صفحة 3 من 8 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 45 من 114

الموضوع: @@@ وقفات ~~ وتأملات ~~ @@@

  1. #31
    ~ [ عضو مجلس الإدارة ] ~

    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    حيث أكون !!!
    المشاركات
    8,859
    تأملات في مظاهر العفة في قصة سيدنا موسى عليه السلام مع المرأتين
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    تأملات في مظاهر العفة في قصة سيدنا موسى عليه السلام مع المرأتين

    {وَلَمَّا وَرَدَ مآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ(23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ(24)فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(25)قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ(26)}

    سورة القصص 23-26
    هذه تأملات في مظاهر العفة التي وردت في قصة المرأتين مع موسى - عليه السلام - أذكرها على ما يلي :
    1 أن المرأتين وقفتا بعيداً عن الرجال ، ولذلك قال الله: "وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ" (القصص: من الآية23).
    2 أنهما حرصتا كل الحرص على قطع أي سبب يؤدي لاختلاطهما بالرجال ، ولذلك كانتا "تَذُودَانِ" غنمهما؛ لئلا تختلط بغنم القوم .
    3 من مظاهر العفة كذلك ، اختصارهما الكلام وعدم تطويله مع الرجل الأجنبي موسى - عليه السلام - حيث قالتا: "لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ" (القصص: من الآية23)، بدون أخذ وعطاء، وزيادة ورد.
    4 من عفتهما عدم فتحهما الحوار مع موسى - عليه السلام -؛ لأنه أجنبي عنهما ، حيث جمعتا في كلامهما الجواب على جميع الأسئلة المحتملة ، فكان الأصل أن موسى - عليه السلام - يسأل هذه الأسئلة :
    لماذا تذودان غنمكما ؟
    لماذا لا تسقيان ؟
    إذن متى تسقيان ؟
    أليس عندكما ولي رجل ؟
    إذن لماذا لا يأتي ويسقي لكما ؟
    ولأجل ذلك سيطول الكلام بين المرأتين والرجل الأجنبي ، فجمعتا في كلامهما الإجابة على جميع الأسئلة المحتملة ، بجملة واحدة مختصرة عفيفة .
    5 عفة موسى - عليه السلام - أكمل من عفتهما ، فإذا كانت عفة المرأتين تمثلت في جملة واحدة، فإن عفة موسى تمثلت في كلمة واحدة "ما خطبكما" ثم لم يذكر الله عنه بعد ذلك مع المرأتين ولا كلمة واحدة إلى أن تم لقاءه بأبيهما ففتح الكلام على مصراعيه " وقص عليه القصص " .
    6 عفة موسى – عليه السلام - كذلك ظهرت في قيامه بالسقي لهما بدون سؤال :
    هل تريدان ذلك أم لا؟
    فالوضع وظاهر الحال لا يحتاج إلى سؤال ، ثم السؤال يحتاج إلى كلام وجواب ، وهذا مالا يريده موسى - عليه السلام -، فقام وسقى لهما.
    7 كذلك أنه لما سقى لهما توجه مباشرة إلى الظل ، ولم ينتظر شكراً منهما ، وهذه فرصة لمرضى القلوب أن يزداد مرضهم ،وتبادلوا أطراف الحديث ، وكلمات الشكر والعرفان ، فقد صنع لهن معروفاً وبدون طلب منهما ، ووقف معهن ، وسقى لهن .
    8 حرص المرأتين على عدم الاختلاط بالرجال ، مع وجود المبررات التي نسمعها اليوم ، مثل :
    حاجتهما إلى الخروج .
    عدم وجود رجل ذكر قادر يخرج معهن .
    الناس عند البئر كثير ، فلا خلوة .
    ظروف الحياة .
    سيؤدي انتظارهما إلى تأخرهما .
    والغريب أنه ومع كل هذه الأسباب إلا أنهما لم تختلطا بالرجال ، فكيف ببعض الظروف اليوم التي هي أقل من ذلك بكثير؟ لكنها العفة .
    9 من عفة المرأتين تقديمهما النفي في كلامهما ، فقالتا: "لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ" ، ولم تقدما الإثبات ، فلم تقولا: "سنسقي بعد قليل"، وتقديم النفي أبلغ في الجزم، وأن الأمر لا يقبل النقاش.
    10 من عفة المرأتين أنهما جعلتا غاية وقوفهما وعدم اختلاطهما بالرجال صدور الرعاء، وليس أن تخف الزحمة فحسب أو يقل الرعاء.
    11 من عفة المرأتين أن التي أتت موسى - عليه السلام - اختصرت الكلام معه مرة ثانية فعرفت صورالأسئلة التي يتضح أن موسى - عليه السلام - سيسألها إياها ، فأعدت الجواب مباشرة حتى لا ينفتح الحوار للمرة الثانية .
    فشيء بدهي أن موسى – عليه السلام - وبعد رجوع المرأة سيسأل :
    ما الذي أتى بك ؟
    من أرسلك ؟
    ماذا يريد ؟
    فأعدت جواباً يقطع جميع الأسئلة، فقالت: "إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا" (القصص: من الآية25).
    فشملت هذه الجملة جواب جميع الأسئلة السابقة .
    12 من مظاهر العفة في هذه القصة مشي إحدى المرأتين بحد ذاته فقد خلا تماماً عن :
    تسكع.
    تبرج .
    تبختر .
    تكسر وتثني .
    التفات .
    إغراء .
    فجمع الله هذه الأشياء بقوله: "استحياء".
    لفظ "استحياء" يختلف عن لفظ "حياء"؛ لأنه يحتوي على معنى الحياء وزيادة كما تقتضيه زيادة الألف والسين والتاء في لغة العرب .

    13 أنه لما طلب أبوهما أن يحضر موسى - عليه السلام - ، لم تخرجا جميعاً كما خرجتا في السقي؛ لأن الحاجة لا تستدعي ذلك، وهذا هو تقدير الضرورة بقدرها، فسبحان الله مع العفة فقه.

    14 أن التي أتت موسى - عليه السلام - لم تنسب لنفسها الكلام ، فقالت: "إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ"، ولم تأت بلفظ يحتمل معان، أو فيه تعريض بنفسها .
    15 أن جلوسهما خلف الرجال، وعدم اختلاطهما لم يكن في أوقات دون أخرى، بل ذلك عادة مستمرة لهما ، ولذلك قالتا: " لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ" يعني هذه عادة لنا في الماضي، ونستمر عليها في المستقبل ، كما يقتضيه دلالة الفعل المضارع "نَسْقِي" .
    16 أنهما لم يصرحا بموسى، بل أشارتا إليه كل ذلك حياء، فقالت إحداهما: "إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ" (القصص: من الآية26).
    ولم تقل: إنه قوي أمين فعل كذا وكذا، بل جاءت بصفات الأجير الناجح، وهو من جمع بين "القوة والأمانة " .
    ولا عجب فمع العفة في عدم المخالطة واختصار الكلام، هناك حياء حتى في الألفاظ، والعناية بها.
    قيل في سبب قول المرأتين عن موسى: "الأمين":
    لأنه قال لهما وهما آتيتان إلى أبيهما : "كونا ورائي فإذا اختلفت علي الطريق فاحذفا لي بحصاة أعلم بها كيف الطريق" .
    فأي عفة فوق هذه العفة التي تمنع حتى إرشاده إذا ضل الطريق باللسان، فصلى الله عليه وعلى رسولنا الكريم.
    17 لما كان موسى مع المرأتين في البداية، ثم مع إحداهما بعد ذلك كانت كلماته مختصرة جداً، فلما التقى الرجل بالرجل، موسى بأبيهما، لم يقتصر على جملة واحدة أو قصة، بل "وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ" (القصص: من الآية25).
    والله أعلم وأحكم، وصلى الله عليه وسلم.
    (منقول)

  2. #32
    ~ [ عضو مجلس الإدارة ] ~

    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    حيث أكون !!!
    المشاركات
    8,859
    سلسلة إصلاح الأسرة (6)
    وقفات مع عفة النبي يوسف عليه السلام ... !!!

    حسام الدين سليم الكيلاني


    الحمد لله على كل حال, الحمد لله الذي كفانا وآوانا وهدانا , الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى, القائل : { قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } [ سورة المؤمنون : 1-5 ].
    اللهم إنا نسألك العافية في ديننا ودنيانا وأهلينا وأموالنا, اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا, اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السموات والأرض رب كل شيء ومليكه لا إله إلا أنت نعوذ بك من شر أنفسنا ونعوذ بك من شر الشيطان وشركه .
    والصلاة والسلام على خير خلق الله إمام المتقين, وقائد الغر المحجلين الذي كان يقول في دعائه: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى وفي رواية ثانية : وَالْعِفَّةَ))[أخرجه الإمام مسلم برقم : 2721] .





    وقفات مع عفة النبي يوسف عليه السلام
    هذا النموذج الرائع يضربه الله تعالى لنا حتى نتعظ ونعتبر وحتى يعلم الناس أجمعين أن العفة لا تكون هكذا بمجرد الخاطرة وإنما لابد لها من همة وإرادة . هذه القصة التي يضربها الله عز وجل في سورة يوسف نقف فيها وقفات:
    الأولى : الاستعانة بالله تعالى :
    إن الاستعانة بالله واللجوء إليه والاستعاذة به والفرار إليه هو من أقوى الأسباب التي تنال بها العفة؛ يقول الله سبحانه وتعالى: (( ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدًا ولكن الله يزكي من يشاء)) من الذي يحفظك من الفتنة؟ من الذي يحفظك من الزنا؟ من الذي يغض بصرك حقٌا؟ من الذي يجعلك تغض بصرك؟ هو الله عز وجل رب العالمين, ولذلك فلا يغتر إنسان بنفسه, لا يغتر إنسان بثقته بل ينبغي عليه أن يتهم نفسه دومًا بقلة الهمة وبضعف الإرادة وأن يستعين بالله عز وجل لكي يصرفه عن السوء والفحشاء.
    فهذا النبي الكريم يوسف عليه السلام لما طلبت منه امرأة العزيز وهمت به وهم بها إلتجأ إلى من؟ ما قال: ((قال معاذ الله)) أي استعيذ بالله منكِ ومن شرك, ((قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون)).
    الثانية: عدم الاغترار بالنفس والركون إليها :
    إذ ينبغي على الإنسان ألا يعتمد على الثقة الزائدة بالنفس والاغترار بها , لما جاءت النسوة إلى امرأة العزيز ولُمنها على فعلتها قالت: ((ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين )) اذا فعل يوسف عليه السلام؟ التجأ إلى الله رب العالمين (( قال رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه)) أن أسجن وأن أحبس أن تقيد حريتي هذا أحب إلي من أن أقع في الفاحشة (( رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين)) إذا لم تصرف ربي أنت عني كيدهن سأصغي إليهن وستذهب قوتي وستخور عزيمتي وسأستمع إلى ما تقول فأسألك ربي أن تصرف عني كيدهن, فماذا كان الجواب؟ (( فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم )) وهكذا فإن الإنسان إذا ألمّت به فتنة ينبغي أن يلجأ إلى الله عز وجل, ولا ينبغي أن يخوض هذه الفتنة بغير استعانة بالله.
    انظر ماذا يقول ربنا في الذين اتقوا إذا جاءهم الشيطان وسول لهم سوء الأعمال, قال سبحانه وتعالى: (( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم،إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)) الذين اتقوا إذا مرّ عليهم طيف أو خاطرة من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون, وكيف يكون التذكر؟ يكون بالاستعاذة من الشيطان وبالإستعانة بالله عز وجل.
    الثالثة : الدخول على النساء :
    إن التساهل من المسلمين في دخول الرجال والخدم في البيوت من أكثر أسباب وقوع الكثير من الحوادث التي تسببت في انتهاك الأعراض, قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ وهو يذكر لنا هذا العزيز الذي كان بالفعل ديوثًا, يقول الحافظ ابن كثير: كان زوجها ـ أي العزيز ـ لين العريكة وكان سهلاً أو أنه عذرها لأنها رأت أنها لا صبر له عنها, ولذلك تجرأت المرأة على أن تطلب هذا الطلب علانية بين النساء , تطلب من يوسف عليه السلام أن يفعل فيها الفاحشة, ولذلك فإن الإنسان ينبغي عليه ألا يدخل الخدم على النساء, ليتقي الله عز وجل هذا الذي يركب ابنته مع السائق فيوصل السائق ابنته إلى الجامعة أو إلى المدرسة, ما هذا؟ أين الغيرة؟ أما تغار على عرضك أيها المسلم, لا ينبغي للمسلم أن يفعل هذا, لا ينبغي للرجل أن يترك خادمه يباشر النساء أو أن يدخل عليهن, يقول صلى الله عليه وسلم : ((إياكم والدخول على النساء)) قال رجل: يا رسول الله, أرأيت الحمو؟ ـ أي قريب الزوج أيدخل على المرأة ـ قال: ((الحمو الموت)), أي: إذا أدخلت الحمو إلى بيتك كأنك أدخلت الموت على أهلك.
    الرابعة: الصحبة السيئة :
    في هذه القصة أن الصحبة السيئة من أسباب الوقوع في الفواحش, ألا ترى أن امرأة العزيز لما انتشرت هذه الفضيحة بين النساء ماذا فعلت النساء اللاتي كن حولها؟ شجعنها على ذلك وذهبن إلى يوسف يطلبن منه أن يرضخ لكلامها فقال يوسف عليه السلام: ((إلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين)) وقال يوسف: (( ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن)) أي في اشتراكهن في هذه الجريمة.
    الخامسة : الإشاعات :
    فلولا الإشاعات لما علمت النسوة بأمر امرأة العزيز (( وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ )) (30) ،ووصل الخبر إلى نسوة في المدينة فتحدثن به, وقلن منكرات على امرأة العزيز: امرأة العزيز تحاول غلامها عن نفسه, وتدعوه إلى نفسها, وقد بلغ حبها له شَغَاف قلبها (وهو غلافه), إنا لَنراها في هذا الفعل لفي ضلال واضح .
    بدأ الموضوع ينتشر.. خرج من القصر إلى قصور الطبقة الحاكمة أو الراقية يومها.. ووجدت فيه نساء هذه الطبقة مادة شهية للحديث. إن خلو حياة هذه الطبقات من المعنى، وانصرافها إلى اللهو، يخلعان أهمية قصوى على الفضائح التي ترتبط بشخصيات شهيرة.. وزاد حديث المدينة: (( وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ )) وانتقل الخبر من فم إلى فم.. ومن بيت إلى بيت.. حتى وصل لامرأة العزيز ..... وما حدث من النسوة (( رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ))
    ومن أعظم الآداب في هذا الباب الكف عن إشاعة الفاحشة في المؤمنين ومحبة ذلك والرغبة فيه عياذًا بالله. إذا انتشر بين الأمة الحديث عن الفواحش ووقوعها فإن الخواطر تتذكرها ويخف على الأسماع وقعها، ومن ثم يدبُّ إلى النفوس التهاون بوقوعها ولا تلبث النفوس الضعيفة والخبيثة أن تُقدم على اقترافها ولا تزال تتكرر حتى تصير متداولة. وانظر إلى ما تفعله كثيرٌ من وسائل الإعلام في الناس والنفوس. (( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيع الفاحِشَةُ فِى الَّذِينَ ءامَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)) [النور:19].
    السادسة : كتم صوت الحق بالسجن :
    ربما كان دخوله للسجن بسبب انتشار قصته مع امرأة العزيز ونساء طبقتها، فلم يجد أصحاب هذه البيوت طريقة لإسكات هذه الألسنة سوى سجن هذا الفتى الذي دلت كل الآيات على برائته، لتنسى القصة. قال تعالى في سورة (يوسف): (( ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ)) وهكذا ترسم الآية الموجزة جو هذا العصر بأكمله.. جو الفساد الداخلي في القصور، جو الأوساط الأرستقراطية.. وجو الحكم المطلق.
    إن حلول المشكلات في الحكم المطلق هي السجن.. وليس هذا بغريب على من يعبد آلهة متعددة. كانوا على عبادة غير الله.. ولقد رأينا من قبل كيف تضيع حريات الناس حين ينصرفون عن عبادة الله إلى عبادة غيره. وها نحن أولاء نرى في قصة يوسف شاهدا حيا يصيب حتى الأنبياء. صدر قرارا باعتقاله وأدخل السجن. بلا قضية ولا محاكمة، ببساطة ويسر.. لا يصعب في مجتمع تحكمه آلهة متعددة أن يسجن بريء. بل لعل الصعوبة تكمن في محاولة شيء غير ذلك.
    دخل يوسف السجن ثابت القلب هادئ الأعصاب أقرب إلى الفرح لأنه نجا من إلحاح زوجة العزيز ورفيقاتها، وثرثرة وتطفلات الخدم. كان السجن بالنسبة إليه مكانا هادئا يخلو فيه ويفكر في ربه.

