http://one7b.com/pic/uploads/84a23615db.gif
الرياض: الاربعاء 23 ربيع الأول 1428هـ - 11أبريل 2007م - العدد 14170
------------------------------------------------------
لا خوف على اللغة العربية
د. عبدالله بن إبراهيم العسكر
تابعت مثل غيري مقالات ونقاشات تدور حول أهمية اللغة العربية، ومكانتها المقدسة، وضرورة بقاء مدارس التعليم العام والخاص في جميع المراحل مقتصرة على اللغة العربية كوعاء لكافة المقررات.
وينطلق القوم إما من منطلقات دينية، إذ ينظرون إلى اللغة العربية إلى أنها لغة مخصوصة، تبز اللغات العالمية الحية، وأنها لغة أهل الجنة، وبذا لا بد أن يكون لها قدسية ومكانة فوق اللغات الأخرى. وآخرون يخشون على منافسة اللغات الأخرى لها، إذ ربما تقود المنافسة إلى خسران اللغة العربية مكانتها في نفوس الناشئة، وبالتالي يعدون هذا ضرباً من المساس بالهوية، وانتقاصاً بيناً في مكونات الأمة، وقد يؤدي التعلم والتعليم بغير اللغة العربية إلى ضعفها، إلى غير ذلك من الأوهام التي ما أنزل الله بها من سلطان.
أما التحمس للغة العربية وعدها أنها لغة مقدسة وفوق اللغات الأخرى، فأقل ما يُقال في هذه النظرة أنها نظرة فوقية لا تخدم اللغة ولا أهلها. ولا تنتقص من اللغات الأخرى وأصحابها البتة. فاللغات عند الله واحدة، والعبرة بأهل اللغة لا باللغة. فأين ذهبت اللغة السريانية التي أنزل الله بها الانجيل على المسيح عليه الصلاة والسلام، وكتبت بها أوائل نسخ الإنجيل. وأين ذهبت لغات الأنبياء والرسل من أمثال لغة أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهي لغة كانت مسيطرة على وادي الرافدين وبلاد الشام وشمال الحجاز وشرق وشمال العراق الحالي. وكانت لغة حضارة الشرق الأدنى القديم لسنوات طويلة. لقد انتهت تلك اللغات وماتت بموت أهلها، وعدم مواكبتها للعلم والتمدن والانفتاح.
أما قرار وزارة التربية والتعليم المتعلق بأحقية بعض المدارس الخاصة في اختيار لغة التعلم فيها سوى اللغة العربية. فهو قرار لا أجد فيه سبباً يؤدي إلى مزاحمة اللغة العربية أو ينتقص من مكونات الأمة أو يؤثر على مستقبل اللغة العربية وأهلها كما ذهب إلى ذلك معالي الدكتور محمد الرشيد في مقالاته في هذه الجريدة. والدكتور محمد الرشيد تربوي يعرف أهمية اللغات الحية، وأهمية انصراف بعض أبناء هذا البلد لدراسة بعض اللغات الحية منذ الصغر. ولا أجد مندوحة من القول انني لا أجد كبير فرق بين أن يدرس التلميذ السعودي بعض أو كل المقررات باللغة الإنجليزية أو كون الأخيرة لغة ثانية تقدم له منذ مرحلة الروضة. فالعبرة أن يتخرج بعض الطلبة وهم يجيدون لغتين: لغة الأم وهي العربية ولغة المدرسة وهي لغة أخرى.
ولن ينقص من اللغة العربية ومكانتها انصراف بعض الطلاب إلى تحصيل العلم الحديث منذ الصغر بلغة أجنبية. بل العكس هو الصحيح، فإنني أجد في هذا الانصراف إثراءً لمكونات المجتمع، وتوطينا سليما للغة حديثة. ولعل خير مثال يحضرني هنا هو أن الطلاب اللبنانيين والمصريين الذين درسوا في مدارس أجنبية منذ الصغر في كل من بيروت والقاهرة والاسكندرية هم بعد تخرجهم في الجامعة من يسعى لهم أرباب العمل في المملكة من أجل التعاقد معهم. فسوقهم رائجة. ولغتهم العربية سليمة. وما زالت اللغة العربية في لبنان ومصر على خير ما يرام، ولم تتعرض للإبادة والمزاحمة. والعربية لا خوف عليها، فلديها وعندها من مكونات البقاء ما يجعلها في مأمن. وكون بعض المدارس اختارت لغة تدريسية أخرى لا يسبب للغة العربية ازعاجاً كما وقر في خواطر الدكتور الرشيد ومن ذهب مذهبه.
