## قصة خيالية ##
~~ صدمة عمري ~~
في ليلة من ليالي شهر شعبان ، كان الجو حاراً جداً ، والهدوء يغطي
المكان ،جلس في غرفته منتظراً مكالمة مهمة بالهاتف النقال ،
القلق باد على وجهه ، أطراف اصابعة متشابكة ، قدم رجله اليمنى
تهتز بسرعة ، وفجأة يرن الهاتف النقال لينقل له أسوا خبر سمعه في
حياته ، ياللهول ياللمصيبة كيف حدث هذا ؟حاول أن يستوعب ما حصل
ولكن قلبه الطيب الحنون ، لم يسعفه ، شعر بتنمل في قدميه ،
والعرق يتصبب من جبينه ، بدأ يشعر بالدوار في رأسه وفجأة سقط
مغشياً عليه ، كان بمفرده في غرفته ، وقع على أرض الغرفة ،
سمعت والدته صوت سقوطه على الأرض ، فجاءت مسرعة إليه ،
فتحت الباب بسرعة ، ووجدته ممداً على أرض الغرفة ، اقتربت منه
ببطء ، رفعت رأسه بيدها اليمنى ووضعته على راحة يدها اليسرى،
ضمته بحنان على صدرها ، وبقيت على هذا الحال ثلاث ساعات ،
تقرا عليه آيات من القرآن الكريم ، وتنظر بحنان إلي عينيه ، وتدعو له
بأن يحفظه الله ويرده لها ، فتح عينيه فالتقت عيناه بعينيها ، وسمعت
أذناه صوت دعائها له وسمعها وهي تسمي عليه ، وجد نفسه بين
ذراعيها وأنفاسها تصل إليه ، ورائحة عطرها وبخورها يلامس قلبه ،
الله ما أجمل رائحتك يا أماه ، ظل على هذه الحال حتى أفاق تماماً
من صدمته ، بادرته بسؤالها وهي تهمس همساً كانه أنغام موسيقى
هادئة وبنفس مطمئنة سألته : بني حبيبي ماذا حصل لك ؟
أراد أن يجيبها على سؤالها ولكنه لم يستطع ذلك فقد جف ريقه
من هول ما سمع !! قربت له كأس ماء ليشربها .. وقالت له : سم بالله
يابني واشرب من ماء زمزم شربة هنيئة بإذن الله ، بلل ريقه بماء زمزم
وما هي إلا دقائق وبدأ يسترد أنفاسه .. جلس بقربها ويده ممسكة
بيديها وكأنه يتوسل إليها أن لا تتركه فهو بحاجة إليها .. بحاجة إلى
دعائها .. بحاجة إلى حنانها .. قال لها : أماه لقد توفي صديقي اليوم.
صديقي عبدالله .. توفي في حادث سيارة وسيصلى عليه غداً بإذن
الله .. سقطت عبرات دافئة من عينيها .. فقد كانت تعرف صديقه هذا
منذ نعومة أظفاره .. ولد هو وابنها في يوم واحد .. فكان هو توأم روحه
بل هو صندوق أسراره .. وهو رفيقه في دربه في هذه الحياة الشاقة
اتفقا سوياً على أمور كثيرة ، تعاهدا على الحلوة والمرة ، لم يفرق
بينهما أحد يوماً ما فقد كانا متفاهمين جداً ولأبعد الحدود ، وهاهو اليوم
يتلقى صدمة عمره فيه حتى كادت روحه تخرج من بين ضلوعه لأنه
هو روحه ، هو حياته ، هو أمله الوحيد في هذه الحياة ، هو من كان
يستيقظ كل يوم على صوته ليوقظه لصلاة الفجر ، فيذهبا سوياً
إلى المسجد ، ويعودا سوياً ، ليواصلا رحلنهما في هذه الحياة
يمد كل واحد منهما للآخر يده ، يشاركه أفراحه وأحزانه ، فمن له الآن
حاولت الأم أن تصبر ابنها بالعبارات المعتادة في هذه المواقف ، ولكن
حروف اللغة العربية كلها تقف عاجزة عن وصف ألمه وحسرته ،
رحمك الله يا عبدالله فقد كنت نعم الأخ ونعم الصديق .
سقطت دموع حارة من عينيه كمطر يهطل من سحاب ، فمسحتها
يد أمه الحنون ، شعر بدفء كفيها يلامس خده ، أمسك يدها يقبلها
بحنان قائلاً لها : أمي حياتي حبيبة قلبي من لي غيرك يا أماه يكفكف
دموعي .. لا حرمني الله منك يا أماه .. لا حرمني الله منك يا أماه ..
أجابته بنفس مطمئنة : حبيب قلبي .. هكذا هي الحياة .. لقاء وفراق .
يتبعه أمل لا بد أن نحياه في تفائل بأن الغد يحمل الكثير الكثير من
الخير الوفير فاصبر يابني واحتسب أجرك على الله ، وادعو له ،
ولا تيأس من رحمة الله أبداً ... وبينما هما على هذه الحال ......
ارتفع صوت الأذان معلناً دخول وقت صلاة العشاء ....
وقف الابن على قدميه .. مستنداً على سريره .. وتوضأ وذهب لصلاة
العشاء ، دعا ودعا ودعا ، وأحس بالراحة بعد الدعاء ، شعر كأنه غسل
قلبه بماء زمزم .. الحمد لله على نعمة الإيمان ، فكلما رضي الإنسان
بقدره كلما هانت عليه مصيبته ، الحمد لله ، الحمد لله ، الحمد لله .
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ياحي ياقيوم
ياواحد يا أحد يا فرد ياصمد ، لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، ولا أقل
من ذلك ولا أكثر .
~~ رحمك الله ياعبدالله ~~