    خاتمة :
    ألا فاتقوا الله رحمكم الله واستمسكوا بدينكم، والزموا آدابه وحدوده، عبوديةً خالصةً، وسلوكـًا لمسالك الطهر والعفة يصلح الفرد كما يصلح المجتمع، فتسعدوا في الدنيا، وتسلموا وتفوزوا في الآخرة وتفلحوا، ثم صلوا وسلموا على نبيكم نبي الرحمة والهدى فقد أمركم ربكم جل وعلا قائلاً عليمًا: (( إِنَّ الله و ملائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً)) [الأحزاب:56].
    أسأل الله تعالى أن ينفعنا بما سمعنا وأن يغفر لنا ذنوبنا إنه هو الغفور الرحيم.
    كما أسأل الله تعالى أن يقينا الزلات وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأزواجه وذريته. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

  3. #33
    ~ [ عضو مجلس الإدارة ] ~

    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    حيث أكون !!!
    المشاركات
    8,859

    تقديم طاعة الأم على الزوجة :


    إن بعض الناس يسمع لزوجته، ويلبي مطالبها ويسعى لمرضاتها، وهذا حسن، ولكنه يسيء إلى أمه، فيهملها ولا يسأل عنها، ولا يجلس معها، وربما يسمع ما يقال فيها من قِبَل زوجته وأولاده فيغضب عليها ويتمنى فراقها، وهذا من أعظم العقوق والعياذ بالله، بل الواجب أن يسعى الإنسان إلى إرضاء والدته ولو غضب كل الناس، عليك أيها المسلم أن تمنع أولادك من أذية أمك بقول أو فعل، وألا تقبل بحال من الأحوال شكوى زوجتك نحو أمك، بل عليك بحض زوجتك على احترام أمك والصبر على ما قد يصدر منها، فإن في ذلك خيراً كثيراً وبراً وفيراً .

  4. #34
    ~ [ عضو مجلس الإدارة ] ~

    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    حيث أكون !!!
    المشاركات
    8,859
    سلسلة إصلاح الأسرة (2)
    الوفاق خير من الشقاق !!!

    حسام الدين سليم الكيلاني

    دخل الرجل على عجلة من أمره إلى مقر المحكمة الشرعية وجعل يشكو من زوجه والزوجة مثله تشكوه !
    فقلت في نفسي كيف كان هذان الزوجان يعيشان مع بعضهما طوال تلك السنين دون شكوى والآن تفجرت قريحة كل واحد منهما ضد صاحبه !
    ثم أجبت نفسي وأنا أنظر إليهما دون أن أفهم شيئا مما قالاه وهما يتصايحان، فقلت : لقد سكنا في بيت واحد إلا أنهما لم يسكنا إلى بعضهما بعضاّ ؟
    فما هو السكن المقصود ؟
    وهل الوفاق خير أم الشقاق ؟

    قال تعالى : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } [ الروم 21 ] .
    نعم ليسكن إليها و لم يقل ليسكن معها ، مما يؤكد معنى الاستقرار في السلوك ، و الهدوء في الشعور ، و يحقق الراحة و الطمأنينة بأسمى معانيها . فكل من الزوجين يجد في صاحبه الهدوء عند القلق ، و البشاشة عند الضيق .
    إن أساس العلاقة الزوجية الصحبة و الاقتران القائمان على الود و الأنس و التآلف . إن هذه العلاقة عميقة الجذور بعيدة الآماد . إنها أشبه ما تكون صلة للمرء بنفسه ، بينها كتاب ربنا بقوله: { هن لباس لكم و أنتم لباس لهن } [ البقرة 187 ] .
    فضلاً عما تهيؤه هذه العلاقة من تربية البنين و البنات و كفالة النشء .. التي لا تكون إلا في ظل أمومة حانية ، و أبوة كادحة .. و أي بيئة أزكى من هذا الجو الأسري الكريم .
    هناك أمور كثيرة يقوم عليها بناء الأسرة المسلمة ، و تتوطد فيها العلاقة الزوجية ، و تبتعد فيها عن رياح التفكك و أعاصير الانفصام و التصرم . و أول هذه الأمور و أهمها : التمسك بعروة الإيمان الوثقى .. الإيمان بالله و اليوم الآخر ، و الخوف من الله تعالى ، و لزوم التقوى و المراقبة ، و البعد عن الظلم و التعسف في طلب الحق .
    { ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه } [ الطلاق 2- 3 ] .
    و يقوي هذا الإيمان .. الإجتهاد في الطاعة و العبادة و الحرص عليها ، و التواصي بها بين الزوجين . تأملوا قوله صلى الله عليه و سلم : ( رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى و أيقظ امرأته فصلت ، فإن أبت نضح في وجهها ـ يعني رش عليها الماء رشاً رفيقاً ـ و رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت و أيقظت زوجها فصلى ، فإن أبى نضحت في وجهه الماء ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وهو حديث صحيح ( صحيح الجامع 3494 ).

    إن العلاقة بين الزوجين علاقة روحية وإن مما يحفظ هذه العلاقة و يحافظ عليها . . المعاشرة بالمعروف ، و لا يتحقق ذلك إلا بمعرفة كل طرف ما له و ما عليه . و إن نشدان الكمال في البيت و أهل البيت أمر متعذر ، و الأمل في استكمال كل الصفات فيهم أو في غيرهم شيء بعيد المنال في الطبع البشري .
    و من رجاحة العقل و نضج التفكير توطين النفس على قبول بعض المضايقات ، و الغض عن بعض المنغصات ، و الرجل و هو رب الأسرة مطالب بتبصير نفسه أكثر من المرأة ، و قد علم أنها ضعيفة في خلقها و خلقها ، إذا حوسبت على كل شيء عجزت عن كل شيء ، و المبالغة في تقويمها يقود إلى كسرها ، و كسرها طلاقها . يقول المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه و سلم : ( استوصوا بالنساء خيراً فإنَّ المرأة خلقت من ضلع و إن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته ، و إن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيراً ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند ابن ماجه وهو حديث صحيح ( صحيح الجامع 960 ).
    فالاعوجاج في المرأة من أصل الخلقة ، فلا بد من مسايرته و الصبر عليه ، فعلى الرجل ألا يسترسل مع ما قد يظهر من مشاعر الضيق من أهله و ليصرف النظر عن بعض جوانب النقص فيهم ، و عليه أن يتذكر و لا يتنكر لجوانب الخير فيهم ، و إنه لواجد في ذلك شيئاً كثيراً .
    وفي مثل هذا يقول الرسول صلى الله عليه و سلم : ( لا يفركن مؤمن مؤمنة ـ أي لا يبغض و لا يكره ـ إن كره منها خلقاً رضي منها غيره) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الإمام أحمد والإمام مسلم وهو حديث صحيح ( صحيح الجامع 7741 ) و ليتأن في ذلك كثيراً ، فلئن رأى منها بعض ما يكره فهو لا يدري أين أسباب الخير و موارد الصلاح .
    يقول عز من قائل{ وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا } [ النساء: 19 ] .
    و كيف تكون الراحة ؟ و أين السكن و المودة ؟ إذا كان رب البيت ثقيل الطبع ، سيء العشرة ، ضيق الأفق ، يغلبه حمق ، و يعميه تعجل ، بطيء في الرضا ، سريع في الغضب ، إذا دخل فكثير المن ، و إذا خرج فسيء الظن ، و قد علم أن حسن العشرة و أسباب السعادة لا تكون إلا في اللين و البعد عن الظنون و الأوهام التي لا أساس لها . إن الغيرة قد تذهب ببعض الناس إلى سوء ظن .. يحمله على تأويل الكلام ، و الشك في التصرفات ، مما ينغص العيش ، و يقلق البال من غير مستند صحيح .
    { و لا تضاروهن لتضيقوا عليهن } [ الطلاق : 6 ] كيف و قد قال صلى الله عليه و سلم ( خيركم خيركم لأهله ، و أنا خيركم لأهلي ) أخرجه الترمذي عن السيدة عائشة رضي الله عنها وهو حديث صحيح ( صحيح الجامع 3314 ) .
    أما المرأة المسلمة فلتعلم أن السعادة و المودة و الرحمة لا تتم إلا حين تكون ذات عفة و دين ، تعرف ما لها فلا تتجاوزه و لا تتعداه . تستجيب لزوجها فهو الذي له القوامة عليها يصونها و يحفظها و ينفق عليها ، فتجب طاعته و حفظه في نفسها و ماله ، تتقن عملها و تقوم به ، و تعتني بنفسها و بيتها . فهي زوجة صالحة ، و أم شفيقة ، راعية في بيت زوجها ، و مسئولة عن رعيتها ، تعترف بجميل زوجها و لا تتنكر للفضل و العشرة الحسنة ، فلا بد من العفو عن الزلات ، و غض البصر عن الهفوات ... لا تسيء إليه إذا حضر ، و لا تخونه إذا غاب . بهذا يحصل التراضي ، و تدوم العشرة و تسود الألفة و المودة و الرحمة .
    وليعلم الزوجان أنه بحصول الوئام تتوفر السعادة ، و يتهيأ الجو الصالح للتربية ، و تنشأ الناشئة في بيت كريم مليء بالمودة عامر بالتفاهم .. بين حنان الأمومة و حدب الأبوة .. بعيد عن صخب المنازعات و الاختلاف و تطاول كل واحد على الآخر . فلا شقاق و لا نزاع ، و لا إساءة إلى قريب أو بعيد .
    { والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما } [ الفرقان 74 ]
    ثم فليعلم أن صلاح الأسرة طريق أمان الجماعة كلها ، و هيهات أن يصلح مجتمع قد تقطعت فيه حبال الأسرة . كيف و قد امتن الله سبحانه بهذه النعمة . نعمة اجتماع الأسرة و تآلفها و ترابطها فقال سبحانه : { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون } [ النحل 72 ] .
    إن الزوجين و ما بينهما من وطيد العلاقة ، و إن الوالدين و ما يترعرع في أحضانهما من بنين و بنات يمثلان حاضر الأمة و مستقبلها ، و من ثم فإن الشيطان حين يفلح في فك روابط أسرة فهو لا يهدم بيتاً واحداً و لا يحدث شراً محدوداً ، و إنما يوقع الأمة جمعاء في أذى مستعر و شر مستطير ، و الواقع المعاصر خير شاهد .
    فاتقوا الله أيها الأزواج فإنه من يتق الله يجعل له من أمره يسراً .
    والحمد لله رب العالمين .

  5. #35
    ~ [ عضو مجلس الإدارة ] ~

    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    حيث أكون !!!
    المشاركات
    8,859
    حسام الدين سليم الكيلاني

    الحمد لله على إحسانه، والشكر له على فضله وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه سبحانه، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه.صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه.
    وبعد :
    فالسعادة في هذه الحياة مطلب عظيم، ومقصد جليل، يسعى إليها كل حي، غير أن السعادة والطمأنينة في هذه الحياة لا تحصل إلا بما شرع الله عز وجل لعباده، وما أرشدهم إليه من طاعته ومرضاته، والأخذ بما وضع الحق جل وعلا من سنن، وما شرع من أسباب .
    وإن مما شرع الله عز وجل من أسباب السعادة وجبل النفوس عليه الارتباط برباط الزوجية، فإنه من أعظم أسباب السعادة في هذه الحياة، وحصول الطمأنينة والسكينة، وهدوء البال وراحة النفس، متى ما تحقق الوئام بين الزوجين، وكتب التوفيق لهما، ولذا امتن الله تعالى على عباده بهذه النعمة فقال سبحانه: { وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْواجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَـاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الروم: 21].
    وفي الحديث عند الإمام أحمد وغيره بإسناد صحيح أن رسول الله قال: ((أربع من السعادة)) وعدّ منها ((الزوجة الصالحة))[ أخرجه بهذا اللفظ ابن حبان في صحيحه [4032] والبيهقي في الشعب (7/82) من حديث سعد بن أبي وقاص، وصحح الألباني سنده على شرط الشيخين: السلسلة الصحيحة [282]. وأما لفظ أحمد في المسند (1/168) فهو: ((من سعادة ابن آدم ثلاثة، ومن شقوة ابن آدم ثلاثة، من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة...)) إلى آخر الحديث، وصححه الحاكم (2/162).]، وروى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ((الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة)) [ أخرجه مسلم في كتاب الرضاع [1467].].
    فالنكاح من سنن المرسلين، وهدي الصالحين، وقد أمر به ربنا جل وعلا في كتابه بقوله: { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَاء مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَواحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُمْ ذلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ } [النساء: 3]، كما رغب فيه سيد المرسلين بفعله، وحث عليه بقوله: ((وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)) [أخرجه البخاري في كتاب النكاح [5063]، ومسلم في كتاب النكاح [1401] من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه]، ووجه شباب الأمة إلى المبادرة بالزواج حيثما يجد أحدهم القدرة على تحمل المسؤولية، والقيام بشؤون الحياة الزوجية، حيث قال : ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)) رواه البخاري ومسلم[أخرجه البخاري في كتاب الصوم [1905]، ومسلم في كتاب النكاح [1400] من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.].


  6. #36
    ~ [ نجم ماسي ] ~ الصورة الرمزية حلم السراب
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    المشاركات
    2,667
    غاليتي / فاتن الهنيدي

    وقفات وتاملات

    صيغت وطرحت ففاح عطر شذاها بالمكان تاملتها ووقفت عندها هنا
    كثيرا فما تطرحه اناملك يلامس الروح ويقف عندها العقل المدرك المتدبر

    فتثير الدهشه من تلك الفوائد والعبر

    طرح لايتقنه سواك

    لاحرمنا من بصمه عطاءتك المتميزه

    ولي وقفه هنا وعوده

  7. #37
    ~ [ عضو مجلس الإدارة ] ~

    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    حيث أكون !!!
    المشاركات
    8,859
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حلم السراب مشاهدة المشاركة
    غاليتي / فاتن الهنيدي

    وقفات وتاملات

    صيغت وطرحت ففاح عطر شذاها بالمكان تاملتها ووقفت عندها هنا
    كثيرا فما تطرحه اناملك يلامس الروح ويقف عندها العقل المدرك المتدبر

    فتثير الدهشه من تلك الفوائد والعبر

    طرح لايتقنه سواك

    لاحرمنا من بصمه عطاءتك المتميزه

    ولي وقفه هنا وعوده



    && حلم السراب &&



    وقوفك وتأملك أسعدني جداً ياغالية



    وأتمنى ان اكون قد وفقت لتقديم كل ماهو جديد ومفيد





    كوني بالقرب دوماً



    لا حرمني الله منك يالغلا




    ** ام تركي **

  8. #38
    ~ [ عضو مجلس الإدارة ] ~

    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    حيث أكون !!!
    المشاركات
    8,859

  9. #39
    ~ [ عضو مجلس الإدارة ] ~

    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    حيث أكون !!!
    المشاركات
    8,859

  10. #40
    ~ [ عضو مجلس الإدارة ] ~

    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    حيث أكون !!!
    المشاركات
    8,859

  11. #41
    ~ [ عضو مجلس الإدارة ] ~

    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    حيث أكون !!!
    المشاركات
    8,859
    تأملات في سورة التوبة ج1
    الشيخ صالح بن عواد المغامسي

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره وتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد.

    فهذا هو اللقاء المتجدد حول تأملات لنا لكتاب ربنا جل جلاله وقد كنا قد انتهينا إلى سورة الأنفال وسنشرع اليوم إن شاء الله تعالى في تأملات في سورة التوبة سائلين الله جل وعلا التوفيق لما يحبه ويرضاه والعون والسداد على التأمل فيها على أنني أكرر ما أقوله دائما إن المخاطب في مثل هذه التأملات هم طلبة العلم في المقام الأول ولهذا يهمنا جدا أن نعرج على مافي الآيات من مسائل علميه يحسن تدوينها والمقصود من هذه الدروس وأضرابها المقصود من ذلك كله إنشاء جيل قرءاني يتدبر القرآن وهذه مساهمة لا أكثر ولا أقل في إحياء جيل ينشأ على تدبر القرآن لأن الله جل وعلا نعى إلى أهل الإشراك إغفالهم عن القرآن بقوله
    {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }.