وسد الأبواب دون دخول لغات حية مثل سد الأبواب في وجه ضروب العلم وأصنافه بحجج عرفنا مدى تداعيها وعرفنا ضررها فيما بعد. والحق أن المملكة في حاجة ماسة لفتح الأبواب كلها، من أجل أن نكون جزءاً من مكونات العالم، وألا ننظر لأنفسنا بخصوصية طالما قتلتنا وحولتنا إلى مجتمع ضعيف منكفىء على نفسه. وطالما ضرب بعض المدافعين عن ضرورة بقاء اللغة الوطنية لوحدها في الميدان بالتجربة الفرنسية. وأنا أتعجب كل العجب من هذا المثال. أولاً ليس صحيحاً أن فرنسا منعت بعض المدارس الأجنبية من اختبار لغة تدريسية أخرى. ففيها مدارس متعددة لغتها الرسمية منذ المراحل الأولى لغات سوى الفرنسية. لأن هذا حق من حقوق البشر. وثانياً ماذا استفادت فرنسا من التركيز على لغتها في عقود مضت. لا شيء. فاللغة الإنجليزية تحاصرها من كل الجهات. والبقاء للأصلح وليس لغير ذلك. ثم ما ضر أمريكا التي فتحت المجال أما اللغات الأخرى ووطنتها وسمحت لمدارس كثيرة أن تعلم بغير اللغة الإنجليزية. وما ضر اللغة الإنجليزية. لا شيء.
إنه ليعروني العجب أن يقول الدكتور الرشيد بمثل قوله وهو من عرف التربية والتعليم وكان وزيراً للتربية والتعليم نافح من أجل إدخال اللغة الإنجليزية في مدارس التعليم العام منذ المراحل الأولى. ولقي من منافحته الصعوبات والاتهامات المعروفة. ثم هو الآن يجد غضاضة في قرار اتخذته وزارة التربية والتعليم يختص بحرية بعض المدارس الخاصة في اختيار لغة أجنبية للتدريس سوى مقررات اللغة العربية والدينية. ولا استبعد أن هذا القرار كان في أروقة الوزارة قبل تركه الوزارة. وإذ الشيء بالشيء يُذكر، فإني أجد في منع السعوديين من إلحاق أبنائهم بالمدارس الأجنبية منعاً لا مبرر له، لا مبرر من ناحية النقل ولا من ناحية العقل. وإذا كنا نُرسل من في سنهم إلى الخارج. فكيف بربك (نبلع الجمل ونغص بالماء).
أجد أن كل الحجج التي قيلت إنما هي تُعلي من مكانة اللغة العربية وتنظر إلى اللغات الأخرى بدونية. أجد أن هذه الحجج تحمل شوفونية وانهزامية. وكلاهما مضر باللغة وأهلها. وأجد أن من يقول بمنع اللغات الأجنبية من الدخول إلى البلاد بصور متعددة من أجل حماية اللغة العربية أو المحافظة على الهوية والدين، أجد أن هذه الحجج غير صحيحة وغير صائبة. وهي في أحسن الأحوال اجتهادات ثبت تداعيها. فما كتب عن الدين والهوية العربية والتاريخ العربي والإسلامي في العصر الحديث باللغة الإنجليزية أضعاف ما كتب باللغة العربية. وقد يتعجب القوم إن قلت لهم إن أمهات المراجع والبحوث الحديثة في التاريخ الإسلامي كُتب باللغة الإنجليزية. أنا لا أتحدث عن العلوم الحديثة. أنا أتحدث عن أقدم علم عند العرب. ومني المثل ومنك القياس.
نحن فعلاً أمة وسط، لكننا نبتعد عن الوسطية في كل مناحي حياتنا. أضرب مثلاً لا أتعداه. نقف بقوة ضد فتح جامعات أجنبية في بلادنا بحجج واهية لا تنطلي إلا على من يقول بها. وفي الوقت نفسه نُرسل أبناءنا في بعثات خارجية. فأيهما اسلم من حيث بقاء الطالب في وسط عربي وإسلامي. هذا إذا كنا نقول بأثر البيئة التعليمية المحيطة. أما أنا فأقول بفتح الباب للتعليم الأجنبي الحديث وتوطينه. وفي الوقت نفسه الاستمرار في إرسال البعثات إلى الخارج. أمريكا تُرسل بعثات إلى أوروبا وغيرها. قفل الأبواب انغلاق للعقل، وحبس للفكر. والنتيجة جيل ضعيف منكفىء على نفسه يحسب كل صيحة عليه.
http://www.alriyadh.com/2007/04/11/article240690.html
