النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: للموت طقوس أخرى .......

  1. #1
    عطر الكلمات
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    414

    للموت طقوس أخرى .......




    كانت العجوز تخرج من خيمتها ، إلى القرية الصغيرة ، فتسير عبر الطريق

    الضيق ، تضرب الأرض بعكازها ، وتجلس من حين لآخر عند رقعة

    مكسوة بالحشائش ، ثم تغمض عينيها ، وتعرض وجهها المتضغنن لشمس

    الصباح الدافئة ، فتجري الدماء في عروقها .. وتهدأ تجاعيد وجهها

    المضطرب .

    وحين تسترد بعض بأسها ، تتململ ، وتتكيء على عكازها القديمة ، ثم

    تمضي إلى القرية بخفة .

    كانت تنهب الطريق الطويلة المتعرجة ، فنغيب الخيمة في سفح الجبل ، وتطل المنازل الريفية المتناثرة .

    وتنتشر على جانبي الطريق أشجار اللوز والتين والزيتون .

    ثم تنظر إلى الحقول الواسعة ،وتتأمل العصافير الصغيرة ، تثب من غصن لآخر .

    وتنفض أجنحتها من غبار الليل .. ثم تتلاقى أغاريدها في نغمة موسيقية متوائمة .

    تهمس العجوز لنفسها : ما ألطف هذا اليوم ؟ والحق أنه كان يوما جميلا من تلك الأيام التي تعرفها الجبال الغربية ، التي تتكيء على أطراف السهل الساحلي .

    خصوصا بعد أن يتراجع الشتاء ، ويحل الربيع ببساطه الأخضر ، وشمسه الدافئة ، وسمائه الزرقاء الصافية ، وأنسامه الرخية الناعمة .

    أخذت العجوز تشق طريقها ، عبر المنازل القابعة في فم القرية .
    كان الفتية ينفضون عن وجوههم بقايا النوم ، يحملون عصيّا طويلة ، وحقائب متاع حيكت من القماش .

    ثم يقودون أغنامهم عبر الحقول والبساتين ، والعجوز لا تفتأ تبتسم .
    هي على أي حال تبتسم منذ الليلة الماضية . حين عاد ولدها حسان .
    زغردت دون أن تشعر ، رغم الخطر الذي يترتب على ذلك .

    هاهي الآن تتجه إلى القرية ، ويداها الملتويتان تنعمان بحرارة النقود .
    لا تذكر أنها دخلت القرية منذ عام مضى . لكنها تمضي إليها الآن هادئة منعمة .. تستعيد ذكرياتها الغابرة .. وأيامها التي كانت تقضيها كسائر أهل القرية .. في منزل ريفي بسيط
    تقف برهة . تقيّم ظهرها المحدودب . وتدير ناظريها فيما حولها .

    ثم تعرج إلى طريق جانبي ، يؤدي إلى أنقاض بيت مهدم . تكسو بقايا جدرانه ، طبقة سوداء داكنة , تتناثر فيه الحجارة , والأخشاب الفاحمة , والأثاث المحروق .

    تهمس لنفسها ... وتسرح عبر الذكريات ... هنا عاش زوجي , وولدي ....
    وهنا فقدت زوجي .
    ما زال ولدي على قيد الحياة .. حمدا لله .

    عام مضى .. وأنا أنتظره , لم اشاهده مذ هدموا البيت , وصرعوا والده ...
    منذ فر ّ إلى شعاب الجبل ...فأمضني حزن , ولفني يأس ...

    ليلة أمس .. وجدته في خيمتي .....

    تدفقت الروح في أوصالي ... صرخت بلهفة مكتومة .. حساااااان .... ولدي ...تنفسته ... فسرى الدفء في عروقي ....

    كان البقال يجلس على كرسي صغير , ينعم بأشعة الشمس الدافئة ...حين أقبلت العجوز تجر جسما ذاويا نحيلا ..

    استقبلها بترحيب حار ... وبعد أن استفسر عن حالها , وتبادلا الحديث , وبعثا الذكريات الغابرة .. وكيف جا الزمان ...

    وزن البقال للعجوز بعض الخضار والفاكهة ... حشتها في حقيبتها .. ثم مضت في سبيلها ..

    وبينما كانت تناجي سرها ...إذ تناهى إلى إذنها صوت يدعوها ...

    أدارت ناظريها .. فلمحته .... ( إسماعيل الأعرج )
    كان يستلقي تحت زيتونة هرمة ..
    سرت في أوصالها رعشة محمومة ...... دلفت نحوه ..

    بادرها قائلا : أهلا أهلا أم حسان .. عاش من شافك .
    قالت وهي تسوي الأرض تحتها : ما تشوف ردية يا اسماعيل .
    كيف حالك ؟
    ــــــ : والله يا أم حسان الحال ما برضي حدا .
    ــــــــ :الله الله يا اسماعيل .. شو ناقصك ؟
    شو ؟ اليهود بطلوا يعطوك راتب ؟
    ــــــــ : بدينا يا أم حسان ؟ يشهد الله إني مظلوم .. قولي لي : كيف حالك ؟
    ـــــــــ : حالي يا اسماعيل ما برضي صديق ولا عدو . الله يجازي اللي كان السبب
    ـــــــــــ : ومين السبب يا أم حسان ؟ يمكن أنا ؟
    يا ناس خافوا الله .. والله عمري ما كنت عميل . وما خنت هالوطن ... وطول عمري شيخ الوطنية .
    ـــــــــــ : أنداري يا اسماعيل ... يعني الناس .... ظلموك ؟
    والله يا اسماعيل طول عمري بقول : هذا ابن وطفه ... إمه أصيله .
    ــــــــــــ : الثورجية الزعران ... منهم لله .
    ـــــــــــــ : مالهم الثورجية ؟ يا حسرتي عليهم ....
    ـــــــــــــ : رحمة الله عليك يا أبو حسان .. يا ما نصحته .. قلتله بلاش تخلي بيتك , مضافة للهمل والزعران ..
    قولي لي شو عملولكم الثورجية ؟ هيهم كل واحد في بيته ...
    وراحت في رقبة أبو حسان ...
    ـــــــــــ : يالله يا اسماعيل . اللي بوخذ منك بخبيلك ..
    ــــــــــــ : اللي بنصح الناس , بقولوا عنه خاين ... جاسوس ... حريق والدين ...
    قولي لي .. شو عملو لك الثورجية .....
    جوزك راح .. وابنك بتمسرح في الجبال والوديان ... والله ما بعرف على إيش ؟ عشان ضرب جندي بحجر .... ؟ كأنه هالحجر بدو يحر فلسطين ....

