بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدًا كثيرًا مباركا، كما يحب ربُّنا ويرضى، وصلى الله وسلم على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديهم واقتفى.
أما بعد:
فقد صدر -بحمد الله- كتاب عظيم من كتب السنة النبوية، وفقه الصحابة الأماجد، والسلف الصالح، هو كتاب (مسائل حرب بن إسماعيل الكرماني)، وقد شَرُفتُ بتحقيقه وخدمته، ونَشَرَتْه مؤسسة الريان، ببيروت.
والكتاب -كما لا يخفى- من أنفس كتب الحنابلة، وأهمها وأوعبها، وقد جاء على طريقة المصنفات والموطآت، فاشتمل على الأحاديث المرفوعة، والآثار الموقوفة، والروايات المقطوعة من فقه التابعين ومن جاء بعدهم، كما حوى آراء كثيرة للإمامين أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ولأئمة آخرين من طبقتهم، منهم مَن يندر أن يوجد من فقهه شيء.
وما سبق يبين أن من التقصير في حق الكتاب تخصيصه بكونه سؤالاتٍ لأحمد وإسحاق، وتشبيهه بكتب المسائل الحنبلية الأخرى، وقد أبنتُ عن هذا في مقدمة تحقيقي بشيءٍ من البسط.
القطعة المطبوعة:
لا يُعرف من الكتاب -اليوم- سوى قطعتين:
الأولى: تبدأ في أثناء كتاب الطهارة، وتنتهي في أثناء كتاب الصلاة.
الثانية: تبدأ في أثناء كتاب النكاح، وتنتهي بنهاية الكتاب.
وقد حُققت القطعة الثانية في رسالةٍ جامعية للشيخ د. فايز بن أحمد حابس، ثم طُبعت القطعةُ نفسُها بعناية الشيخ د. ناصر بن سعود السلامة، ثم طُبع بعضُ القطعة الأولى بتحقيق الشيخ د. الوليد بن عبدالرحمن الفريان.
وقد تبين لي بعد النظر في طبعة د. الفريان وأصلها الخطي، أنه قد فاته -وفقه الله- من القطعة الأولى شيء كثير، وأن ما طبعه منها لا يمثل إلا 18% منها فقط، وهذا قدرٌ أقل من ربعها، ولم يقف على تتمَّته، فإنه وصف الأصلَ بأنه في 40 ورقة، بينما حصلتُ عليه تامًّا في 219 ورقة.
ولذا فقد نسختُ الأصل كاملاً، واجتهدتُ في ضبطه وتصحيحه، فخرج في مجلدٍ ضخم، في 630 صفحة.
وقدمتُ للكتاب بمقدمةٍ مفصَّلة، فيها ترجمةٌ للمصنف، ووصفٌ للكتاب وأهميته، ووصفٌ لنسخته الخطية، وبيانٌ لمنهج العمل في تحقيقها، واجتهدتُ قدر طاقتي في جمع شتات المعلومات، وتنظيمها، والإتيان بجديدٍ في مقدمتي هذه.
ثم جاء النصُّ المحقَّق في 548 صفحة،
منها 449 صفحة تُنشر لأول مرة، يبدأ النصُّ في أثناء أبواب النجاسات وأثرها في الصلاة، مرورًا بأبواب المياه، والخلاء، والوضوء، والغسل والجنابة، والمسح على الخفين، والتيمم، وجامع الطهارة، ثم بأبواب الأذان والإقامة، ثم بكتاب الحيض، ثم بكتاب الصلاة، وينتهي النص في أثنائه، والموجود منه قدرٌ طويل.
ولم أُطِل في الحواشي، والتخريج، ودراسة المسائل، وإنما اجتهدتُ في إثبات النصِّ مصحَّحًا قدرَ الطاقة، وخرَّجت الأحاديث والآثار تخريجًا مقتضبًا بمنهجيةٍ شرحتُها في المقدمة، ذلك أن الحواشي المطوَّلة والدراسة الفقهية من اختصاص الباحثين في الدراسات الأكاديمية، والرسائل الجامعية، وقد حُقق هذا الأصل -ويُحقَّق- بتمامه في رسائل جامعية في الجامعية الإسلامية بالمدينة النبوية، وجامعة الملك عبدالعزيز بجدة.
هذا، وقد وعدتُ أن يليَ ذلك -بإذن الله وعونه- تحقيقُ القطعة الثانية، التي تمثِّل آخر الكتاب بدءًا بكتاب النكاح، بالمنهج نفسه الذي سرتُ عليه في تحقيق هذه القطعة الأولى، والله الموفق والمعين.
أسأل الله أن يجعل عملي خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع بنشرتي هذه، وأن تقع من أهل العلم وطلبته أحسن موقع، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
تنبيه:
لن يكون ينزل الكتاب في معرض القاهرة إلا بنسخ محدودة جدًّا خلال الأيام القادمة -إن شاء الله-، وسأوافي بخبر نزوله حال نزل في المكتبات -بإذن الله تعالى-.
والحمد لله رب العالمين.
محمد بن عبدالله السريِّع
11/3/1434
