أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم





إن حفظ النسل أعم من حفظ النسب، وحفظ النسب أخص، ولكن حفظ النسل معرض للخطر إذا ضيع حفظ النسب.

ولما كان حفظ النسل في دين الله لا طريق له إلا النكاح المشروع، أطلق كل منهما على الآخر، فتجد علماء المسلمين يطلقون هذا مرة، وذاك أخرى.

فحفظ النسب في الإسلام هو حفظ النسل، وحفظ النسل هو حفظ النسب، ولا بد من استعراض سريع للأسباب التي جعلت حفظ النسب ضرورة في الإسلام.

وإن حفظ النسب في الإسلام ليس المقصود به التفاخر والتعالي بشريف الآباء والأجداد على وضيعها، فذلك أمر قد نفاه القرآن، ونفته السنة، وجعلا ميزان التكريم هو التقوى والتقرب إلى الله سبحانه، ونفع عباده.

وإنما قُصد بالنسب في الدنيا تمييز شخص عن آخر، وتمييز أسرة عن أسرة، وشعب عن شعب لما يترتب على ذلك من المصالح.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَر وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارفُوا إِنَّ أَكْرمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير(13)}[الحجرات].

قال ابن كثير، رحمه الله: "فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء عليهما السلام سواء، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية، وهى طاعة الله تعالى ومتابعة رسول الله ‘" [تفسير القرآن العظيم (4/227).].

فالمقصود بالنسب التعارف ويترتب على التعارف أحكام شرعية، فصَّلها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتضمنت ذلك كتب الفقه الإسلامي بالتفصيل.

أما التفاخر بالأنساب فإنه مذموم من وجهين:

الوجه الأول: ما ورد في ذلك من النهي عنه في السنة وعدَّه من أمر الجاهلية. كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: (لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا، إنما هم فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان الذي يدهده الخراء بأنفه، إن الله تعالى قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي، أو فاجر شقي، الناس كلهم بنو آدم وآدم خلق من تراب) [الترمذي (5/734) وقال: وهذا حديث حسن غريب. وأبو داود (5/339-340) وذكر الترمذي حديثاً آخر عن أبي هريرة بعد هذا الحديث، وهو آخر حديث في كتابه الجامع، قال: "وهذا أصح عندنا من الحديث الأول، وهذا لفظه: "عن أبي هريرة، أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (قد أذهب الله عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي وفاجر شقي، والناس بنو آدم وآدم من تراب) [الحديث.].

والعُبِّيَّة: "بضم العين المهملة، وكسر الموحدة المشددة، وفتح المثناة التحتية المشددة: الكبر" [عون المعبود (14/16).].

الوجه الثاني: أن نسب الشخص ليس من كسبه ولا اختياره حتى يثنى به عليه، ولذلك لا ينفعه يوم القيامة عند الله تعالى، وإنما ينفعه العمل الصالح. وقال تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}[ المؤمنون: 101-102.].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَر وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارفُوا إِنَّ أَكْرمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير(13)} [الحجرات].

قال القرطبي، رحمه الله: "قال ابن عباس: لا يفتخرون بالأنساب في الآخرة كما يفتخرون بها في الدنيا ولا يتساءلون فيها، كما يتساءلون في الدنيا: من أي قبيلة أنت، ولا من أي نسب؟ ولا يتعارفون لهول ما أذهلهم" [الجامع لأحكام القرآن (12/15).].

ولكن الإنسان ينسب يوم القيامة، إذا ذكر لأبيه. كما في حديث عبد الله بن عمر، رضي الله عنهـما: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان) [البخاري (7/114-115) ومسلم (3/1359).].

والمقصود أن الهدف من حفظ النسب، التعارف الذي تترتب عليه أحكام كثيرة في الدنيا، كما سيأتي ذكر بعضها قريباً، وليس الهدف منه التفاخر والتكبر، فإن ذلك من شأن الجاهلية وليس من شأن الإسلام.

والهدف من حفظ النسل عمارة الأرض بطاعة الله.