الكرة الآن في ملعب المدارس الأهلية المتميزة
------------------------------------------------------------
يعتبر قرار وزارة التربية والتعليم الأخير بالسماح للمدارس الأهلية بالتوسع في تطبيق برامج تعليمية دولية جديدة تختلف عن المناهج الحكومية خطوة بناءة لتطوير التعليم العام وإخراجه من مرحلة «الجمود» التي يتهمه بها الكثيرون، وهي خطوة مُكملة لجهود الوزارة في إنشاء مدارس حكومية مُطورة وفي تطوير المناهج الدراسية بصفة عامة. القرار مشروط ببعض الشروط المنطقية منها أن تكون المدرسة حاصلة على الدرجة الأولى في التقويم السنوي، وأن يكون المبنى المدرسي مُصمماً للأغراض التعليمية ومُجهزاً بالمختبرات، وأن يتوفر به مركز متكامل لمصادر التعلم، وأن يمتلك المعلمون والمعلمات الخبرة والتأهيل المطلوبين لتدريس البرامج الجديدة، ويشترط القرار أن يكون المحتوى الدراسي مُلائماً لسياسة التعليم في المملكة، كما يشترط تدريس مادتي التربية الإسلامية واللغة العربية وفقاً لمناهج الوزارة.المدارس الأهلية المتميزة تمتلك من الإمكانيات والمرونة ما يسمح لها بأداء دور مهم في تطوير التعليم في بلادنا. وفي السابق كان من المسموح به للمدارس الخاصة إدراج بعض المقررات الإضافية في اللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الحاسب الآلي خارج المنهج الأساسي الذي تشترطه وزارة التربية والتعليم. ولكن القرار الأخير يسمح بمساحة أوسع بكثير للتحرك إذ يسمح بالاختلاف مع المناهج الحكومية وطرق التدريس التقليدية في حدود ما تم ذكره أعلاه. حيث نص القرار على تعريف البرامج الدولية التي تم السماح بها بأنها تختلف عن المنهج الحكومي في المحتوى أو الطريقة أو لغة التعليم.
هذا القرار يمكن أن يُشكل بداية لانطلاقة جديدة للتعليم في بلادنا. وهو يفتح الباب أمام المدارس الأهلية لاختيار الأفضل من بين ما هو مُتاح على مستوى العالم كله. هذه الحرية في الاختيار، بجانب المنافسة التي تحكم عمل القطاع الخاص سوف تشكّل حافزاً كبيراً للمدارس الأهلية نحو تحقيق الإبداع والتميز، مع الاستعانة بكافة الخبرات العالمية المتاحة.ماذا يمكن أن يتحقق نتيجة لذلك؟ أذكر بعض الجوانب على سبيل المثال لا الحصر، أولاً: يمكن إدخال مقررات وكتب دراسية متميزة خاصة في المواد العلمية والرياضيات من أفضل ما يُدرس في الخارج، مع تحديثها أولاً بأول. ثانياً: يمكن التركيز بصورة أكبر على التجارب العملية التطبيقية لإكساب الطالب الحس فتحت الأبواب للمدارس الأهلية لتطبيق أفضل المتاح عالمياً الفعلي، وليس فقط السرد النظري لما يتعلمه، ولا يفوتني في هذا الصدد أن أذكر تعليقاً لأحد الممتحنين الخارجيين الكبار الذين كنا نستعين بهم لتقييم الطلبة في مناهج العلوم الأساسية بكلية الطب، إذ قال لي حين سألته عن مستوى الطلبة، إنهم ممتازون ولكنهم يحسنون السباحة فقط «على الناشف»، ولم أستطع أن أختلف معه في هذا التقييم الصريح الذي ينطبق، للأسف، على كثير من المواد العملية التي ندرسها ليس فقط في مدارسنا بل حتى جامعاتنا. ويمكن الاستفادة من برامج عملية مطبقة في كثير من الدول لتنمية المهارات العملية لطلبة المدارس في التعرف على محيطهم بصورة وثيقة، منها، على سبيل المثال، برنامج «جلوب لقياس التلوث» في البيئة المحلية الذي أقرت وزارة التربية والتعليم إدخاله منذ بضع سنوات. ثالثاً: يمكن رفع مستوى مهارة الطلبة وخبرتهم في استخدام
