حنة ام مريم، عليها السلام
حنة ام مريم، عليها السلام
السيدة حنة أم مريم وزوجة عمران كانت احدى الشخصيات البارزة من بني اسرائيل ويستفاد من بعض الروايات بأن عمران ايضاً كان نبياً وكان يوحى اليه.
أم مريم رغم كبر سنها إلا أنها لم ترزق بولد ولذلك انها توجهت باخلاص بالدعاء الى الله العلي القدير ونذرت لو أن الله يرزقها ولداً إنها ستتصدق به ليكون في خدمة بيت المقدس. وهذا النذر يشير الى أن قلب حنة مشحون بالإيمان والصدق والاخلاص والطهر لله عز وجل وإنها نذرت اعز ما يمكن أن تملكه وابنها الوحيد لله عز وجل.
فاستجاب الله عز وجل دعاءها وحقق امنيتها. وجعل مريم المقدسة أن تكون اماً لأحد الرسل من أولي العزم.
نواصل تفاصيل القصة التي جرت على هذه الأم المخلصة كما جاء في القرآن الكريم:
عاشت والدة مريم اياماً طويلة وهي تتمنى أن يرزقها الله ولداً وكانت متأثرة على انها لم تلد ولداً. فهذا التأثر لم يكن جديداً على هذه المرأة أنها كباقي النساء كانت تشدها الرغبة الشديدة بذلك. فأينما كانت تشاهد أماً وهي تحتضن طفلها كان يلتهب فيها حب الأمومة اكثر فأكثر وكانت تتحسر وتتأوه وتنظر الى السماء وتدعو الله عز وجل وتطلب منه ولداً ليكون مصدراً لسلوتها وأنيساً لوحدتها ويستقر قلبها بوجوده. ففي يوم من الأيام كانت جالسة تحت شجرة وشاهدت طائراً يقدم الى فراخه الغذاء. وكانت مشاهده محبة الامومة هذه قد أثارت نار حب الولد في قلبها ودعت الله عز وجل من صميم قلبها أن يرزقها ولداً ولم يمض وقت طويل إلا واستجاب الله عز وجل لدعائها فحملت.
ومنذ تلك اللحظة فقد أمتلأ كيانها بالفرحة والبهجة وإنها شكرت الله عز وجل على هذا اللطف الكبير وقالت لله عز وجل بما معناه الهي أني نذرت لك ما في رحمي ليكون حراً في خدمتك وتقبل مني أنك أنت السميع العليم:
(إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني انك أنت السميع العليم) آل عمران / 35
ويأتي لفظ (محرراً) من التحرير وكان يطلق آنذاك للأبناء الذين كان يتم تعيينهم للخدمة في المعبد ليتولوا مهام النظافة والخدمات في المعبد وينهمكون بعبادة الله في أوقات فراغهم ولذلك كانوا يسمونهم باسم المحرر بمعنى أنهم محررين لتقديم أية خدمة لوالديهم ويعتبرون ذلك فخراً لهم.
وقال البعض بأن الأطفال عندما كانت لهم المقدرة لأداء هذه الخدمة كانوا يؤدون هذه الخدمة تحت اشراف والديهم حتى سن البلوغ وبعد وصولهم مرحلة البلوغ فكانوا يقررون مصيرهم بأنفسهم وكان يمكنهم أن ينهوا عملهم في المعبد ويخرجوا منه وإذا كانت لهم الرغبة في البقاء كان بوسعهم أن يواصلوا ذلك الوضع والعمل.
ويستفاد من بعض الروايات بأن الله عز وجل قد اوحى لزوجها عمران بأن الله سيمنحها ولداً كثير البركة يستطيع أن يعالج المرضى المصابين بأمراض عضال ويحيي الموتى بأمر الله وسيبعث رسولاً الى بني اسرائيل، فقال عمران هذا الشيء لزوجته (حنة) ولذلك عندما حملت تصورت بأنه الولد الموجود في رحمها هو الولد المذكور وكانت لا تعلم بأن وليدها سيكون (مريم) وهي أم لذلك الولد، ولذلك أنها نذرت الولد لبيت الله المقدس. ولكن عندما ولدت لاحظت وليدها بنت. وقد أصيبت بالقلق آنذاك، ماذا سنعمل في مثل هذا الوضع. لأن الخدام في البيت المقدس كان يتم انتخابهم من الأبناء ولم يسبق انتخاب فتاة لهذا الشيء.
ولذلك توجهت الى الله بالحسرة والحزن فقالت كما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:
(فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم ...) آل عمران / 36.
وتشير القرائن الموجودة في هذه الآية والروايات التي وردت في تفسيرها، إن عبارة ليس الذكر كالأنثى جاءت على لسان أم مريم وليس من كلام الله عز وجل. وإن مريم التي تعني (المرأة العابدة) كما تفيد الآية جاءت تسميتها بهذا الاسم من جانب امها عند وضعها الحمل وولادتها فهذه تعكس نهاية حب ورغبة هذه الأم الطاهرة لوقف ابنتها في مسير عبادة الله ولذلك إنها دعت الله عز وجل بعد هذه التسمية بأن تكون هذه الوليدة وابنائها الذين يولدون منها بعيدين عن الوساوس الشيطانية وفي مأمن لطفه كما تقول الآية الكريمة على لسانها:
(واني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) آل عمران / 36.
ولم يحل باسم مريم في ذات الوقت اليأس وقررت أن تذهب بابنتها الى المعبد وايداعها بالاحبار ورجال الهيكل ولم تيأس من جانب آخر من الوعد الذي قطعه الله عز وجل الى زوجها عمران وفكرت في نفسها بالرسول والنبي الذي أوعدها الله به لم يولد وسيولد في المستقبل من هذه البنت ودعت الله عز وجل أن يعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم. وقد استجابت الله عز وجل دعاء (حنة) وقبل هديتها وجعل مريم تحت حمايته ورعايته والحفاظ عليها وحراستها وتربيتها. وجاء في سورة آل عمران بعد دعاء الأم:
(فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً وكفلها زكريا) آل عمران / 37.
وتقول الآية الكريمة المذكورة بأن الله عز وجل قد اختار زكريا ليتكفل مريم. وكما ورد في التاريخ إن عمران والد مريم كان قد توفي قبل ولادة مريم وجاءت ام مريم الى البيت المقدس والى علماء اليهود وقالت ان هذه الطفلة مهداة الى البيت المقدس، ليتولى واحد منكم رعايتها وحصل نقاش بين علماء بني اسرائيل وكل واحد منهم أراد أن يحظى بفخر رعاية مريم، ولذلك قرروا انتهاج القرعة بينهم وجاءوا الى جانب النهر واحضروا الاقلام الخشبية التي تتم من خلالها القرعة وكل واحد منهم كتب اسمه على واحدة منها، فكل قلم كان يغطس في الماء كان صاحبه الفائز في هذه القرعة. وقد غطس في الماء القلم الذي كان اسم زكريا عليه ثم طفح على سطح الماء وانيطت به مراقبة مريم كشيء مسلم به، وكان زكريا أليق بغيره بهذه المهمة لأنه كان نبياً وزوجاً لخالة مريم.
وبهذه الصورة بقيت السيدة مريم في بيت المقدس تحت كفالة النبي زكريا (ع).
