الصلاة.. تعيد للجسمـ توازنهـ المفقود
الصلاة فعل عبادة وتسامح ومحبة ورحمة وتواضع، انها فعل التقرب من الخالق، وهي من أعظم مقامات النفس، والطريق لمقام القرب، ومعراج الروح للاتصال بخالقها ومبدعها. فيها يعيش الإنسان مقامي السر والقرب من خالقه من خلال الإيمان المتجلي بالممارسة الداخلية عبر الروح، والخارجية المتمثلة بحركات ووضعيات الجسد. يبتهل بها العابد بكل جوارحه لله في السر والعلن.
والبرمجة اللغوية العصبيةبدأالصلاة مع رحلة الشمس، والمجرات، عبر السموات، حيث كل شيء في الكون يسبح البارئ بديع السموات والأرض، ولهذا فإن أوقات الصلاة الخمس تحمل سرها في توافق رحلتها مع الشمس، التي تبدأ من الفجر وتنتهي بصلاة العشاء.
ولهذا فإن الالتزام بأوقات الصلوات الخمس يحقق التناغم والتوحد مع الدورة الطبيعية لهذا الكون. والمتأمل في وضعيات الصلاة في الإسلام يقدر أهميتها، وحاجتنا لها كبشر جسدياً وروحياً، وما الوضعيات الثماني في الصلاة إلا تجسيد لعظمة الإنسان، وحفاظ عليه، فلكل وضعية سرها الجسدي والروحي معاً.
خلق الله آدم وعلمه الأسماء كلها، ولعل ملاحظة حروف اسمه تقود إلى الوضعيات الثلاث الأساسية في الصلاة (القيام أو الإقامة، الركوع، السجود)، فالألف يوافق الإقامة والدال يوافق الركوع، والميم يوافق السجود، ولهذه النظرة الشكلانية إلى الحروف الثلاثة ارتباط بمعان روحية تتعلق بالشكل الإنساني الكامل الأول لصورة الإنسان، مستودع الذكر والتوحيد.
الوضعية الأولى: النية والتكبير
يشعر الجسد من خلالها بخفته وتحرره من وزنه فتسترخي عضلات الظهر، ويصفوا الذهن، وتصبح الرؤية أكثر حدة من خلال تركيز البصر على الأرض، وبهذه الوضعية يتوحد جانبي الدماغ الأعلى والأسفل وجانبي اليمين واليسار بغية الوصول إلى حالة التركيز المكثف وهو ما تستخدمه اليوم وتهتم به العلوم الحديثة في اشتغالها على البرمجة اللغوية العصبية.
الوضعية الثانية: القيام
وهو وضع اليد اليمنى فوق اليسرى على مركز الطاقة حيث العقل البدئي في علوم الطاقة، وحيث مركز النور، هذا الوضع يساعد على التركيز واسترخاء الساقين والظهر كما تولد المشاعر الإنسانية العليا من عطف ورحمة فيتحرك مستودع المقدس في الإنسان بالذكر والتسبيح بأسماء الله الحسنى وينشط القلب والغدة النخامية والدرقية والصنوبرية، كما ينشط الادرنيالين والرئتان فيصفو بذلك الإنسان ويرتقي بإنسانيته.
الوضعية الثالثة: الركوع
يحقق الركوع التمدد التام لعضلات أسفل الظهر والساقين ويتدفق الدم في الجذع العلوي من الجسد، فتتناغم عضلات المعدة والجهاز الهضمي والكلى ويصل الإنسان عبر ذلك إلى الكياسة واللطف.
الوضعية الرابعة: القيام من الركوع
في هذه الوضعية يتحرك الدم النقي في الجذع الأعلى، يدور دورته الكاملة حاملاً معه السموم لينقيها، فيمنح بذلك الجسد الراحة ويحرره من الضغط النفسي والشدة.
الوضعية الخامسة: السجود
السجود أمثولة التواضع الإنساني للخلق والامتثال الكلي للخالق وهو يسمح لعضلات المعدة بالتقلص والارتخاء، ما يمنح هذه العضلات القوة ويحميها من الترهل، ويزيد من تدفق الدم في الجزء العلوي من الجسم وخاصة الرأس بما يحتويه من عين وأذن وأنف، وهذه الوضعية تساعد على تطهير العقل من سمومه وتخفف من ضغط الدم العالي.. تبطل وتبدد الأنانية والتكبر وتزيد من الصبر والروحانيات وتجدد الطاقة.. انها جوهر العبادة.
الوضعية السادسة: القعود
هذه الوضعية تساعد الجسم على إبطال عمل سموم الكبد وعلى انجاز عمليات الهضم فيتوحد فيها الإنسان بأبعاده الجسدية والكونية.
الوضعية السابعة: إعادة السجود
هذه الوضعية تنظف جهاز الدوران والجهاز العصبي وتمنح الجسد الخفة، كما تمنح النفس المشاعر المتمثلة بالفرح والإشراق، وتغذي الجسد الداخلي بالأوكسجين وتحقق التوازن بين العصب الودي والعصب نظير الودي.
الوضعية الثامنة: القعود (الذكر والتسليم)
تحقق هذه الوضعية (التوازن الجسدي والنفسي للجسم)، بهذه الوضعيات تؤدي الركعة الأولى من الصلاة، عماد الدين والخطوة الأولى والأخيرة للإيمان الحقيقي والتوحيد والتقرب من الله التي يحقق الإنسان من خلالها التناغم مع الذات الإلهية والكون والطبيعة وحياته الروحية والعقلية والجسدية.. لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب من بلال كلما ضاقت الأحوال «أرحنا بها يا بلال» قاصداً الصلاة.
دمتم من المصلين الذاكرين
تحياتي
