[align=center]إن الأمم والرسالات تحتاج إلى المعادن المذخورة، والثروات المنشورة،
ولكنها تحتاج قبل ذلك إلى الرؤوس المفكرة التي تستغلها،
والقلوب الكبيرة التي ترعاها والعزائم القوية التي تنفذها: إنها تحتاج إلى الرجال.
ولكن ما الرجل الذي نريد ؟
هل هو كل من طَرَّ شاربه، ونبتت لحيته من بني الإنسان؟ إذن فما أكثر الرجال!
إن الرجولة ليست بالسن المتقدمة، فكم من شيخ في سن السبعين وقلبه في سن السابعة، يفرح بالتافه، ويبكي على الحقير،
ويتطلع إلى ما ليس له، ويقبض على ما في يده قبض الشحيح
حتى لا يشركه غيره، فهو طفل صغير ... ولكنه ذو لحية وشارب.
وكم من غلام في مقتبل العمر، ولكنك ترى الرجولة المبكرة في قوله وعمله وتفكيره وخلقه.
مر عمر على ثلة من الصبيان يلعبون فهرولوا، وبقي صبي مفرد في مكانه، هو عبد الله بن الزبير، فسأله عمر: لِمَ لَمْ تعدُ مع أصحابك؟
فقال: يا أمير المؤمنين لم أقترف ذنباً فأخافك،
ولم تكن الطريق ضيقةً فأوسعها لك!
ودخل غلام عربي على خليفة أموي يتحدث باسم قومه،
فقال له: ليتقدم من هو أسن منك، فقال: يا أمير المؤمنين،
لو كان التقدم بالسن لكان في الأمة من هو أولى منك بالخلافة.
أولئك لعمري هم الصغار الكبار، وفي دنيانا ما أكثر الكبار الصغار؟ وليست الرجولة ببسطة الجسم، وطولِ القامة، وقوةِ البنية،
كان عبد الله بن مسعود نحيفاً نحيلاً، فانكشفت ساقاه يوماً - وهما دقيقتان هزيلتان - فضحك بعض الصحابة: فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :
((أتضحكون من دقة ساقيه؟ والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من جبل أحد)).
ليست الرجولة بالسن ولا بالجسم ولا بالمال ولا بالجاه، وإنما الرجولة قوة نفسية
تحمل صاحبها على معالي الأمور، وتبعده عن سفسافها، قوةٌ تجعله كبيراً في صغره،
غنياً في فقره، قوياً في ضعفه، قوةٌ تحمله على أن يعطي قبل أن يأخذ،
وأن يؤدي واجبه قبل أن يطلب حقه: يعرف واجبه نحو نفسه، ونحو ربه،
ونحو بيته، ودينه، وأمته.
الرجولة بإيجاز هي قوة الخُلُق وخُلُق القوة.
همسه :
فليت لي بهمُ قوماً إذا ركبوا // شنوا الإغارة فرساناً وركبانا
لا يسألون أخاهم حين يندبهم // في النائبات على ما قال برهانا [/align]