نافذة على أسوق النفط العالمية
توقعات باتجاه نزولي لأسعار النفط قبل بيان المخزون الأمريكي الأربعاء
السر سيد أحمد من تورنتو - - 14/01/1427هـ
يبدو أن الأسواق ستفتتح اليوم وهي في حالة بحث عن مؤشر تتجه إليه، فأساسيات لسوق من ناحية العرض والطلب ووفرة المخزون، بل وحتى الطقس والعوامل السياسية والأمنية التي تؤثر في إمدادات بعض المنتجين تدفع كلها باتجاه الاستمرار في تحركات الأسعار الأسبوع الماضي ودفعها إلى أسفل، رغم القلق من التبعات السياسية والأمنية على تدفق الإمدادات. ولهذا ستشكل البيانات الخاصة بحجم المخزونات خاصة الأمريكي نقطة التركيز الرئيسية لأنظار المراقبين لأنها توفر مادة ملموسة يمكن حسابها والبناء عليها. وعليه يكتسب يوم الأربعاء المقبل أهمية كونه يشد الأنظار عادة إذ تصدر فيه الأرقام الخاصة بوضع المخزونات الأمريكية وتحركاتها.
ما شهده الأسبوع الماضي يشكل مرآة لما يمكن أن يحدث فأسعار النفط الخام افتتحت الإثنين الماضي بزيادة أكثر من دولار على الخام الأمريكي الحلو ويست تكساس حيث بيع البرميل بأكثر من 66 دولارا، وذلك في رد فعل تلقائي على قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، لكن الأمر لم يستغرق كثيرا حتى بدأت عمليات التراجع التي تزايدت سرعتها الأربعاء الماضي عندما نشرت البيانات الخاصة بوضع المخزون واتضاح توافره بأكثر مما كان يقدر المحللون، الأمر الذي دفع بالأسعار إلى تراجعات متتالية خسرت بموجبها نحو خمسة دولارات للبرميل منذ نهاية كانون الثاني (يناير) الماضي.
وتظهر الصورة جلية بخسارة أسعار الغاز الطبيعي وتراجعها إلى أدنى معدل لها منذ شباط (فبراير) الماضي، ويعود ذلك إلى ارتفاع حجم المخزون من هذه المادة رغم أن توقعات الطقس حذرت من احتمال أن تشهد عطلة نهاية الأسبوع الماضي عاصفة ثلجية تضرب الساحل الشرقي للولايات المتحدة. وكانت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية قد أعلنت عن سحب 38 مليار قدم مكعب من الغاز في الأسبوع المنتهي في الثالث من هذا الشهر، مقابل سحب 88 مليارا في الأسبوع الأسبق و176 مليار قدم في الفترة المقابلة من العام الماضي. وعليه فإن حجم المخزون بلغ 2.4 ترليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، بزيادة 437 مليارا عما كان عليه قبل عام و649 مليارا من معدل السنوات الخمس الماضية.
أما مخزونات النفط الخام فتراجعت 300 ألف برميل إلى 320.7 مليون برميل عما كانت عليه قبل أسبوع، لكنها أكثر 10.7 في المائة عما كانت عليه في الفترة المقابلة من العام الماضي.
وإلى جانب هذه الأساسيات التي ستحكم وضع السوق، فإن كلا من التقرير الشهري الذي أصدرته الوكالة الدولية للطاقة الأسبوع الماضي واجتماع وزراء مالية الدول الصناعية الثماني في موسكو أمس الأول تعطي مؤشرات إلى التقديرات العامة، التي يمكن أن تمثل ذخيرة لتحليل اتجاهات السوق لفترة مقبلة.
فالوكالة تشير في تقريرها الصادر الجمعة الماضي إلى تخفيف توقعاتها حول النمو في الطلب على النفط بنحو 600 ألف برميل يوميا إلى 1.78 مليون، ولو أن النمو سيظل بصورة عامة في حدود 2 في المائة مقابل 1.7 في المائة حققها خلال السنوات الخمس الماضية بسبب الدفع من قبل الصين التي ستشهد نموا في حدود 5.8 في المائة والولايات المتحدة بنسبة 1.7 في المائة وهما أكبر مستهلكين للنفط.
وفي الوقت الذي قامت فيه الوكالة برفع تقديراتها لحجم الإمدادات من قبل المنتجين من خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" بنحو 20 ألف برميل إلى 1.3 مليون، يأتي معظمه من دول الاتحاد السوفياتي سابقا وإفريقيا، مقابل متوسط نمو من هؤلاء في حدود 850 ألفا خلال السنوات الخمس الماضية، الأمر الذي يجعل الطلب على نفط "أوبك" في حدود 28.6 مليون برميل يوميا.
تقرير الوكالة ركز على أن الزيادة التي شهدتها الأسعار في الآونة الأخيرة تعود بصورة رئيسية إلى عوامل الطقس والأسباب اللوجستية مثل انقطاع الإمدادات من روسيا مثلا، أكثر منها لأسباب سياسية أو توترات أمنية.
كما أن ضعف الطاقة التكريرية وقلة المخزون من المنتجات المكررة والضعف الذي تعيشه الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى دول "أوبك" تظل هاجسا يجعل الأسعار مشدودة باستمرار. وحذرت الوكالة من أنه رغم أن التطورات السياسية تقدم خلفيات وقراءات مقنعة في بعض الأحيان، إلا أنه يسهل المبالغة في تأثيرها، الأمر الذي يشير إلى تقليل هذا الجانب خاصة في الوقت الذي تبنئ فيه أساسيات السوق عن وضع أكثر أستقرارا فيما يتعلق بالإمدادات وتواؤمها مع معدلات النمو السائدة وتلك المتوقعة.
وقدرت الوكالة تراجع المعروض من قبل دول "أوبك" بنحو 450 ألف برميل يوميا خلال الشهر الماضي، ومع أن بعض الأسباب تعود إلى قيام بعض الدول مثل الإمارات بعمليات صيانة أدت إلى تراجع الإنتاج بـ 80 ألف برميل يوميا، ومن نيجيريا 45 ألفا بسبب الاضطرابات، إلا أن العامل الأبرز يتمثل في أن تراجع الإمدادات من إيران بسبب الوضع السياسي يظل حالة نظرية، لكن في المقابل هناك البيانات الخاصة بالمنظمة التي تشير إلى زيادة في طاقتها الإنتاجية في نهاية العام الحالي في حدود نصف مليون برميل يوميا، وهو ما سيشكل عامل ضغط لدفع الأسعار إلى أسفل .
من جانبهم حذر وزراء المالية في الدول الثماني الكبرى في اجتماع اليوم الواحد الذي استضافته موسكو التي ستترأس المجموعة لأول مرة، من أن النمو الاقتصادي القوي مهدد باستمرار الارتفاع في أسعار النفط، والحل الذي ذكره جون سنو وزير الخزانة الأمريكي يتمثل في آليات السوق وفتح الدول المنتجة أبوابها للاستثمارات الأجنبية وتبني الشفافية في الصفقات النفطية، وتحسين العلاقات بين المنتجين والمستهلكين. إلى جانب مطالبة المنتجين بالمزيد من الدقة في الأرقام التي ينشرونها عن المخزون والإنتاج، الأمر الذي يمكن في زرع المزيد من الثقة. لكن من الناحية العملية البحتة فإن الاجتماع لم يخرج بأي مبادرة أو سياسة محددة، وهو ما سيعمق من حالة الحيرة التي تنتاب السوق وتدفعها إلى البحث عن مؤشرات ملموسة.