سوءة التربية وقميص يوسف
--------------------------------------------------------------------------------
علي يحيى الزهراني
لا ?شك بأننا على امتداد هذا الوطن سعيدون جداً وفخورون جداً بما تحقق على يدي رجال الأمين البواسل الساهرين على حماية الوطن بكل الأرواح النابضة على ترابه وبكل المقدرات الموجودة فيه! ويعتبر القبض على 208 إرهابيين في عمليات استباقية إنجازاً أمنياً بكل المقاييس بهذا الـ(الكم) العددي من الإرهابيين وبمدى خطورة هذه العمليات على الوطن لو نفذت لا سمح الله. ويأتي هذا الإنجاز في منظومة أمنية متلاحقة ضد طوفان من الإرهاب تفوح منه رائحة الدم والدمار! وهو ما عبر عنه الأمير نايف بن عبدالعزيز بجلاء من أن وزارة الداخلية أحبطت حتى الآن 180 عملية إرهابية لو نجح 30% لكانت مأساة كبيرة للوطن ومقدراته!! واللافت في هذه العمليات الأخيرة أنها استهدفت مواقع حيوية كمنشآت النفط واستهدفت العلماء ورجال الأمن!! وهذا يجعلنا نعيد ما سبق أن قلناه بأن العمل الإرهابي لم يعد عملاً مرتجلاً بقدر ما أصبح عملاً نوعياً له مخططاته بحكم استهدافه الحيوية والهامة في الوطن. إلا أن ما يزيدنا فخراً أن هذا التطور النوعي في العمل الإرهابي يقابله ارتقاء متسارع جداً في الكفاءة الأمنية لمواجهة هذا الخطر المدمر وما العمليات الاستباقية والإنجازات الأمنية المتلاحقة إلا دليل قاطع بأن العيون الساهرة على حماية هذا الوطن باتت قادرة ومتطورة على المستوى التقني والفردي لمواجهة كافة الاحتمالات أمام أرباب هذا الفكر الضال!! هذه ناحية أما الناحية الأخرى فقد استوقفني تعقيب على العمليات الأخيرة للشيخ عبدالمحسن العبيكان يؤكد فيه بأن الفكر التكفيري ما زال موجوداً ولا زالت هناك العديد من الخلايا لهذا الفكر لأن منظري هذا الفكر لا زالوا موجودين في جامعاتنا ومدارسنا!! وبدءاً فإنني ممن يقدر الشيخ العبيكان كثيراً لدوره الفاعل في لجان المناصحة والفكر الوسطي ومقدراته الجيدة لفقه الواقع! ثم اني أحسب بأن الشيخ العبيكان لم يطلق هذا التصريح جزافاً ولم يأت به من فراغ بحكم قربه من مواقع الحدث ومعرفته أكثر التفاصيل من خلال وجوده في لجان المناصحة وربما لديه من القرائن ما يدعم به ما ذهب إليه ولهذا أقول بأن ما قاله هو مهم جداً وعلينا التنبه له واستذكر مع مقولته ما قاله الشيخ سلمان العودة علينا أن ندق نواقيس الخطر داخل مدارسنا وداخل أطياف مجتمعنا!! أما البدء الآخر فقد يكون موجوداً في (بعض) مدارسنا من يعتنق الفكر التكفيري وينظر له ويمارس شيئاً من عملية الاختطاف للعقول الغضة داخل أسوار المدارس ليلقي بها في مهاوي الردى!! ولعل من ينكر علينا تحية هذا العلم الخفاق بالرفعة والنصر إن شاء الله أو من يعارض الاحتفاء باليوم الوطني داخل المدارس هي نماذج قد تكون من سياقات ما ذكره الشيخ العبيكان!! لكن من الانصاف إيضاح ما هو واضح بأن مدارسنا ليست معنية في حد ذاتها بالإرهاب (لا نظاما ولا منهجاً ولا رجال تعليم ولا طلاب علم) وحين تظهر بعض النماذج المتطرفة هنا وهناك فإنها لا تمثل إلا ذاتها وما تقوم به هو من تلقاء نفسها ولذلك فعملها مردود عليها لا على مدارسنا!! وللحق فإن وزارة التربية والتعليم تلاحق ملاحقة دائمة تلك السلوكيات المتطرفة التي تسيئ إلى التربية وأهلها وقبل ذلك تسيء للوطن وتضر به! ولو قدر لمن هو خارج الوسط التعليمي أن يطلع على ما تقوم به هذه الوزارة من إجراءات وتنظيمات لتفهم جهدها لتطهير المؤسسات التعليمية من هذه النوعيات الخبيثة وإلى تحصين المجتمع المدرسي من مثل تلك الممارسات وإلى تصفية (الذهنية) المتعلمة نحو رسالة تربوية حقة!! ومناهجنا ونظامنا التعليمي برمته تقوم ركيزته الأولى على بناء الفرد وتعزيز مصالح الوطن (ولاء وانتماء) من خلال تربية سليمة نقية بعيدة عن كل الشوائب والمنغصات!! ثم إني أرجو ألا يفهم أحد وكأن المدارس هي مصدر الخطر أو المصدر الوحيد له! وحتى لو أخذنا هذا الكلام بعمومه فأسامة بن لادن لم يقذف (بالطباشير) من يديه داخل فصل وحقل ليجد نفسه في تورابورا ولم يغادر الظواهري مدرسة في بلده ليفتح مدرسة لقاعدة الشر في أحضان طالبان ولم يكن الزرقاوي معلما للخير حتى يتحول إلى معلم للتفجير في أرض الرافدين!! استنبات الفكر الضال يأتي من داخل المدرسة ويأتي من خارجها ولهذا فنحن نردد دائماً بأن المجتمع المدرسي ليس مجتمعا ملائكياً لم يهبط من السماء ولم ينبت من الأرض منفرداً!! هو خراج هذا المجتمع فلا نحمل المدرسة وزر كل شيء! التربية عملية تشاركية ولو حققنا هذه الأدوار لجنبنا أبناءنا الكثير من المزالق التي يقذف بهم فيها أرباب هذا الفكر الضال! لكن الذي يحدث بكل أسف أن المجتمع تخلى عن دوره ومسؤولياته التربوية ثم ألقى بالمدرسة وحدها تحت حد المقصلة بعد أن جعلها المتهم الوحيد ولكي يواري سوءته التربوية جعلها قميص يوسف ويطالبها بأن تكون عصا موسى!! ولا أدري كيف تسأل مدرسة عن طالب يطرق صباحاً أبواب الضلال بدلاً من أبواب التنوير في ظل أب لا يسأل عنه وأحياناً لا يعلم عن مدرسته ولا في أي سنة هو؟؟!! الحقيقة المرة التي قالها الشيخ العبيكان قد تكون حاضرة لكن غيابنا نحن حقيقة أكثر مرارة!! لهذا علينا أن نعي وأن نتنبه وأن نقف جميعاً في خندق المسؤولية المشتركة فحين يدب الأمر من تحت التراب توقع بأن يظهر لك من أي اتجاه!!?خاتمة: حماية الوطن دين مستحق في أعناقنا!!!
http://www.almadinapress.com/index.a...icleid=1029292
