]لقمان: 25

[6]النمل:67-68

[7]الرعد:5

[8]الرعد:4

[9]الرعد:5

[10]الرعد:5

[11][الرعد:5]

[12][الرعد:5]

[13] الجامع لأحكام القرآن,ج,9,ص,283,بتصرف, الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة, الطبعة: الثانية، 1384هـ - 1964 م

[14]الأنعام:29]

[15]الأنعام:30]

[16][الأنعام:30]

[17][الأنعام:30]

[18][الحاقة:25-26]

[19][الإسراء:49]

[20][الإسراء:50]

[21]الإسراء:51]

[22]الإسراء:51]

[23][طـه:15]

[24][الحجر:85]

[25][الأنعام:134]

[26][المرسلات:7]

[27][النساء:87]

[28][الذاريات:1-6]

[29][الطور:1-8]

[30][سبأ:3]

[31][يونس:53]

[32][التغابن:7]

[33][يونس:45]

[34][يونس:45]

[35][النمل:66]

[36][آل عمران:7-9]

[37][فاطر:28]

[38][الروم:7]

[39][هود:103-109]

[40]انظر تفسير القرطبي ,ج,9,ص,94

[41][سبأ:29-30]

[42][الزخرف:83]

[43][الذاريات:5]

[44][المعارج:6]

[45][المعارج:7]

[46][النحل:1]

[47][النحل:1]

[48]القمر ,1ــ8

[49][مريم:66]

[50][مريم:67]

[51][مريم:68]

[52][الحج:5-7]

[53][العنكبوت:19-20]

[54][الروم:27]

[55][الروم:27]

[56][الإسراء:98-99]

[57][يس:81]

[58][الأحقاف:33]

[59][غافر:57]

[60] التحرير والتنوير,ج24,ص,176, الناشر : الدار التونسية للنشر – تونس, سنة النشر: 1984 هـ

[61][السجدة:10]

[62][الأنعام:65-96]

[63][البقرة:28]

[64][النساء:153]

[65][الأعراف:143]

[66]الأعراف:143]

[67] تفسير القرآن العظيم.ج3,ص,468ــ469,ا بن كثير, الناشر : دار طيبة للنشر والتوزيع, الطبعة : الثانية 1420هـ - 1999 م

[68][البقرة:55]

[69][الذاريات:44]

[70][البقرة:55-56]

[71]انظر تفسير القرآن العظيم ,ج,1,ص,264.

[72][البقرة:73]

[73]انظر القصة في تفسير ابن كثير ,ج,1,ص302ــ304.

[74][البقرة:243] انظر القصة في تفسير ابن كثير في نفس الآية

[75][البقرة:259]

[76][البقرة:259]

[77]انظر القصة في تفسير ابن كثير في نفس الآية

[78][الروم:50]

[79][الفرقان:48]

[80][فاطر:9]

[81][فصلت:39]

[82][الزخرف:11]

[83][القلم:35-38]

[84][ص:27]

[85][ص:28]

[86][الحشر:20]

[87][الجاثية:21-22]