أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
والصَّلاةُ والسَّلامُ على أَشْرَفِ الأنبياءِ والمُرسَلِينَ سيِّدنِا وَإِمَامِنا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الوَعدِ الأمِينِ وَعَلَى آلهِ وَصَحبِه أَجمَعِينَ وَرَضِيَ اللهُ تَعالَى عَن صَحَابَتِه الكِرَامِ المُهتَدِينَ سَيِّدنَا أَبِي بَكرٍ وَعُمَرَ وَعُثمَانَ وَعَليٍ وَعَن سَائِرِ الصَّحَابةِ أَجمَعِينَ
أمَّا بَعدُ:

ما هو رأيكم في عقيدة الأشاعرة والقولَ بإمكان الكذب ؟


اقتباس:
السؤال الخامس و العشرون


هل نسبتم في تأليفكم إلى بعض الأشاعرة القولَ بإمكان الكذب ؟
و على تقديرها ، فما المراد بذلك ؟
و هل عندكم نص على هذا المذهب من المعتمدين ؟ بينوا الأمر لنا على وجهه


الجواب


الأصل فيه أنه وقع النزاع بيننا و بين المنطقيين من أهل الهند و المبتدعة منهم في: مقدورية خلافِ ما وَعَد به الباري سبحانه و تعالى أو أخبر به أو أراده و أمثالها .
فقالوا : إن خلاف هذه الأشياء خارج عن القدرة القديمة مستحيل عقلاً لا يمكن أن يكون مقدوراً لله تعالى ، وواجب عليه ما يطابق الوعد و الخبر و الإرادة و العلم ،
و قلنا : إن أمثال هذه الأشياء مقدور قطعا لكنه غير جائز الوقوع عند أهل السنة و الجماعة من الأشاعرة والماتريدية ، شرعا و عقلا عند الماتريدية ، و شرعا فقط عند الأشاعرة ،
فاعترضوا علينا بأنه إن أمكن مقدورية هذه الأشياء لزم إمكان الكذب و هو غير مقدور قطعا و مستحيل ذاتا ، فأجبناهم بأجوبة شتى مما ذكره علماء الكلام ، منها : لو سلم استلزام إمكان الكذب لمقدورية خلاف الوعد و الأخبار و أمثالهما فهو أيضا غير مستحيل بالذات بل هو مثل السفه و الظلم مقدور ذاتا ممتنع عقلاً و شرعاً أو شرعاً فقط ، كما صرح به غير واحد من الأئمة ،

فلما رأوا هذه الأجوبة عثوا في الأرض و نسبوا إلينا تجويز النقص بالنسبة إلى جنابه تبارك و تعالى و أشاعوا هذا الكلام بين السفهاء و الجهلاء ، تنفيرا للعوام وابتغاء للشهوات و الشهرة بين الأنام , و بلغوا أسباب سماوات الافتراء فوضعوا تمثالا من عندهم لفعلية الكذب بلا مخافة من الملك العلام ، ولما اطلع أهل الهند على مكائدهم استنصروا بعلماء الحرمين الكرام ، لعلمهم بأنهم غافلون عن خباثاتهم و عن حقيقة أقوال علمائنا ،

و ما مثلهم في ذلك إلا كمثل المعتزلة مع أهل السنة و الجماعة , فإنهم أخرجوا إثابة العاصي و عقاب المطيع عن القدرة القديمة و أوجبوا العدل على ذاته تعالى , فسموا أنفسهم أصحاب العدل و التنزيه , و نسبوا علماء أهل السنة و الجماعة إلى الجور و الاعتساف و التشويه ، فكما أن قدماء أهل السنة و الجماعة لم يبالوا بجهالاتهم و لم يجوزوا العجز بالنسبة إليه سبحانه و تعالى في الظلم المذكور , و عمموا القدرة القديمة مع إزالة النقائص عن ذاته الكاملة الشريفة و إنمام التنزيه و التقديس لجنابه العالي قائلين : إن ظنكم المنقصة في جواز مقدورية العقاب للطائع و الثواب للعاصي إنما هو وخامة الفلاسفة الشنيعة .
كذلك قلنا لهم : إن ظنكم النقصَ بمقدورية خلاف الوعد و الإخبار و الصدق وأمثال ذلك مع كونه ممتنع الصدور عنه تعالى شرعاً , إنما هو من بلاء الفلسفة و المنطق وجهلكم الوخيم ، فهم فعلوا ما فعلوا لأجل التنزيه لكنهم لم يقدروا على كمال القدرة و تعميمها
و أما أسلافنا أهل السنة و الجماعة فجمعوا بين الأمرين من تعميم القدرة و تتميم التنزيه للواجب سبحانه و تعالى
و هذا الذي ذكرناه في البراهين مختصرا و هاكم بعض النصوص عليه من الكتب المعتبرة في المذهب

