في تداعيات أحداث العنف التي يقوم بها المتطرفون
في تداعيات أحداث العنف التي يقوم بها المتطرفون
العلماء والدعاة: الإرهابيون أبعد الناس عن فهم الشرع وأفعالهم نتيجة فكر منحرف
منقول من جريدة الوطن السعودية[HR]
التقت "الوطن" عدداً من العلماء والدعاة للحديث عن الأحداث الأخيرة التي بدأت تخل بأمن البلد وتؤثر على سمعة الإسلام.
بداية تحدث إلينا فضيلة الشيخ عبدالمحسن العبيكان المستشار القضائي بالمحكمة الشرعية بعد سؤاله عن التطورات الأخيرة الجارية قائلا: لا شك أن هؤلاء فيما يقومون به من أعمال هم أبعد الناس عن فهم الشرع، وعن فهم النصوص الصحيحة، وما يقومون به لا يقبله الإسلام بأي حال، ولا يقره أحد من فقهاء المسلمين الذين يعتدّ بقولهم، ويكفيك قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً" رواه البخاري. وعند سؤال فضيلته عن بعض مبررات هذه الفئة من الشباب التي تتبنى منهج العنف والتكفير متعذرين بما تفعله حكومة الولايات المتحدة في أفغانستان أو العراق مما يبيح لهم القيام بعمليات تخريبية أجاب: هذا التبرير باطل من كل الوجوه، وذلك لأنه يشتمل على أربعة محاذير: أولا أنهم يقتلون مسلمين معصومي الدماء والأموال، وثانياً أنهم يقتلون مستأمنين دخلوا في ذمة الإمام وذمة المسلمين، وقد أجمع أهل العلم على أن من دخل بلاد المسلمين من غير المسلمين ولو كان حربياً بأمان أحد من المسلمين أو إمام المسلمين فإنه لا يجوز التعرض لماله أو عرضه أو دمه، قال عليه الصلاة والسلام: " ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، ومن أخفر ذمة مسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ". ثم إن الموجودين في داخل البلاد ليس لهم أي علاقة بما قد تقوم به الإدارة الأمريكية، هم أتوا لتدريب المسلمين ولمصلحتهم، بل إن الرسول الحربي الذي يرسله الكفار في حال الحرب، كان النبي عليه الصلاة والسلام هو أول من سنّ حرمة الاعتداء عليه.
ثم ثالثاً أنهم خرجوا على ولاة الأمر وافتاتوا عليهم، وأيضاً روعوا الآمنين، وترويع المسلمين منهي عنه لأنه من الأذى. ورابعاً أنهم يقتلون أنفسهم بالانتحار، وقد أفتى الكثيرون من أمثال الشيخ بن باز وابن عثيمين والألباني رحمهم الله بحرمة قتل النفس ولو كان في حرب لأن الجهاد من العبادات، والعبادات توقيفية أي لابد فيها من الدليل، أي ليست مبنية على الاجتهادات، فلم يأت نص بجواز مثل هذا الأمر. وعند سؤال الشيخ العبيكان فيما لو سلّم أحد هؤلاء الشباب نفسه للسلطات قبل القبض عليه، كيف يعامل ؟ فأجاب: لو سلم أحدهم نفسه قبل القدرة عليه وقد تاب، فهذا يسقط عنه حق الله عز وجل، ولكنه لا يسقط عنه حق الآدميين إلا بتنازل من صاحب الحق أو ورثته، وكذلك لا يسقط عنه حق ولي الأمر وهو الخروج عليه وعلى طاعته.
