2-أحاديث لا تصح في فضل شهر ذي الحجة والأضحية
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم
أيها الأحبة هذه مقالة بعنوان أحاديث لا تصح في فضل شهر ذي الحجة والأضحية لشيخنا أبي عبد الله حمزة النائلي حفظه الله وهي تتمة لمقالة سابقة بعنوان البيان لبدع شهر ذي حجة نشرها فضيلته في جريدة الشرق القطرية بتاريخ اليوم
2-أحاديث لا تصح في فضل شهر ذي الحجة والأضحية
أما بعد :
إن مما يُحزن كل مؤمن محب للسنة أن يرى للأحاديث الضعيفة و الموضوعة قبولا عند بعض الناس، وذلك بسبب تبني بعض من يعدونه من أهل العلم لها ! وكذلك حرص الشيطان على تزيينها لهم ، بل أصبح الكثير منهم يسعى في نشرها في وسائل الإعلام و الاتصال المختلفة، و الناظر لصنيع هؤلاء يجد أن أهدافهم مختلفة فمنهم للإفساد في الدين وهدم السنة ، ومنهم لاتباع هواه بداعي التقرب إلى الله بزعمهم! وبعضهم بسبب الجهل وعدم العلم،والله المستعان
ولقد أدى انتشار الأحاديث المكذوبة بسبب تعلق الناس بها إلى رواج البدع و المحدثات بين العامة و الله المستعان .
قال العلامة المحدث الشيخ الألباني-رحمه الله-:"من المصائب العظمى التي نزلت بالمسلمين منذ العصور الأولى انتشار الأحاديث الضعيفة و الموضوعة بينهم...،وقد أدى انتشارها إلى مفاسد كثيرة،منها ما هو من الأمور الاعتقادية الغيبية، ومنها ما هو من الأمور التشريعية ". السلسلة الضعيفة(1/47)باختصار.
لكن الله تبارك وتعالى سخر لهذه الأحاديث فرسانا كشفوا عُوارَها ، وبينوا وضعها وحذروا الناس منها، ولذلك قيل للإمام عبد الله ابن المبارك: "هذه الأحاديث المصنوعة؟"فقال:"يعيش لها الجهابذة -النقاد بغوامض الأمور، البارعين العارفين بطرق النقد- ". الجرح والتعديل لابن أبي حاتم( 1/3)
يقول الإمام السخاوي –رحمه الله- ذاكرا حال هؤلاء الفرسان :"وهم الذين خصهم الله بنور السنة، وقوة البصيرة فلم تخف عنهم حال مفتر ولا زور كذاب، فبينوا بنقدهم فسادها وميزوا الغث من السمين". فتح المغيث(1/260)
فعلينا أن نحرص أيها الكرام على تصفية ديننا الحنيف من الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي يدخلها أهل الأهواء و الجهل، فالصحيح ولله الحمد يغني عنها .
و لذا أحببت أن أذكركم أيها الأحبة في هذا المقال بطائفة من الأحاديث المكذوبة التي لا تصح نسبتها للنبي صلى الله عليه وسلم في فضل شهر ذي الحجة و الأضحية مع نقل كلام العلماء فيها ، عسى الله أن ينفعني وإياكم بالعلم بها لنجتنبها ونحذر الناسمنها بإذنه سبحانه:
1-ما جاء في فضل شهر ذي الحجة : قد جاءت النصوص الشرعية في فضل هذا الشهر ، وحثت علىالأعمال الصالحة فيه خاصة العشر الأول منه، فعن عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام " يعني : العشر قالوا : يارسول الله و لا الجهاد في سبيل الله ؟! قال : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله،ثم لم يرجع من ذلك بشيء". رواه البخاري (969)
ومن الأعمال الصالحة المشروعة في العشر الأول منه الصيام، خاصة يوم عرفةفصيامه مستحب لغير الحاج،قال صلى الله عليه وسلم:" صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ". رواه مسلم ( 1161) من حديث أبي قتادة الأنصاري –رضي الله عنه- .
لكن بعض أهل البدع والجهلة من الناس لم يكتفوا بما شرع لهم في هذا الشهر،بل ذهبوا لوضع أحاديث أخرى تخصه بفضل لم يثبت له،أو تحث على بعض الأعمال التي لم تأت بها النصوص الشرعية ورتبوا عليها أجورا كبيرة والله المستعان،منها:
1-حديث :" اختار الله الزمان، فأحب الزمان إلى الله الشهر الحرام، وأحب الأشهر إلى الله ذو الحجة، وأحب ذي الحجة إلى الله العشر الأول ". رواه ابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال ( 4/278) من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة –رضي الله عنه- مرفوعا .
والحديث لا يصح،قال ابن عدي :"عبد الرحمن بن عبد الله العمري ضعيف". الكامل ( 4/278)، و الحديث ضعفه أيضا ابن رجب في لطائف المعارف ( ص267)
2-حديث :"ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر". رواه الترمذي ( 758) من طريق مسعود بن واصل عن النهاس بن قهم عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة – رضي الله عنه- مرفوعا
والحديث ضعيف لا يصح، قال الإمام الترمذي –رحمه الله- بعد أن روى الحديث: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث مسعود بن واصل، عن النهاس، قال: وسألت محمدا عن هذا الحديث فلم يعرفه من غير هذا الوجه مثل هذا".
والحديث ضعفه الشيخ الألباني–رحمه الله-في ضعيف الترمذي (758 )والسلسلة الضعيفة ( 5145)
3-حديث: "من صام العشر فله بكل يوم صوم شهر ، وله بصوم يوم التروية سنة،وله بصوم يوم عرفة سنتان" . رواه ابن الجوزي في الموضوعات (2/112) من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس –رضي الله عنه- مرفوعا .
قال ابن الجوزي –رحمه الله- :" وهذا حديث لا يصح ، قال سليمان التيمي : الكلبي كذاب . وقال ابن حبان : وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى وصفه".الموضوعات (2/112)
4- حديث :"من صام آخر يوم من ذي الحجة ،وأول يوم من المحرم،فقد ختم السنة الماضية ،وافتتح للسنة المستقبلة بصوم،جعله الله كفارة خمسين سنة".رواه ابن الجوزي في الموضوعات(2/112)من طريق أحمد بن عبد الله الهروي الجويباري عن وهب بن وهب عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس –رضي الله عنه- مرفوعا
والحديث موضوع لا يصح،قال ابن الجوزي-رحمه الله-:"الهروي و وهب كلاهما كذاب وضاع".الموضوعات (2/112)
وحكم على الحديث بالوضع كذلك السيوطي في اللالئ المصنوعة(2/92 )،و الشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة( 1/96)
5-حديث :"صوم يوم التروية كفارة سنة، وصوم يوم عرفة كفارة سنتين". رواه أبو الشيخ في الثواب و ابن النجار في تاريخه من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما – مرفوعا كما في الجامع الصغير للسيوطي (13587 ) والحديث لا يصح ، قال الشيخ الألباني –رحمه الله-:"موضوع".ضعيف الجامع الصغير (3501)
2-الأضحية : هي سنة مؤكدة ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم ،خاصة في حق ذوي اليسار، فعن أنس –رضي الله عنه- قال :"ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين – فيه بياض وسواد-أقرنين ذبحهما بيده وسمى".رواه البخاري(5420)واللفظ له، ومسلم (1966)
لكن كذلك بعض أهل الأهواء و الجهل لم يكتفوا بكونها سنة و أنها ثابتة عن نبينا صلى الله عليه وسلم ، فوضعوا لها أحاديث تدل على فضل خاص، ورتبوا على ذلك أجور ، وكل ذلك لم تأت به النصوص ، قال ابن العربي –رحمه الله- : " ليس في فضل الأضحية حديث صحيح ، وقد روى الناس فيها عجائب لم تصح". عارضة الأحوذي ( 6/288)
ومن هذه الأحاديث التي لا تصح :