    فإننا نقول مستعينين بالله جل وعلا
    :
    سورة التوبة سورة مدنيه وعدد آياتها : مائتان وتسع وعشرون آية .

    وهذه السورة من آخر ما نزل من القرآن كما ثبت عند البخاري في صحيحه في كتاب التفسير من حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه : ( أن سورة براءة آخر ما نزل ) وليس المقصود بأنها آخر ما نزل كآية وإنما كسورة مجمله هي آخر ما نزل .

    وإلا كآية قد عرجنا عليه في مسائل عدة :
    اختلاف العلماء منهم من قال :{ وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ }وهو الأظهر.
    ومنهم من قال إنها آية المائدة :{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } .وقيل غير ذلك لكن هذين هما المشهوران .

    الذي يعنينا أن سورة التوبة هي آخر مانزل وقبل أن نشرع في تفسير الست الآيات الأول منها نقدم إجمالا عن هذه السورة، النبي صلى الله عليه وسلم أنزل الله جل وعلا عليه القرآن أول ما أنزل{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } فكان لم يؤمر صلى الله عليه وسلم بأن يبلغه إلى الناس كان يقرأه بينه وبين نفسه ومن سنة الله في خلقه التدرج وعدم إعطاء الشيء دفعة واحدة فمن رام شيئا دفعه واحدة سيسقط عما قليل ولكن الله جل وعلا له سنن لا تتبدل ولا تتغير والله لا يعجل لعجلة أحد من خلقه والله يقول لعبده: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً } . فلا يعطى الإنسان العطايا مرة واحدة وإنما يتدرج فيها على هذا بنيت الدنيا على هذا أجرى الله السنن في الكون، فهذا النبي الكريم أنزل عليه {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ }ولم يقل له : " ادع الناس " ولم يقل له : " اتل القرآن على الناس" ولم يقل له شيء من ذلك فلما نزل من ذلك الجبل خائفا وجلا وضمته زوجته خديجة رضي الله عنها وآوته واطمأنت نفسه أنزل الله جل وعلا عليه :{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنذِرْ } ينذر من؟ أنزل الله عليه { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}الذين حوله ولم يؤمر بأكثر من هذا ثم بعد ذلك أمر بالعرب الذين في مكة وحولها قال الله جل وعلا :
    {لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} .

    والقرآن يجب أن يفهم مقرونا بالسنة
    لأن من أخطاء من وقع في كتاب ربنا جل وعلا أنهم فهموا القرآن مجزءا ولم ينظروا إلى سيرته صلى الله عليه وسلم وسنته حتى يُفهم القرآن ومن أراد أن يفهم القرآن من غير السنة ومن غير سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فلن يفهم شيئا وهذا هو الذي وقع فيه الخوارج الأولون لما حاربوا حتى الصحابة لأنهم لم يفهموا مراد الله على ما أراده الله من رسوله صلى الله عليه وسلم فالله يقول :{لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} لكن لايقصد الله بهذا نهاية النذارة وإنما التهيئة تدريجيا ثم أمره الله بأن ينذر العرب قاطبة ثم لما مكن الله له في الأرض صلوات الله وسلامه عليه وعقد صلح الحديبية مع أهل مكة واطمأن من مقاومتهم أخذ صلى الله عليه وسلم يأتي بعالمية الدعوة ويراسل الملوك والزعماء آنذاك ليحقق قول الله جل وعلا :{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} وقوله جل وعلا : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} .

    في ظل هذا المفهوم يفهم الإنسان المقصود من سورة التوبة هذه السورة قلنا إنها من آخر ما نزل في عام تسع من الهجرة .

    في شهر رجب من سنة تسع من الهجرة خرج النبي صلى الله عليه وسلم بجيش العسرة إلى تبوك وقد قلنا في أكثر من درس إن هذه الغزوة سميت في القرآن بغزوة العسرة قال الله جل وعلا : {لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ } .


    وسماها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة :
    غزوة تبوك ولذلك الإمام البخاري رحمه الله لما تكلم عنها قال " باب غزوة تبوك وهي غزوة العسرة " حتى يجمع ما بين تسمية السنة وتسمية القرآن.

    المقصود في عام تسع من الهجرة خرج صلى الله عليه وسلم في جيش العسرة إلى تبوك هذا الظرف الذي كان في جيش العسرة، كان فيه شح في المال وظهور في الثمار وحر في المناخ أصاب الناس فتن فانقلبت الناس، كانوا أقسام في إتباعهم النبي صلى الله عليه وسلم . منهم المثبطون، المحبطون، الناصرون، البكاؤون , فرق شتى فنزلت هذه السورة تبين حال المجتمع المدني وقت أن دعا النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة واستنفر الناس إلى غزوة العسرة بينتهم بجلاء وكشفت الكثير من الأسرار كما سيأتي .

    ثم بعد ذلك بعد عودته صلى الله عليه وسلم من تبوك لما عاد من تخوم البلغاء وأذعن له الروم عامة بمعنى أنه لم يحصل حرب لكن اطمأن صلى الله عليه وسلم أن الروم لن تغزوه فرجع من تبوك لما لم يجد قتالا رجع إلى المدينة أراد صلى الله عليه وسلم أن يحج في العام التاسع ثم قال : ( إن العرب تحج وهي عراة وأنا لا أريد أن أحج على هذا الوضع فأمر أبا بكر أن يخرج بالناس حاجا ) . أمير على الحج لأن مكة كانت قد فتحت في العام الثامن ونحن نتحدث في العام التاسع فبعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الحج ثم بعد ذلك اتبعه بعلي بن أبي طالب ليظهر في الناس مقدمة سورة براءة فمقدمة سورة براءة الآيات الأول من سورة براءة الخمس الأول أو الست الأول من سورة براءة وإن كانت في مقدمة السورة إلا أنها من آخر ما نزل في نفس السورة لأن السورة تكلمت عن المنافقين وعن حالهم مع النبي صلى الله عليه وسلم ما بين رجب إلى ذي الحجة ثم جاءت مقدمة السورة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يجعلوها في المقدمة فالقرآن ترتيبه الآن الذي نقرأه ليس على ترتيب نزوله .


    من أهم ما يجب أن تعلمه أن ترتيب القرآن على ما نقرأه ليس على ترتيب نزوله
    : فالفاتحة مثلا أول القرآن لكنها ليست أول سوره فالآيات الخمس من سورة العلق هي أول ما نزل، فترتيب القرآن ليس ترتيبا حسب النزول وإنما لحكمة توقيفيه آرادها النبي صلى الله عليه وسلم بأمر ربه كان يملي الكتبه ويقول افعلوا كذا واتركوا كذا وضعوا الآية في مكان كذا والسورة بعد كذا. فترتيب القرآن ترتيب سور المصحف ترتيب توقيفي من النبي صلى الله عليه وسلم نفذه الصحابة .

    الذي يعنينا هذا هو المناخ العام لفهم سورة التوبة إذا ينجم عن هذا أن سورة التوبة ذكرت مواضيع عدة لكنها يمكن أن يقال إن موضوعين رئيسيين تضمنتهما سورة التوبة :

    الموضوع الأول :
    علاقة المسلمين بالمشركين وأهل الكتاب.
    الموضوع الثاني:
    كشف أسرار المنافقين وحال الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وفي جيش العسرة على وجه الخصوص .

    هذان الموضوعان الرئيسان اللذان تعرضت لهما سورة التوبة قال الله جل وعلا : {بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ * وََأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ...}إلى آخر الآيات إلى أن قال الله {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} الآية السادسة هي التي سنتكلم عنها في لقاء هذا اليوم .


    أول ما يلفت النظر في هذه السورة أنها ليست مصدره بالآية الشهيرة
    {بسم الله الرَّّحمن الرَّحيم } .
    ولذلك اختلف العلماء لماذا لم تصدر سورة براءة بــ ((
    بسم الله الرَّّحمن الرَّحيم)) على أقوال عده أشهر هذه الأقوال ثلاث وسنبدأ بالأضعف ثم الأقوى ثم ما نره راجحا على عادتنا في التقسيم:

    أما الأضعف :

    فقد قيل إن من أسباب عدم ذكر{بسم الله الرَّّحمن الرَّحيم } في أول سورة براءة أنها جرت عادة العرب أنه إذا كانت ما بين قوم وقوم عهد فأراد أحدهم أن ينقضه كتبوا إليهم كتابا غير مصدر بالبسملة وأرادوا أن ينقضوه كتبوا إليهم كتابا غير مصدر بالبسملة وهؤلاء يعنون بكلمة (بسم الله الرحمن الرحيم) ( باسمك اللهم ) هذا قول ذكره العلماء وهو أضعف الأقوال.


    القول الثاني :

    ما رواه الحاكم في المستدرك وأحمد في المسند من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أن ابن عباس سأل عثمان ابن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه قال له : ( لما جعلتم سورة الأنفال وهي من المثاني وبعدها سورة التوبة وهي من المئين ولم تجعلوا بينهما (بسم الله الرحمن الرحيم) فقال عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه لابن عباس قال له إن النبي صلى الله عليه وسلم كانت إذا نزلت عليه السورة أو الآية يقول ضعوها في مكان كذا في سورة كذا بعد كذا وكذا وإن سورة الأنفال من أول ما نزل بالمدينة وإن سورة التوبة من آخر مانزل فمات النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يبين لنا هل هما سورة واحده أم لا فاختلف الصحابة فمنهم من قال إنهما سورة واحده ومنهم قال إنهما سورتان فلم يفصلوا بينهما وجعلوا بينهما فرجه حتى يعرف أنهما سورتان منفصلتان ولم يكتب بينهما (بسم الله الرحمن الرحيم) ) حتى يبقى قول من قال إنهما سورة واحده .

    يعني أن الصحابة تراضوا على هذا القول أنهم جعلوا بينهما فرجه حتى يرضوا من قال أنهما سورتان ولم يكتبوا {بسم الله الرَّّحمن الرَّحيم } بينهما حتى يرضوا من قال : أنهما سورة واحده .

    هذا القول اختاره العلامة الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان وقال كعادته نصا : " قال مقيده عفا الله عنه وهو أظهر الأقوال عندي " عند الشنقيطي رحمه الله هذا بناء على صحة الحديث والحديث رواه الحاكم كما قلت وقال صحيح على شرطيهما ولم يخرجاه على شرطيهما البخاري ومسلم ولم يخرجاه معناها لم يذكراها في الصحيحين هذا على صحة الحديث وقلت رواه أحمد في المسند رواه البيهقي في السنن لكن قال الألباني رحمه الله : " إن الحديث ضعيف " وأغرب منه قال العلامة أحمد محمد شاكر محقق كتاب المسند قال : " إن الحديث موضوع لا أصل له " وهذا صعب أن يقال لكني لم أطلع إلى الآن على نص كلامه لكن كلامه مثبت في مكان آخر. والحق أن المتن يؤيد قول أحمد محمد شاكر رحمه الله لأن الحديث فيه إن النبي صلى الله عليه وسلم مات ولم يبين لنا هل هما سورة أو سورتان هذا صعب أن يقال . فمتن الحديث يساعد على قول العلامة أحمد محمد شاكر أن الحديث لا أصل له وقلت إن الألباني رحمه الله يقول إن الحديث ضعيف أما من رأى صحة الحديث من العلماء الترمذي حسنه أخذ به وذهب إلى أنه ما دام حسنه فهو صحيح عنده والأثر مقدم على العقل مقدم الأثر على الرأي عند كثيرين فلذلك اختار الشنقيطي رحمه الله القول بأن أظهر الأقوال هو هذا القول المحكي عن عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه.


    القول الثالث:

    مروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعن سفيان بن عينيه المحدث المشهور وهذا القول هو الذي عليه أكثر العلماء وهو الذي نراه ونرجحه ونختاره والله أعلم، وهو أن سورة براءة نزلت بالسيف و{بسم الله الرَّّحمن الرَّحيم } فيها أمان ورحمه والأمان والرحمة لا يتفق مع السيف وسورة براءة نزلت بالسيف والبراءة من أهل الإشراك وقوة الحجة على المنافقين. هذا مجمل الأقوال الثلاثة التي ذكرها العلماء رحمهم الله في قضية لماذا لم تصدر سورة براءة بقول الرب جل وعلا : {بسم الله الرَّّحمن الرَّحيم } وخلاف العلماء في بقية الأقوال يجب أن لا ينظر فيها لأنها بعيده جدا فيما نحسبه عن الصواب والله تعالى أعلم.


    نعود للسورة قبل أن نذكرها تفسير تفصيلي نقول :

    هذه السورة من أسمائها سورة الفاضحة وهذا مروي عن ابن عباس لأنها فضحت أحوال أهل النفاق وقد قال سعيد بن جبير تلميذ ابن عباس أحد مشاهير التابعين خرج على الخليفة عبد الملك بن مروان فقتله الحجاج بن يوسف بأمر من عبد الملك بن مروان في فتنة عبد الرحمن بن الأشعث طبعا أنا أؤكد على من هم المفسرون وأذكر طرفا من أخبارهم لأنك تدرس تفسير فينبغي أن تعرف الأحاديث المعينة في التفسير والعلماء الذين تصدروا أهل التفسير وسعيد بن جبير هذا عرض القرآن على ابن عباس من أوله إلى آخره ثلاث مرات يستوقفه عند كل آية ولما قتل الحجاج سعيد بن جبير بعد ذلك بسنين قال الإمام أحمد رحمه الله : " قتل الحجاج سعيدا وما من أحد من أهل الأرض إلا وهو مفتقر إلى علم سعيد " . وقلنا إن سبب قتل الحجاج لسعيد بن جبير أنه خرج مع عبد الرحمن بن الأشعث على عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي المعروف الذي يعنينا أن سعيد بن جبير يقول : " سألت ابن عباس عن سورة براءة فقال : هي الفاضحة ما زال ينزل ومنهم... ومنهم... ومنهم... يعني يذكر الله فيها المنافقين { وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ..} إلى آخر الآيات فما زال ينزل ومنهم ومنهم حتى خفنا ألا تدع أحدا منهم فلذلك سميت بالفاضحة " لأنها فضحت أحوال أهل النفاق عياذا بالله هذا ما يتعلق بتسمية السورة وقد أوصل الزمخشري رحمه الله في كتابه أوصل عدد أسماء السورة إلى أربعة عشر قلت في كتابه الكشاف .
    وقلنا إن الزمخشري عالم لغوي شهير لكن عقيدته عقيدة المعتزلة فالزمخشري من مشاهير المعتزلة جار الله الزمخشري رحمه الله وعفا عنه من مشاهير المعتزلة ودافع عن مذهبهم دفاعا صلبا وإن كان من أفذاذ العلماء في اللغة والذي يعنينا الآن الرجل مات وأفضى إلى ما قدم الذي يعنينا العلم وقد ذكر أربعة عشر اسما للسورة لكنها كلها يدور في فلك واحد كلها يدور حول قول سعيد ابن جبير إنها الفاضحة .

    قال الله فيها :
    {بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ} يوجد مُتَبَرِئْ ويوجد مُتَبَرَأْ منه فمن المُتَبَرِئْ؟ الله ورسوله من :{الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ} .

    البراءة :
    الانفكاك والتخلص من الشيء ولا تكون البراءة من شيء إلا إذا كنت لا تريده بالكلية وهي أعظم صفات الانفكاك من الأشياء فأنت لو تعاملت مع أحد وأخذت صك براءة فلا يستطيع خصمك أن يطالبك بأي شيء لا نفكاكك تماما عنه فالله جل وعلا يقول لنبيه أن يقول للناس ,
    هذه طبعا براءة : خبر لمبتدأ محذوف تقديره : " هذه براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين " .


    النبي عليه الصلاة والسلام كان الناس حوله ثلاثة أقسام :
    أهل الحرب:
    الذين يحاربونه والذين ما زال بينهم وبينه حروب.
    وأهل العهد:
    الذين في الأصل هم محاربون لكن يوجد عهد لمده معينه.
    وأهل الذمة:
    غير مسلمين يعيشون تحت حكم المسلمين، كاليهود الذين كانوا أفرادا في المدينة هؤلاء يسمون أهل ذمه.

    الخطاب هنا ليس موجها لا لأهل الحرب ولا لأهل الذمة موجه لأهل العهد {بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ } هذه البراءة فيها
    { فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} .

