نهارات أخرى
-------------------------------------------------------
نقل المعلمات.. جبل الهم العظيم!
فاطمة العتيبي
يتفق السعوديون على أن ثمة جبل عظيم تكون من صغار الحصى في غفلة منا واستطال وعظم أمره، هو ولاشك نقل المعلمات! فالخصوصية السعودية التي تؤطر النظرة للمرأة أصبحت إرثاً ثقيلاً, تحول إلى جبل عظيم خرج الناس كلهم إليه لكنهم ماهم بمزحزحيه, فسياسات تعليم البنات طيلة العقود الماضية ومنذ تأسيسها، وضعت ايدلوجية مفادها أن الوظيفة لزوج الموظفة وليست للموظفة ذاتها، وليس بخاف على الجميع سياسة الزوجة مع الزوج؛ فوظيفتها تنتقل معها أينما كانت ديار الزوج، حتى أن تلك السياسة الشهيرة التي أعطت موافقة فورية لنقل أي زوجة (لديرة) زوجها دون اشتراط بديل أوتأجيل أومماطلة، فالزوج أهم من الفصول التي تفرغ والمناهج التي تتوقف، ولا أحد يجرؤ على إنكار دور هذه السياسة في تسريع تزويج البنات.وتقليص نسبة العنوسة وازدياد نسبة المعددين مثنى وثلاث ورباع، وذلك لإذعان المعلمات لطلبات الزواج في مقابل الفوز بالموافقة على طلبات النقل!!, لكن هذه السياسة المنحازة للزوج، قد تحولت إلى حق مسلوب حين شرعت مؤسسة تعليم البنات في تصحيحه، ولم تنه المشكلة حتى الاقرارات والاثباتات التي لابد أن تقدمها المعلمة بأنها تسكن المنطقة التي تقدمت إلى العمل بها، فقد نشطت على هامش ذلك سوق سوداء لعقود الإيجار العقارية الملفقة التي يمنحها أصحاب المكاتب العقارية مقابل مبالغ مالية طائلة.! وماتلبث المعلمة وزوجها بعد الحصول على الوظيفة، ببدء رحلة عكسية متعبة جدا لضمائرهم ولأعصابهم ولصحتهم وهي رحلة البحث عن سبيل للنقل والتحايل على النظام بالفزعات وغيرها من تقارير مرضية، وظروف وإجازات من كل نوع، ومن كل مستشفى وتتحول المعلمة إلى أستاذ زائر لا يمر إلا لماما.وكثير من مديرات مدارس القرى وأولياء الأمور لايذكرون السعودة بالخير, لأنها فرضت عليهم معلمات المدن اللاتى يتذمرن من القرى والعيش فيها أكثر من شرحهن للدروس، ويذكرون المتعاقدات العربيات بالخير لأنهن يأتين لكي يعملن تحت أي ظرف، ثم أن السكن في القرية مع المحرم إلزامي للمتعاقدات ويتحولن بذلك إلى جزء من القرية وأداة تنوير حقيقية فيها اجتماعياً وثقافياً! (وهذا لا يشمل كل المعلمات السعوديات؛ فثمة نماذج مخلصة تعمل ولكن يسوؤها ولاشك أن لاتجد المؤازرة والتقدير)!
** لاخلاف في أن عمل المعلمات في القرى يمثل إشكالية كبرى, الذي يؤججها ويسكب عليها الزيت الساخن هو تفشي الواسطة والاستثناءات، التي يشعر معها البسطاء ممن لا واسطة لهم بغياب العدالة وفقدان المساواة في الحقوق ومع كل حادثة مرور تحدث للمعلمات تستيقظ الأسئلة الحارقة.. أين العدالة!؟ ولماذا هناك معلمات ينقلن سريعاً بينما أخريات يبقين لسنوات تزيد من نسبة تعرضهن لحوادث قاتلة، تبقى جرحاً دامياً في ذاكرة أهلها وأسرتها.التوجيه السامي الكريم من قبل خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبد العزيز بالعدالة الكاملة بين المعلمات وعدم قبول طلبات الاستثناءات وتنفيذ النظام على الجميع، وذلك في برقيته -حفظه الله- التي يؤيد فيها ما اقترحه معالي وزير التربية من ضرورة ترسيخ مبدأ العدالة والمساواة في نقل المعلمات، هو ولاشك سبيل مهم في زحزحة هذا الهم العظيم عن كاهل الأسرة التربوية والاجتماعية، ولاشك أنه من عدالة الحاكم مع أبنائه وبناته, وهو ضوء في آخر النفق الذي احتنقنا فيه لسنوات!!تبقى هناك إجراءات لابد من انفاذها وهي جملة اقتراحات أتمنى أن تجد من وزارة الخدمة المدنية ووزارة التربية القبول والاقتناع بالجدوى، والتي أزعم أنه لو أخذ بها لربما فرغت المدن من المعلمات في ظل التزاحم على العمل في القرى ورفض الانتقال منها.ذلك سيكون حديثي السبت بإذن الله.
[email protected]
http://www.al-jazirah.com/104478/ln27d.htm
