أيها المسلمون : تتقلب الأيام ، وتتغير الأحوال ، وتتعاقب الفصول ، فالصيف يعقبه الخريف ، ويأتي الربيع بعد الشتاء ، وفي ذلك حكمة بالغة ، غفل عنها من لم ير إلا قرص زمهريرها ، أو لفح سمومها ، وبهرت عينَه نضرةُ زهرها ، ولم يلمح تساقط أوراقها . ونحن في فترة يوشك الشتاء فيها أن يلفنا بردائه ، فلننظر منة الله علينا فيه ، لعلها أن تكون موقظة لنا من سبات الغفلة ، معينة لنا على اغتنام الفرصة ، وفاتحة لنا أبواب المنافسة في الخيرات . إذ إن الشتاء ربيع المؤمن ، يرتع فيه في بساتين الطاعات ، ويتنقل في ميادين العبادات ، ويسرح في طرق الباقيات الصالحات . وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول : ألا أدلكم على الغنيمة الباردة ؟ قالوا : بلى ، قال : الصيام في الشتاء . وصدق رضي الله عنه ، فصيام يوم الشتاء لا يلحق الصائم فيه مشقة ولا كلفة ، ولا يكاد يشعر فيه بالصوم ، لقصر يومه مع برودته ، فلا جوع ولا ظمأ ، فينال أجر الصيام بغير تعب ولا عناء ، والله ذو الفضل العظيم . وفي الشتاء يطول الليل ، فيتمكن المؤمن من إشباع رغبته في النوم ، فتنال نفسه حظها من الراحة ، فيقوم نشطا يتهجد ويناجي ربه ، فينال في ليل الشتاء راحتين ، راحته بالنوم ، وراحته بالقيام ، ويتلذذ في ليله بطول المناجاة ، فيطول ثلثه الأخير ، ويتنعم صاحب الحاجة بطول وقت شرح فقره ، وبيان شدة فقره لمولاه . وما أدق قول معاذ رضي الله عنه حين حضرته الوفاة ، قال : إنما أبكي على ظمأ الهواجر ، وقيام ليل الشتاء . ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر . وقال أحد العابدين لولا ثلاث : ظمأ الهواجر ، وقيام ليل الشتاء ، ولذاذة التهجد بكتاب الله ، ما باليت أن أكون يعسوبا . واليعسوب هو ذكَر النحل . وهذه اللذة مفقودة عند أكثر الناس اليوم ، فهم في دنيانا قليل - وما أبريء نفسي - وهي منة حرمها من لم ينعم الله عليه ، فظن أن التسابق في الدنيا ، ومراقبة شاشات الأسهم ستغنيه ، وأن حطام الفانية سيكفيه ، فأعرض عن آخرته واشتغل بدنياه ، مصداقا لقول الحق تبارك وتعالى : بل تؤثرون الحياة الدنيا ، والآخرة خير وأبقى . فشتان بين من يتلذذ بالتلاوة ، واستماع آي الكتاب ، وبين من يبت غافلا لاهيا لا يلوي على شيء ، مشغولا بالسراب ، متناسيا يوم الحساب ،
منقووووووووووووول للفائده