الحاسب الآلي والشبكة المعلوماتية. وفي هذا الجانب يمكن تطوير مهارات الطالب في البحث عن المعلومات وجمعها وترتيبها وتخزينها وتلخيصها والاستفادة منها. رابعاً: التقليل بصورة كبيرة من التلقين والحفظ واستبدالهما بالتفكير والفهم والتعلم بطريقة حل المعضلات. خامساً: تطوير مستوى الطالب في اللغة الإنجليزية أو لغات أخرى. سادساً: تطوير مهارات التخاطب والاتصال لدى الطالب. سابعاً: تخفيض المحاضرات التقليدية واستبدالها بالمناقشات بين مجموعات صغيرة. ثامناً: تدريب الطالب على طرق البحث العلمي والاعتماد على البراهين والإثباتات للتفرقة بين الحقائق والادعاءات. تاسعاً: تطوير أساليب الامتحانات والتقويم. عاشراً: توسعة نظرة الطالب إلى العالم وتعميق إدراكه لأهم المشاكل الكونية المعاصرة مثل المشاكل المتعلقة بالغذاء والطاقة والتلوث والاقتصاد والفقر والتصحّر والأمراض المحلية والعالمية والإيدز والإدمان. حادي عشر: توثيق وتعميق إلمامه بالتقنيات والأجهزة الحديثة. ثاني عشر: تقوية احترام الطالب لوجهات النظر المختلفة. ثالث عشر: تقوية مهارات
التربية البدنية وتعويد الطالب على ممارسة الرياضة بصورة منتظمة. رابع عشر: توسعة إطلاع الطالب على التراث العالمي من الآداب والفنون. خامس عشر: تدريب الطالب على المهارات البسيطة التي يحتاجها الإنسان في الحياة اليومية لخدمة نفسه وعائلته. سادس عشر: تعريف الطالب بأساسيات حقوق الإنسان. سابع عشر: تشجيع الطالب على الاهتمام بمشاكل مجتمعه المباشر والمساهمة في العمل التطوعي الخيري.وتجدر الإشارة، في الوقت نفسه، إلى أنه رغم الإيجابيات الكثيرة لقرار السماح بتطبيق مناهج جديدة وتطوير طرق التعليم والقياس، فإن من المتوقع حدوث سلبيات بسبب التشتت في بعض التطبيقات أو بسبب التباين الكبير في الخبرات والإمكانيات بين المدارس المختلفة في شتى مناطق المملكة. ولابد لتقليل السلبيات من وضع أنظمة وقواعد أساسية للتغيير، مثل تحديد أهداف المقررات الجديدة، أي ما هو المتوقع من الطالب الإلمام به بعد الانتهاء من دراسة أي مقرر، والحكم على هذه الأهداف من قبل خبراء تربويين. ولابد من الإشراف الوثيق من قبل مختصين مهيئين من وزارة التربية والتعليم على عمليات التغيير، وإجراء مقارنات عادلة لتحديد مستويات التحصيل لدى الطلبة بعد دراسة المناهج المختلفة. ويجب الحرص على ألا ينتج عن تغيير المقررات أي ضعف في مستويات الطلبة في العلوم الأساسية أو اللغة العربية أو الثقافة الإسلامية أو تغيير الشعور بالهوية الوطنية والانتماء. ومن المهم إعداد الطلبة جيداً لاجتياز متطلبات القبول بالجامعات الوطنية أو الخارجية، وعدم الوقوع في بعض الأخطاء التي تحدث، لسبب من الأسباب، مثلاً عندما يدرس طالب بعض المقررات باللغة الإنجليزية ثم يضطر لأخذ امتحانات القبول للجامعة باللغة العربية، فتفوت عليه فرصة الالتحاق بالكليات التي يرغبها. ومن المهم مراجعة تجارب المدارس التي سبقت فعلاً في إدخال تغييرات في المناهج خلال السنوات القليلة الماضية، والتجارب المستقبلية لكل المناهج الجديدة القادمة. ومن المهم أيضاً ألا تقتصر عمليات التطوير على المدارس الأهلية بل أن تشمل أيضاً وبالتدريج جميع المدارس الحكومية بدءاً بالمدارس المطورة، وأن يقوم تعاون بناء بين المدارس الأهلية والحكومية للاستفادة المتبادلة من الخبرات المكتسبة من نتائج التغييرات التي يتم إدخالها.السماح بتطبيق برامج دراسية تختلف عن البرامج الحكومية سيضع أمام المدارس الأهلية فرصاً واعدة وتحديات كبيرة شيقة للارتقاء بمسيرة التعليم العام إلى مستويات عالمية، ولكنه سيلقي في الوقت ذاته على هذه المدارس مسؤولية وضع منهجية صحيحة للتغيير لتجنب الوقوع في أخطاء قد تؤدي، لا سمح الله، إلى ضعف مستوى الطلبة في مقررات أساسية وجعلهم مُشتتين بين مناهج مختلفة، أو إلى انخفاض فرص التحاقهم بالجامعات المحلية أو العالمية.
http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20070204/Con2007020484
