أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

أما بعد

هذا هو الجزء الثاني من مقالة شيخنا أبي عبد الله النائلي حفظه الله عن شهر شعبان والتي نشرها في جريدة الشرق القطرية أنقلها إلى هذا الملتقى المبارك حتى تعم الفائدة

بسم الله الرحمن الرحيم
(2) البيان لبدع شعبان
ما يُفعل في النصف من شعبان نموذجا
لقد مر معنا أيها الأحبة في المقال السابق أن نبينا صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الصيام في هذا الشهر ، وسار بعده أصحابه (رضوان الله عليهم) على هديه ، ثم اقتفى صدر هذه الأمة من السلف الصالح آثارهم ، ثم بعدهم ظهرت البدع والمحدثات في هذا الشهر ، واخترع بعض الناس فيه عبادات واحتفالات ، وما زعموه له من الفضائل و الكرامات ، وذلك بتخصيص بعض لياليه بالقيام أو الصيام ، أو تخصيصه بذبائح ، وغير ذلك مما اقترفوه ، و الله المستعان .
ويا للعجب !ويا للأسف ! ترك هؤلاء ما صح عنه صلى الله عليه وسلم ، من العبادات وذهبوا إلى الابتداع و الخرافات ، فحَرموا أنفسهم من الأجر وحمَّلوها الوزر !
ألم يبلغ هؤلاء! قول المصطفى صلى الله عليه وسلم:"و إياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ".رواه أبو داود(4607)والترمذي (2676)من حديث العرباض بن سارية(رضي الله عنه)وصححه الألباني. ألم يعلموا ! أن أيابتداع في الدينإنماهواستدراكعليه صلى الله عليه وسلم،وجرأةقبيحةيناديبهاصاحبهاأنَّالشريعةلمتكف،ولمتكتمل و أن نبينا صلى الله عليه وسلم ترك شيئا من الرسالة لم يبلغه!،فاحتاجالدينإلى إحداثهموابتداعهم!!وهذامافهمهأصحابالنبي صلى الله عليه وسلم ،والأئمةمنبعدهم من صنيع المبتدعة؛ فقال ابنمسعود (رضي الله عنه):"اتبعواولاتبتدعوا؛فقدكفيتم،وكلبدعةضلالة".رواهالدارمي في سننه(211)
و قال إمام دار الهجرة مالك - رحمه الله -:"منابتدعفيالإسلامبدعةيراهاحسنة؛ فقدزعمأنمحمدا صلى الله عليه وسلم خانالرسالة؛لأناللهيقول] اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا [[ المائدة :3] فمالميكنيومئذدينا؛فلايكوناليومدينا".الاعتصام للشاطبي(1/64)
قال الإمام الشوكاني- رحمه الله- :"فإذاكاناللهقدأكملدينهقبلأنيقبضنبيهصلى الله عليه وسلمفماهذاالرأيالذي أحدثهأهلهبعدأنأكملاللهدينه؟!إنكانمنالدينفياعتقادهم؛فهولميكملعندهمإلابرأيهم(!) وهذافيهردللقرآن!وإن لميكنمنالدين؛فأيفائدةفيالاشتغالبماليسمنالدين؟!.
وهذهحجة قاهرة،ودليلعظيم،لايمكنلصاحبالرأيأنيدفعهبدافعأبدا،فاجعلهذه الآيةالشريفةأول ماتصكبهوجوهأهلالرأي،وترغمبهآنافهم،وتدحض به حججهم".القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد(ص38)
ألم يدركوا! أن البدع تبعد عن رب العالمين ، قال أيوب السختياني – رحمه الله- :" ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا إلا ازداد من الله بعدا " . حلية الأولياء لأبي نعيم ( 3/9)
ألم يعوا !أن البدع كلها ضلال وإن استحسنها الجهلة من الناس وقبلوها منهم،قال عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-: "كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة ". الإبانة لابن بطة (1/339)
أيها الأحبة الكرام من باب النصح للمسلمين و تذكيرا لهم سنُحاول معا إلقاء الضَّوء على ما أحدثه بعض الناس في هذا الشهر، و التحذير منه مع نقل أقوال العلماء في ذلك ، سائلا المولى جلا وعلا أن يجعلنا و إياكم سببا في إحياء السنن و نشرها و إماتة البدع و خمدها، فمن ذلك :
- الاحتفال بليلة النصف من شعبان: فقد جعل بعض الناس ! هذه الليلة عيدا يحتفلون به، حتى أنهم يظهرون فيها من الفرح ما لا يظهرون في الأعياد الشرعية حيث توقد الشموع و تصنع الأطعمة الخاصة بها،وتوزع فيها الحلوى ،ويتزين لها الأطفال حيث يلبسون فيها الملابس الشعبية ويطوفون على البيوت وتقدم لهم الهدايا.