1-حديث :"ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظْلاَفِها –أظفارها-، وأن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفسا" . رواه الترمذي ( 1493) وابن ماجة (3126 ) من طريقأبي المثنى سليمان بن يزيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -مرفوعا - ،و الحديث ضعيف لا يصح ، لأن أبا المثنى هذا ضعيف الحديث كما في تقريب التهذيب لابن حجر ( ص670) ، و الحديث ضعفه الشيخ الألباني –رحمه الله – في السلسلة الضعيفة ( 526)
2-حديث :" أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله ما هذه الأضاحي؟ قال: سنة أبيكم إبراهيم" قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله ؟ قال:" بكل شعرة حسنة"، قالوا: فالصوف يا رسول الله ؟ قال:" بكل شعرة من الصوف حسنة". رواه ابن ماجة في سننه (3127) من طريق عائذ الله بن عبد الله المجاشعي عن أبي داود السبيعي عن زيد بن أرقم –رضي الله عنه- ، و الحديث لا يصح فعائذ الله هذا ضعيف الحديث كما في تقريب التهذيب لابن حجر ( ص289) و أبو داود السبيعي واسمه نفيع بن الحارث ترك العلماء حديثه كما في التقريب لابن حجر ( ص325) ، و الحديث قال عنه الشيخ الألباني – رحمه الله- :"موضوع". في السلسلة الضعيفة ( 527)
3-حديث:"عظموا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم"،قال الشيخ الألباني-رحمه الله- :" قال ابن الصلاح : " هذا حديث غير معروف ولا ثابت" ، ثم قال- رحمه الله- : وأسند صاحب الفردوس بلفظ (استفرهوا ) بدل عظموا- أي ضحوا بالثمينة القوية السمينة- وسنده ضعيف جدا ". السلسلة الضعيفة ( 1/173)
4-حديث :" يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فاشهديها، فإن لك بأول قطرة تقطر من دمها أن يغفر لك ما سلف من ذنوبك" ، قالت: يا رسول الله ألنا خاصة أهل البيت أو لنا وللمسلمين ؟ قال" بل لنا وللمسلمين". رواه الحاكم في المستدرك ( 4/222) من طريق النضر بن إسماعيل البجلي عن أبي حمزة الثمالي عن سعيد بن جبير عن عمران بن حصين –رضي الله عنه- ، و الحديث لا يصح ، قال الذهبي في تعقيبه على قول الحاكم: صحيح الإسناد : "بل أبو حمزة ضعيف جدا وابن إسماعيل ليس بذلك ". و قال الشيخ الألباني –رحمه الله- :" حديث منكر" . السلسلة الضعيفة ( 528)
فهذه أيها الأحبة بعض الأحاديث المكذوبة التي تروى في فضل شهر ذي الحجة و الأضحية، فينبغي أن نعلمها ونَحذر منها،وننصح غيرنا بمعرفتها و الابتعاد عنها ،وينبغي علينا عند سماع حديث نبوي أن نتأكد من صحته بعَرضه على أهل الاختصاص من العلماء الربانيين الصادقين،قبل روايته ونشره بين الناس،حتى لا ندخل في وعيد قوله صلى الله عليه وسلم : "من حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ".رواه مسلم(1/8 )من حديث المغيرة بن شعبة-رضي الله عنه- ، وعلى من تصدر أيها الأفاضل لتعليم الناس ووعظهم أن يتق الله فيهم ،ولينشر بينهم ما صح وثبت و يترك ما لم يثبت. ويحرص هو كذلك على التمييز بين الصحيح و السقيم.
قال الشيخ الألباني – رحمه الله -: "و اعلم أن التعرف على الحديث الضعيف أمر واجب وحتم لازم على كل مسلم يتعرض لتحديث الناس وتعليمهم ووعظهم ، وقد أخل به جماهير المؤلفين و الوعاظ و الخطباء ، فإنهم كثيرا ما يروون من الأحاديث ما لا أصل لها غير مبالين بنهيه صلى الله عليه وسلم عن التحديث عنه إلا بما صح".ضعيف الأدب المفرد( ص6)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يحفظ المسلمين ويسخر لهم علماء ربانيين ناصحين يرشدوهم إلى ما ينفعهم ويحذروهم مما يضرهم من البدع و أهلها ، فهو سبحانه قدير و بالإجابة جدير .
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أبو عبد الله حمزة النايلي
