http://www.dev-up.uk.to/uploads/1a9ba11bea.gif
صحيفةاليوم:الأربعاء 29-4-1428هـ العدد 12388 السنة الأربعون
--------------------------------------------------
الصفّ ليس لعبة في يد المعلم!
فهد بن سليمان الشقيران
يراسلني مواطن صالح، أنجب عدة أبناء يسعى بجهد كبير نحو تربيتهم وتكييفهم مع الحياة ومباهجها وتحذيرهم من مخاطرها وآفاتها، يحدثني عن ابنٍ له دخل المدرسة، وبشغف بالغ بدأ يعتبر ما يقوله المعلم كلاماً لا يمكن مخالفته، وذلك للقيمة التي منحها البيت للمعلم ودوره في ذهن هذا الابن الصغير، أصبح المعلم هو الرمز الذي لا يمكن مخالفته أو المسّ بكلامه، لذا يجد الأب صعوبة بالغة في تعديل معلومة خاطئة سمعها من المعلم. إلا أن الأدهى والأمرّ أن الابن جاء ذات مساء مهرولاً من المدرسة وكأن في ذهنه كلاماً جديداً يودّ قوله لأهله، وحينما سأله والده عن الأمر قال بكل بساطة : معلمي قال لي يجب أن أكون مجاهداً أقاتل الكفّار حينما أستطيع.
ذكر الأب أنه بذل جهداً كبيراً لتصحيح هذه المعلومة ونزعها من ذهن ابنه، وذلك لمركزية المعلم في التلقين البيئي، والذي يحسن الناس به الظنّ.
تلك كانت رسالة ملؤها الألم والشكوى من هذا الهامش الكبير الذي يستغلّه بعض المعلمين لصالح تمرير بعض الأفكار العابثة، والمشروعات الخاصة الخفية والعلنية، وفي مصر قبل أسابيع تمّ فصل بعض المعلمين الذين يحملون أفكاراً خطيرة يمكن أن تمسّ أمن المجتمع، لكن هل هذا يكفي، إذ نرى لأول وهلة أن المشكلة سهلة الحل، وأن القرارات الإدارية يمكن أن تحجّم من نمو هذا الفكر المنحرف في أروقة التعليم، لكن ماذا لو استذكرنا أيام كنا طلاباً كيف كان المعلم يطرح أفكاره، وكيف كان الشتات المعرفي يلعب دوراً بارزاً في بلبلة الذهن وتشتيت الوعي، سنجد أن مساحة شاسعة من الوقت يستخدمها المعلم لضخّ ما يشاء على الطلاب لصالح أفكار حزبية ضيقة.
يذهب الأب بأولاده طائعاً نحو المدرسة وهو يستشعر الأمل الذي يمكن أن يجنى من هذه الصروح التي يجب أن تعلمهم كيف يقاتلون التخلف، ويكافحون الجهل، يعلمونهم كيف يكتشفون أنفسهم بين فنون العلم، ويصنعون مستقبلهم بأيديهم، يبحثون عن ذواتهم، يعلمونهم حبّ هذا الوطن، وضرورة العمل من الصغر على تعلّم علم يساهم في رفع قوة الوطن وإنمائه بين أوطان العالم. هذا هو الدور المفترض للمعلم أن يشحذ ذهن الطالب نحو الحياة، وأن يرسّخ في ذهن الطالب ضرورة استخدام العقل في كافة مفاصل الحياة ومشاكلها، وأن يكون المعلم عوناً للطالب على اكتشاف مستقبله، وعلى تلمّس أهدافه من الحياة، مهمة المعلم الأولى تكمن في كونه مرشداً وليس مجيّشاً يهيّج الطلاب ضد أهاليهم وضد اترابهم. إن هذا الهامش الذي يفتعله المعلم من أجل بثّ الأفكار التي يسمعها في القنوات السياسية، أو المواقع النتّية خطأ مهني وخيانة لأمانة التعليم التي يجب أن يستغلّها في الالتزام بالمناهج الدراسية، والالتزام بما درسه في الكلية من «طرق التدريس وآليات تعليم المناهج والناشئة» وأن يكفّ عن إدخال أدوات التنظيم السياسي أو الأحزاب والحركات للصفّ. وهذا ما يجب على الموجهين التربويين الانتباه له أو على من فوقهم.
ماذا يعني أن تخرم عقل تلميذ صغير، بأمورٍ سياسية، أو كلمات وخطب ورطانة ليس مكانها الصفّ المدرسي، ليصبح بيت الطالب للأسف الشديد هو الذي يتحمّل أعباء هذا العمل المشين من قبل بعض المعلمين، الذين يعلّمون الطلاب الصغار مسائل في القتال والبغض والكراهية والتدمير! إن هذا التجاوز العلني الذي يمارس حالياً في المدارس من الواجب التنبّه له، في ظلّ سخاء باذخ لتعيين المعلم في المدرسة من دون تأهيل. إذ أن الكثير من المعلمين يحتاجون إلى إعادة تأهيل في كافة المجالات ويحتاجون إلى إعادة قولبة تبدأ من الصفر، هذا ما أستنتجه شخصياً من خلال رصدي ومشاهداتي والرسائل التي تصلني من الآباء الغيورين، لذا فإنني أدعو إلى إنشاء مركز ضخم يحمل هذا الدور، دور التأهيل الكامل للمعلم الذي يختلط بأبنائنا لساعات طويلة.
إن دور الأب لا ينتهي بإدخال الابن إلى المدرسة، فيجب على الأب أن يلاحظ ما يعطى لابنه من أفكار، وأن يعمل على غربلتها وتصحيحها، بدل الثقة الزائدة التي توارثها العقل الجمعي تجاه المعلم وأن تكون الثقة بالمبادئ والأساسات التي تحفظ أمن المجتمع وأمن الوطن وأمن مستقبل الطفل وحياته أهم من الثقة العاطفية بالمعلم وأدوات التلقين، إن الأب والعائلة والأسرة يجب أن تكون مدرسة ثانية تصحح وتراقب كل ما يعطى للطفل من معلومات، وأن يكون الأب على وعيٍ بمن يعلّم ابنه، وألا يسلم فلذة كبده لإنسان يفخّخ عقله ويملأه بثقافة العنف والبطش والقتل واستهداف الآمنين.
وإذا كان ما مضى قد ركّز على دور المعلم، فإن ما قيل عن المعلم يقال عن المعلمة ذلك أن التنظير الأعمى والارتجال في طرح مسائل ليست لهم وبقوالب ليست سليمة، وليست علمية لا تقتصر على المعلم فقط، فالمعلمة أيضاً تحمل العبء نفسه، واللوم نفسه، وإن على نحو أقل. مهمة وزارة التربية والتعليم أن تكون عيناً ساهرة، وأن تحفظ الأبناء الذين جاؤوا إليها من بعض العناصر المندسّة التي - قطعاً - سيؤلمها كلامي هذا، ولن يصرخ إلا من مسّه مبضع النقد. فثمة دفاعات كثيرة ظاهرها فيه الموضوعية وباطنها من قبله التعاطف.
[email protected]
http://www.alyaum.com/issue/page.php?IN=12388&P=4