(1) قال في شرح المواقف : أوجب جميع المعتزلة و الخوارج عقاب صاحب الكبيرة إذا مات بلا توبة و لم يجوزوا أن يعفو الله عنه بوجهين ، الأول : أنه تعالى أوعد بالعقاب على الكبائر و أخبر به أي بالعقاب عليها فلو لم يعاقب على الكبيرة و عفا لزم الخلف في وعيده و الكذب في خبره و إنه محال ، و الجواب : غايته وقوع العقاب فأين وجوب العقاب الذي كلامنا فيه ؟ إذ لا شبهة في أن عدم الوجوب مع الوقوع لا يستلزم خلفاً و لا كذباً ، لا يقال: إنه يستلزم جوازهما و هو أيضا محال ، لأنا نقول : استحالته ممنوعة ، كيف و هما من الممكنات التي تشملهما قدرته تعالى اه.
(2) و في شرح المقاصد للعلامة التافتازاني رحمه الله تعال ى في خاتمة بحث القدرة : المنكرون لشمول قدرته طوائف ، منهم النظام و أتباعه القائلون بأنه لا يقدر على الجهل و الكذب و الظلم و سائر القبائح إذ لو كان خلفها مقدوراً له لجاز صدوره عنه و اللازم باطل لإفضائه إلى السفه إن كان عالما بقبح ذلك ، و باستغنائه عنه و إلى الجهل إن لم يكن عالما ، و الجواب : لا نسلم قبح الشيء بالنسبة إليه ، كيف و هو تصرف في ملكه ، و لو سلم فالقدرة لا تنافي امتناع صدوره نظراً إلى وجود الصارف و عدم الداعي و إن كان ممكنا اه. ملخصاً
(3) قال في المسايرة و شرحه المسامرة للعلامة المحقق كمال ابن الهمام الحنفي وتلميذه ابن أبي الشريف المقدسي الشافعي رحمهم الله تعالى ما نصه : ثم قال أي صاحب العمدة : و لا يوصف الله تعالى بالقدرة على الظلم و السفه و الكذب لأن المحال لا يدخل تحت القدرة أي لا يصلح متعلقا لها و عند المعتزلة يقدر تعالى على كل ذلك و لا يفعل انتهى كلام صاحب العمدة ، و كأنه انقلب عليه ما نقله عن المعتزلة ، إذ لا شك أن سلب القدرة عما ذكر هو مذهب المعتزلة ، و أما ثبوتها أي القدرة على ما ذكر ثم الامتناع عن متعلقها اختياراً فبمذهب أي فهو بمذهب الأشاعرة أليق منه بمذهب المعتزلة ، و لا يخفى أن هذا الأليق أدخل في التنزيه أيضا ، إذ لا شك في أن الامتناع عنها أي عن المذكورات من الظلم و السفه و الكذب من باب التنزيهات عما لا يليق بجناب قدسه تعالى ، فيسبر بالبناء للمفعول أي يختبر العقل في أن أي الفصلين أبلغ في التنزيه عن الفحشاء ، أ هو القدرة عليه أي على ما ذكر من الأمور الثلاثة مع الامتناع أي امتناعه تعالى عنه مختاراً لذلك الامتناع أو امتناعه عنه لعدم القدرة عليه فيجب العول بأدخل القولين في التنزيه و هو القول الأليق بمذهب الأشاعرة اه.
(4) و في حواشي الكلنبوي على شرح العقائد العضدية للمحقق الدواني رحمهما الله تعالى ما نصه : و بالجملة كون الكذب في الكلام اللفظي قبيحا بمعنى صفة نقص ممنوع عند الأشاعرة ، و لذا قال الشريف المحقق إنه من جملة المكنات ، و حصول العلم القطعي لعدم وقوعه في كلامه تعالى بإجماع العلماء و الأنبياء عليهم السلام لا ينافي إمكانه في ذاته ، كسائر العلوم العادية القطعية ، و هو لا ينافي ما ذكره الإمام الرازي إلخ.
(5) و في تحرير الأصول لصاحب فتح القدير الإمام ابن الهمام و شرحه لابن أمير الحاج رحمهما الله تعالى ما نصه : و حينئذ - أي و حين كان مستحيلا عليه ما أدرك فيه نقص - ظهَرَ القطعُ باستحالة اتصافه - أي الله تعالى - بالكذب و نحوه تعالى عن ذلك ، و أيضا لو لم يمتنع اتصاف فعله بالقبح يرتفع الأمان عن صدق وعده و صدق خبرٍ غيره - أي الوعد منه تعالى - و صدق النبوة - أي لم يجزم بصدقه أصلا - و عند الشاعرة كسائر الخلق القطعُ بعدم اتصافه تعالى بشيء من القبائح دون الاستحالة العقلية ، كسائر العلوم التي يقطع فيها بأن الواقع أحد النقيضين مع عدم استحالة الآخر لو قدر أنه الواقع ، كالقطع بمكة و بغداد - أي بوجودهما - فإنه لا يحيل بعَدمِهما عقلاً ، و حينئذ - أي و حين كان الأمر على هذا - لا يلزم ارتفاع الأمان ، لأنه لا يلزم من جواز الشيء عقلاً عدمُ الجزم بعدم ، و الخلاف الجاري في الاستحالة و الإمكان العقلي لهذا جارٍ في كل نقيصة ، أ قدرته تعالى عليه مسلوبة أم هي - أي النقيصة - بها - أي بقدرته - مشمولة ، و القطع بأنه لا يفعل - أي و الحال القطع بعدم فعل تلك النقيصة إلخ.