    معنى الآية يا أخي :
    أن من كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد أو لم يكن بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد فقد جعل الله لهم أربعة أشهر هذه الأربعة الأشهر حرم الله فيها على المسلمين قتال أهل الإشراك هذه الأربعة الأشهر حرم الله فيها على المسلمين قتال أهل الإشراك قال لهم :{ فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ} الخطاب للمشركين سيحوا في الأرض أي اقبلوا وادبروا سافروا اغدوا روحوا اذهبوا كيفما شئتم لن ينالكم أذى من المسلمين هذا بأمر من الله لكن بعد الأربعة أشهر ينتهي الأمان .

    { فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ }
    ثم قال اللهجل وعلا : {وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ}أي وإن أذن الله قدرا وشرعا أن تبقوا أربعة أشهر تسيحون في الأرض إلا أن ذلك لا يعني أبدا خروجكم وانفكاككم عن سلطان الله لأن هذا العطاء من الله أصلا لا يعني خروجكم وانفكاككم عن سلطان الله{ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} الخزي في الكافرين واقع لامحاله في الدنيا والآخرة . واقع في الدنيا بالحرب والقتل والأسر وبما يقع فيه من التعذيب والنكال. ويقع في الآخرة قطعا بشيء واحد هو عذاب النار .

    هذه الآية
    { فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } :
    يجب أن تعلم أن المخاطب بها المشركين لذلك لا يجوز نزع الآية من سياقها والاحتجاج به وقد قرأت مرة لأحدهم يكتب عن السياحة وعلى أنه يجوز للمؤمن السياحة مطلقا في أي ديار فقال فإن السياحة مباحة قال الله جل وعلا:{فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ}وهذا إخراج النص من سياقه ووضعه في موضع غير موضعه هذا{فَسِيحُواْ فِي الأَرْض}المخاطب بها المشركون والمقصود أنه لكم أمان من الله أن تبقوا في الأرض أربعة أشهر أعطاكم الله إياها حتى يراجع المرء منهم حسابه ويتدبر في أمره ربما يفيء إلى أمر الله بعد ذلك ينتهي الأمان الذي أعطاهم الله جل وعلا لهم
    :{فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} .
    ثم قال الله جل وعلا :
    {وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}

    الأذان في اللغة :
    هو الإعلام ، هذا الأذان الذي تولاه علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه . النبي صلى الله عليه وسلم قدمنا أنه بعث أميرا على الحج أبو بكر رضي الله عنه فلما وصل أبو بكر إلى ذو الحليفة بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعده علياً وأبو بكر حج بالناس وهو على ناقة النبي صلى الله عليه وسلم العظباء أميرا على الحج في العام التاسع فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم مقدمة سورة براءة أعطاها لعلي فأخذها علي حتى لحق بأبي بكر لذي الحليفة المسماة اليوم : " بأبيار علي " طبعا لا علاقة لعلي بها وإنما التسمية هذه جاءت متأخرة أما على عهد الصحابة والتابعين لم تسمى بأبيار علي وإنما هذه سميت متأخرة للرجل اسمه علي مجهول لا يعرف لكنها مذكورة في التاريخ القديم الذي يعنينا وصل علي إلى أبي بكر فقال أبو بكر لعلي وهذا من أدب الصحابة بعضهم مع بعض قال له : " أمير أو مأمور " فقال علي رضي الله عنه : " بل مأمور " .

    هذه البراءة لما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتبرأ من أهل الإشراك وأن يبين حاله مع مشركي العرب، والإسلام دين واضح لا خداع فيه ولا تمويه لما أمر الله نبيه أن يفعل هذا جرت العادة أن مثل هذه الأمور لا يبلغها إلا الرجل بنفسه أو رجل من عصبته ولا شك أنه من حيث القرابة والعصبة واللصوق بالنبي صلى الله عليه وسلم فإن عليا أقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أبي بكر من حيث العصبة والقرابة واللصوق بالنبي صلى الله عليه وسلم علي أقرب من أبي بكر وإن كان أبو بكر أفضل من علي قطعا لكن علياً ألصق بالنبي صلى الله عليه وسلم من أبي بكر بل ألصق بالنبي صلى الله عليه وسلم من كل أحد لأنه زوج ابنته وتربى في حجره وابن عمه وقد قال الإمام أحمد رحمه الله لم يجمع لأحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الخصائص ما جمع لعلي وهو الذي تولى غسله عليه الصلاة والسلام فالصحابة الذين من آل البيت كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم أيام وفاته كانوا إما يحملونه صلى الله عليه وسلم يعني العباس كان مسند يده ظهر النبي صلى الله عليه وسلم عليه وأسامة كان يسكب الماء لكن الذي كان يباشر الماء علي رضي الله عنه ولما نزلوا في حفرته عليه الصلاة والسلام كان علي من باشر دفنه صلوات الله وسلامه عليه فعلي من حيث القرابة ألصق بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم من كل رجل وإن كان العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وله مزية لكن تأخر إسلام العباس جعل لعلي تلك المنزلة . فالرسول صلى الله عليه وسلم حتى يبين للعرب الذين لهم أعراف وعادات يحكمها النظام القبلي القديم أبقاه النبي صلى الله عليه وسلم وبعث عليا بفواتح سورة براءة مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه فكان الأمير هو أبو بكر رضي الله عنه وإنما تبليغ البراءة مسند إلى علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه الله يقول: {وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ }الآن لم يقل الله ما هو الآذان ما هو الإعلام {إِلَى النَّاسِ}ذكر الله الزمن تشويقا
    {يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ}.

    واختلف العلماء رحمهم الله بما هو المقصود بيوم الحج الأكبر على أقوال:

    لكن هذه الأقوال تزدحم أخيرا في قولين وقلنا دائما من قواعد العلم ضيق المسافات حتى تصل إلى قمة الهرم فذكرت أقوال عده تضيق منها من قال : أنه يوم عرفه وهو منقول عن كثير من الصحابة أنه يوم عرفة والذي عليه أكثر العلماء وأهل التحقيق أنه يوم النحر وسمي يوم الحج الأكبر لأنه لا تجتمع أعمال الحج في يوم كما تجتمع في يوم النحر والذي يظهر والله أعلم أنه يوم الحج الأكبر هو يوم النحر الآن إلى هنا لم يقل الله ما هو الأذان قال الله سبحانه :{وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} والغاية المجملة من الآية براءة الرب جل وعلا ورسوله صلى الله عليه وسلم من أهل الإشراك وهذا يدل على أنه ليس بين المؤمن والمشرك أي عقد من الولاية وبين كل مؤمن ومؤمن عقد من الولاية بأصل الإيمان فمهما اختلفت اللغات والجنسيات وتباعد الديار وما أحدثه الاستعمار من فرقه إلا أن الله جل وعلا يقول : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } . فأنت ومن في أقصى الشرق أو في أقصى الغرب إخوان في الملة والدين ولو أن أخاك لأمك وأبيك لا قدر الله كان كافرا فليس بينك وبينه أي ولاية لا ترثه ولا يرثك وليس بينك وبينه أي ولاية والله يقول عن إمام الحنفاء إبراهيم{ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ}أي أن أباه {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ }والمقصود من هذا أن الله جمع المؤمنين بتوحيده وخالف بينهم وبين أهل الإشراك لأنهم أشركوا .


    فقال الله جل وعلا :
    {وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } هذه البراءة لم يكن وحدها التي ذهب بها علي وإنما أمر علي أن ينادي في الناس بأربعة أمور:
    أولها:
    أن لا يطوف بالبيت عريان وكانت قريش تسمي نفسها الحمس ويقولون لمن يقدم عليهم من خارج مكة لا يجوز لك أن تطوف في ثياب فأنت واحد من أمرين : إما أن تشتري ثوبا قرشيا أو تأخذ ثوبا من أحد قريش أو أن تطوف عريانا فكان الناس بعضهم يطوف عراة على فقه قريش فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا أن ينادي بألا يطوف بالبيت عريان .
    الثانية:
    أن لا يدخلن مكة بعد هذا العام مشرك وهذه قالها الله في كتابه :{ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا } فلا يقرب المسجد الحرام مشرك.
    والأمر الثالث:
    من كان له عهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعهده إلى مدته.
    والأمر الرابع:
    أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنه ـ ختم الله لنا ولكم بالإيمان وأدخلنا الله وإياكم الجنة ـ هذه هي التي أذن بها علي رضي الله تعالى عنه في الحج {وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } .

    نأتي عند
    { وَرَسُولِهِ } الواو هنا تحتمل احتمالين:
    الاحتمال الأول:
    أن تكون عاطفة.
    والاحتمال الذي عليه القراءة اليوم:
    وهي أن تكون استئنافيه .

    فإن كانت عاطفة فلها كم احتمال من حيث التصور ؟ احتمالان :

    الاحتمال الأول:
    والاعتقاد به كفر أن يقرأها القارئ{وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسولِه } فتعطف الرسول على المشركين فيصبح معنى الآية في غير القرآن أن الله متبرئ من المشركين ومتبرئ من رسوله وقد قرأها أعرابي بهذه الصورة سمع رجلا يلحن ما يعرف قواعد اللغة وعنده أعرابي والأعرابي قليل الفقه فالرجل العامي يقرأ:{ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسولِه } فقال الأعرابي: برئت من رسول الله برئت ممن برئ الله منه هذا من أحد أسباب قيام علم النحو فإن أبا الأسود الدولي يقولون : إنه لما سمع هذا الأعرابي ذهب إلى علي رضي اله عنه وأخبره الخبر فقال له : " انحُ للناس نحوا " فصنع علم النحو طبعا هذه لا يقولها مسلم إلا جهلا ولا تجد مسلما يعتقدها أو يقولها هذا الاحتمال الأول من حيث النحو لكنه لا يمكن أن يقع شرعا.
    الأمر الثاني:
    أن تكون رسوله معطوفه على لفظ الجلالة فتؤتى بالنصب فيصبح المعنى {أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولَه} فتصبح معطوفة على لفظ الجلالة والمعنى هنا يستقيم وبه قراءة.

    الحالة الثالثة :
    {أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ }وتقف وتأتي الواو استئنافيه كلام جديد والمعنى : ورسوله كذلك بريء من المشركين. وهنا الواو تسمى واو استئنافيه وحق الاسم هنا أن يرفع لأن ما بعد واو الإستئنافيه يعرب مبتدأ .
    {أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ }
    والخطاب للمشركين{وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } .

    ثم قال الله جل علا :
    {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ } هذه الآية قبل أن أفصل فيها تسمى آية السيف.طبعا عرفنا أنه فيه سور من القرآن لها أسماء لكن ينبغي أن تعلم أن هناك آيات من القرآن لها أسماء .

    وأنا سأراجع اليوم معكم أربع من آيات القرآن المسماة :
    أشهر آية في القرآن مسماه هي :
    آية الكرسي وهي قول الله جل وعلا {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} الآية الخامسة والخمسون بعد المائتين من سورة البقرة .

    ثم بالترتيب :
    ـ الآية الثانية :
    آية الدين أو آية المداينة اسم واحد وهي الآية الثانية والثمانون بعد المائتين من سورة البقرة {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ..}إلى آخر الآية.
    ـ والآية الثالثة :
    آية المباهلة الواحدة والستون أو الثالثة والستون من سورة آل عمران {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ *الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ }آية المباهلة{ فمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}.هذه آية المباهلة.
    ـ الآية الرابعة :
    هي آية السيف وهي الآية الخامسة من سورة براءة .

    سميت آية السيف لأن الله أمر فيها بالقتال وقال بعض العلماء : " إن هذه الآية ناسخة لكل ما في القرآن من أمور الكف والإعراض " الله يقول : {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ}وقال جل وعلا :{فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا }وأمر نبيه بالصبر لكن قالوا هذه الآية ناسخه لكل ذلك وقال بعضهم إن آية سورة محمد {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء}ناسخه لآية السيف . وقال آخرون : " إن آية السيف ناسخه لسورة محمد " والحق أن لا أحدهما تنسخ الأخرى . وإنما العمل بها جميعا وكل منها توضع في موضعها الذي سيظهر في سياق الكلام .

    الذي يعنينا أن هذه الآية اسمها آية السيف وهي الآية الخامسة من سورة التوبة.


    قال الله تعالى :
    { فَإِذَا َ انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ }:
    انسلخت / يعني مرت وانتهت.

    لكن ما هي الأشهر الحرم؟

    تحتمل معنيين : الأشهر الحرم التي في الذهن " ذي القعدة ـ وذو الحجة ـ ومحرم ـ ثلاثة سرد وواحد فرد ـ رجب " .
    واللفظ الآن يعود على { فَإِذَا َ انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ }الأربعة الأشهر التي مرت معنا { فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } فالعودة إلى المذكور أفضل أو العودة إلى المقدر . فنعيد هذه الأربعة إلى قول الله جل وعلا {فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} من أين أخذت كلمة حرم؟ هو الذي حرم فيها على المسلمين قتال المشركين من هذا المعنى أخذت كلمة
    { الْحُرُمُ }.

    {فَإِذَا َ انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ }
    ربنا يقول{ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } من هنا أخذ العلماء أن هذه الآية اسمها آية السيف لكن يوجد في القرآن ـ وأنا قلت أكلم طلبة علم وأنا أعلم أن أقوالي هذه تصل إلى غيرنا فأنا أُسس علميا ـ يوجد في القرآن عام وخاص ويوجد في القرآن ناسخ ومنسوخ وبينهما فرق دقيق لا يظهر إلا في التطبيق لكن عموما النسخ لايقع في الأخبار ويقع التخصيص في الأخبار ، النسخ يقع في الشرائع لكن التخصيص لايقع بين شريعة وأخرى هذا من حيث الإجمال.

    من حيث التفصيل:

    العام له ألفاظ من أشهر ألفاظه أم الباب هي " كل " . كلمة "كل"من أعظم ألفاظ العموم في القرآن وهي أم الباب يتبعها أدوات الشرط " من " ويتبعها بعد ذلك الأسماء الموصولة" الذي " ثم المضاف إلى معرفة . أمور طويلة دعونا في الثلاث الأوائل.


    أما التخصيص فيقع على قسمين:
    يقع مخصص متصل . ومخصص منفصل.

    سأضرب مثال على المخصص المتصل والمخصص المنفصل سنأخذه في آية السيف :
    المخصص المتصل :
    ـ ستفهم جيدا يعني ليس الأمر بالصعوبة ـ الله يقول : {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ}هذه " كل " من ألفاظ العموم لكن هذا العموم خصص بقول الله تبارك وتعالى {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}فوجه الله ـ تعالى الله عما يقول الظالمون ـ ليس بهالك لأن الآية خصصته من كلمة " كل " خرج منها بحرف الاستثناء " إلا " استثني وجه الله تبارك وتعالى . فالاستثناء طريقه من طرائق التخصيص . فكل من ألفاظ العموم وخصص وجه الله جل وعلا من ألفاظ العموم هذا التخصيص وقع كله في آية واحدة لذلك اسماه العلماء تخصيص متصل لماذا أسموه تخصيص متصل ؟ لأنه وقع في آية واحدة " كل " من ألفاظ العموم {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} فقول ربنا جلت قدرته {إِلَّا وَجْهَهُ} هذا تخصيص .تخصيص من أي العموم؟ من قوله{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ} فكل من ألفاظ العموم وهذا يسمى تخصيص متصل .

    المخصص المنفصل
    : هو الذي بين أيدينا الآن نأخذ آية السيف يقول الرب جل وعلا : { فَإِذَا َ انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } سأبدأ من النهاية {حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ }يدل عمومه على أن المشرك يقتل في أي مكان .لأن ربنا يقول{حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } لكن هذا الكلام لايصح هذه الآية مخصصة بآية أخرى أنه توجد أمكنه لا يجوز قتل المشرك فيها في الحرم المكي الله يقول: { وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ }.

    إذا كيف يجمع مابين الآيتين ؟

    أن يقال إن آية التوبة عامه وآية البقرة مخصصة لعموم آية التوبة . وآية البقرة مخصصة لعموم آية التوبة فالمشرك يجوز قتله في أي مكان إذا لم يكن هناك عهد أو لم يكن هناك ذمه يجوز قتله حيث وجدناه إن لم يكن له عهد ولا ذمه ولا ميثاق إلا في المسجد الحرام فلو جاء إنسان وقتل أحدا في المسجد الحرام وقال إن الله يقول:{ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ}قلنا له إن هذه الآية العامة خصصت بقول الرب جل وعلا:{ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ }.هذا تخصيص مكان.

