-
وقال في ترجمة إمام الأئمة ابن خزيمة المتوفى سنة 311 هـ - رحمه الله تعالى 25:
( وكتابه : في التوحيد . مجلد كبير . وقد تأول في ذلك حديث الصورة .
فليعذر من تأول بعض الصفات ، وأما السلف فما خاضوا في التأويل ، بل آمنوا وكفوا ، وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله ، ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده - مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق - أهدرناه وبدعناه ، لقل من يسلم من الأئمة معنا . رحم الله الجميع بمنه وكرمه ) اهـ .
وقال في ترجمة : باني مدينة الزهراء بالأندلس : الملك الملقب بأمير المؤمنين عبد الرحمن بن محمد صاحب الأندلس المتوفى سنة 350هـ 26:
( وإذا كان الرأس عالي الهمة في الجهاد ، احتملت له هنات ، وحسابه على الله ، أما إذا أمات الجهاد ، وظلم العباد ، وللخزائن أباد ، فإن ربك لبالمرصاد ) اهـ .
وقال في ترجمة : القفال الشاشي الشافعي المتوفى سنــــة
365 هـ - رحمه الله تعالى27 - :
( قال أبو الحسن الصفار : سمعت أبا سهل الصعلوكي ، وسُئل عن تفسير أبي بكر القفال ، فقال : قدسه من وجه ودنسه من وجه ، أي : دنسه من جهة نصره للاعتزال .
قلت : قد مر موته ، والكمال عزيز ، وإنما يمدح العالم بكثرة ماله من الفضائل ، فلا تدفن المحاسن لورطةٍ ، ولعله رجع عنها . وقد يغفر له في استفراغه الوسع في طلب الحق ولاحول ولا قوة إلا بالله ) اهـ .
وبعد أن ذكر بعض الهفوات لأبي حامد الغزالي المتوفى سنة 505 هـ - رحمه الله تعالى- قال28 :
( قلت : الغزالي إمام كبير ، وما من شرط العالم أنه لا يخطئ ) اهـ .
وقال أيضاً 29:
( قلت : مازال الأئمة يخالف بعضهم بعضاً ، ويرد هذا على هذا ، ولسنا ممن يذم العالم بالهوى والجهل ) اهـ .
وقال ايضاً 30:
( فرحم الله الإمام أبا حامد ، فأين مثله في علومه وفضائله ولكن لاندعي عصمته من الغلط والخطأ . ولاتقليد في الأصول ) اهـ .
ونبه على على حال مجاهد فقال31 :
( قلت : ولمجاهد أ قوال وغرائب في العلم والتفسير تُستنكر ) اهـ .
وقال في ترجمة ابن عبد الحكم 32:
( قلت : له تصانيف كثيرة ، منها : كتاب في الرد على الشافعي . وكتاب أحكام القرآن . وكتاب الرد على فقهاء العراق . ومازال العلماء قديماً وحديثاً يرد بعضهم على بعض في البحث وفي التواليف ، وبمثل ذلك يتفقه العالم ، وتتبرهن له المشكلات ، ولكن في زمننا قد يعاقب الفقيه إذا اعتنى بذلك لسوء نيته ، ولطلبه للظهور والتكثر ، فيقوم عليه قضاة وأضداد ، نسأل الله حســـــــن
الخاتمة وإخلاص العمل ) اهـ .
وفي ترجمة إسماعيل التيمي المتوفى سنة 535 هـ أنه قال33 : ( اخطأ ابن خزيمة في حديث الصورة ، ولا يطعن عليه بذلك بل لا يؤخذ عنه هذا فحسب .
قال أبو موسى - المديني - : أشار بهذا إلى أنه قل إمام إلا وله زلة ، فإذا ترك لأجل زلته ، ترك كثير من الأئمة ، وهذا لا ينبغي أن يفعل ) اهـ .
