أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،
كل اتباع دين يدّعون أنهم على الحق المبين وغيرهم على الباطل،
فالحق والنجاة والفلاح لمن اتبع سبيلهم، والهلاك والخسار على من فارقهم، فضلاً عمن نابذهم ورد عليهم.
لكن هنا سؤال - أراه من أهم الأسئلة في الموضوع - ما هو تعريف الدين أصلاً؟
خلاصة تعريف الدين، أنه مجموعة العقائد التي توضح الغاية من الخلق (والحياة والكون).
بمعنى آخر، الدين هو الذي يستطيع أن يعطيك إجابات شافية مقنعة للرد على ثلاثة أسئلة: البداية والنهاية والغاية.
أي لابد حتى يستحق المذهب العقدي أن يسمى ديناً أن يجيب بالتفصيل عن:
1. كيفية خلق الإنسان، وما هي بداية الخلق والنشأة الأولى؟
2. وهل الموت هو النهاية؟ أم أن هناك حياة بعد الموت وكيفيتها وصفتها؟
3. ولماذا خلق الإنسان وهذا الكون، وما هي الغاية من الخلق؟
وهذه الأَسئلة الثلاث عالقة بذهن الإِنسان منذ أن عرف يمينه من شماله، وهي بحق أهم اسئلة يسأل عنها، لأن الإجابة عنها يبعث في الإنسان من الطمأنينة والسكينة والسعادة ما لا يحصى، والجهل بها من أسباب الضيق والكمد، وأشهر مثال على ذلك كثرة حالات الانتحار الجماعي في أغنى بقاع الأرض: السويد؟!
فلذلك نقول، كل مذهب لا يستطيع أن يجيب إجابات كافية شافية - وليس أي إجابة - عن هذه الثلاث أسئلة كلها مجتمعة فليس هو بِدين، ولا يستحق أصلا النظر فيه، وأي بحث عنه هو مجرد تضييع للوقت!
وأبسط مثال على ذلك، بعض ما يسمى بالديانات الوضعية الأرضية.

أما الإلحاد: فهل يصح عقلاً التفكير في صحة الفرضيات الإلحادية وإمكان اعتقادها؟
وللرد على ذلك نطبق القاعدة السابقة، هل يستطيع الإلحاد بنظرياته المختلفة الإجابة عن الأسئلة السابقة؟
قصارى جهد الألحاد هو التهرب والتشكيك في المسلمات، فما هو إلا إعادة إخراج التراث النتن للفلسلفة في أقذر صورها.
بدءاً من نظرية الصدفة التي لا يقبل عقل طفل في العاشرة من عمره أن يتخيلها،
والصدفة إنما هي وصف لفعل - فتقول مثلاً: قابلت فلاناً صدفة -، ولابد للفعل من فاعل، وهذا يستلزم الدور، فهو لم يجب أصلاً عن الخالق، إنما ذكر صفة فعل الخلق بأنه صدفة، فلم يزد على ان جعل الخالق - سبحاته وتعالى - يعبث ويلهو ويخلق لغير حكمة !

مروراً بنظرية أن الطبيعة هي الخالق، فهنا يسأل ما هي الطبيعة الخالقة، هل هي الأرض والسماء، فالشيء لا يوجد نفسه، ثم من المعلوم والمتقرر عند علماء الطبيعة أنها توشك على الفناء، ولابد أن يكون الخالق أزلياً لا يفنى، فالقول بأنها هي الخالق من أحمق الحماقات.
أما من يزعم أن الطبيعة هي القوانين التي يسير الكون وفقها، فنقول له: سعيكم مشكور، فمن الذي سن هذه السنن والنواميس التي يسير عليها الكون؟! ولأي شيء سنها؟ فالطبيعة لا تفسر شيئاً عن الكون، وإنّما هي نفسها بحاجة إلى تفسير.

انتهاءاً بالعفن الفكري المسمى بنظرية التطور لداروين! فيكفي لنسفها أن الملحدين الان يستخفون منها ويوارونها كما يواري أحدهم سوءته بل أشد.
ومن أشهر الأفلام الوثائقية لنسف هذه النظرية فيلم المطرودون The Expelled .
ومع ذلك داروين وذيوله استاطعوا بمهارة وخدعة أن يجعلونا نفكر مثلهم أن كل هذه المخلوقات المختلفة تطورت من خلية واحدة، وجعلونا ننسى السؤال المهم.
فنتنزل ونسلم بصحة الكلام، ولكن سنسألهم من خلق هذه الخلية: أخلقت نفسها! أم خلقها خالق غيرها؟ ثم من خلق البيئة الصالحة لتنمو هذه الخلية الوحيدة؟
وقل مثل ذلك في نظرية الانفجار الكبير، فأي شيء انفجر؟ ومن الذي أحدث هذا الانفجار؟
فكل هذه الترهات، التي لا ترقى لرتبة الفرضيات فضلاً عن اعتبارها نظريات!
ويقول كاميل فلامريون: الإلحاد أحقر من أن ينتسب إلى العلم أو العقل أو أن يسمى مذهبا إنسانيا، وأقل وأصغر من أن يهتم بشأنه. بل الإلحاد وهم يلم ببعض العقول المستعدة لهمزات ووساوس الشياطين.
والإلحاد إنما نشأ للتخلص من ربقة الأديان والتكليفات، عن طريق التشكيك في المسلمات، كنفي رب الأرض والسماوات.
فتجد صارخهم يقول: أنا أشك ... إذاً أنا موجود.
فكأن ابن القيم يرد عليه فيقول:
هذا قصارى بحثه وعلومه ... أن شك في الله العظيم الشان
ومع ذلك، فكل فلكها يدور حول المحور الأول وهو النشأة، ولم تتعرض من قريب أو بعيد إلى السؤال الثاني، فضلا عن الثالث.
فمحاولة إنكار الخالق محاولات فاشلة شاذة، ذكرنا أنها للتخلص من العبادات التي نزلت بها الأديان.
فلو قلنا - مثلاً - لمن يعتقد أن الطبيعة هي الخالق، إن الطبيعة تأمرك بالصيام والصلاة، لكفر بها في الحال!!!

أما البراهين على وجود الخالق، فسبحانك ربنا، ماذا يستطيع القائل أن يقول؟
وإنما نستدل على المليك القدير بآثار قدرته ورحمته،
فليس يصح في الأذهان شيء *** إذا احتاج النهار إلى دليل
فتخيل معي التالي: شخص من أجحد الناس لوجود الخالق، ركب في سفينة تبحر في المحيط، فتكسرت هذه السفينة، فحاول هذا الرجل التشبث ببقاياها من الخشب ليطفو لعله ينجو، فلم يجد ما يتعلق به، تجد هذا الشخص ما زال عنده أمل ورجاء في النجاة.
ففي من كان عنده هذا الرجاء في النجاة، وقد انقطعت به السبل!
لذلك قال المولى العلي { أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ }
وقد سمعنا كيف رجع من بطائرة إلى ربهم عندما أصاب طائرتهم خلل، فأخذت تهتز وتميل، وتتأرجح في الفضاء، والطيار لا يملك من أمره شيئاً فضلاً عن الركاب، هناك اختفى الإلحاد، وضجّت الألسنة بالدّعاء، ورغبت القلوب إلى ربها بصدق وإخلاص، ولم يبق للشرك والإلحاد وجود في مثل هذا الموقف الرهيب.

وعوداً على بدأ،
فقد أجابت بعض الديانات عن الأسئلة الثلاثة، وهي ما يسمى بالديانات الإبراهيمية – إن صح التعبير – وهي الإسلام والمسيحية واليهودية.
والسبب في فشل غيرها، أن الإجابة الوحيدة التي تكفل بإقناع الإنسان إنما هي الإجابة الصحيحة، والتي تأتي ممن خلق الأرض والسماوات العلى، لذلك قال سبحانه وتعالى { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }
لذلك نجد أن الله وضح لنا قاعدة للتكلم في الغيبيات فقال جل ذكره : { مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا } .