حقيقة التصوف وموقف الصُوفية من أصول العبادة والدين ..مقال للعلامة الفوزان
حقيقة التصوف وموقف الصُوفية من أصول العبادة والدين
0
19/08/2003
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينا، وأمرنا بالتمسك به إلى الممات، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}. [آل عمران، الآية: 102].
وتلك وصية إبراهيم ويعقوب لبنيه. {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}. [البقرة، الآية: 132].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد:
فإن الله خلق الجن والإنس لعبادته، كما قال – تعالى –: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}. [الذاريات، الآية: 56].
وفي ذلك شرفهم، وعزهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، لأنهم بحاجة إلى ربهم، لا غنى لهم عنه طرفة عين، وهو غني عنهم وعن عبادتهم، كما قال – تعالى -: {إن تكفروا فإن الله غني عنكم}. [الزمر، الآية: 7]. وقال – تعالى -: {وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد}. [إبراهيم، الآية: 8].
والعبادة حق لله على خلقه، وفائدتها تعود إليهم، فمن أبى أن يعبد الله فهو مستكبر، ومن عبد الله وعبد معه غيره فهو مشرك، ومن عبد الله وحده بغير ما شرع فهو مبتدع، ومن عبد الله وحده بما شرع فهو المؤمن الموحد.
ولما كان العباد في ضرورة إلى العبادة، ولا يمكنهم أن يعرفوا بأنفسهم حقيقتها التي ترضي الله – سبحانه – وتوافق دينه، لم يكلهم إلى أنفسهم، بل أرسل إليهم الرسل، وأنزل الكتب لبيان حقيقة تلك العبادة كما قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}. [النحل، الآية: 36].
وقال – تعالى -: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}. [الأنبياء، الآية: 25].
فمن حاد عما بينته الرسل ونزلت به الكتب من عبادة الله، وعبد الله بما يملي عليه ذوقه وما تهواه نفسه وما زينته له شياطين الإنس والجن فقد ضل عن سبيل الله ولم تكن عبادته في الحقيقة عبادة لله، بل هي عبادة لهواه: {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله}. [القصص، الآية: 50].
وهذا الجنس كثير في البشر، وفي طليعتهم النصارى، ومن ضل من فرق هذه الأمة، كالصوفية فإنهم اختطوا لأنفسهم خطة في العبادة مخالفة لما شرعه الله في كثير من شعاراتهم. وهذا يتضح ببيان حقيقة العبادة التي شرعها الله على لسان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبيان ما عليه الصوفية اليوم من انحرافات عن حقيقة تلك العبادة.
ضوابط العبادة الصحيحة:
إن العبادة التي شرعها الله – سبحانه وتعالى – تنبني على أصول وأسس ثابتة تتلخص فيما يلي:
أولا: أنها توقيفية (بمعنى أنه لا مجال للرأي فيها) بل لا بد أن يكون المشرع لها هو الله - سبحانه وتعالى – كما قال – تعالى – لنبيه: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا}. [هود، الآية: 112].
وقال – تعالى -: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون}. [الجاثية، الآية: 18].
وقال عن نبيه: {إن أتبع إلا ما يوحى إليَّ}. [الأحقاف، الآية: 9].
ثانيا: لا بد أن تكون العبادة خالصة لله – تعالى – من شوائب الشرك، كما قال – تعالى -: {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}. [الكهف، الآية: 110].
فإن خالط العبادة شيء من الشرك أبطلها، كما قال – تعالى -: {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون}. [الأنعام، الآية: 88].
وقال – تعالى -: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين. بل الله فاعبد وكن من الشاكرين}. [الزمر، الآيتان: 65 ، 66].
ثالثا: لا بد أن يكون القدوة في العبادة والمبين لها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما قال – تعالى -: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}. [الأحزاب، الآية: 21]. وقال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}. [الحشر، الآية: 7].
وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ) (1) [الحديث رواه مسلم]. وفي رواية (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)(2) [متفق عليه]. وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (صلوا كما رأيتموني أصلي) (3) [متفق عليه]. وقوله: (خذوا غني مناسككم) (4) [رواه مسلم]. إلى غير ذلك من النصوص.
رابعا: أن العبادة محددة بمواقيت ومقادير، لا يجوز تعديها وتجاوزها، كالصلاة مثلا؛ قال – تعالى – {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتبا موقوتا}. [النساء، الآية: 103].
وكالحج قال – تعالى -: {الحج أشهر معلومات}. [البقرة، الآية 197]. وكالصيام، قال – تعالى -: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه}. [البقرة، الآية 185].
خامسا: لا بد أن تكون العبادة قائمة على محبة الله – تعالى – والذل له، وخوفه ورجائه، قال – تعالى – {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه}. [الإسراء، الآية: 57]. وقال – تعالى – عن أنبيائه: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين}. [آل عمران، الآية: 90].
وقال – تعالى – : {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم. قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين}. [آل عمران، الآيتان: 31 – 32].
فذَكر – سبحانه – علامات محبة الله وثمراتها. أما علاماتها فاتباع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وطاعة الله، وطاعة الرسول.
أما ثمراتها فنيل محبة الله – سبحانه – ومغفرة الذنوب والرحمة منه – سبحانه -.
سادسا: أن العبادة لا تسقط عن المكلف من بلوغه عاقلا إلى وفاته، قال تعالى: {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}. [آل عمران، الآية: 102].
وقال: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}. [الحجر، الآية: 99].
حقيقة التصوف:
لفظ التصوف والصوفية لم يكن معروفا في صدر الإسلام وإنما هو محدث بعد ذلك أو دخيل على الإسلام من أمم أخرى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – يرحمه الله – في مجموع الفتاوى: "أما لفظ الصوفية فإنه لم يكن مشهورا في القرون الثلاثة، وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك وقد نقل التكلم به عن غير واحد من الأئمة والشيوخ، كالإمام أحمد بن حنبل، وأبي سليمان الداراني وغيرهما، وقد روي عن سفيان الثوري أنه تكلم به، وبعضهم يذكر ذلك عن الحسن البصري، وتنازعوا في المعنى الذي أضيف إليه الصوفي، فإنه من أسماء النسب كالقرشي والمدني وأمثال ذلك، فقيل: إنه نسبة إلى أهل الصفة، وهو غلط، لأنه لو كان كذلك، لقيل: صُفِّي، وقيل نسبة إلى الصف المقدم بين يدي الله – وهو أيضا غلط فإنه لو كان كذلك لقيل: صَفِّي، وقيل نسبة إلى الصفوة من خلق الله، وهو غلط – لأنه لو كان كذلك لقيل: صَفَوي، وقيل نسبة إلى صوفة بن بشر بن أد بن بشر بن طابخة، قبيلة من العرب كانوا يجاورون بمكة من الزمن القديم ينسب إليهم النساك ، وهذا وإن كان موافقا للنسب من جهة اللفظ فإنه ضعيف أيضا، لأن هؤلاء غير مشهورين ولا معروفين عند أكثر النساك ولأنه لو نسب النساك إلى هؤلاء لكان هذا النسب في زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم أولى. ولأن غالب من تكلم باسم الصوفي لا يعرف هذه القبيلة ولا يرضى أن يكون مضافا إلى قبيلة في الجاهلية لا وجود لها في الإسلام، وقيل – وهو المعروف – إنه نسبة إلى الصوف، فإنه أول ما ظهرت الصوفية في البصرة.
وأول من ابتنى دويرة الصوفية بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد، وعبد الواحد من أصحاب الحسن، وكان في البصرة من المبالغة في الزهد والعبادة والخوف ونحو ذلك ما لم يكن في سائر أهل الأمصار". وقد روى أبو الشيخ الأصبهاني بإسناده عن محمد بن سيرين أنه بلغه أن قوما يفضلون لباس الصوف، فقال: "إن قوما يتخيرون لباس الصوف يقولون إنهم يتشبهون بالمسيح ابن مريم، وهَدْيُ نبينا أحب إلينا، وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يلبس القطن وغيره ، أو كلاما نحوا من هذا، ثم يقول بعد ذلك: وهؤلاء نسبوا إلى اللبسة الظاهرة وهي لباس الصوف فقيل في أحدهم صوفي، وليس طريقهم مقيدا بلبس الصوف ولا هم أوجبوا ذلك ولا علقوا الأمر به – لكن أضيفوا إليه لكونه ظاهر الحال".
إلى أن قال: "فهذا أصل التصوف، ثم إنه بعد ذلك تشعب وتنوع" انتهى وكلامه (1) [مجموع الفتاوى: 11/5 – 7، 16، 18] – يرحمه الله – يعطي أن التصوف نشأ في بلاد الإسلام على يد عُبَّادِ البصرة نتيجة لمبالغتهم في الزهد والعبادة ثم تطور بعد ذلك – والذي توصل إليه بعض الكتاب العصرين – أن التصوف تسرب إلى بلاد المسلمين من الديانات الأخرى كالديانة الهندية والرهبانية النصرانية وقد يستأنس لهذا بما نقله الشيخ عن ابن سيرين أنه قال: "إن قوما يتخيرون لباس الصوف يقولون إنهم يتشبهون بالمسيح ابن مريم وهَدْيُ نبينا أحب إلينا". فهذا يعطي أن التصوف له علاقة بالديانة النصرانية!!
يتبع.....................