    نرجع قليلا الله جل وعلا يقول : { فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ } تعم كل مشرك لكن هل يجوز قتل كل مشرك؟ هنا مخصصه بالسنة لا يجوز قتل النساء ولا يجوز قتل الرهبان ولا يجوز قتل الأطفال . إذا العموم الذي وجد هنا في قوله جل وعلا{ الْمُشْرِكِينَ }خصصته السنة فأخرجت السنة النساء وأخرجت الأطفال وأخرجت الرهبان وفي رواية أخرجت الشيخ الكبير الهرم إن لم يكن له دور في المعركة أما إن كان له دور حيث أنه مدبر أو مفكر أو مخطط للمعركة فيجوز قتله ولو كان شيخا فانيا مثل دريد بن الصمه : دريد بن الصمه كان شيخا كبيرا فانيا وكان ذا عقل وتدبير وهو أحد فرسان العرب أدرك الطائف وهو كبير لكن العرب ـ عفا الله عنا وعنهم ـ فيهم أنفه كانوا مقدمين رجلا يقال له مالك أو كعب زعيم للمعركة ودريد أشد خبره من مالك هذا فلما أعمى يقودوه في المعركة وهو أعمى يتحسس الأرض ويسأل أين نحن؟ قالوا أنت في ديار كذا قال ماهي ديار حرب ما تصلح أخرجوا بعدوا شيلوا حطوا فخاف الزعيم والدنيا سبحان الله خاف الزعيم من نفس القبيلة أن يأخذ دريد الأمر عنه فما أراد أن يكون لدريد فيها نصيب فجاب السيف ووضعه على يده يعني وضع السيف وجعل نصل السيف قائم وثنى بطنه على السيف وقال إن لم تطعني هوازن قتلت نفسي يريد أن يخرج منها دريد بالكلية فهوازن كانت متعاطفة معه القبيلة قالوا لا خلاص أنت الزعيم والذي تقوله هو الذي يمضي لن نأخذ برأي دريد فرفع نفسه عن السيف ووقعت الهزيمة عليه وكان رأي دريد أشد صوابا لكنه لم تأخذ به العرب. وهو القائل المثل المشهور:
    وهلْ أنَا إِلا مِن غَزِيةُ إِن غَوتْ *** غَوَيتُ وإنْ تَرْشُد غَزيةُ أَرْشُد.
    هذا دريد بن الصمه قتله المسلمون وهو شيخ كبير لأنه كان يخطط وله دور في المعركة أما الشيخ الكبير الذي ليس له يد في المعارك فهذا يترك .

    نعود للآية :
    قلنا إن هذا تخصيص فالله يقول {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ }وهذا كله أمر بتضيق الخناق عليهم.

    ثم قال الله جل وعلا :
    {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.
    هذه الآية استدل بها بعض العلماء:
    على أن تارك الصلاة كافر .

    وحجة من قال بهذا قالوا :
    إن الله ذكر ثلاثة أسباب هي العودة من الشرك وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة. وقالوا إن إيتاء الزكاة خرج بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث : (ثم ينظر في سبيله تارك الزكاة هل هو إلى الجنة أو إلى نار) ويبقى تارك الصلاة والإشراك صاحب الشرك على حاله. وهذا رأي جيد وإن كان هذا ليس محل تفصيله لكن أنا أذكره لمناسبة الآية{فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .

    ثم قال سبحانه :
    {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ }بعد أن ذكر الله جل وعلا لنبيه كيفية التعامل مع أهل الإشراك قال له :{وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ } طلب أن تجيره أن يلجأ إليك فالله يأمر نبيه أن يقبل تلك الإجارة وأن يجير ذلك لسبب عظيم وهو :{ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ } فإذا سمع كلام الله وما في كلام الله من وعد ووعيد وثواب وعقاب ربما كان ذلك سبب في إسلامه بدليل أن الله قال بعدها:{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ}. الذي ينبغي أن تفهمه من الآية أن تفهم أن أهل الكفر وإن كان الكفر ملة واحدة لكن الكفار تختلف أسباب كفرهم فمنهم كافر عنادا ومنهم من هو كافر جهلا لو قدر له أن يسمع كلام الله لكان ذلك سببا في إيمانه فالله يقول لنبيه :{حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ} وهذا دلاله على أن المؤمن واثق من الدين الذي يدعوا له فينبغي أن نحرص على أن نسمع من كان علته الجهل أن نسمعه كلام الله وهذا يوجد لما في بلادنا مايسمى " بتوعية الجاليات " هذا أمر محمود لأن كثيرا من الناس لمن يأتون لهذه البلاد بغير قصد الإسلام فإذا اختلطوا بالناس ورأوا الإسلام كان ذلك سببا في إسلامهم وقد يأتي إنسان يريد أن يكون لاعب كرة فيحتك بالمسلمين هنا ثم يرى عظمة الإسلام فإذا تلي عليه القرآن يصبح ذلك سببا في إسلامه كذلك ما يقال على حال الأفراد يقال على حال الأمم والدول فليست كل دول الكفر السبب في كفرها شيء واحد وإنما تختلف اختلاف واضح فمنها من هو محارب للإسلام عقيدة ،ومنهم من هو محارب للإسلام عملا، ومنهم من يحارب الإسلام لمصلحة ومنهم من لا مصلحه له في حرب الإسلام فلا يحارب الإسلام فيجب أن نتعامل مع أهل الكفر بحسب أصل كفرهم أو بحسب سبب كفرهم .

    مثلا قبل يومين ـ هذا الدرس قبل أكثر من ثلاث سنوات ـ وزيرة التربية والتعليم في الدنمرك أعلنت أنها قررت تطبيق تدريس القرآن الكريم في مراحل التعليم العام في الدنمرك من دون أي ضغط دولي إسلامي هذا من أعظم الفتوح في عالم الإسلام اليوم ولما جاءت المعارضة واحتجت عليها في بلادها على أنها قررت تدريس القرآن قالت: " إن الكثير من الدنمركيين مسلمين ـ وأنا قلت أن كلمة كثير لا تعني الأكثر لا تعني الغلبة يوجد مسلمون دنمركيون ـ وأصحاب لهم من الدنمركيين العاديين غير مسلمين فنريد منهم أن يتعرفوا على الإسلام وهذه حضارات لا يوجد شيء يمنعها " فهذا الفكر العلماني هنا خدم الإسلام بما يسمى سياسيا تقاطع المصالح فيجب أن ينظر من يدعوا إلى الله ينظر إلى حال أهل الكفر فليس أهل الكفر وإن كان الكفر ملة واحده ليس حالهم في معاداة الإسلام على حال واحدة على حال سواء بل يوجد بينهم أمور عظيمه من الخلافات فينبغي للعاقل أن يوطن نفسه كيف يدعوا إلى الله مستشهدا بالآية {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} قال العلماء : " ربما كان سبب كفره الجهل فإذا رفع عنهم الجهل دخل في دين الله تبارك وتعالى " أو دخل في الإسلام بتعبير أوضح.

    المقصود من هذا أن الإنسان يفرق ما بين من يدعوهم في تعامله مع الأفراد تعامله مع الأمم تعامله مع الدول بنص القرآن.


    الآية فيها دليل كذلك واضح على أن القرآن كلام الله وفيه رد عقدي على المعتزلة
    :
    الذين يقولون إن القرآن مخلوق وغير منزل والله جل وعلا قال :{ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ } فأضاف كلمة{ كَلاَمَ }إلى لفظ الجلالة وهو ما يسمى بإضافة صفة إلى موصوف فالله جل وعلا من صفاته تبارك وتعالى أنه يتكلم بما شاء متى شاء له جل وعلا الأمر كله وهذا من أدلة أهل السنة . وأدلتهم كثيرة على أن القرآن منزل غير مخلوق والآية من حيث قواعد اللغة { إِنْ } هذه شرطيه { أَحَدٌ }مبتدأ وقلنا مرارا هذه جمل شرطيه { فَأَجِرْهُ }الفاء واقعة في جواب الشرط وسبب وقوعها أنها مبدوءة بفعل أمر.

    هذا ما أردت بيانه في هذا اللقاء وأنا أكثرت فيه من الناحية العلمية لكن كما قلت المقصود أن يخرج من هذه الحلقة من يحمل تفسير كلام الله جل وعلا إلى غيره وليس المقصود الوعظ على وجه الخصوص وإن كانت ستأتي آيات خاصة بالوعظ نعرج عندها ونطيل أكثر من اليوم لكن أنا جرت العادة حتى وأنا أدرس في الكلية أن أول المحاضرات تكون أقل وآخر المحاضرات تكون أقل وهذا عين السنة. النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين ويختم بركعة واحدة ويجعل الإطالة في الوسط ولن تجد هديا أعظم من هدي محمد صلى الله عليه وسلم وأنا كنت أصرف الطلاب في آخر العام وأذهب للوكيل وأقول له هذه السنة لن تكون آخر حصة كمثل أوسط الحصص آخر العام يأخذ كلمتين مراجعة ويمشون وكذلك بداية العام وهذا الله يقول على لسان نبيه
    :{وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً} .

    هذا وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.

  12. #42
    ~ [ عضو مجلس الإدارة ] ~

    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    حيث أكون !!!
    المشاركات
    8,859
    تأملات في سورة التوبة ج2
    الشيخ صالح بن عواد المغامسي

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين , أما بعد .

    فما زلنا وإياكم نتفيؤ دوحة سورة التوبة في التعليق عليها وقد سبق الحديث عنها أولاً حول مجمل عدد أيائها وأسمائها وما تعلق بها من موضوعين رئيسيين في الجزء الأول من التأملات في نفس السورة .

    وقلنا إن هذه السورة هي السورة الوحيدة في القرآن التي لم تصدر بقوله جل وعلا : {بسم الله الرحمن الرحيم} وذكرنا أن للعلماء في هذه أقوال عدة خلصنا منها إلى ثلاثة أقوال ثم قلنا إن من أرجح الأقوال فيها أنها نزلت بالسيف وأن {بسم الله الرحمن الرحيم} تتضمن الرحمة والآمان وهذان لا يتفقان وقلنا إن هذا القول منسوب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وإلى سفيان ابن عيينه رحمه الله تعالى وهذا قلنا هو الذي يظهر لنا ترجيحا والله تعالى أعلم . وذكرنا رأيين دونهما في القوة كما قلنا إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا ابن أبي طالب رضي الله عنه ملحقا بأبي بكر الصديق رضي الله عنه في مسيرة أبي بكر رضي الله عنه أميرا للحج في السنة التاسعة من الهجرة وقلنا إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يشأ أن يحج في ذلك العام لأن العرب كان يطوف بعضهم عريان فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا بأربعة أمور ذكرناه فيما سبق وأنا أقولها إجمالا حفاظا على الوقت : أمره بأن من كان له مع النبي صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته ، وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنه، وأن لا يطوف بالبيت عريان، وأن لا يحج بعد هذا العام مشرك . وأنزل الله جل وعلا قوله :
    {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا }.

    ثم شرعنا في بيان الآية الخامسة منها وهي آية السيف وتكلمنا عنها وشرحنا ما تعلق بها من عام وخاص وفق ما سلف قوله .

    اليوم إن شاء الله تعالى نختار كالعادة بعضا من آيات هذه السورة ونحن نكرر في سائر دروسنا أنا لا نفسر جميع آيات السورة وإنما نختار منها بحسب الحال حتى نحاول أن نعرج على القرآن كله وقد بدأنا ولله الحمد بالبقرة ونحن الآن في سورة التوبة .
    فنقول سنقف اليوم عند قول الرب تبارك وتعالى : {وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ* وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ * إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ.... } إلى آخر هذه الآية،ثم سنقف إن شاء الله تعالى عند قوله تبارك وتعالى{ و َالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ...}وسنقف عند قول الرب تبارك وتعالى{ وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ... }هذه مواضيع لقاء هذا اليوم نسأل الله جلت قدرته أن ييسر إلقاءها والنفع بها للقائل والسامع.

    فنقول : الله جل وعلا في هذه السورة ذكرنا فيما سلف أنه ذكر فيها المجتمع المدني الذي كان يعم بالأخيار لكن لم يكن يخلوا من المنافقين وأن المنافقين كانوا مجاورين للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ممن مردوا على النفاق كما أخبر الله جل وعلا في القرآن وهذه السورة سميت بسورة الفاضحة لأنها فضحت المنافقين وقلنا إن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان يقول : " ما يزال ينزل من هذه السورة ومنهم....ومنهم....ومنهم حتى لاتكاد تدع أحدا منهم " نسأل الله العافية، فقوله{مِنْهُم}هذه " من " : بعضيه وليست بيانيه وستمر علينا البيانيه.

    لكن قول الله تعالى :
    {وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ}معنى الآية :
    وبعض منهم أي بعض من المنافقين يلمزك في الصدقات .

    وأصل الأمر أصل الآية :
    أن النبي صلى الله عليه وسلم في منصرفه من حنين قسم الغنائم فأعطى أقواما حديث عهد بالإسلام وبعضهم مشركين أعطاهم من الغنائم يتآلفهم بها صلوات الله وسلامه عليه فجاءه رجل يقال له ذو الخويصره التميمي قال له : " يا رسول الله اعدل كما أمرك الله " فقال عليه الصلاة والسلام: ( ويحك إن لم اعدل فمن يعدل ) . فقام إليه عمر رضي الله عنه فقال : " يا رسول الله إذن لي أن أضرب عنقه " فقال عليه الصلاة والسلام : ( لا حتى لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه) وهذا أخذ بما يسمى في السياسة المعاصرة : أخذ باعتبار الرأي العام . فقال :( لا حتى لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ) . ثم لما ولى قال عليه الصلاة والسلام : ( سيخرج من ضئضئي هذا أقوام يقرؤون القرءان لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) فكان هذه أول نبته تاريخيه لما يسمى بعد ذلك بالخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه.


    وقد اختلف العلماء في أي أول فرق الإسلام ظهورا من أهل البدع :

    قال بعضهم الخوارج وقال بعضهم الشيعة والصواب أنهم أشبه بالمتلازمين مع بعضهما البعض وإن كان الأصل في الخوارج إذا اعتبرنا ذوالخويصرة منهم بأنه رأسهم لا شك أنهم أقدم تاريخا لأنهم ظهروا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .


    قال الله جل وعلا :
    { وَمِنْهُم } أي من المنافقين { مَّن يَلْمِزُكَ} أي يعيبك وينتقصك وهذا رد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله. فلما فسد القلب فسد اللسان فسد التعبير قال عثمان رضي الله عنه : " ما أسر أحد سريرة إلا وأظهرها الله على قسمات وجهه أو فلتات لسانه " ـ جعلنا الله وإياكم ممن يسر الخير ـ فهذا الرجل شارك مع النبي صلى الله عليه وسلم معركة حنين وحارب وغزا لكنه كان يسر الشر في قلبه فلما جاء المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو أمين من في السماء واستأمنه الله جل وعلا على أعظم منزل وهو القرءان ومع ذلك لما أخذ عليه الصلاة والسلام يقسم الغنائم بحسب المصلحة العليا للإسلام يأتي هذا من بين الناس قال له : " يا رسول الله اعدل كما أمرك الله " فقال عليه الصلاة والسلام : ( ويحك إن لم اعدل فمن يعدل ) . فهذا الرجل أسر السريرة المريضة في قلبه وهي سريرة النفاق وأظهر ما يخفيه وأظهر خلاف ما يبطنه فلما جاء هذا الموقف لم يصبر فأخرج السريرة التي من قلبه وأخذ يعترض على حكم وتقسيم نبينا صلى الله عليه وسلم الذي ائتمنه الرب تبارك وتعالى من فوق سبع سموات والله جل وعلا يقول :{ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} .

    الله تبارك وتعالى في هذه الآية يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم:
    {وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ } أي يعيبك { فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} ومن دلالة القبول قبول الإنسان للحق أو مراده للهوى أن يُنظَر في تصرفه حال المنع والإعطاء . فمن الناس من يأتي يسألك وقد بيت الإجابة من قبل إجابة يريدها فإن وافقت إجابتك له الإجابة التي يريدها خرج يمدحك بين الناس ويرفعك على أقوام تعلم أنت أنك لا تصل إلى علمهم وإن قلت له إجابة لا يريدها تخالف هواه تخالف مراده خرج يقدح فيك ويقول فيك من المعايب ويظهر ما فيك من النقائص لأن إجابتك لم توافق هواه فهو لا يريد الحق يريد أن يجبرك على أن يوافق هواك أنت هواه هو، فالله يقول عن هؤلاء:{وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } فهم لا يريدون نصرة دين ولا إعلان كلمه ولا إقامة حق إنما يردون أن يتبعوا أهواءهم فإن أعطيتهم أثنوا عليك وقالوا محمد كذا ومحمد كذا صلى الله عليه وسلم يمدحونه وإن لم تعطهم أطلقوا لألسنتهم العنان في أن ينتقصوك لأنهم أصلا لا يريدون الميزان الحق وإنما يريدون ما يتبع أهواءهم هذه إحدى خصال النفاق أعاذنا الله وإياكم منها لكن هنا نتكلم عن قوم منافقين حقا فليس أمر نطبقه على الغير معاذ الله نحن نتكلم عن قوم وجدوا بأسمائهم وأعيانهم تكلم الله جل وعلا عنهم فهؤلاء ليسوا مثلا يضربه الله للناس وإنما هذا قوم حصل منهم هذا الأمر ووقعت منهم الواقعة {وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} وقلنا إن من ذرية هذا الرجل ظهرت فرق الخوارج بعد ذلك والخوارج والشيعة كما قلنا متلازمان.

    وعلى وجه الإجمال نتكلم بعض المقارنة العلمية المحضة بين الفريقين:
    الأمر الأول :
    كلاهما فيه الغلو لكن الفرق أن الخوارج يغالون في الأحكام فيتشددون فيها على غير علم . والشيعة يغالون في الأشخاص . فلما غالى الشيعة في الأشخاص غالوا في علي وآل البيت حتى أوصلوهم إلى منازل ليست لهم حتى قال الخميني في كتاب له اسمه " الحكومة الإسلامية " يقول : " وإن من أصول مذهبنا أن لأئمتنا منزلة لا ينالها ملك مقرب ولانبي مرسل " طبعا يقصد بأئمتهم الأئمة الإثني عشريه من آل البيت فهؤلاء آل البيت قوم مرضيون عنهم صالحون لكن هؤلاء غلوا فيهم مغالاة فاحشة فوق منازلهم .
    الخوارج يغالون في الأحكام يأتون للحكم فيتشددون فيه على غير فهم ولا غير علم ينزلونه جبرا على الناس .


    الأمر الثاني :
    الخوارج يعتمدون على الصدق والمكاشفة ولا يضمرون شيئا والشيعة يعتمدون على التقيا والمواراة والالتفات . فالخوارج قوم يظهرون ما عندهم ولذلك جابهوا الأحكام عبر الدهور ،جابهوا عليا جابهوا الأمويون جابهوا عبدالملك لا يوارون شيئا لا يستترون بشيء لكن الشيعة قوم يتحايلون لأنهم يؤمنون بالتقيا حتى خروج المهدي الذي يزعمون أو يرتقبون خروجه .

    ينجم عن هذا
    :
    أن الخوارج يعتمدون على الصدق لأنهم يرون أن مرتكب الكبيرة كافر فلا يكذبون في حين أن الشيعة يعتمدون على الكذب لأنهم يعتقدون بجواز التقية فيعتمدون على الكذب والخوارج لا يرون الكذب أصلا لأنهم يرون أن مرتكب الكبيرة كافر فيعتمدون على الصدق ولذلك عمران بن حطان أحد زعماء الخوارج وشعرائهم وأخرج له البخاري في الصحيح اعتمادا على أنه لا يكذب أبدا في كلامه لأنهم يرون أن مرتكب الكبيرة كافر هذه من الفوارق ما بين الشيعة والخوارج.


    الأمر الثالث :
    الخوارج أشد شجاعة لا يخافون الموت لا يهابونه عبر التاريخ كله. يقول قطري بن الفجاءة :
    أَقولُ لها وقدْ طَارتْ شَعَاعا *** مِن الأَبْطال وَيحَكَ لنْ تُراعِي
    فَإِنكِ لَوْ سَألتَ بَقَاءَ يـــَـــومٍ *** عَن الأَجلِ الذِي لكِ لَنْ تُطاعِي
    فَصَبْراً في مَجالِ المَوتِ صَبرَا *** فَمَا نَيْلُ الخلُودِ بِمُسْتَطــاعِ
    هذه الأبيات كلها لرجل من أكبر زعماء الخوارج اسمه: قطري ابن الفجاءة في حين أن الشيعة يعتمدون على بقاء أنفسهم عبر التاريخ ويحافظون على سلامة أنفسهم ماستطاعوا إلى ذلك سبيلا .

    هذه مقارنه بسيطة علمية ما بين الفريقين دفع إلى القول بها حديثنا عن ذي الخويصره.


    ثم قال الله جل وعلا
    :{ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ }يبين الله جل وعلا هنا المنهج الحق في الإنسان إذا أعطي أو منع يبين المنهج الحق في الإنسان إذا منع أو أعطي .

    الإنسان عبد لله والمؤمن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم ليكن ليصيبه وأن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها كما قال صلى الله عليه وسلم : ( فاتقوا الله وأجملوا بالطلب ) فالله جل وعلا يقول كان المفترض الموقف الشرعي لهؤلاء :{ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ }لو قالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله علقوا أنفسهم بالله طبعا ذكر الرسول هنا لأنه كان حيا ولا يقال هذا اليوم.{ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ }أي ينقطعون إلى الله , فلو أنهم انقطعوا إلى الله وسلموا بأمره ورضوا بحكمه جل وعلا وقالوا حسبنا الله لكان خيرا لهم وأعظم وأهدى سبيلا وهذا هو الموقف الذي ينبغي على المسلم أن يتبعه على كل حال، في حال الفقر وحال العطاء وحال المنع وحال الأخذ وحال السراء وحال الضراء وعلى كل حال.

    ثم قال الله وهذه الآية الآن :{ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء }آية عارضه داخله في مجمل بيان الله لأحوال الناس وإنما دفع القول بها قطعا لأطماع المنافقين أن يكون لهم حظ من المال .

    قال الله تعالى :
    { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } " إنما " لغويا تفيد الحصر وهي أحد أساليب الحصر في لغة العرب وبالتالي أحد أساليب الحصر في القرآن فقول الرب تبارك وتعالى :{ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء }ثم ذكر باقي الثمانية دليل على أنه لا يجوز أن تعطى الصدقات لغير هؤلاء الثمانية .

    { الصَّدَقَاتُ }
    هنا المقصود بها الزكاة الشرعية وليس المقصود بها صدقة التطوع . وإنما الزكاة التي هي قرينة الصلاة التي هي الركن الثالث من أركان الإسلام .

    { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ }
    أنا سأشرح الآن لن أشرح فقهيا لأن هذا الدرس تفسير لكن سأذكر إجمالا ما يمكن أن تستفيد منه من هذه الآية دلت الآية على أمور:

    الأمر الأول :
    حصر أصحاب الزكاة الثمانية.

    الأمر الثاني :
    أن الله جل وعلا تولى تقسيم الزكاة والله قد خلق النفوس وهو جل وعلا أعلم بحبها للمال. وقال تبارك وتعالى :{وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً }وقال سبحانه : { وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } والخير هنا بمعنى المال. فالمواريث والزكاة لأنها حقوق ماليه تتعلق بها أنفس الناس لم يكل الله توزيعها لأحد وإنما تولى الرب جل وعلى مصارفها وتقسيمها . قال اللهجل وعلا :{ يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } وقال سبحانه :{وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ} فقسم تبارك وتعالى المواريث وقسم تبارك وتعالى وحدد أصناف الزكاة وجاءت السنة ففصلت ما أجمله القرآن كل ذلك حتى لا يبقى لأحد مشاحه في أحد ولايبقى تطلع أكثر مما هو مذكور في القرآن فعلى هذا علم الله جل وعلا وهو أعلم بخلقه تطلع النفوس للأموال فحسم الرب تبارك وتعالى تعلق العباد بها فقال جل وعلا : { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء} الأصناف المذكورون هنا الأصناف ثمانية كما هو ظاهر الآية وقرن الله جل وعلا بين كل صنف وصنف بواو العطف.

    الأمر الثالث :
    ذكر الله جل وعلا أربعة " باللام " وأربعه بحرف الجر " في " فقال جل ذكره :{ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ }هؤلاء " باللام " وقال :{وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ} ثم أعاد العطف قال:{ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ } مجمل ما يراد قوله هنا :
    أن " اللام " تعني التمليك فيملك الفقير ويملك المسكين ويملك العامل ويملك المؤلفة قلوبهم المال ولا يقال له نشترط عليك أن تضعه في كذا أو تضعه في كذا وإنما تعطي الفقير أو المسكين أو العامل أو المؤلفة قلوبهم هؤلاء الأربعة الأوائل المال بيده فيقبضه فيدخل ملكه وهو حر في أن يفعل به مايشاء . أما قول ربنا:{ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ }{ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} فهذه لا يشترط أن تعطى لهم . وإنما إنسان مثلا غارم يعطى دينه لمن له عليه الدين يعني : للدائن.
    { وَفِي الرِّقَابِ}
    فك الرقاب : العتق سوف يأتي فيعطى لصاحب الرقبة حتى يعتقها أو للمكاتب حتى يفسح عنه كما سيأتي . فالفرق بين " اللام " و" في " يختلف اختلافا جذريا كما بينا .

    الأمر الرابع :
    ذكر الله الأهم فالأهم لأن الأصل الواو لا تعني الترتيب الصحيح لكن دلت السنة عموما على أن هناك خصائص في التقديم فالنبي عليه الصلاة والسلام صعد الصفا وقال : ( أبدأ بما بدأ الله به {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ }) فقدم الصفا لأن الله قدمها في كتابه وإلا الأصل أن الواو في لغة العرب لا تعني الترتيب لكن قلنا إن تقديم الله جل وعلا هنا يدل في الغالب على تقديم الأهم فالأهم .

    قال الله جل وعلا :
    { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ }اختلف العلماء في الفرق بين الفقير والمسكين لكن الآية تدل عموما على أن الفقير أشد حاجة من المسكين وهذا الذي نرتضيه وإن كان في المسألة أكثر من عشرة أقوال لا حاجة لذكرها لكن الفقير من كان أشد حاجة من غيره من المسكين .

    الفقير والمسكين :
    هما شخصان غلبت عليهما المسكنة والحاجة إلى المال إلا أن أحدهما أشد من الآخر.

    ثم قال جل وعلا :
    {لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} العاملين : القائمين على الزكاة السعاة الجباة المسؤولين الإداريين عن جمع الزكاة هؤلاء هم العاملون .

    ثم قال جل وعلا :
    {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ } المؤلفة قلوبهم : لم يرد في القرآن كله ذكر لهذا الصنف من الناس إلا في آية الزكاة لم يرد في القرآن كله ذكر لكلمة المؤلفة قلوبهم إلا في ذكر تقسيمه للزكاة فيوجد في القرآن مشركون كفار منافقون مؤمنون مجاهدون توجد أصناف كثيرة تتكرر لكن كلمة مؤلفة قلوبهم لم ترد في القرآن هذه الطائفة إلا في ذكر مصارف الزكاة .

    نعود إليهم المؤلفة قلوبهم : قد يكونون أهل إيمان وقد يكونون أهل كفر والجامع بينهما أن في إعطائهما مصلحة الإسلام الجامع . فمثلا : إما كافر يعطى ولو كان كافرا دفعا لشره أو كافرا يعطى تأليفا لقلبه أن يسلم أو مسلم ضعيف الإيمان يعطى وله شوكه مسموع الكلمة مطاع يعطى زيادة في إيمانه أو مسلم لتوه داخل في الإسلام وله نظراء من الكفار فإذا أعطيناه طمع غيره ونظراؤه من الكفار في الدخول في الإسلام .


    واختلف العلماء في هذا السهم، سهم المؤلفة قلوبهم باق أو منسوخ:

    فقال بعضهم إن هذا منسوخ لأن الله عز دينه وهذا كان في أول الإسلام والحق الذي عليه المحققون من العلماء والجمهور أنه غير منسوخ لأن الأحوال تختلف والعصور تتباين فيطبق في كل عصر ما فيه مصلحة المسلمين العليا وإن أسقطه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه.


    ثم قال جل وعلا :
    {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ }الرقاب تحتمل أمرين : الأمر الأول : أن يشتري صاحب الزكاة ـ المزكي ـ من زكاة ماله عبدا أو أمه مملوكا لغيره ـ عبدا أو أمه مسلمان طبعا ـ فيملكها ثم يعتقها. مثلا : عليه زكاة عشرة آلاف ريال فذهب إلى بلد كموريتانيا حاليا يوجد فيها رق فذهب لموريتانيا واشترى بعشرة آلاف ريال عبدا أو جارية مملوك لغيره ثم أعتقه هذا قول ربنا {وَفِي الرِّقَابِ } وهو الأظهر .

    الأمر الثاني :
    يوجد في الشرع ما يسمى بالمكاتب وهذا غير موجود في عصرنا ،المكاتب رجلا أصلا مملوك فيأتي لسيده ويقول أنا أدفع لك مالا معينا أسعى في تحصيله على أن تعتقني فيوافق السيد فيأخذ هذا العبد يجمع في المال هذا إما من الناس أو بجهده حتى يكون ذلك المبلغ الذي يخرج به من سيده فيصبح حرا. فإعانة هذا المكاتب تجوز شرعا وهي داخلة في قوله تبارك و تعالى : {وَفِي الرِّقَابِ } عند أكثر العلماء لا عند كلهم .

    في عصرنا هذا نسمع كثيرا ما يقال إن من فك الرقاب أن يذهب
    إنسان إلى السجن فيجد شخص محكوم عليه بالإعدام " بالقصاص " بتعبير الشرع . فيعطي الورثة " ورثة القتيل " المقتول المطالبين بالمال مثلاً الدية : مائة ألف يقول أنا أعطيكم مليون بس اتركوا هذا سامحوه . هل هذا فك رقبة داخل في الزكاة ؟
    لا يدخل في الزكاة . هذا عمل خير نعم هذا فضل . صدقة نعم . لكنه لا يدخل في الرقاب .
    فأنت تتعبد الله بلغة القرآن لا بلغة الناس تتعبد الله بلغة القرآن لا باللغة السائرة بين الناس . فالقرآن أنزل عربيا فمن يعرف لغة العرب يستطيع أن يتعامل مع القرآن ، أما اللغات الدارجة التي تتغير هذه لا تحكم بها . وإن كان المشهور في بلادنا أنهم يسمونها : فك رقبة لكنها غير داخلة .

    ثم قال جل وعلا :
    {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ }الغارم : أصل الغرم في اللغة : اللزوم . والله قال عن جهنم ـ أعاذنا الله وإياكم منها ـ : { إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } يعني لازم لأصحابها.

    والغارم :
    هو من عليه الدين، والغريم : هو الذي له الدين ويسمى غريم لأنه ملازم للمدين، والدين العرب وأهل العقل والفضل يقولون إنه : " هم بالليل وذلُّ بالنهار " . وقالوا: إن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه رأى رجلا متقنعا هكذا متلثم يسموه العامة اليوم متلثم وكان يسمى قديما متقنع فقال له عمر رضي الله عنه : " أما بلغك أن لقمان الحكيم يقول : إن التقنع هذا تهمة بالليل أو ريبة بالنهار " فقال هذا الرجل : " يا أمير المؤمنين إن لقمان لم يكن عليه دين " فهذا يتقنع حتى لا يراه أصحاب الدين ويطالبونه ولذلك قال الفقهاء : " إن من عليه دين ويخشى من غرمائه في المسجد قد تسقط عنه صلاة الجماعة " .

    الذي يعنينا هذا الغارم والغارم شرعا قسمان:

    الغارم لنفسه :
    هو من يستدين لمصلحة نفسه يريد أن يتزوج, يريد أن يطلب علما, يريد أن يبني بيتا , يريد أن يؤثث بيته. هذا غارم لنفسه .
    الغارم لغيره : رجل جاء لقوم صار بينهم شجار واقتتال وفساد في الأموال فأصلح بينهم وتكفل بإصلاح ما أفسدته الخصومة بين الفريقين. فأخذ يطلب أموالاً غرم أموالاً تكلف المسألة مثلاً : خمسين ألف, سبعين ألف, مائة ألف. فأخذ يطلبها من الناس. فهذا غارم لغيره ليس غارما لنفسه . وكلا الفريقين يعطى من الزكاة بقدر الذي يحتاج إليه .

    وقد قال العلماء :
    إن الإسلام حث على عدم الدين ومن الدلائل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي على من عليه دين حتى فتح الله جل وعلا له الفتوح وقال في الجهاد وهو من أعظم الأعمال وقال في الشهادة وهي من أعظم القربات إن الشهادة تكفر الذنوب ( إلا الدين أخبرني به جبريل ءانفا ) .

    لكن العلماء يقولون :
    إن الإنسان إذا كان يستدين ترفا فلا يعطى من الزكاة . فمثلا إنسان راتبه أربعة آلاف ريال فهذا أنه كونه يكون عنده سيارة هذا حق من حقوقه ولا يخرج من كونه فقير لكن بالعقل إنسان راتبه أربعة آلاف ريال ففيه نوع من السيارات لاحاجه للتفصيل يلائم حاله لكن لوجاء وطلب سيارة استدان ليشتري سيارة فارهة جدا لا يركبها أمثاله فهذا دين للترف . فمثل هذا لا يعطى من الزكاة هذا من قول الله تعالى {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ}.

    ثم قال الله جل وعلا :
    {وَفِي سَبِيلِ اللّهِ}وسبيل الله كثير كما قال مالك واختلف العلماء في كلمة {فِي سَبِيلِ اللّهِ}على أقوال عدة لكن أنا أقول الرأي الراجح فيما أراه :
    الرأي الراجح أن في سبيل الله الغزاة المتطوعون الغزاة المجاهدون في سبيل الله المتطوعون هم المقصود بقول الرب تبارك وتعالى {وَفِي سَبِيلِ اللّهِ}. وقال بعضهم طلبة العلم ، وقال بعضهم أهل الحج ، وقال بعضهم غير ذلك . لكن هذا الذي نرتضيه والله تعالى أعلم
    .

    م قال جل وعلا :
    {وَابْنِ السَّبِيلِ}هذا أسلوب عربي . العرب تنسب الشيء إلى من يلازمه يقولون :{ابْنِ السَّبِيلِ} للمسافر لأن السبيل هو الطريق ، الله يقول في الحجر{ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقيمٍ}أي هذه الديار موجودة في طريق مقيم ثابت عن قوم ثمود. فقول الرب جل وعلا {وَابْنِ السَّبِيلِ}هذا أسلوب العرب يقولون : بنات الدهر . ما بنات الدهر؟ المصائب. عبد الله ابن الزبعرة يقول :
    "وبنات الدهر يلعبن بكل"يعني المصائب تأتي على الفريقين . ويقولون بنات أفكاره يعني آرائه وشعره يسمونه بنات أفكاره، الذي يعنينا {ابْنِ السَّبِيلِ}هو الرجل الذي انقطعت به السبل وإن كان غنيا في دياره ، الغريب الذي انقطعت به الحال حتى أصبح محتاجا للمال فيعطى بمقدار ما يوصله إلى أهله هؤلاء إجمالا وأنا قلت لن أفصل كثيرا أقسام أهل الزكاة الثمانية الشرعيون.


    إذا ذكرنا من يستحق الزكاة يجب أو يلزم أن نذكر من لا يجوز أبدا أن يعطون من الزكاة :

    أولهم :
    الكفار والملاحدة سائر أمم الكفر لا يعطون من الزكاة إلا المؤلفة قلوبهم هذا الأول وهذا ظاهر ما هو معقول تعطي كافر من زكاة مالك لكن يجوز إعطاؤه من صدقة التطوع لقول اللهجل وعلا :{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} والأسير لا يكون إلا كافر . الأصل أنه كافر .

    الثاني :
    ممن لا يعطون من الزكاة بنوهاشم آل النبي صلى الله عليه وسلم وقد مر معنا في تفسير سورة الأنفال أن الكلام عن آل البيت إلى ثلاثة أقسام قلنا من قال إن آل النبي صلى الله عليه وسلم هم قريش كلها وقلنا هذا بعيد. وقلنا الفريق الثاني: أنهم قالوا بنوهاشم وقلنا هذا أقوى من الأول.ثم رجحنا أن المقصود ممن لايعطون الزكاة هم بنوهاشم بالإضافة إلى بنو المطلب مو عبدالمطلب بنو المطلب وقلنا إن هاشم بن عبد مناف وإن عبد مناف هذا ترك أربعة من الولد نوفل،وعبد شمس،وهاشم،والمطلب. وقلنا إن بني هاشم هذا منه كان النبي صلى الله عليه وسلم وهذا واضح لماذا منع من الزكاة وأن هؤلاء الثلاثة لما حاصرت قريش النبي عليه الصلاة والسلام وبني هاشم في الشعب جاء أبناء المطلب فدخلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وبقي بنو نوفل وبنو عبد شمس خارج الأمر . أبناء أخيهم من بني هاشم في الشعب دخلوا معهم فقال عليه الصلاة والسلام كما في البخاري قال : ( إن بني المطلب لم يفارقونا في جاهليه ولا في إسلام وإنما نحن وهم شيء واحد وشبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه ) . وهذا مذهب الشافعي وإحدى الروايتين من مذهب الإمام أحمد وهو الحق إن شاء الله أن هؤلاء لا يعطون من الزكاة لأنها من أوساخ الناس .

    لكن اختلف العلماء فيما لوكان موالي بني هاشم من العاملين عليها هل يعطون أو لا يعطون؟

    قال فريق : يعطون . والأظهر : أنهم لا يعطون لحديث رافع وهو مولى للنبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه رجل من بني مخزوم قال : " اذهب معي نسعى في الزكاة حتى نكسب " لأن العاملين عليها يأخذون منها فقال : " دعني استشير النبي صلى الله عليه وسلم " فلما قدم عليه قال عليه الصلاة والسلام : ( مولى القوم منهم ) . فموالي بني هاشم كذلك لا يعطون من الزكاة أما صدقة التطوع فالمسألة فيها خلاف كثير بين العلماء والذي يظهر أنهم لا يعطون . الذي يعنينا الآن أصبحوا اثنان لا يعطون من الزكاة قلنا أولا كفار الملاحدة عموم أهل الكفر والثاني بنو هاشم .


    الثالث :
    أصول الرجل : " آباؤه فما فوق " و " أمه فما بعدها " فلا يعطي الرجل من الزكاة لا أباه ولا أمه وإن قال شيخ الإسلام ابن تيميه أنهم يعطون لكن القول الذي عليه أكثر العلماء أنهم لا يعطون لأنه يجب عليه نفقته.
    بعد الأصول يأتي الفروع فلا يجوز لرجل أن يعطي ابنه ولا ابن ابنه ولا ابن ابنته ولا ابنته فلا يعطي فروعهم والله ذكر في القرآن الفروع والأصول في آية غير الزكاة .
    وذكر الحواشي : الإخوان وفيهم نظر لكن الأرجح إن شاء الله أنه يجوز إعطاءهم من الزكاة لأنه لا تجب نفقتهم في الأصل.


    الرابع :
    أعمال الخير المطلقة لا يجوز أن يبني مسجد أو يعمل مثلا جمعيه خيريه تعنى بتكفين الميت وإن كان هذا خير أو تبني قناطر خيريه أو تبني أطعمة أومطاعم أو ما أشبه ذلك من الصدقات العامة كصدقة صائم إفطار صائم وما يقال في مثل هذا في بلادنا وفي غيرها هذا كله لا يجوز إعطاء الزكاة منه لأنهم لا يدخلون في الأصناف الثمانية وقلنا " إنما " تفيد الحصر.

    وأنا أقول إذا تريد أن تعطي الزكاة الشرعية أعطها شخصا بعينه وارتاح لا تسلمها أحد
    . أما أمور الصدقات التطوع العامة هذه ترجع لك تعطيها أي مؤسسة تطمئن إليها . أما صدقة الفرض تريد أن تعطي مثلا أخا لك قريب من جماعتك , طالب يدرس في حييك , فقير في الحي تعرفه , أحد جيرانك, أحد قرابتك, اذهب إليه وأعطها بنفسك تبرأ ذمتك وتتأكد من أنها وصلت إليه . أما صدقة التطوع هذه تحتاج إلى جهد أمثال الطعام وأمثال الكسوة وهذا صعب أن تقوم أنت بها بمفردك لكن هذه الجمعيات الخيرية، المؤسسات الخيرية، أقدر منك على إيصالها ، ففرق ما بين الأمرين أفضل لنفسك . هذا ما يمكن أن نقوله حول الصدقات.

    قال الله جل وعلا :
    {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
    هذه الآية نزلت أن قوما من أهل النفاق كانوا يتحادثون في مجالسهم الخاصة فيعيبون النبي صلى الله عليه وسلم فيقول بعضهم لبعض نخشى أن يصله كلامنا فيقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم أذن أي يصدق كل شيء. فإذا بلغه أننا تكلمنا فيه نذهب إليه فنعتذر فيصدقنا يسمون النبي صلى الله عليه وسلم بالبلاهة يريدون أن ينتقصوه فالله هنا يدافع عن نبيه ويناصره ويتولاه يقولجل ذكره :{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} والأذن : الجارحة المعروفة. والمقصود : أن النبي يسمع ويصدق كل ما يقال له حسب زعمهم ويقولون هو أذن فقال الله : {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}. والنبي صلى الله عليه وسلم أرفع مقاما وأكمل أخلاقا وأجل سيرة مما افتراه هؤلاء المنافقون عنه بل كان عليه الصلاة والسلام يتغافل عما لا يشتهي ولم يكن فيه إلا الرحمة والخير للناس عموما قال الله عنه :{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} فقال الله هنا : { قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} فجاء بالفعل يؤمن وعدى في الأول بحرف الجر الباء وعدى في الثاني بحرف الجر اللام . والمعنى الفرق في التعدية هنا: لأن قوله جل وعلا : { يُؤْمِنُ بِاللّهِ } فإيمانه بوجود ربه تبارك وتعالى أمر لا يخالطه فيه شك بوحدانية ربه وألوهيته وأن الله موجود لكن قوله تعالى :{ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}النبي ليس مسؤول عن سرائرهم وإنما يسلم أمرهم لله فيؤمن بما ظهر منهم ويكل سرائر الناس إلى خالقهم . فقال في الأولى تبارك وتعالى { يُؤْمِنُ بِاللّهِ } وقال في الثانية { وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } ثم قال جل وعلا : { وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ } ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم رحمة في بعثته , رحمة في هديه, رحمة في سيرته, رحمة في كل من يقتفي أثره ويتبع سنته.

    ثم قال الله جل وعلا :
    {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} إذا كان المسلم أصلا مطالبا بأن يؤمن ويحب ويوالي ويناصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما بالك بمن يؤذيه عليه الصلاة والسلام فأذيته عليه الصلاة والسلام وانتقاصه حيا أو ميتا ولو بمقدار شعره مع اعتقاد ذلك كفر مخرج من الملة يقتل صاحبه ولو تاب يقتل صاحبه ولو تراجع وتاب يقام عليه حد القتل وقد بينا هذا مرارا ويهرق دمه لكن يقيمه ولي أمر المسلمين، ويهرق دمه وأمره إلى الله تبارك وتعالى إن صدق في توبته أو لم يصدق لكن حتى لو أظهر صدق التوبة يقام عليه الحد ويقتل إذا انتقص شيئا من نبينا صلى الله عليه وسلم ومن مستند العلماء في هذا ما بيناه مرارا كما أخرج أبو داوود بسند صحيح من حديث ابن عباس أن رجلا أعمى كانت له جارية أم ولد تقوم برعايته وأنجب منها طفلين كاللؤلؤتين يحبهما وهذه المرأة كانت تحبه رغم أنه أعمى وشفيقة به رفيقة تقدم له كل حاجاته إلا أنها كانت تقع في رسول الله صلى الله عليه وسلم فينهاها هذا الأعمى فلا تنتهي فوجدت ذات مرة هذه المرأة مقتولة قد بقر بطنها ولطخ دمها الجدار فقام صلى الله عليه وسلم خطيبا في الناس قال : ( أنشد الله رجلا لي عليه حق ويعلم عن هذا الأمر شيئا إلا أخبرنا به ) فقام هذا الأعمى من آخر المسجد يقطع الصفوف ويضطرب في مشيته حتى وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : " يا رسول الله أنا صاحبها أنا قتلتها " فتعجب منه صلى الله عليه وسلم وقال : ( ولما ؟ ) قال : " إنها كانت تقع فيك فأنهاها فلا تنتهي وازجرها فلا تنزجر فالبارحة وقعت فيك فنهيتها فلم تنتهي وزجرتها فلم تنزجر فقمت إلى المغول ـ والمغول السيف القصير ـ فأتيت حتى وصلت إليها ـ وهو أعمى يعني لا يراها حتى علم أنه أصاب بطنها ـ فاتكأ على المغول حتى بقر بطنها وقتلها " فلما أتم حديثه قال صلى الله عليه وسلم : ( اشهدوا أن دمها هدر ) . من هنا أخذ العلماء ومن غيره من الأحاديث أنه لا يجوز أبدا أذيته صلوات الله وسلامه عليه وقد فصلنا هذا في مواطن كثيرة باستطراد أكثر .

    فالذي يعنينا أن الله توعد بالعذاب الأليم من يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن على الناحية الأخرى لا يجوز للمؤمن أن يغلوا في تعظيمه صلى الله عليه وسلم فهو عليه الصلاة والسلام بشر وليس له من خصائص الألوهية ولا الربوبية شيء وإن كان أفضل الخلق مقاما وأعلاهم منزلة بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم .
    لكن في الأمة بعد سقوط بغداد على يد هولاكو أصاب الأمة مرحله من الضعف سياسيا واقتصاديا وعقديا وعلميا حتى ظهر ما يسمى بأدب التصوف أو بأدب المدائح النبوية فجاء أقوام يبالغون لقلة العلم العقدي فيه صلى الله عليه وسلم فأنشأت قصائد لا يمكن أن تجوز شرعا في حقه صلى الله عليه وسلم منها قصيدة البصيري المشهورة :
    أَمِنْ تَذكُر جيران بِذي سَلَم *** مَزَجْت دَمْعا جَرى من مُقلةٍ بِدمِي
    أَمْ هَبتْ الريحُ من تَلْقاءِ كاظِمةٍ *** أَو أَومَضَ البرقُ بالظّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ َّّّّّّّّّّّّّلماءِ من إِضَمِي
    إلى آخر القصيدة وقد سماها " الدرر البهية في مدح خير البرية " أو كلمة نحوها وهو رجل مات في آخر القرن السابع وأمره إلى الله أنا أتكلم عن القصيدة .
    قال في القصيدة عفا الله عنا وعنه :
    يا أكرمَ الرسلِ مَالي مَن أَلوذُ بِه***سِواكَ عند حُلول الحَادث العَظمِ
    ولا ريب أن هذا عين الشرك وعين الكفر الذي بعث النبي صلى الله عليه وسلم لهدمه ونقضه. قال الإمام الشوكاني رحمه الله معلقا على هذا البيت قال : " إنا لله وإنا إليه راجعون انظر كيف غفل عن الله ولاذ بالنبي صلى الله عليه وسلم والنبي عبد لله ورسول من رسل الله صلى الله عليه وسلم ".

    فمثل هذا لا يمكن أن يقبل ولا يمكن أن يجوز لا ما قاله البصيري ولا ما قاله أترابه وأقرانه ممن غالوا فيه صلوات الله وسلامه عليه .
    وهو عليه الصلاة والسلام بما أعطاه الله من المناقب في غنى عما قاله هؤلاء ضعفاء الإيمان والجاهلون عنه . فله صلى الله عليه وسلم المقام الرفيع لكن لا يجوز لأحد أن يغلو فيه صلوات الله وسلامه عليه.


    ثم قال الله جل وعلا في الآية التي نريد تفسيرها :
    {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} هذه الآية مما يفتح لكل مسلم باب الترغيب في العمل الصالح لأن الله جل وعلا ذكر فيها ثلاثة أصناف :
    ذكر المهاجرين وذكر الأنصار وذكر جل وعلا ذكر التابعين لهم بإحسان وهذا يدخل فيه كل مؤمن إلى يوم القيامة . قال جل وعلا : {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ}وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله في الحديث الصحيح: ( أمتي كالمطر لا يُدَرى خيره أوله أم آخره) . والله جل وعلا يقول في الجمعة :{ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فباب الرحمة مفتوح واللحوق بهؤلاء أمر مقدور عليه لكن كان عمر رضي الله تعالى عنه يظن أن هذا محال وكان يقرأ هذه الآية هكذا يقرؤها {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ والأنصار الذين اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ} فأصبحت على قراءة عمر فريقان : الأنصار والمهاجرين. وقال : " ما أظن أنه كان أن يبلغ أحد مبلغنا " فلما قرأها على زيد وزيد أعلم من عمر بالقرآن قال : " يا أمير المؤمنين يوجد واو " فقال " لا يوجد فيها واو " قال زيد : " فيها واو " فقال عمر : " ادع لي أبياً ابن كعب " ، فصدق أبي قول زيد وقرأها : { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ... } فقال عمر رضي الله عنه : " ما كنت أعلم أن أحداً سيبلغ مبلغنا " رضي الله عنهم . يعني ما أظن أن الباب مفتوح ،لكن رحمة الله واسعة .
    والنبي عليه الصلاة والسلام قال : ( وددت لو أني رأيت إخواني قالوا يارسول الله: ألسنا إخوانك قال بل أنتم أصحابي ولكن إخواني لم يأتوا بعد ) . وهذا داخل فيه كل من اتبع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار بإحسان .


    نأتي عند قوله تعالى :
    {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ}
    المهاجرين :
    أطلقت على من هاجر قبل الفتح من مكة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا هجرة بعد الفتح ) . يقصد لا هجرة من مكة وإلا الهجرة قائمة إلى الآن . يترك الإنسان ديار الكفر ويأتي ديار الإسلام ممكن. لكن النبي صلى الله عليه وسلم يقصد الهجرة من مكة ( لا هجرة بعد الفتح ) .
    الذي يعنينا أن هؤلاء المهاجرين هم أعلى الأمة مقاما لأن الله بدأ بهم.


    لكن اختلف في معنى كلمة السابقين:

    ـ فمنهم من قال من صلى إلى القبلتين . طيب متى فرض تحويل القبلة؟ بعد ستة أو سبعة عشر شهرا من الهجرة إلى المدينة فيصبح من ءامن قبل هذا يصبح من السابقين على هذا القول.
    ـ وءاخرون قالوا من شهد بدرا هذه أوسع زمنا.
    ـ ومنهم من قال من شهد بيعة الرضوان وأظنه أرجح وأرحم من شهد بيعة الرضوان في السنة السادسة في صلح الحديبية وهاجر إلى المدينة قبل هذا الوقت يدخل في قوله تعالى : {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ} هذا الكلام عن المهاجرين وهم رضي الله عنهم وأرضاهم كثرمن أشهرهم الخلفاء الأربعة الراشدون .


    ثم قال جل وعلا :
    {وَالأَنصَارِ} والأنصار:
    تسميه شرعية وليست تسمية نسبية وإنما سموا أنصارا لأنهم نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي إذا أطلقت يراد بها : الأوس والخزرج .


    والأوس والخزرج :
    رجلان أخوان اسمهما الأوس ابن حارثه والخزرج ابن حارثه والحارثة هذا من أزد اليمن ممن هاجروا من اليمن بعد وقوع السد وسكنوا المدينة وكانت قبائل اليمن قد تفرقت في مواطن شتى منهم الأوس والخزرج سكنوا المدينة فإذا قيل الأنصار ينطلق في أول المقام إلى الأوس والخزرج وكان بينهما من النزاع والنفره مالله به عليم قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فلما بعث صلوات الله وسلامه عليه آخى بينهم وسماهم الأنصار. وقد جاء في الأحاديث الصحاح الكثير من مناقبهم قال عليه الصلاة والسلام : ( لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار) وقال : ( اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار) وقال أيضاً : (إن الناس يكثرون والأنصار يقلون ) . وأوصاهم بالصبر وقال لهم : ( إنكم ستجدون أثره بعدي فاصبروا حتى تلقوني ، وموعدكم الحوض ) . رضي الله عنهم وأرضاهم فهم قدموا أنفسهم ودورهم ومهجهم وأموالهم من أجل نصرة الله ورسوله . وهم كما قلنا في الأصل قبيلتان الأوس والخزرج .

    من أشهر الأنصاريين من الأوس :
    سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه وأرضاه .
    ومن أشهر الأنصاريين من الخزرج :
    سعد بن عبادة، وحسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه، وبنو عوف الذين نزل النبي صلى الله عليه وسلم في دارهم دار كلثوم بن هدم التي نزل النبي صلى الله عليه وسلم في أول هجرته كما سيأتي في قوله تعالى :{ والَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ } .

    ثم قال الله جل وعلا :
    { وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ } وهذا القيد لا بد منه لأن الله لما قال : { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ } أطلق ولم يقل قيدا وقال :{وَالأَنصَارِ}ولم يقل قيدا لكن لما قال{ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم } جاء جل وعلا بقيد ما لقيد ؟ هو: { بِإِحْسَانٍ } .
    والإحسان :
    الإتقان . والمعنى : أن ينظر في صنيعهم وهنا لم يذكر الله قضية {اتَّبَعُوهُم}فيه أشياء يدل عليها العقل فالمقصود أن هؤلاء المهاجرين والأنصار وقع منه هفوات وزلات وأخطاء فلا يجوز أن نتبعهم فيها وإنما المقصود إتباعهم فيما أصابوا فيه من الاعتقادات والأقوال والأعمال. {وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ}ولايوجد نعمه أعظم من رضوان الله قال الله تعالى في كتابه : { وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ } والمعنى : ورضوان من الله أكبر من كل نعمه. رضوان من الله أكبر : أي لا يعدل رضوان الله جل وعلا شيء . والله جل وعلا يخاطب أهل الجنة آخر الأمر فيقول : (( أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا )) . فلا يعدل رضوان الله شيء بلغنا الله وإياكم رضوانه .

    فقال الله تعالى :
    { رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا } هذه قراءة الأكثرين بدون حرف الجر " من " وقراءة أهل المدينة على قراءة ابن كثير:{ تَجْرِي من تَحْتَهَا الأَنْهَارُ } يوجد " من " لكن الذي عليه الأكثرون عدم حرف الجر ولا يختلف هذا في المعنى كثيرا{ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } والمقصود من هذه الآية أننا كما تكلمنا عن أهل النفاق نتكلم عن أهل الفضل كما أمرنا الله أن نجتنب أحوال أهل النفاق أمرنا الله أن نتبع أحوال أهل السبق من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم وأن نقتفي سيرهم ونلتمس هديهم ونتتبع آثارهم ونكون كما كانوا.

    ثم نختم بقول الرب تبارك وتعالى :
    { وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}.
    النبي عليه الصلاة والسلام أول ما نزل المدينة نزل في قباء عند المسجد المؤسس اليوم وكانت هناك دار لرجل يقال له كلثوم بن الهدم من بني عمر بن عوف وهو عليه الصلاة والسلام دخل المدينة يوم الاثنين فمكث الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس صبيحة الجمعة قبل الزوال خرج من دار كلثوم بن الهدم حتى وصل إلى مكان المسجد الآن المسمى بمسجد الجمعة فصلى فيه ثم أتى مسجده الموجود الآن فأناخ راحلته فيه هناك أسس صلى الله عليه وسلم المسجد مسجد التقوى مسجد قباء لكنه لم يبنيه وإنما بناه بنو عمرو بن عوف من الأوس بعد ذلك .

    كان لبني عمرو بن عوف جيران , من هؤلاء قوم نشئوا على الشرك والضلالة وأكثرهم منافقون فبنوا مسجد ضرارا منازع لهذا المسجد لأن هذا المسجد كان يغص بالمصلين فتجتمع الكلمة فتتآلف القلوب ويتوحد الصف فبنوا ذلك المسجد وزعموا أنهم بنوه لذي العلة والليلة المطيرة والليلة الشاتيه وللحاجة وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إنما بنينا مسجدا بهذه الأوصاف ونريد منك أن تأتيه وتصلي فيه كما صليت في مسجد قباء لإخواننا من بني عمرو بن عوف فاعتذر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه على شغل وأنه على جناح سفر وأنه ذاهب إلى تبوك فلما قدم من تبوك أوحى الله جل وعلا إليه بقوله :{ وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً }فانتدب صلى الله عليه وسلم نفرا من الصحابة منهم رجل يقال له مالك ومنهم وحشي قاتل حمزة حوالي أربعة فبعثهم ليحرقوا ذلك المسجد ويهدموه فهدموا المسجد وأخرج مالك من بيته شعلة نار وأحرق المسجد وهدمه ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم في رواية أن يكون المسجد مكانا كناسة . كناسة : يعني توضع فيه القمامات وفضلات الناس نكالا بهم. هذا هو مسجد الضرار .


    قال الله جل وعلا فيه :
    { وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً } الضرار : المنازعة العمل الذي يدفع إليه الحسد.
    هذا قوله : { ضِرَاراً وَكُفْراً } لأنهم أرادوا بذلك زيادة النفاق الذي في قلوبهم { وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ} تدل الآية على أن كل عمل يراد به تفريق الناس أمر محرم شرعا يؤدي إلى الكفر ولو كان في مسجد . فلا يوجد مصلحة في الدين أعظم من اجتماع كلمة الناس وكل من حمل لواءا يريد فيه أن يفرق بين المسلمين يجب نبذه وتركه ولوتستر بألف ستار فإذا كان هذا مسجد كان بالإمكان أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يأتوه ويلقوا فيه دروس ويغيروه ويحولوه لكنه ما دام أسس على باطل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهدمه وإحراقه .


    ومن هنا نحن نقول والله أعلم إن القنوات المعاصرة اليوم لا تخلوا من أحد أمرين :
    ـ
    إن أسست على باطل فلا نرى جواز الخروج فيها ولو ظن من يخرج فيها أن هناك مصلحة في الخروج.
    أما إذا أسست على حق: فيجوز الخروج فيها وإن خالطها شيء من الحرمة .
    فمثلاً جاء إنسان وأسس قناة تبث أفلاماً ثم قال للشيخ والشيخ والشيخ ثلاثة أو أربعه قال نحن نريد منكم دروس في هذه القناة نحن والله تعالى أعلم نقول أنه لا يجوز شرعاُ الخروج في مثل هذه القناة لأن هذا تقرير الصحة ما بنيت عليه القناة أمرها .
    أما إن وجدت قناة أصلاًُ قناة إسلاميه كالمجد مثلاُ ونحن لا نمدح المجد لمصلحه نمدح المجد لأنها المنارة الوحيدة الموجودة الآن التي تبث الإسلام كما نريد فيما نعلم يقرن إليها قناة الفجر إن وجدت ـ قناة القرآن الكريم ـ وغيرها , تبقى قنوات رسميه لبعض الدول فهذه لا أسست لا على حق ولا على باطل هذه لمصلحه فهذه يجوز الخروج فيها لتوسطها أما قناة تؤسس لبث دعارة أو بث أفلام فلا يعقل أن تأتي قناة تبث فلما إباحيا أو فلما يكاد يقرب من دوافع الفحشاء ثم يؤتى برجل يحدث ثم ينتهي هذا الرجل ويؤتى بفلم آخر على نفس المنوال هذا عبث هذا مثاله في الواقع كرجل أراد أن يصنع حفلة فرح ـ زواج ـ وجاء براقصات ومغنين عراة فجاء ناس ينكرون عليه قالوا : " هذا حرام ما يجوز " قال : " ما هي مشكلة هذا الفرح من تسعة إلى الساعة اثنين من أحد عشر إلى الواحدة أنا أسمح لكم أن تأتوا على نفس المسرح وتلقوا أي حديث ". هل يجوز لهذا الرجل أن يأتي هذا الفرح ويلقي هذا الحديث ويخرج وهو يعلم يقيناً أن قبله محرم وبعده محرم لا يمكن لأنك أنت إذا فعلت جعلت الناس يكثرون ويأتون .


    هذا فيما نعتقده لكن يوجد مسألة مهمة لا يعني ذلك أن من خرج
    من علمائنا وفضلائنا في مثل هذه القنوات أنه يتهم بشيء فنحن نقول ما ندين الله به لكن كما قلنا إن ما قد نراه نحن حق خطأ عند غيرنا وما نراه نحن خطأ صواب عند غيرنا نحن نبين الحكم على ما نرتضيه لكن لا يجوز لنا ولا لغيرنا أن نقدح في أحد من علماء المسلمين رأى أنه توجد مصلحه في الخروج في تلك القنوات. لكن أنا أقول ما أدين الله به من هذه الآية { وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً }لأن هذا مسجد بني وسقف ووجد وكان له إمام سيأتي قصته فلو كان الشيء الذي أسس على باطل يمكن قلبه إلى حق لكان هذا المسجد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل أبي بن كعب إمام له وتنتهي القضية .هذا الذي ندين الله به من هذه الآية .

    ثم قال جل وعلا :
    { وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ }الإرصاد : التربص والترقب وكان هناك رجل يقال له أبو عامر الفاسق وكان يقال له في الجاهلية أبو عامر الراهب وهذا قال للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أحد : " لا أجد قوما ًيقاتلونك إلا قاتلتهم " فقاتل حتى مع هوازن يوم حنين ثم خرح إلى قيصر وقال للمنافقين الذين في المدينة أنتم ابنوا المسجد وترقبوا عودتي من قيصر بالجنود حتى نخرج محمدا ًوأصحابه منها صلى الله عليه وسلم فهذا معنى قول الله جل وعلا :{ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ } .

    والمقصود أبو عامر الراهب وسبحان الهادي هذا أبو عامر هو والد حنظله ابن أبي عامر غسيل الملائكة
    هذا أبو عامر الذي يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : " لا أجد قوما ًيقاتلونك إلا قاتلتهم " هو والد حنظله ابن أبي عامر غسيل الملائكة فسبحان من يخرج الحي من الميت وليس هناك حياة أعظم من حياة الإيمان ولا ميت أعظم من ميت الكفر .

    الذي يعنينا :
    {وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى}ولا يوجد إنسان يريد أن يضل الناس يقول لهم أنا أريد أن أضلكم الله يقول:{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}{ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } فقال الله لنبيه :{ لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً } فأحرقه صلى الله عليه وسلم .

    ثم قال الله جل وعلا له :
    { لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى } وهو مسجد قباء على الصحيح {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ}أي من أول يوم حضرته المدينة { مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ} لكن يستنبط من هذا إذا كان مسجد قباء الذي أسسه النبي صلى الله عليه وسلم جاء فيه هذا الفضل وقلنا إنه مجرد أنه أسسه أما مسجده هذا فهو الذي أسسه وهو الذي شارك في بنيانه فهذا أعظم لأن إذا ورد هذا في حق ما أسسه فمن باب أولى أن يكون تعظيم المسجد النبوي أعظم لأنه أسسه وشارك صلى الله عليه وسلم في بنائه{لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أحق أن تقوم فيه}والمراد بالقيام هنا الصلاة {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } .

    ثم ذكر الله القاعدة :
    { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }قال العلامة ابن سعدي رحمه الله: " إن المعصية تؤثر في المكان كما تؤثر فيه الطاعة فذلك المسجد لما بناه قوم عصاه خرج عن كونه مسجد فمسجد قباء لما صلى فيه قوم طائعون مصلحون ازداد نورا على نور " .

    هذا ما أردنا بيانه على وجه الإجمال في وقفاتنا هذه الليلة مع سورة التوبة وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى وألبسنا الله وإياكم لباسي العافية والتقوى وصلى الله على محمد وعلى آله.


  13. #43
    ~ [ عضو مجلس الإدارة ] ~
    الصورة الرمزية لذيــــــــــذ
    تاريخ التسجيل
    Jun 2009
    المشاركات
    4,516

    ام تركي ...
    صفحات من ذهب ...
    الله يعطيك العافيه ...

    تحيتي ...
    اصعب مراحل شقاك وقسوة آلامـــك .. لاصار حزنك معك حاله طبيعيـــــه
    ولاقمت بشويش تتنازل عن احلامك .. وترضيك حاجات ماهي ذات أهميه

  14. #44
    ~ [ عضو مجلس الإدارة ] ~

    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    حيث أكون !!!
    المشاركات
    8,859
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لذيــــــــــذ مشاهدة المشاركة

    ام تركي ...
    صفحات من ذهب ...
    الله يعطيك العافيه ...

    تحيتي ...




    && لذيذ &&



    كل الشكر والتقدير لمرورك بمتصفحي



    الله يعطيك الصحة والعافية يارب



    حفظك المولى أينما كنت



    ** أم تركي **

  15. #45

صفحة 3 من 8 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. آآياااات وتأملات
    بواسطة احساس ولهان في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 07-12-2011, 04:52 PM
  2. وقفات مع الشتاء...
    بواسطة للرجولة معنى في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 21-01-2007, 11:21 PM
  3. وقفات وتأملات في بعض تفاصيل الحياة
    بواسطة ياسر الزهراني في المنتدى منتدى الأخبار
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 02-06-2006, 01:46 PM
  4. وقفات
    بواسطة fawaz في المنتدى منتدى الخواطر والشعر الفصيح
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05-05-2006, 04:29 PM
  5. وقفات
    بواسطة راشد الراشد في المنتدى منتدى القضايا العامة والاستشارات الاجتماعية
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 08-07-2005, 09:21 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •