أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


أيها ألأحبة هذه مقالة شيخنا أبي عبد الله حمزة النائلي حفظه الله وهي بعنوان ليلة القدر نشرها فضيلته في جريدة الشرق القطرية بتاريخ اليوم أنقلها إلى هذا الملتقى المبارك حتى تعم الفائدة

بسم الله الرحمن الرحيم
ليلة القدر
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين .أما بعد :
إن من أعظم ليالي رمضان قدرا وأكثرها أجرا ليلة القدر فهي خير من ألف شهر ، قال تعالى (ليلة القدر خير من ألف شهر ) [القدر : 3]،قال الشيخ السعدي –رحمه الله-:"أي : تعادل في فضلها ألف شهر ، فالعمل الذي يقع فيها خير من العمل في ألف شهر خالية منها". تفسير السعدي (ص 931)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه،تُفْتَحُ فيه أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فيه أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لله فيه ليلة خَيْرٌ من ألف شهر، من حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ ".رواه النسائي ( 2106) وصححه العلامة الألباني -رحمه الله-
وقد سميت بليلة القدر أيها الأفاضل، لعظم قدرها، وفضلها عند الله،قال جل وعلا(إنا أنزلناه في ليلة القدر(1)وما أدراك ما ليلة القدر(2)ليلة القدر خير من ألف شهر)
[القدر :1-3] قال ابن الجوزي–رحمه الله-:"قوله تعالى(وما أدراك ما ليلة القدر):هذا على سبيل التعظيم والتشوق إلى خيرها ".زاد المسير في علم التفسير ( 9/191)
ولأنه كذلك يُقدر فيها ما يكون في العام من الأجل والأرزاق ، قال سبحانه وتعالى ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين (3) فيها يفرق كل أمر حكيم ) [ الدخان :3-4]
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- : "يفصل ويميز ويكتب كل أمر قدري وشرعي حكم الله به،وهذه الكتابة والفرقان الذي يكون في ليلة القدر إحدى الكتابات التي تكتب وتميز فتطابق الكتاب الأول الذي كتب الله به مقادير الخلائق وآجالهم وأرزاقهم وأعمالهم وأحوالهم، ثم إن الله تعالى قد وكل ملائكة تكتب ما سيجري على العبد وهو في بطن أمه ثم وكلهم بعد خروجه إلى الدنيا،وكل به كراما كاتبين ،يكتبون ويحفظون عليه أعماله، ثم
إنه تعالى يقدر في ليلة القدر ما يكون في السنة،وكل هذا من تمام علمه وكمال حكمته، وإتقان حفظه ، واعتنائه تعالى بخلقه".تفسير السعدي(ص 771)
إن مما زاد هذه الليلة بركة وتعظيما أن القرآن الكريم أُنزل فيها ، قال تعالى( إنا أنزلناه في ليلة القدر )[ القدر :1]قال الشيخ السعدي-رحمه الله-:"وذلك أن الله تعالى،ابتدأ بإنزاله في رمضان في ليلة القدر،ورحم الله بها العباد رحمة عامة،لا يقدر العباد لها شكرا".تفسير السعدي(ص931)
فالسعيد أيها الأحبة من يسر الله له صيامها وقيامها، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه". رواه البخاري(35)، ومسلم(759).