فهذا الذهبي نفسه34 قد تكلم رحمه الله تعالى - في أن علوم أهل الجنة تسلب عنهم في الجنة ولا يبقى لهم شعور بشئ منها . وقد تعقبه العلامة الشوكاني في فتاواه المسماة : الفتح الرباني . وذكر إجماع أهل الإسلام على أن عقول أهل الجنة تزداد صفاءً وإدراكاً - لذهاب ماكان يعتريهم في الدنيا . وساق النصوص في ذلك . منها قوله تعالى (( يليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المُكرمين )) .
وقال شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية النميري – رحــمه الله
تعالى - ، في جواب له بإبطال فتوى قضاة مصر بحبسه وعقوبته من أجل فتواه بشأن شد الرحل إلى القبور35 :
( إنه لو قدر أن العالم الكثير الفتاوى ، أفتى في عدة مسائل بخلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه ، وخلاف ما عليه الخلفاء الراشدون : لم يجز منعه من الفتيا مطلقاً ، بل يبين له خطؤه فيما خالف فيه ، فمازال في كل عصر من أعصار الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم من علماء المسلمين من هو كذلك ...... ) اهـ .
وهذا الإمام الحافظ ابن حبان المتوفى سنة 354 هـ رحمه الله تعالى فاه بقوله : النبوة العلم والعمل . فهُجر وحُكم عليه بالزندقة وكتب فيه إلى الخليفة فكتب بقتله .
لكن أنصفه المحققون من أهل العلم فوجهوا قوله واستفادوا من علمه وفضله منهم : ابن القيم36 ، والذهبي 37، وابن حجر38 في سواهم من المحققين .
-
ومما قاله الذهبي :
( قلت : وهذا أيضاً له محمل حسن ، ولم يرد حصر المبتدأ في الخبر . ومثله : الحج عرفة ، فمعلوم أن الرجل لا يصير حاجاً بمجرد الوقوف بعرفة ، إنما ذكر مهم الحج ، ومهم النبوة ، إذ أكمل صفات النبي : العلم والعمل ، ولا يكون أحد نبياً إلا أن يكون عالماً عاملاً . نعم النبوة موهبة من الله تعالى لمن اصطفاه من أولي العلم والعمل لا حيلة للبشر في اكتسابها أبداً ، وبها يتولد العلم النافع والعمل الصالح .
ولا ريب أن إطلاق ما نقل عن ابي حاتم : لا يسوغ ، وذلك نفسٌ فلسفي ) اهـ .
وهذا العلامة أبو الوليد الباجي المالكي المتوفى سنة 474 هـ رحمه الله تعالى افترع القول بارتفاع أمية النبي - r- لقصة الحديبية فقام عليه أهل عصره حتى حكموا بكفره .
وقال بعضهم فيه :
عجبت ممن شرى دنياً بآخرة
وقال إن رسول الله قد كتبا
ثم تطامنت الفتنة وأوضح المحققون بأن واقعة الحديبيـــة لا
سبيل إلى إنكارها لثبوتها لكنها لا تنفي الأمية ، كما أن النبي - r- بُعث في العرب وهم أمة أمية لا تكتب ولا تحسب ومع هذا يوجد فيهم من يكتب مثل كتاب الوحي - لكنهم على ندرة ولم ينف هذا أمية أمته - r- من العرب . حقق ذلك الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في ترجمة الباجي من السير 39.
ولعصرينا ابن حجر القاضي القطري كتاب حافل باسم : الرد الشافي الوافر على من نفى أمية سيد الأوائل والأواخر .
وهذا عبد الملك بن حبيب رحمه الله تعالى من أعلام الفقه المالكي . عيب عليه أشياء ولم يُهجر رحمه الله تعالى 40.
والجياني : أحمد بن محمد بن فرج اللغوي الشاعر ، لحقته محنة لكلمة عامية نطق بها ، نقلوها عنه ، وكان سجنه بسببها في زمن : الحكم بن عبد الرحمن الناصر المتوفى سنة 336 هـ 41.