والبعض الآخر يجعلون طابعها دينيا ، فيخصصون نهارها بالصيام و ليلها بالقيام و يجتمعون في المساجد للعبادة و الذكر و غير ذلك من المحدثات و البدع !
و إذا سألتهم عن ذلك ؟ قالوا قد جاءت نصوص شرعية تؤيد صنيعنا ، فيستدلون عليك مثلا بما يروى مرفوعا :"إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها!".
فيجاب عليه أن هذا الحديث لا يصح ، فقد رواه ابن ماجة (1388) ومن طريقه ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/561)من طريق ابن أبي سبرة عن إبراهيم بن محمد عن معاوية بن عبد الله بن جعفر عن أبيّ عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال الحافظ ابن رجب –رحمه الله- : "إسناده ضعيف " . لطائف المعارف ( ص143)
وقال العلامة الألباني –رحمه الله- : " وهذا إسناد مجمع على ضعفه، وهو عندي موضوع لأن ابن أبي سبرة – أبو بكر بن عبد الله- رموه في الوضع كما في التقريب " .السلسلة الضعيفة (2132)
قال النووي –رحمه الله- : "من البدع المنكرة ما يفعل في كثير من البلدان ، من إيقاد القناديل الكثيرة العظيمة،والسرف في ليالي معروفة من السنة كليلة النصف من شعبان ، فيحصل بسبب ذلك مفاسد كثيرة،منها مضاهاة المجوس في الاعتناء بالنار و الإكثار منها،ومنها إضاعة المال في غير وجهه".المجموع شرح المهذب(2/181)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- :" أما صوم النصف –أي من شعبان- مفردا فلا أصل له ، بل إفراده مكروه ، وكذلك اتخاذه موسما تصنع فيه الأطعمة ، وتظهر فيه الزينة هو من المواسم المحدثة المبتدعة لا أصل لها ". اقتضاء الصراط المستقيم ( 2/628)
وقال الشيخ ابن باز –رحمه الله- : "ومن البدع التي أحدثها بعض الناس بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان ، وتخصيص يومها بالصيام ،وليس على ذلك دليل يجوز الاعتماد عليه و الذي أجمع عليه جمهور العلماء أن الاحتفال بها بدعة ".مجموع فتاوى ابن باز (1/186)
وقد يقول المعترض قد ثبت فضل لهذه الليلة ،حيث ثبت عنه صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه ، إلا لمشرك أو مشاحن" .رواه ابن ماجة ( 1390)من حديث أبي موسى الأشعري –رضي الله عنه- وصححه الألباني –رحمه الله- في السلسة الصحيحة(1144)
فيقال له : نعم صدقت ، قد صحح الشيخ –رحمه الله – هذا الحديث ، لكنه هو أيضا من قال في تعليقه على رسالة الصراط المستقيم رسالة فيما قرره الثقات الأثبات في ليلة النصف من شعبان ( ص9) :" لا يلزم من ذلك – أي من ثبوت فضلها – أن يخصصها – أي المسلم- بصلاة خاصة بهيئة خاصة ،لم يخصصها الشارع الحكيم بها ، بل ذلك كله بدعة يجب اجتنابها،و التمسك بما كان عليه الصحابة و السلف الصالح (رضي الله عنهم) ".

