أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


المصافحـــــــــــــة بعد الصـــــــــــــــــــلاة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
كثير من المصلين وبمجرد انتهاء الإمام من التسليم يمدون أيديهم لمن هم على أيمانهم وشمائلهم لمصافحتهم قائلين : (( تقبل الله منَّا ومنكم )).
وهذه بدعة مخالفة لهدي النبيe وبيان هذا من وجوه :
الأول : إن المصافحة من السنن المتفق عليها عند لقاء المسلم مع أخيه المسلم .
فقد روى الإمام البخاري بإسناده عن قتادة قالt :( قلت لأنس t أكانت المصافحة في أصحاب النبيe قال : نعم ) (1).
وجاء في الحديث عن البراء بن عازبt قال : قال رسول الله e : (ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر الله لهما قبل أن يتفرقا ) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وقال الشيخ الألباني : صحيح (2).
ووردت أحاديث أخرى في الـمـصـافحة ، ويؤخذ من هذه الأحاديث أن المصافحة سنة عند كل لقاء بين مسلمين .
الثاني : إن ما اعتاده الناس من المصافحة بعد الصلوات لا أصل له في الشرع على هذا الوجه بل هو بدعة لأن المصافحة مشروعة عند القدوم واللقاء ويستثنى من هذا من قدم إلى الصلاة ولم يجتمع بمن يصافحه قبل الصلاة فالمصافحة في حقهما مشروعة حينئذ .
وما قاله بعض العلماء من أن المصافحة عقب الصلوات بدعة مباحة فقد أجاب عليه الحافظ ابن حجر بقوله :[ قلت : وللنظر فيه مجال فإن أصل صلاة النافلة سنة ومع ذلك فقد كره المحققون تخصيص وقت بها دون وقت ، ومنهم من أطلق تحريم مثل ذلك كصلاة الرغائب التي لا أصل لها](1).
إذا تقرر هذا فأقول إن المصافحة عقب الصلاة بدعة وليس لها دليل من سنة ولا أثر والالتزام بها هدي لم يدل عليه الشرع فيكون بدعة (3).
وقد نص على بدعتيها كثير من أهل العلم قال التركماني :[ وأما المصافحة في الصلاتين بعد صلاة العصر وبعد صلاة الصبح فبدعة من البدع التي استوى طرفاها لا أصل لها في الشرع واختار بعض العلماء تركها لأنها زيادة في الدين ] (1).
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن المصافحة عقيب الصلاة هل هي سنة أم لا ؟ فأجاب : الحمد لله ، المصافحة عقيب الصلاة ليست مسنونة بل هي بدعة ] (2).
ونقل ابن عابدين عن بعض فقهاء الحنفية قوله :[ تكره المصافحة بعد أداء الصلاة بكل حال لأن الصحابة رضي الله عنهم ما صافحوا بعد أداء الصلاة ولأنها من سنن الروافض ] (3).
وقال ابن الحاج :[ وينبغي ... أن يمنع ما أحدثوه من المصافحة بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر وبعد صلاة الجمعة بل زاد بعضهم في هذا الوقت فعل ذلك بعد الصلوات الخمس وذلك كله من البدع وموضع المصافحة في الشرع إنما هو عند لقاء المسلم لأخيه لا في أدبار الصلوات الخمس وذلك كله من البدع فحيث وضعها الشرع نضعها فينهى عن ذلك ويزجر فاعله لما أتى من خلاف السنة ] (4).
وقال اللكنوي :[ إنهم قد اتفقوا على أن هذه المصافحة ليس لها أصل في الشرع ثم اختلفوا في الكراهة والإباحة والأمر إذا دار بين الكراهة والإباحة ينبغي الإفتاء بالمنع فيه لأن دفع مضرّة أولى من جلب مصلحة فكيف لا يكون أولى من فعل أمر مباح على أن المصافحين في زماننا يظنونه أمراً حسناً ويشنعون على مانعه تشنيعاً بليغاً ويصرون عليه إصراراً شديداً وقد مرّ أن الإصرار على المندوب يبلغه إلى حدّ الكراهة فكيف إصرار البدعة التي لا أصل لها في الشرع وعلى هذا فلا شك في الكراهة] (1).
الثالث : إن قول المصلي لمن هو على يمينه وشماله عند مصافحته " تقبل الله " بدعة أيضاً [ ولم نعلم عن أحد من الصحابة أو السلف الصالح رضي الله عنهم أنهم كانوا إذا فرغوا من صلاتهم التفت أحدهم عن يمينه وشماله مصافحاً من حوله مباركاً له بقبول الصلاة ولو فعل ذلك أحد منهم لنقل إلينا ولو بسند ضعيف ولنقله لنا أهل العلم الذين خاضوا في كل بحر فغاصوا في أعماقه واستخرجوا منه أحكامه الكثيرة ولم يفرطوا في سنة قولية أو فعلية أو تقريرية أو صفة ] (2).
الرابع : إن هذه المصافحة وقولهم تقبل الله منا ومنكم تقطع على كثير من المصلين تسبيحهم وذكرهم المشروع ولا ينبغي للمسلم أن يقطع تسبيح أخيه المسلم إلا بسبب شرعي وهذه المصافحة ليست كذلك (3).

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

كتبه د. حسام الدين عفانه
أستاذ مساعد كلية الدعوة وأصول الدين -جامعة القدس سابقا

(1) صحيح البخاري مع الفتح 13/294 .

(2) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 14/80 ، سنن الترمذي مع شرحه التحفة 7/429 سنن ابن ماجة 2/1220 ، صحيح سنن الترمذي 2/353 ، السلسلة الصحيحة 2/44 .

(1) فتح الباري 13/294 .

(3) معجم المناهي اللفظية ص 206 .

(1) اللمع في الحوادث والبدع 1/283 .

(2) مجموع الفتاوى 23/339 .

(3) حاشية ابن عابدين 6/381 .

(4) المدخل 2/223 .

(1) القول المبين ص 296 .

(2) القول المبين ص 293 .

(3) المصدر السابق ص 296 .