    الله يهديك يا حسان ..
    ـــــــــــ : حسان خايف يا اسماعيل ... خايف منك ... ومن أمثالك ..
    ــــــــــــ : مني أنا .. الله يسامحك يا ختيارة ... والله لو يرجع حسان , ما خليته ينحبس يوم واحد ...
    ـــــــــــ : وشو كاين انته يا اسماعيل ... حاكم عسكري ... ولا .....
    ـــــــــــ : لا حاكم عسكري ولا عميل ... بس أنا إلي كلمة ..... واليهود بعرفوا قيمة الرجال .
    ــــــــــــــ : أنداري .. والله يا اسماعيل الواحد بطل يعرف راسه من رجليه .. ..
    ولك يا اسماعيل ... طول عمرك أعوج .. معقول ربنا بدو يهديك ...
    ــــــــــــــ : أم حسان .. حطي إيدك بيدي , خلي حسان يرجع , ويسند ظهرك ...
    بوعدك .. ما ينحبس يوم واحد ...
    قالت العجوز وهي تداري ارتباكها : وين هو حسان .. لا عاش قلبي ..
    ـــــــــــ : حسان نام عندك ليلة امبارح ....بعرف .... قلبي عليكم ....
    ــــــــــــ : وكيف عرفت إنه حسان ..........
    ـــــــــــــ : بعرف , بعرف يا ختيارة ....خليه يرجع .... انته ما إلك حدا ......
    شعرت العجوز بالطمأنينة ... استنامت لحديث اسماعيل ...وأحست رغبة كي تفضي له بمكنون نفسها ...
    قالت بعد تردد ..... اسماعيل .. لا تلعب بذيلك ...خايفه منك ... خايفه تغدر ...
    ــــــــــ : يا بنت الناس , حسان بذمتي , ربنا شاهد .. بس قولي لي وين هو ...
    ترددت ثم قالت .. وهي تشير بإصبعها ......
    هناك .... في( مغارة التينة) .... بدي أودي له شوية أكل ....
    ـــــــــــ : طيب ... أعطيني اللي معك ... أنا رايح أتفاهم معه ....
    قالت وهي تدفع له الحقيبة ...الله يجعل العواقب سليمة ..
    انطلق اسماعيل الأعرج ينهب الأرض حتى غاب عن ناظريها ..
    ارتابت العجوز , وقد تنازعتها هواجس متضادة ...
    اتكأت على عكازها , ومضت تشق الحقول صوب _( مغارة التينة ) , كان عليها أن تهبط الوادي , ثم تمضي حيث الشعاب التي تفضي للغار في السفح المقابل ....
    ( وين انته يا اسماعيل ..) همست العجوز لنفسها ..
    أسندت ظهرها لجذع شجرة ... وراحت تسرح ناظريها ’ حيث السفح المقابل ....
    بغتة .. لاح لها إسماعيل الأعرج ... يتبعه ثلاثة جنود ...
    ولولت العجوز ... وندى عنها أنينا مكتوما ....
    كان يشير لهم باتجاه الغار ..... ثم انعطف وغاب عنهم حيث ابتلعته الأشجار والحقول ..
    أحست العجوز نارا تشتعل في عروقها ... راحت تنهب الأرض , وتسابق الزمن ...
    لكنها توقفت حين أصم أذنيها أزيز الرصاص ....قشعريرة باردة تسري بها ...., تهاوى قلبها , وسقطت على فارعة الطريق ..
    لطمت وجهها , وشدت شعرها الشيب ... ولولت .. استنهضت قواها , وتنكبت على غير هدى ...
    ركضت بحرارة الموت ... وشغف الحياة ...
    هدأ صوت الرصاص ...
    كانوا ثلاثة تحت شجرة هرمة ...
    هرعت إليهم .. شعرت بالإعياء ... خارت قواها .. وتقطعت أنفاسها .....
    ألقت نظرة فزعة ... وقعت عينها على حسان ... وقد انسكب من فمه خيط من الدم .
    وقفت باهتة صامتة ...
    جحظت عيناها وفغر فاها ... ثم القت نفسها على الجثة ....
    ظلت العجوز راقدة ...
    غير أن أحد الجنود سحب الجثة من تحتها ......
    يوما ما .. كنت هنا

  2. #2

    أُنثى لا تُباح إلا لـِ ملاك


    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    الدولة
    في جوف الألم ..!
    المشاركات
    6,753
    يااااااااااه

    مؤلمة ياعمر موسى

    سلمت
    ؛



    المشكلة ..
    لاصرت تقبل ,, ويقفون
    كنك بقايا ذنب..
    ماكنّك ,,{ إنسان }

    .

  3. #3

    عضو ماسي


    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    الدولة
    بلاد الحرمين
    المشاركات
    6,929
    عمر موسـى

    .....................

    قصه تحمل الكثير من الحزن ..

    سلمت وسلم لنا نقلك

    في إنتظار المزيد

    أختك .. بـــشـــرى

  4. #4

    الحب الخالد

    الصورة الرمزية صدى المشاعر
    تاريخ التسجيل
    Jul 2006
    الدولة
    ][ فوق هام السحب ][
    المشاركات
    4,623
    يعطيك الف عافية

  5. #5
    عطر الكلمات
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    414
    يتم ........

    شكرا على المرور .....

    كأنفاس الربا ... وعطر الياسمين

    كل الود والخير

  6. #6
    عطر الكلمات
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    414
    بشرى ........

    مروركم .... خصب الغيوم ...

    وترانيم الوجدان ...

    دمت بود وخير

  7. #7
    عطر الكلمات
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    414
    صدى المشاعر ........

    شكرا على عطر المرور ...

    قد كنت ألقا وسحرا

    كل الود والخير

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. هل المعنى الوحيد للموت الرحيل من الحياة؟؟؟؟
    بواسطة **عشــق البــدر** في المنتدى منتدى الأخبار
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 31-08-2009, 07:52 PM
  2. طقوس غريبة في الهند يرمون الديوك حية الى النار
    بواسطة غـــربة الــروح في المنتدى منتدى الصور والسياحة
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 11-04-2009, 02:02 PM
  3. العيد هذا من طقوس النصارى
    بواسطة عبدالكريم بن خزيّم في المنتدى الشعر النبطي
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 15-02-2007, 06:17 PM
  4. طقوس و تنوع الانتحــــار عبر التاريخ !!
    بواسطة فيصــل في المنتدى منتدى الأخبار
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 02-12-2004, 03:23 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •