الديني والسياسي في الصراع على التباسي*!

العرب إذا احترموا شيئاً وأكبروه، بدأوا يخلعون عليه ثياب الدين، أو يُلبسونه ثياب السياسة، وما ذاك إلا لاحترام الدين وهيبة السياسة، ولن يسترسل القلم في الأكل وأنواعه، والأطعمة وطقوسها، والأغذية وأصنافها ، لأن هذا سيكون له مقا آخر.

كل الدلائل تشير إلى أن الأكل في السعودية هو شكل من أشكال الترفيه، بحيث أخذ نصيب الأوقات التي يُنفقها غير السعوديين في المسرح والسينما، ليكون هذا الوقت للأكل أيضاً في السعودية، إضافة إلى الوقت المخصص أصلاً للأكل.
ومما يؤكد أيضاً أن الطعام من مظاهر الترفيه أنك تجد الأُسر تنكب وتتقاطر زرافات ووحدانا على المطاعم، وينفقون الساعات الطوال في الأكل والحديث والشرب، وإذا انتهوا قامت معركة أخرى بالأيدي بأحد الاتجاهين، إما صراعاً على الدفع أو على عدم الدفع، وحتى في الولائم لدينا تطرف، فإما أن تكون المسألة بالقطّة فتحصل المعركة، لأن البعض لا يريد أن يدفع، أو تكون المسألة تفاخراً وتباهياً بالكرم، فتحصل معركة أخرى، لأن الكل يريد أن يدفع، والمستفيد من ذلك هو صاحب المطعم الذي قد يُدفع له الحساب مرتين.

وعودة إلى فكرة المقال الأصلية، وهي ربط الأكل بالمسميات الدينية والسياسية، وما ذاك إلا لأهمية الأكل، فمثلاً تجد لدينا مطعماً اسمه ( شيخ المندي) و (فقيه الكباب) و(إمام المنتو) و(مطعم البركة) و(كباب المفتي) ومطعم “سمّ الله وكل” ومطعم “لك الحمد”، ومن الطريف أن أحد أهل بريدة تقدم طالباً رخصة مطعم باسم “مطعم الترمذي”، فاعترضت الأمانة على الاسم، فقال: لماذا تسمحون إذاً بمطعم البخاري؟!

وفي الجانب السياسي .. أينما اتجهت ستجد ( ملك العصيرات ) و(إمبراطور المانجو)، و(أمير الشاي)، و(مقهى الشورى)، و(بوفيه السلطان)، (واستراحة الوزير)، و(كافتيريا المستشار)، و(قهوة الأحزاب)، و(مطعم الانتخابات)، و(زعيم الكباب)، و(سيد الأطعمة)، ورئيس المائدة.. إلى آخره!

هذا ما يحضر للذاكرة وقت كتابة المقالة، ولو راح المرء يتذكر، ويعصر جمجمته لاستخرج عشرات.. بل مئات العناوين التي تقرن الأطعمة بأوصاف دينية، أو تكسو المأكولات بمسميات سياسية، وما ذاك إلا لمكانة هذين الجانبين في عقلية المواطن العربي الأكول!
حسناً، ماذا بقي؟

بقي القول :أن مثل هذه الملاحظات قد لا تستوقف الكثيرين، لكن من يُعنى بدراسة الأنساق والسياقات والعناوين والعبارات من أمثال هذا العبد الطالب من ربه المكرمات، سيجد أن هذه المسميات ترتبط بالشعور أو اللا شعور في الوجدان العام، بحيث تكون الأطعمة ذات أغلفة دينية، أو تكون المأكولات مطرزة بمنسوجات سياسية، حتى تدغدغ المشاعر، وتقتحم معدة من أدركه الجوع، لأن الجوع –كما تعلمون- كافر…وليس مسلما ..لذا نعالج الجوع الكافر الصاغر باسم المعطم المسلم الطاهر !
التباسي جمع “تبسي” وهو الصحن الكبير الذي يوضع فيه الطعام عند أهل الحجاز*

أحمد بن عبدالرحمن العرفج
رابط العرفجيات:
الديني والسياسي في الصراع على التباسي*! | صحيفة الوئام الالكترونية