وهؤلاء الأئمة : ابن الأثير ، وابن خلدون ، والمقريزي قد صححوا النسب الفاطمي للعبيديين . وقد صاح المحققون على القائلين بهذا منهم : ابن تيمية ، وابن القيم ، والذهبي ، وابن حجر وغيرهم في القديم والحديث .
والمؤرخ ابن خلدون أيضاً عقب عليه الهيتمي بأنه لما ذكر الحسين بن علي - رضي الله عنه - في تاريخه قال 42 :
( قتل بسيف جده ) .
لكن دافع الحافظ ابن حجر عن ابن خلدون بأن هذه الكلمة لم توجد في التاريخ الموجود الآن ولعله ذكرها في النسخة التي رجع عنها .
وقد تتابع الغلط على ابن خلدون أيضاً في أنه يحط على العرب من أنهم أهل ضعن ووبر لا يصلحون لـملك ولا
سياسة .......... وابن خلدون كلامه هذا في " الأعراب " لا في " العرب " فليعلم .
فهذه الآراء المغلوطة لم تكن سبباً في الحرمان من علوم هؤلاء الأجلة بل مازالت منارات يهتدي بها في أيدي أهل الإسلام . وما زال العلماء على هذا المشرع ينبهون على خطأ الأئمة مع الاستفادة من علمهم وفضلهم ، ولو سلكوا مسلك الهجر لهدمت أصول وأركان ، ولتقلص ظل العلم في الإسلام ، وأصبح الاختلال واضحاً للعيان . والله المستعان .
وكان الشيخ طاهر الجزائري المتوفى سنة 1338 هـ رحمه الله تعالى يقول وهو على فراش الموت 43 :
( عدوا رجالكم ، واغفروا لهم بعض زلاتهم ، وعضوا عليهم بالنواجذ لتستفيد الأمة منهم ، ولا تُنفروهم ، لئلا يزهدوا في خدمتكم ) اهـ .
وينتظم ما سلف تحقيق بالغ للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى ذكره في مباحث الحيل من " إعلام الموقعين "
( 3/ 294-298 ) فانظره .
وإنما أتيت على النقول المتقدمة مع كثرتها، لعموم البلوى على أهل العلم من بعض الجهال ... إذا حصل له رأي عن قناعة ودراية في مسألة فقهية فروعية - يكادون يُزهقونه ويجهزون عليه لتبقى الريادة الوهمية لهم ، والله المستعان على ما يفعلون .
أما المبتدعة فلا والله ، فإنا نخافهم ونحذرهم ، ولواجب البيان نُحذرُهُم من بدعهم ، فاحذر مخالطهم ، والتلقي
عنهم ، فإن ذلك سم ناقع " انتهى من كتاب : "التعالم " .
10- قد ترى الرجل العظيم يشار إليه بالعلم والدين، وققز القنطرة في أبواب التوحيد على أصول الإسلام والسنة وجادة سلف الأمة ، ثم يحصل منه هفوة ، أو هفوات، أو زلة، أو زلات .
فلتعلم هنا : أنه ماكل عالم ولا داعية كذلك يؤخذ بهفوته ، ولا يُتبع بزلته ، فلو عُمل ذلك لما بقي معنا داعية قط ، وكُلٌ رادٌ ومردُودٌ عليه ، والعصمة لأنبياء الله ورسله .
نعم : يُنبه على خطئه ، ولا يُجرم به ، فيُحرمُ الناسُ من علمه ودعوته ، وما يحصل على يديه من الخير .
ومن جرم المخطئ في خطئه الصادر عن اجتهاد له فيه مسرحٌ
شرعاً ، فهو صاحب هوى يحمل التبعة مرتين :
تبعة التجريم ، وتبعة حرمان الناس من علمه ، بل عليه عدة تبعات معلومة لمن تأملها .