ثم إن اطلاع الباري سبحانه على خلقه ،وغفرانه لهم، ليس متوقف على شهر معين في السنة، أو ليلة منه دون باقي الليالي ، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له" .رواه البخاري ( 1094) ومسلم (758 )
فعليك يا هذا !بدل أن تبتدع في هذه الليلة وتحدث فيها، أن تحقق توحيد الله و تبتعد عن كل مظاهر الشرك ووسائله ، وتطهر قلبك من الشحناء و البغضاء للمسلمين ، كي ينالك بجود الله وكرمه هذا الأجر العظيم و الفضل الجزيل .
ومن المحدثات في هذا الشهر الكريم أيضا: بدعة الصلاة الألفية ، وتسمى بذلك لقراءة سورة الإخلاص فيها ألف مرة، لأنها مائة ركعة، يقرأ في كل ركعة سورة الإخلاص عشر مرات .
وقد رويت صفة هذه الصلاة ،والأجر المترتب على أدائها ، من طرق عدة ذكرها ابن الجوزي في كتابه الموضوعات (2/51) ثم قال : " هذا حديث لا نشك أنه موضوع ، وجمهور رواته في الطرق الثلاثة مجاهيل وفيهم ضعفاء بمرة ، والحديث محال قطعاً ".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:"وأما الاجتماع في المساجد على صلاة مقدرة كالاجتماع على مائة ركعة بقراءة ألف(قل هو الله أحد) دائما فهذه بدعة لم يستحبها أحد من الأئمة،والله أعلم" .مجموع الفتاوى (23/131)
وقال النووي – رحمه الله- :"وصلاة الرغائب أول جمعة من رجب وليلة نصف شعبان بدعتان قبيحتان مذمومتان وحديثهما باطل " . نهاية المحتاج للرملي (2 / 124)
ومما يجدر بنا التنبيه عليه في هذا المقام أيضا أنه كما لا يجوز تخصيص هذه الليلة بأي عمل والاحتفال فيها كذلك لا يجوز حضورها للفرجة و التسلية و الاستطلاع إلا لمنكر يقوى على البيان ويغلب على ظنه سلامته من الفتن
وقد سئلت اللجنة الدائمة بإشراف الشيخ ابن باز ( رحمه الله ) عن حضور الاحتفالات البدعية ، كالاحتفال بليلة المولد النبوي ، وليلة المعراج و ليلة النصف من شعبان ، لمن يعتقد عدم مشروعيتها لبيان الحق في ذلك ؟
فكان الجواب :
أولا : الاحتفال بهذه الليالي لا يجوز ، بل هو من البدع المنكرة
ثانيا :غشيان هذه الاحتفالات وحضورها لإنكارها و بيان الحق فيها،وأنها بدعة لا يجوز فعلها:مشروع و لاسيما في حق من يقوى على البيان ويغلب على ظنه السلامة من الفتن.
أما حضورها للفرجة و التسلية و الاستطلاع فلا يجوز ، لما فيه من مشاركة أهلها في منكرهم ،وتكثير سوادهم ، وترويج بدعتهم". فتاوى اللجنة الدائمة ( 3/26)
فعلينا أيها الكرام لزوم ما جاء في الكتاب و السنة ،و هدي سلف الأمة ، فإن كل الخير في اتباعهم وكل الشر في ابتداع من جاء بعدهم ، و الحذر كل الحذر من البدع فإنها مضلات عن الدين ومبعدات عن رب العالمين ، ولنجتنب الأحاديث الضعيفة و الموضوعة وذلك بالعلم بها أولا ثم تحذير الناس منها ثانيا ، ومن هذا ما يشاع في هذا الشهر مما لا يصح من أحاديث نبوية فبإذن الله في تتمة المقال سنذكر لكم طائفة من هذه الأحاديث المكذوبة لتعلموها وتجتنبوها وتحذروا الناس منها نصحا للإسلام و المسلمين ، سائلين الله لنا ولكم العون والتوفيق على العمل بالسنة ونشرها ،والعلم ببدعة و التحذير منها وخمدها.
وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أبو عبد الله النايلي