و مثل ما ذكرناه عن مذهب الأشاعرة ذكره القاضي العضد في شرح مختصر الأصول وأصحاب الحواشي عليه .
و مثله في شرح المقاصد و حواشي المواقف للجابي و غيره , و كذلك صرح به العلامة القوشجي في شرح التجريد والقونوي و غيرهم
أعرضنا عن ذكر نصوصهم مخافة الإطناب و السآمة والله المتولي للرشاد و الهداية


و يقول أحمد بن إسماعيل البرزنجي في رسالته (كمال التثقيف والتقويم) :
وبعد اطلاعك على هذا البيان الشافي , وإدراكك له بالفهم السليم الكافي , تعلم أن ما ذكره الفاضل الشيخ خليل أحمد في جواب الثالث والعشرين والرابع والعشرين والخامس والعشرين , كلام معروف في كثير من الكتب المعتبرة المتداولة لعلماء الكلام المتأخرين , كالمواقف والمقاصد وشروح التجريد والمسايرة , وغيرها , ومحصل تلك الأجوبة التي ذكرها الشيخ خليل أحمد موافقة علماء الكلام المذكورين في مقدورية مخالفة الوعد والوعيد والخبر الصادق لله تعالى في الكلام اللفظي , المستلزم للإمكان الذاتي عندهم مع الجزم والقطع بعدم وقوعها , وهذا القدر لا يوجب كفراً ولا عناداً ولا بدعة في الدّين ولا فساداً , كيف وقد علمت موافقة كلام العلماء الذين ذكرناهم عليه كما رأيته في كلام المواقف وشرحه الذي نقلناه قريباً , فالشيخ خليل أحمد لم يخرج عن دائرة كلامهم )
ثم قال :
( لكن أقول مع هذا نصيحة له ولسائر علماء الهند أنه ينبغي لهم عدم الخوض في هذه المسائل الغامضة وأحكامها الدقيقة التي لا يفهمها إلا الواحد بعد الواحد من فحول العلماء المحققين , فضلاً عن غيرهم من عوام المسلمين , لأنهم إذا قالوا أن مقدورية مخالفة الوعيد والخبر الإلهي لله تعالى مستلزمة لإمكان الكذب في الكلام اللفظي المنسوب إليه تعالى بالذات لا بالوقوع , وأشاعوا ذلك بين عامّة الناس , تبادرت أذهانهم إلى أنهم قائلون بجواز الكذب في كلام الله تعالى , فحينئذ يكون شأن أولئك العامة متردداً بين الأمرّين : الأول يتلقوا ذلك بالقبول على الوجه الذي فهموه فيقعوا في الكفر والإلحاد , الثاني أن لا يتلقوه بالقبول وينكروه غاية الإنكار ويشنعوا على قائله غاية التشنيع وينسبوهم إلى الكفر والإلحاد , وكلا الأمرين فساد في الدين عظيم , فلأجل ذلك يجب عليهم عدم الخوض في هذه المسائل إلا عند الاضطرار الشديد , مع توجيه الخطاب إلى ذي قلب يلقي السمع وهو شهيد )

وقال البرزنجي في نهاية رسالته (كمال التثقيف والتقويم) :
( وإذا وصل بنا الكلام إلى هذا المقام , فنقول قولاً عامّا شاملاً لجميع هذه الرسالة المشتملة على ستة وعشرين جواباً , التي قدّمها إلينا العلامة الفاضل الشيخ خليل أحمد للنظر فيها وتأمل ما فيها من الأحكام , فإنا لم نجد فيها قولاً يوجب الكفر والابتداع , ولا ما ينتقد عليه انتقاداً إلا هذه المواضع الثلاثة التي ذكرناها وليس فيها ما يوجب الكفر والابتداع أيضاً كما علمت ذلك من كلامنا فيها )




وأفتى الشيخ البريلوي - أحمد رضا خان الماتريدي - على الديوبندية
بتجويز الكذب في كلام الباري تعالى في كتابه المسمى بـ "حسام الحرمين على منحر الكفر والمين", بالكفر وإخراجهم من الملّة , ووصفهم بالكافرين المتسترين بالإسلام

ما هو الصواب في هذه المسألة وعقيدة السلف أصحاب الحديث والاثر ؟


جزاك الله خيراً