ثم توجهنا بأسئلتنا لفضيلة الشيخ الدكتور عبدالله المطلق عضو هيئة كبار العلماء وأستاذ الفقه المقارن فتحدث قائلا: ما ينوي القيام به هؤلاء أعتبره جريمة مركبة من مجموعة من الجرائم: فهم يقتلون المسلمين، ويقتلون المستأمنين، وجريمة القتل من أكبر الكبائر في الإسلام، يقول عليه الصلاة والسلام في قتل غير المسلمين من المعاهدين: "من قتل معاهداً بغير حق لم يرح رائحة الجنة". وفي هذه الجريمة إتلاف للأموال والممتلكات وتخريب للمشروعات النافعة، وفيها ترويع للآمنين من المسلمين وغير المسلمين ولذلك شرع في الإسلام حدّ الحرابة. وفيها أيضاً تـشويه لسمعة الإسلام وإتاحة الفرصة لأعداء الدين الذين يتربصون به ويتهمونه بأنه دين قتل وإرهاب، والإسلام بريء من ذلك. ولكن صدور مثل تلك الجرائم البشعة يعتبر دليلا للآخرين. وفي مثل هذه الجرائم أيضاً أذى يلحق بالمسلمين في كثير من بلدان العالم حيث يتسلط عليهم الظلمة والمتربصون، ويعتدون على مراكزهم الإسلامية ومساجدهم. ناهيك عن الضرر الذي يعود على الأسرة من أب وأم، بما يلحقهم من عار وأذى وضرر مما يعتبر من عقوق الوالدين. وعند سؤال فضيلته عن فكر هذه المجموعة ومن خلفها أجاب: هذه الأفعال كانت بالتأكيد نتيجة فكر منحرف، نتج عنه تكفير لعلماء الأمة وقادتها، وأصبح هؤلاء يتلقون توجهاتهم المنحرفة من قاصري النظر الذين لا يحسنون التعامل مع نصوص الشريعة وهم فيهم (شبه ظاهر) من الخوارج الذين خرجوا على الإمام علي رضي الله عنه، واستباحوا أموال المسلمين ودماءهم، وكانوا غصة في حلق الأمة، انشغلت بهم عن نشر الإسلام وإرساء قواعد الأمن. ونحن نعلم أن هؤلاء يتعلقون ببعض النصوص التي لا يحسنون التعامل معها، ولا يعرفون واقع الأمة ولا ما يناسب هذا الواقع من أحكامه الموجودة في كتاب الله وسنة رسوله، ولا يحترمون الاجتهاد الجماعي. وأخيراً فإن على أولياء الأمور أن يحرصوا على حماية أبنائهم من الأفكار المنحرفة سواء ما كان غربياً منها أو ما جاء ممن ينتسب إلى الإسلام، وأقول للشباب بأن الأمة تنتظركم، فالناس في هذا الزمان بحاجة ماسة إلى من يدلها على طريق الخير والهدى، فالزموا العلماء الصالحين، وخذوا منهم ما يضيء لكم الطريق واحذروا من الأفكار الفاسدة التي يغذيها المنحرفون في الظلام. وإلى العلماء أقول إن عليهم أن يستقبلوا الشباب وأن يبذلوا لهم العلم النافع لأن ذلك مسؤولية فرضها الله عليهم. ثم بدأنا الحديث مع فضيلة الشيخ الدكتور عائض بن عبدالله القرني بسؤاله عن رأيه في التطورات الأخيرة والمواجهات الدامية مع رجال الأمن فقال: إن ما يحصل ينكره أهل العلم الراسخون في كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام والعارفون في الله، وهو أمر يزعج الجميع ويدمي قلوبهم، وما كنا نتصور أن فقه بعض الناس قد يصل إلى هذه الدرجة، فيخلط بين الأوراق والأمور، ويعتبر هذا جهاداً وهو ليس من الجهاد في شيء. وعند سؤاله: إذن هل نسمي هؤلاء مجرمين ؟ قال: كل من يرتكب هذه الأفعال مخطئ، ويسيء للدين، ولوطنه وأسرته ويجب أن يحاكم بمحاكم شرعية تطبق حدّ الله فيهم. ثم سألنا الشيخ القرني عن بعض الفتاوى التي خرجت تؤيد مثل هذه الأعمال وتنهى عن تسليم مثل هؤلاء الشباب للسلطات فأجاب: كل إنسان مسؤول عن فتاواه أمام الله وأمام الشريعة، وهذا خطأ، ولا يجوز بأي حال أن تخرج مثل تلك الفتاوى التي تبيح الدماء والأموال لأن فيها تهديداً لأمن المسلمين، وإهداراً للدماء والأموال وهذا لا يقره عاقل، ولا صاحب شريعة.