قال ابن بطال–رحمه الله-:"ومعنى قوله:"إيماناً واحتساباً"يعني :مُصدِّقاً بفرض صيامه، ومصدقاً بالثواب على قيامه وصيامه، ومحتسباً مريداً بذلك وجه الله، بريئاً من الرياء والسمعة، راجياً عليه ثوابه" شرح صحيح البخاري لابن بطال (1/59)
وقال الإمام النووي-رحمه الله-:"معنى( إيماناً): تصديقاً بأنّه حق، مقتصد فضيلته، ومعنى (احتساباً):أن يريد الله تعالى وحده،لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص،والمراد بالقيام:صلاة التراويح، واتفق العلماء على استحبابها".الشرح على صحيح مسلم (6/39)
وقوله صلى الله عليه وسلم "غفر له ما تقدم من ذنبه " محمول على الصغائر دون الكبائر قال الإمام النووي –رحمه الله-: "إن المكفرات إن صادفت السيئات تمحوها إذا كانت صغائر، وتخففها إذا كانت كبائر، وإلا تكون موجبة لرفع الدرجات في الجنات".تحفة الأحوذي(3/293)
أيها الكرام لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يتحرى ليلة القدر ، ويأمر أصحابه بتحرِّيها فعن ابن عمر –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم : " أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر،فمن كان متحرِّيها فليتحرَّها في السبع الأواخر".رواه البخاري(1088) ومسلم ( 1985) ،و الأحاديث التي جاءت في وقتها أيها الأفاضل تشير أنها في العشر الأواخر وأنها في الأوتار منها آكد ،قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-بعد أن ذكر أقوال العلماء في تحديد وقتها : "وأرجحها كلها أنها في وترٍ من العشر الأخير، وأنها تنتقل، كما يُفهم من أحاديث هذا الباب وأرجاها أوتار العشر ". فتح الباري (4/266)
قال الحافظ البيهقي–رحمه الله-:"قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمها في الابتداء، غير أنه لم يكن مأذوناً له في الإخبار بها؛ لئلا يتكلوا على علمها فيُحْيُوها دون سائر الليالي، ثم إنه صلى الله عليه وسلم أنسيها؛ لئلا يسأل عن شيء من أمر الدين فلا يخبر به". فضائل الأوقات للبيهقي (ص244).
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-:"قال العلماء:الحكمة في إخفاء ليلة القدر ليحصل الاجتهاد في التماسها، بخلاف ما لو عُيِّنت لها ليلةٌ لاقتُصِر عليها، كما تقدم نحوه في ساعة الجمعة، وهذه الحكمة مُطَّرِدة عند من يقول: إنها في جميع السنة،وفي جميع رمضان،أو في جميع العشر الأخير،أو في أوتاره خاصة، إلا أنّ الأول ثم الثاني أليق".فتح الباري (4/313)
ولهذه الليلة المباركة علامة ذكرها صلى الله عليه وسلم ، ففي حديث أبي بن كعب – رضي الله عنه- الذي رواه الإمام مسلم (761)"...وأَمَارَتُها أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ في صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لا شُعَاعَ لها".
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدرِ: «لَيْلَةٌ طَلْقَةٌ لا حَارَّةٌ ولا بَارِدَةٌ تُصْبِحَ الشَّمْسُ يَوْمَهَا حَمْرَاءُ ضَعِيفَة» رواه ابن خزيمة رواه ابن خزيمة (2192) وصححه الألباني بشواهده.
فمن وفقه الله أيها الكرام لإدراكها فليكثر من الدعاء والتضرع لله جل جلاله،وليحرص على الدعاء بجوامع الكلم وليبتعد عن الأدعية التي فيها تكلف السجع،فالحمد لله قد دلنا نبينا صلى الله عليه وسلم على السنة في هذا الباب فعن عائشة-رضي الله عنها-قالت: قلت:"يا رسول الله،أَرأَيت إن علمت أيَّ ليلةِ ليلة القدرِ ما أَقول فِيهَا؟ قال: قولي:اللَّهُمَّ إنَّك عَفُوٌّ كَريمٌ تُحبُّ العَفوَ فَاعْفُ عنِّي".رواه الترمذي(3513)وصححه الألباني-رحمه الله-
فعلينا أيها الأحبة الأفاضل بالجد و الاجتهاد في هذه الليالي المباركة ، فإن العمر يمضي و الساعات تنقضي ،ولعلنا لا نوفق لإدراك شهر رمضان المقبل، و الله هو الحافظ .
فالله أسأل لي ولكم أن يوفقنا لأدراك هذه الليلة المباركة ويجعلنا ممن صامها وقامهما إيمانا و احتسابا،فهو سبحانه ولي ذلك والقادر عليه
وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أبو عبد الله حمزة النايلي