أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين.
أما بعد:

فإن من الأحاديث التي أثارت جدلا كثيرا هو هذا الحديث؛ قوله صلى الله عليه وسلم :

((خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الْآنَ)) متفق عليه.

زفي رواية عند مسلم : (( إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ ))

ورواه البخاري في الأدب المفرد عن أبى هريرة قال :( لا تقولن قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله عز و جل خلق آدم صلى الله عليه و سلم على صورته ) وحسنه شيخنا الألباني.

وفي رواية : عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(( إذا قاتل أحدكم فليتجنب الوجه فإن الله تعالى خلق آدم على صورة وجهه)) صححه الشيخ الألباني.


______________
وأهل العلم في فهم الحديث فسمان :
الأول : من يعيد الضمير إلى الله تعالى، وهو قول أكثر العلماء، وروي عن الإمام أحمد أنه قال : من أعاد الضمير إلى غير الله فهو جهمي.
ومن العلماء الذين اختاروا هذا القول : الإمام أحمد - شيخ الإسلام ابن تيمية - ابن قتيبة - ابن باز - ابن عثيمين وغيرهم.
الثاني: من يعيد الضمير إلى آدم عليه السلام أو إلى المضروب، وهو مذهب ابن خزيمة، واخناره الشيخ الألباني رحمه الله.
وقد قال القرطبي كما في الفتح : أعاد بعضهم الضمير على الله متمسكا بما ورد في بعض طرقه أن الله خلق آدم على صورة الرحمن، قال وكأن من رواه أورده بالمعنى متمسكا بما توهمه فغلط.


والثاني هو الصواب؛ للأسباب الآتية:
أولا: أن من زعم أن الضمير عائد إلى الله في رواية البخاري فهو تجسيم صريح؛ لأن الرسول عليه السلام قال : "خلق الله آدم على صورته وطوله ستون ذراغا" فلو كان الضمير عائد إلى الله سبحانه لكان المعنى: أن الله عزوجل طوله ستون ذراعا. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وأنا لا أتهم من قال بالقول الأول بأنه مجسم، إنما قصدوا إثبات الصورة، وهذا ثابت لله عزوجل في أحاديث متعددة، إنما أخطؤوا في الإستدلال بهذا الحديث.

ثانيا: أن إثبات الصورة من هذا السياق في الحقيقة لا يستقيم؛ لأن كل شيء له صورة، من الدواب والإنس والجن وغيرهم من المخلوقات؛ فعندما يقال خلق الله آدم على صورته أي له وجه كما أن لله وجها، وسمعا وبصرا ...الخ فهذا خطأ، كيف وقد خصصت الصورة بصورة آدم؟
بناء على هذا الكلام يمكن أن يقال : خلق الله الجن على صورة الرحمن، أو خلق الإبل على صورة الرحمن، وهذا لا يليق.

ثالثا : لا فائدة من هذا القول أصلا، فمن المعلوم أن لله صورة كما ثبت في الأحاديث، أما هذا السياق فلا يتناسب مع المعنى المزعوم؛ أي لا داعي أن يقال خلق الله آدم على صورته لإثبات صفات لله تعالى؛ فهي ثابتة في كتابه عز وجل
ولا سيما أن اللفظ المتفق عليه لا يعين أبدا على القول بأن الضمير عائد إلى الله نعالى، والدليل قوله : ((طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا)) وقوله : (( فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الْآنَ ))
_______________________

أما السياق الثاني للحديث : ففيه تكمن المشكلة، حيث علل النهي عن الضرب على الوجه لأن الله خلق آدم على صورته أو على صورة وجهه.
فأقول مستعينا بالله تعالى :
أولا: الأحاديث يفسر بعضها بعضا، فالسياق الأول اتفق مع الثاني في قوله : خلق الله آدم على صورته، والضمير يعود إلى أقرب مذكور.
قد يقول قائل : ما معنى الحديث إذا أعيد الضمير إلى آدم عليه السلام ؟
فنقول معناه : أن الرسول عليه السلام يقول : لا تضرب الوجه، ولا تقبحه؛ لأن الله عز وجل خلق آدم على صورته ، كامل الخلقة، ليس مشوها، فلا تشوه الوجه الذي أكرمه الله تعالى وخلقه بيديه؛ وهذا يتبين من رواية : خلق الله آدم على صورة وجهه؛ أي الهيئة التي هو عليها، لم تتغير بحيث تكون مشوهة، والضرب على الوجه يشوه صورة الإنسان، بخلاف الضرب على باقي الأعضاء.
ولذلك قال ابن عمر عندما رأى رجلا قد أثر السجود في جبهته كما رواه ابن أبي شيبة : إنَّ صُورَةَ الرَّجُلِ وَجْهُهُ ، فَلاَ يَشِينُ أَحَدُكُمْ صُورَتَهُ.
وقال سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ كما رواه مسلم :أَنَّ جَارِيَةً لَهُ لَطَمَهَا إِنْسَانٌ فَقَالَ لَهُ سُوَيْدٌ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الصُّورَةَ مُحَرَّمَةٌ ؟
وقد قيل بأن الضمير يعود على المضروب، وهذا قول جيد.
وقال الحافظ في الفتح : "وزعم بعضهم أن الضمير يعود على آدم أي على صفته؛ أي خلقه موصوفا بالعلم الذي فضل به الحيوان، وهذا محتمل."
وعلى كل حال فهو عائد إما إلى آدم في السياق الثاني أو إلى المضروب.
أما إلى الله فلا.
وأما السياق الأول فمفروغ من أن المراد منه بأن آدم عليه السلام لم يكن علقة ثم نطفة ثم طفلا..الخ.

ثانيا: قوله عليه السلام : ((لا تقولن قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله عز و جل خلق آدم على صورته)) لو أعيد الضمير إلى الباري جل وعلا للزم القول بأن وجه الله يشبه وجه آدم !؛
أي كأن يقال : لا تقل قبح الله وجهك وكل من شابهك لأن الله خلق آدم وذريته تشبهه، وآدم يشبه الله.
وقال الحافظ في الفتح : "وهو ظاهر في عود الضمير على المقول له ذلك "

والله أعلم.