11 - قد ترى الرجل العظيم ، يشار إليه بالعلم والدين ، وقد ينضاف إلى ذلك نزاله في ساحات الجهاد ، وشُهود سنابك الجياد ، وبارقة السيوف ، ويكون له بجانب ذلك هنات وهنات في توحيد العبادة ، أو توحيد الأسماء والصفات ، ومع هذا فترى نظراءه من أهل العلم والإيمان ممن سلم من هذه الهنات ، يشهدون بفضله ويقرون
بعلمه، ويدينون لفقهه ، وعلو كعبه، فيعتمدون كتبه وأقواله، ولا يصرفهم هذا عن هذا : " وإذا بلغ الماء قُلتين لم يحمل الخبث " .
ولا تمنعه الاستفادة منه من البيان بلطف عما حصل له من عثرات ، بل يبينونها ويسألون الله أن يُقيل عثرته ، وأن يغفرها بجانب فضله وفضيلته .
وخذ شاهداً في حال المعاصرة : إن شداة اعتقاد السلف - كثر الله جمعهم - يكُدُون ليلهم ، ونهارهم ، ويبذلون وُكدهم في تحضير الرسائل الجامعية لعدد من وجوه أهل العلم في دراسة حياتهم ، وسيرهم ، وجمع شمائلهم ، وتحقيق كتبهم ، ونشرها بين الناس، ويرون هذا قربة بعلمٍ يُنتـفع به.
وتتسابق كلمة علماء العصر بالمدح والثناء .
وبهذا تعلم أن تلك البادرة " الملعونة " من تكفير الأئمة :
النووي ، وابن دقيق العيد ، وابن حجر العسقلاني - رحمهم الله تعالى - أو الحط من أقدارهم ، أو أنهم مبتدعة ضلال . كل هذا من عمل الشيطان ، وباب ضلالة وإضلال ، وفساد وإفساد ، وإذا جُرح شهود الشرع جُرح المشهود به ، لكن الأغرار لا يفقهون ولا يتثبتون ، فهل من مُنفذٍ في الواقعين نصيحة زياد فيما ساقه ابن عبد البر - رحمه الله تعالى - بسنده أن زياداً خطب على منبر الكوفة فقال :
" أيها الناس إني بُتُ ليلتي هذه مُهتماً بخلال ثلاث رأيت أن أتقدم إليكم فيهن بالنصيحة :
رأيت إعظام ذوي الشرف ، وإجلال ذوي العلم ، وتوقير ذوي الأسنان .
والله لا أوتى برجل رد على ذي علم ليضع بذلك منــه إلا
عاقبته ....... إلى أن قال :
إنما الناس بأعلامهم ، وعلمائهم ، وذوي أسنانهم " 44.
12 - وإن سألت عن الموقف الشرعي من انشقاق هؤلاء بظاهرة التجريح ، فأقول :
أ - احذر هذا الانشقاق لا تقع في مثله مع " المنشقين الجراحين " المبذرين للوقت والجهد والنشاط في قيل وقال ، وكثرة السؤال عن " تصنيف العباد "، وذلك فيما انشقوا فيه، فهو ذنب تلبسوا به ، وبلوى وقعوا فيها ، وادع لهم بالعافية.
ب - إذا بُليت بالذين يأتون في مجالسهم هذا المنكر " تصنيف الناس بغير حق " واللهث وراءه ، فبادر بإنفاذ أمر الله في مثل من قال الله فيهم :
(( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين )) [ الأنعام : 68 ] .
وفي هذا القدر كفاية – إن شاء الله تعالى - وفيما كتبت في : " حلية طالب العلم " ، و " التعالم " ، و " هجر المبتدع " " وحكم الانتماء " ، و " الرد على المخالف " أصول نافعة .
والله تعالى أعلم .
انتـهـــــى .
بكـــــر بن عبد الله أبو زيـــــــــد
8 / 3 / 1413 هــ
-
الأخ هاني السلفي جزاك الله خير
أما ماكتبته هنا فلا علاقة لنا به
ونتمنى الكتابه هنا وعدم المساس بالأشخاص
ونتمنى العودة لما دون أعلى المنتدى الأسلامي
وبارك الله فيك
-
احسنت ولك الاجر فيما نقلت
-
بارك الله فيك أخي المفككر وغفر الله لك
تحياتي أخي الكريم