الفنان يتألم ..لذلك يتفوق
يتميز بعض الناس بالحساسية المفرطة ، ورهافة الحس , وهذه تدل على صدق الانفعال ومن كانت هذه خليقته فليس برجوازيا عادي التفكير ، ميت الحس ، وإنما هو فنان بمعنى الكلمة .
والفن قمة التفوق والعبقرية ، ذلك أن الفن صفة جمالية ، كما أن العبقرية صفة للتفوق في العقلية والخيال ، والعاطفة ، والسلوك ، واللغة .
فإذا جاء الحق (عمل العقل ) والخير ( ماينبغي أن يكون ) بوجه فني فذلك قمة الفن في المنطق والأخلاق .
فإذا أضفت إلى ذلك جماليات الخيال ، واللغة والعاطفة ، فقد جمعت القيم الثلاث :الحق ، والخير ، والجمال ، وذلك قمة العبقرية .
ومرهف الحس يتمتع أكثر من غيره بآيات الجمال ، ومتع الحياة .
وأخالكم ستقولون هنيئا لمرهف الحس ، لأنه يتمتع بآيات الجمال أكثر من غيره .
وأخال هذا الكلام حق لو أن مرهف الحس يتمتع بالألم كما يتمتع باللذة , أو أن لحظيات المتعة في حياة الفنان أكثر من لحيظات التنغيص ، ولكن الأمر بالعكس في كلتا الحالتين .
إن مرهف الحس في عذاب نفسي في مواجهة القبح ، بقدر ماهو في نعيم نفسي من متع الجمال ، وأن لحيظات المتعة بالجمال في هذه الفانية تعد بالثواني بيد أن لحظات التعاسة تعد بتعاقب النيرين .
إن الفنان محسود بلا ريب ، وحاسدوه كثرة !!
ولكن قلما تجد من يرثي له أو يرق ، ذلك أن ذكاء الفنان ورهافة حسه وذقه يعــــــذبانه .
والنقاد يقولون : إن أمتع أثر أدبي وأصدقه ماجاء عن رهافة حس ، وصدق انفعال .
فالفنان مغبوط ، بأن أثره أجود الآثار ، أما أن يكون هذا الأثر الجيد نتيجة عذاب نفسي يعيشه المرهفون في اللحظات الجامحة فذلك أمر لايفطن له .
ولو فطن الناس لذلك لكان الفنان العبقري أحق بالرحمة والرثاء ...
أذكر على سبيل المثال... أن قبح الصداقة وآلامها أشد عذابا يلازم حياة الفنان ...
إن الفنان المرهف يؤسس صداقته على مخايل جمالية يراها فيمن سيصطفيهم .
وهذه المخايل قد تكون حسية , كجمال الطلعة وصباحة المحيا ، ولطافة الهيئة ، وظرافة الحديث ...وقد تكون معنوية كالخصائص الخلقية الفاضلة ....
والفنان المرهف بعد هذا سريع الاحتواء لاصدقائه لأنه يرفض الثنائية البغيضة ( أنا وأنت ) وينغص هذا الاحتواء أدنى ملمح للثنائية البغيضة ولو كان طفيفا .
ومهما كان شبح الثنائية المخيف خفيا , أو رهيفا فإن الفنان المرهف يرى ذلك جهرة , لأنه لا معنى لرهافة الحس إلا بالرؤية الواضحة للأمور الخفية الدقيقة .
إن الفنان المتألم مرشح لأن يكون مفكرا ، يصور أعرض تجربة في الحياة ، ويكتب من نياط قلبه أصدق ماتنطوي عليه المشاعر وكل ذلك عن وعي وحذق بمجال الجمال في فكرته وعاطفته ، وخياله ....
مع أعذب تحياتي ...
منقول من كتاب ( هكذا علمني وردزورث )
للأديب الشيخ : أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري