المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سمو المعالي
رد الدويش على وزير العدل بقولة جواز الإختلاط
إنني ورب النعمة لا أرى إلا أن هذا من التدليس على ولي الأمر , وعدم النصح له , وعدم كشف الواقع كماهو , لأنني لايمكن أن أتصور أن خادم الحرمين – حفظه الله – الذي غضب من فعل الصحفيين , ومايخرجونه من صور النساء , يقبل أن يكون هذا حلمه , أو مما ينسب إليه , فلتكن ممن ينصحون له بصدق , وينقلون له الواقع كماهو , وإياك أن تقول مالاتعلم , أو تجادل عمَّا تجهل حقيقته
المقال كاملا:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
فقد اطلعت على ما صرَّح به معالي وزير العدل - حفظه الله - , وما أدلى به من رأي حول جامعة الملك عبدالله , ثم ما تناوله من مناقشة لقضية الاختلاط , وكيف بلغ به الحد إلى تبديع هذا المصطلح , واتهام المانعين للاختلاط , وتصويرهم وكأنهم شرعوا من الدين مالم يأذن به الله , وأنهم يخلطون بسوء فهم بين الخلوة والاختلاط , وما ساقه من شواهد وأدلة تدعم رأيه .
ولي مع ما قاله عدة وقفات :
الوقفة الأولى : لا أعلم أحداً ممن تحدث عن هذه الجامعة استنكر تأسيسها , أو طالب بطمس معالمها , أو ناشد الملك بإلغائها , بل كل من تحدَّث عنها أثنى عليها على اعتبار أنها جامعة علمية بحثية تطويرية , وهذا الصرح وغيره من الصروح المماثلة له , مما تحتاجه الأمة , وتعتبره مفخرة لها , ولكنهم توقفوا عند مسألة الاختلاط , ورأوا أن ذلك يسيء إلى حلم خادم الحرمين الشريفين , وهم بهذا يريدون لهذا الحلم أن يتحقق بأبهى صورة , وأجمل حلة , ولهذا فالحديث عن مكانة هذه الجامعة , أو مسيس الحاجة لها , أو أنها واجهة حضارية , لا مكان له في مناقشة من اعترض على مسألة الاختلاط , لأن ذلك التلبيس مصدره الإعلام الإقصائي المتجني , الذي أراد تشويه صورة من اعترض , بتلفيق تهمة محاربة العلم والحضارة له , وهي تهمة انطلت على كثير ممن انبرى للمناقشة , فزعم أن المعارض للاختلاط رافض للجامعة بالكلية , وهذا مما يجب أن يفطن له المناقش , حتى يكون عدلا في مناقشته , وحتى لا تتأسس المناقشة على أرضية متوترة .
الوقفة الثانية : دعني أسلم لك أن الاختلاط جائز , وأنه لاشيء فيه , وسأسألك أيهما أبعد للفتنة وجوده أو عدمه ؟ , فإن قلت : وجوده أبعد , فقد تكلَّفت مالا يجمل بك تكلفه , وخالفت السنن والفطرة , وإن قلت : بل تركه أبعد , فكان الأجدر بك أن تساهم في تحقيق حلم القائد – حفظه الله – بأكمل الصور وأبهاها , وهذا على اعتبار أن الأمر في الاختلاط جائز , فكيف والأمر به محل نزاع قوي , لايسقطه ما ذهبت إليه .
الوقفة الثالثة : قبل أن أنتقل إلى ماسقته من الأدلة والشواهد , سأنتقل بك إلى حقبة من الزمن مضت , كان الحاكم فيها مؤسس هذه البلاد , وكان العلماء فيها هم أشياخ أشياخك , ولا إخالك إلا وقد قرأت ما سطره الملك المؤسس – رحمه الله - , حول الاختلاط , وما حكاه من أنه من الأخطار والفساد والفتنة , وكلامه في هذا من أنفس الكلام وأجمله , فهل يليق بأحد أن يتهم هذا الرجل بمجاوزة الشريعة , أو المغالاة فيها , أو الابتداع في دين الله , أو الجهل في التفريق بين الخلوة والاختلاط ؟ .
أعتقد أن من قرأ كلامه , ورأى ما سطَّره علماء المسلمين في ذلك العصر الذي ينادى فيه المفتونون بالاختلاط , ورأى ماجرّه التساهل فيه من فتنة على المجتمعات التي تساهلت فيه , أدرك أن المانعين له , أكثر فطنة , وأعمق رؤية , وأعظم حمية , وأبعد في النظر في مقاصد الشريعة , وأقرب لموافقتها , ومعرفة حكمتها , ممن أخذوا بالمتشابه , أو استمسكوا بأهداب الأمور .
الوقفة الرابعة : ما ذكرته من التوجس في شأن الاختلاط , وأنه لايعرف في قاموس الشريعة إلا في أحكام محدودة كمباحث الزكاة , المنبتة الصلة عن معنى هذا المصطلح الوافد ، ليشمل في الطروحات المتأخرة ببدعة مصطلحية لا تعرف في مدونات أهل العلم ، في سياق تداخل مصطلحها المحدث بمصطلح الخلوة المحرمة التي لا تجيزها فطرة أي مسلم له كرامة وشيمة ، فضلاً عن احترامه لأحكام شريعته التي صانت الأعراض، ووضعت السياج المنيع، لأي سبيل قد تخترق هذه المُسلَّمة الإسلامية المتفق عليها .
أقول : هذا من اللبس الذي وقعت فيه أنار الله بصيرتك , لأن الاختلاط ليس أمراً محدثاً كما ظننت , ولفظه ليس مبتدعاً , وليس يلتبس على من أنكره أمره بمسألة الخلوة المحرمة , بل ذلك الادعاء من تلبيسات الإعلاميين , التي آسف أن تكون انطلت عليك , فتلقفتها حقيقةً مسلَّمة , لأن من أنكر الاختلاط يعرف الفرق بينه وبين الخلوة , وهو حين يستدل لمنعه , فلا يستدل بأحاديث الخلوة المحرمة , بل تراه يذكر أحيانا أنه " الاختلاط" يشتد حرمةً إذا صاحبته الخلوة , أو كانت نتيجة له , وهذا دليل على تفريقه بين الأمرين .
وكنت أتمنى لو أنك طالبتهم ببيان ماعندهم حول ما أوردته من الشبه , قبل أن تنفي وجود هذا المصطلح في مدونات أهل العلم , لأن هذا من القول على أهل العلم بلا بينة , ولا أظنك تجهل ماجاء في صحيح الإمام البخاري رحمه الله حيث قال : ( قال لي عمرو بن علي حدثنا أبو عاصم قال ابن جريج أخبرنا قال أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال قال كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال قلت أبعد الحجاب أو قبل ؟ قال : إي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب قلت: كيف يخالطن الرجال ؟ قال: لم يكن يخالطن كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حَجْرة من الرجال لاتخالطهم فقالت امرأة انطلقي نستلم يا أم المؤمنين قالت انطلقي عنك وأبت يخرجن متنكرات بالليل فيطفن مع الرجال ولكنهن كن إذا دخلن البيت قمن حتى يدخلن وأخرج الرجال وكنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير وهي مجاورة في جوف ثبير قلت وما حجابها قال هي في قبة تركية لها غشاء وما بيننا وبينها غيرذلك ورأيت عليها درعا موردا ) , وماجاء في فتح الباري للإمام ابن حجر رحمه الله ونصه : ( قال ابن دقيق العيد : هذا الحديث عام في النساء , إلا أن الفقهاء خصوه بشروط : منها أن لا تتطيب , وهو في بعض الروايات " وليخرجن تفلات" قلت : هو بفتح المثناة وكسر الفاء أي غير متطيبات , ويقال امرأة تفلة إذا كانت متغيرة الريح , وهو عند أبي داود وابن خزيمة من حديث أبي هريرة وعند ابن حبان من حديث زيد بن خالد وأوله " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " ولمسلم من حديث زينب امرأة ابن مسعود " إذا شهدت إحداكن المسجد فلاتمسن طيبا " انتهى . قال : ويلحق بالطيب ما في معناه لأن سبب المنع منه ما فيه منتحريك داعية الشهوة كحسن الملبس والحلي الذي يظهر والزينة الفاخرة وكذا الاختلاط بالرجال ) , أو ما في الطرق الحكمية للإمام ابن القيم رحمه الله حيث ورد ما نصه : ( وله أن يحبس المرأة إذا أكثرت الخروج من منزلها ولا سيما إذا خرجت متجملة بل إقرار النساء على ذلك إعانة لهن على الإثم والمعصية والله سائل ولي الأمر عن ذلك , وقد منع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه النساء من المشي في طريق الرجال والاختلاط بهم في الطريق , فعلى ولي الأمر أن يقتدى به في ذلك , إلى أن قال رحمه الله : ( ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة ) .
وغير ذلك من كلام أهل العلم كثير وكثير , ولكني تركته خشية الإطالة , فلا أدري يامعالي الشيخ , هل تعتبر من نقلت عنهم من أهل العلم , وهل ترى أن ماسطروه فيها مدونات علمية , أم أنك لاتراهم بلغوا هذه المنزلة ؟ .
فإن كنت ترى علميتهم وأهليتهم فلماذا نفيت وجود هذا المصطلح في مدونات العلماء ؟ , وإن كنت لاترى ذلك فليتك تخبرنا عن العلماء الذين عنيتهم بقولك حتى ننظر في الأمر , ونراجع ثقتنا بهؤلاء الأئمة الأثبات !! .