أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




نعم هذه هي القاعدة الثانية، وبدونها، يصعب على الأمم أفرادا وأسرا وقادة، أن يتمكنوا من الحصول على التزكية الربانية، ولوكان لقادتهم أذكى العقول، وعندهم أعلى الرغبات فيها، ولديهم أشد العزائم، ليوجهوا أممهم إلى ما يزكيهم التزكية التي تجعلهم أتقياء أزكياء، لهذا بعث الله إلى كل أمة رسولا من عنده، وأنزل عليه منهاجا من السماء كتابا من كتبه، وأمر كل رسول بتبليغ قومه ما شرعه لهم، كما سبق في قوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} وقال عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ... (36)} [النحل]

والسبب في عدم اهتدائهم إلى مصالحهم في الدنيا والآخرة بدون هاد من عند الله، أنهم يجهلون تلك المصالح – إلا قليلا مما يحتاجون إليه من عاجل متاع الدنيا، ولذلك لم يكلف الله الأمم بدينه، أصولا وفروعا، ولا في معاملات الناس فيما بينهم، في الدماء والأبضاع والأموال والمعاملات عامة، قبل أن يبينها لهم بوساطة رسله وكتبه، كما قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)} [النحل].

ولعلمه تعالى أن الأمم كلها في أشد الضرورة، إلى إقامة الحجة عليها، بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، أخذ على كل رسول من رسله وكل أمة من أمم أولئك الرسل، ميثاقه المؤكد، لئن جاءهم رسول جديد، وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه، وهذا الميثاق في الحقيقة خاطب به الأمم في أعيان رسلها لأن الأمم هي المقصود به، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ (81)} [آل عمران]
وليس المقصود الرسول بذاته، إذ الغالب أن يكون بين كل رسول وآخر أحقابا من الدهر، ولا أذ كر - في كتاب الله - مجيء رسول مستقل بكتاب خاص به، في عهد رسول مستقل قبله، بكتاب خاص به.

ومجيء هارون رسولا بعد رسالة موسى صلى الله عليهما وسلم، كان بطلب من موسى، وكتابهما واحد، وهو التوراة ورسالتهما إلى أمة واحدة، وأصحاب القرية – الرس – الذين أرسل الله إليهم رسولين، ثم قواهما بثالث كان الثلاثة كلهم عليهم السلام، مرسلين إلى أصحاب القرية نفسها، كما قال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14)} [يس]

وهذه القاعدة – القدوة الحسنة في التزكية - ألهم الله تعالى بها خليله إبراهيم وابنه إسماعيل في أغوار التاريخ عند بنائهما الكعبة، فدعوا ربهما أن يمن بها على هذه الأمة التي هي خاتمة الأمم، بأن يبعث فيها خاتم جميع الرسل، يكون منها، داعيا لها إلى عبادة ربها، بكتاب منزل من عنده تعالى يعلمها إياه، ويتلو عليها آياته في كتابه المفتوح "الكون" الذي تخضع كل رقاب العقلاء لعظمة خالقها والدينونة له.

والبنود التي تضمنتها دعوة إبراهيم وإسماعيل، هي : إرسال رسول إليهم منهم، يتلو عليهم آياته القرآنية والكونية، ويفقههم الكتاب الذي ينزله إليه، وأسراره وأسرار الدين الإسلامي الذي يدعوهم إليه، ويطهر نفوسهم من الشرك والمعاصي والأخلاق السيئة، بالإيمان والأعمال الصالحة، والأخلاق الحسنة، جمعها كلها قوله تعالى: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
(129)} [البقرة]

وقد استجاب الله تعالى دعوة خليله وابنه، وامتن على هذه الأمة بتلك الاستجابة في موضعين من كتابه، فقال تعالى في الموضع الأول: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (164) (164)} [آل عمران]

وقال في الموضع الثاني:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)} [الجمعة]

والقرآن الكريم مليء بالحث على تزكية النفوس والقلوب، بذكر لفظ التزكية نفسها، وبألفاظ أخرى، وهذه الأخيرة هي الأكثر، فكل ما أمر الله تعالى به أو مدحه وأثنى عليه، أو على أهله في كتابه، أو أمر به رسوله عليه الصلاة والسلام، ومدحه وأثنى عليه أو على أهله، في سنته من الطاعة، ففعله المؤمن فهو له قربة وتزكية، وكل ما نهى الله تعالى عنه، أو ذمه ومقته أو ذم فاعله في كتابه وكل ما نهى عنه رسوله عليه الصلاة والسلام، أو ذمه ومقته في سنته، أو ذم فاعله من المعاصي، فهو ران وتدسية،هذه قاعدة عامة، يستطيع المؤمن الذي يقرأ القرآن، والسنة، معرفتها من قراءته لهما، مفصلة.

وقد ذكرت التزكية مضافة إلى الله تعالى تارة باعتبار، ومضافة إلى رسوله عليه الصلاة والسلام

باعتار ثان،

ومضافة إلى العبد حينا باعتبار ثالث، قال السيد رشيد رضا رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} إلى قوله: {وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104)} [التوبة]:
"وَالتَّزْكِيَةُ لِلْأَنْفُسِ بِالْفِعْلِ تُسْنَدُ إِلَى اللهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ هُوَ الْخَالِقُ الْمُقَدِّرُ الْمُوَفِّقُ لِلْعَبْدِ لِفِعْلِ مَا تَزْكُو بِهِ نَفْسُهُ وَتَصْلُحُ، قَالَ تَعَالَى : ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ﴾ 2 ﴿4 : 21﴾ وَتُسْنَدُ إِلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ هُوَ الْمُرَبِّي لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا تَزْكُو بِهِ أَنْفُسُهُمْ ، وَيَعْلُو قَدْرُهَا بِسُنَّتِهِ الْعَمَلِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ فِي بَيَانِ كِتَابِ اللهِ، وَمَا لَهُمْ فِيهِ مِنَ الْأُسْوَةِ الْحَسَنَةِ وَمِنْهُ هَذِهِ الْآيَةُ، وَقَالَ تَعَالَى : {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (62 : 2) فَتَزْكِيَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأُمَّةِ مِنْ مَقَاصِدِ الْبَعْثَةِ وَتُسْنَدُ إِلَى الْعَبْدِ لِكَوْنِهِ هُوَ الْفَاعِلَ لِمَا جَعَلَهُ اللهُ سَبَبًا لِطَهَارَةِ نَفْسِهِ وَزَكَائِهَا كَالصَّدَقَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (91 : 9 ، 10) وَقَوْلُهُ : {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} (87 : 14 و15}" [انتهى من كتاب: المنار].

وإنك إذا تأملت هذه المنة التي استجاب الله فيها دعاء إبراهيم، ببعث هذا الرسول الكريم، وخص بها هذه الأمة ورحمها به، وجلت بخاطرك في منهاجه الذي تضمنه القرآن العظيم، والسنة النبوية الصحيحة، لعلمت علم يقين، أن تلك البنود التي اختصرت في الدعوة الخليلية، قد بسطت بسطا لم يوجد له نظير فيهما – أي الكتاب والسنة – وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم – ابن إسماعيل وإبراهيم – كان لهذه الأمة قدوة حسنة تامة في جميع حياته، قولا وعملا.

فلا تجد بابا من أبواب الخير التي ترضي الله تعالى، في حياتَيْ الدنيا والآخرة، إلا سلكه الرسول عليه الصلاة والسلام بنفسه، اعتقادا وقولا وعملا، وعبادة، وأخلاقا لازمة ومتعدية، ودعا إليه أمته، وحرص أشد الحرص على سلوكها في مهيعه، وبين لها فضله وعاقبته الحميدة في الدنيا والآخرة، ولا تجد بابا من أبواب الشر والمنكر والفساد، إلا كان عليه الصلاة والسلام ، أعظم قدوة لأمته في الابتعاد عنه، وأشد حرصا على تحذيرها منه، ومن مقاربته.

قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} [التوبة]

وقال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} إلى قوله تعالى: {فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)} [الحجرات]

وقال هو عليه الصلاة والسلام: كما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أنه قال (مثلي كمثل رجل استوقد نارا. فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها. وجعل يحجزهن ويغلبنه فيتقحمن فيها. قال فذلكم مثلي ومثلكم. أنا آخذ بحجزكم عن النار. هلم عن النار. فتغلبوني تقحمون فيها). [البخاري ومسلم]

وشهد الله تعالى له، أنه عليه الصلاة والسلام ، تلا عليهم القرآن، وعلمهم الكتاب وفقههم فيه، ونبههم به إلى آيات الله في الكون، وعلمهم الحكمة وأسرار هذا الدين، وزكاهم به من الشرك والمعاصي، وطهرهم بالإيمان والطاعات، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن الضلال الذي كانوا فيه إلى الهدى والرشاد، كما بين ذلك نصا في سورتي آل عمران والجمعة: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} كما مضى.

وقال تعالى حاكيا عنه:{وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ ...(92)} [النمل]

فهو في الحقيقة رحمة لهذه الأمة من يوم بعث إلى يوم القيامة، ولا يحرم تلك الرحمة إلا من أبى، واتبع هواه والشيطان، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء].

ولقد أثر تعليمه وتزكيته في صحابته ومن تبعهم، إلى أن باعوا أنفسهم وأموالهم وكل غال ونفيس، لربهم، فقوي إيمانهم، وعمرت قلوبهم بتقواه، وبذلوا أنفسهم، للدعوة إلى الله ونشر دينه، والجهاد في سبيله، ولشدة تأثرهم بتزكيته الشاملة لهم، بالغوا في طاعتهم لربهم، حتى سأل بعضهم نساءه عن عبادته، فتقالوها، وأرادو أن يزيدوا عليها، بل أرادوا أن يتبتلوا، لشدة رغبتهم في الجنة، وخوفهم من النار، وعلمهم بأن الله تعالى قد غفر لنبيه ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وليسوا كذلك.

كما في حديث أَنسٍ رضي اللَّه عنه قال: "جاءَ ثَلاثةُ رهْطِ إِلَى بُيُوتِ أَزْواجِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يسْأَلُونَ عنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَلَمَّا أُخبِروا كأَنَّهُمْ تَقَالَّوْها وقالُوا: أَين نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَدْ غُفِر لَهُ ما تَقَدَّم مِنْ ذَنْبِهِ وما تَأَخَّرَ.قالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فأُصلِّي الليل أَبداً، وقال الآخَرُ: وَأَنا أَصُومُ الدَّهْرَ أبداً ولا أُفْطِرُ، وقالَ الآخرُ: وأَنا اعْتَزِلُ النِّساءَ فلا أَتَزوَّجُ أَبداً، فَجاءَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إلَيْهمْ فقال: (أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كذا وكذَا؟، أَما واللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ للَّهِ وَأَتْقَاكُم له لكِني أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصلِّي وَأَرْقُد، وَأَتَزَوّجُ النِّسَاءَ، فمنْ رغِب عن سُنَّتِي فَلَيسَ مِنِّى) [متفقٌ عليه.]

ولو أراد باحث تتبع أثر تزكيته عليه الصلاة والسلام صحابته، وتزكية أصحابه أبناءهم وأتباعهم، لملأ بتلك الآثار مجلدات، وما قدر على إيفائها حقها.

وبذلك كان عليه الصلاة والسلام القدوة الحسنة الكاملة لمن يترسمون خطاه في تزكية أنفسهم، كما قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21)} [الأحزاب]

فأكمل الله بتلك التزكية الربانية المؤثرة، له ولأمته هذا الدين ورضيه لهم، كما قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً... (3)} [المائدة].

فكيف نزكي أنفسنا، ونطهر قلوبنا من أدناس المعاصي والآثام، متخذين من كتاب الله وسنة
رسوله عليه الصلاة والسلام ، نبراسا نهتدي به، ومعلما نقتدي به، لننجو من غضب الله وسخطه، ونفوز بفضله ورضاه؟ لعل في قواعد الحلقات القادمة ما ينير لنا الطريق إلى ذلك، والله وحده المستعان: {إياك نعبد وإياك نستعين}.