مناظرة أهل الأهواء والبدع (عدنان إبراهيم أنموذجا)

أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الناظر في مصنفات أهل العلم يجد نصوصاً متوافرة وأدلة متكاثرة في النهي عن مناظرة أهل الأهواء والبدع، وما ذاك إلا لما تنطوي عليه تلك المناظرات من تشويش للذهن وتلبيس للمفاهيم لأن الشيطان عدو الإنسان يسعى بوسوسته في تزويق الباطل وتحسينه وتلميعه وإبرازه للإنسان في أجمل صوره، وقد تواتر عن الأئمة المنع من الجدل في الدين لأن الشبه خطافة والقلوب ضعيفة.
يقول الإمام اللالكائي رحمه الله: (فما جني على المسلمين جناية أعظم من مناظرة المبتدعة ولم يكن لهم قهر ولا ذل أعظم مما تركهم السلف على تلك الجملة يموتون من الغيظ كمدا ودردا ولا يجدون إلى إظهار بدعتهم سبيلا حتى جاء المغرورون ففتحوا لهم إليها طريقا وصاروا لهم إلى هلاك الإسلام دليلا حتى كثرت بينهم المشاجرة وظهرت دعوتهم بالمناظرة وطرقت أسماع من لم يكن عرفها من الخاصة والعامة حتى تقابلت الشبه في الحجج وبلغوا من التدقيق في اللجج فصاروا أقرانا وأخدانا وعلى المداهنة خلانا وإخوانا بعد أن كانوا في الله أعداء وأضدادا).
ولا يكاد كتاب من كتب أهل السنة يخلو من التحذير من مناظرة أهل البدع لأنه كما قال مصعب بن سعد: (قال لي أبي: أي بني لا تجالس مفتونا فإنه لا يخطئك منه إحدى خصلتين، إما أن يستزلك، وإما أن يمرض قلبك).
ومع هذا التحذير البليغ والزجر الأكيد عن هذا المسلك إلا أننا نجد لأئمة السنة مناظرات لأهل البدع كما في مناظرة ابن عباس المشهورة للخوارج، ومناظرة عمر بن عبدالعزيز للقدرية، ومناظرة عبدالعزيز الكناني لبشر المريسي المشهورة في كتاب الحيدة، وغيرها من المناظرات.
وحين نتأمل هذه النصوص في النهي عن الجدال ومناظرات السلف المحكية يمكننا الخروج منها بما يلي:
1- أن الأصل العام المتقرر عند السلف هو عدم المناظرة والتحذير منها لما تجره من مفاسد، والخروج عن هذا الأصل استثناء.
2- إذا ثبت أن المناظرة لا يترتب عليها مفاسد فإنها تتعين وتجب، كما في مناظرة ابن عباس للخوارج فإن ابن عباس رضي الله عنهما ناظرهم في مكانهم دون شهود عوام الناس ممن قد تعلق شبه الخوارج في نفوسهم، فالخوارج على عقيدتهم وهذه المناظرة فهو بمناظرته إياهم يسعى في نقلهم من اعتقادهم الباطل فمثلاً لو أن عالماً ذهب إلى مجمتع بدعي وأراد مناظرتهم على بدعة من البدع التي يتمسكون بها لكان نفعها ظاهراً وضررها معدوماً أو نادراً، ومثلها مناظرة عبدالعزيز الكناني لبشر المريسي فإنها كانت بأمر الخليفة وكان يتبنى القول بخلق القرآن وكان بشر المريسي من حاشيته، فهذه المناظرة إن لم تنقل الخليفة عما يعتقده فلن تنقله إلى أمر أسوأ منه.
3- كثير من المناظرات التي وردت عن بعض السلف نجدها خاصة بينه وبين صاحب البدعة دون إشهارها وإذاعتها ودعوة الناس إليها، ذلك أن أفهام الناس ليست على درجة واحدة ويقينهم متفاوت فقد يفهم الإنسان الشبهة ويتشربها قلبه ولا يفهم الجواب عنها، وأذكر في هذا الشأن أن أحد المشايخ وكان لا تستهويه مناظرات الرافضة التلفزيونية التي حصلت في السنوات الأخيرة مع ما حصل فيها من خير عظيم فهو يقول:إن المحافظة على رأس المال وهم أهل السنة أولى وأحرى إذ هم السواد الأعظم، والرافضة أقلية مقابل أهل السنة. يقول الشيخ: أعرف أحد العوام ممن كان يشغل وقت رمضان خاصة في لياليه بتلاوة القرآن والصلاة، إلى تسمّرٍ أمام القنوات لمشاهدة تلك المناظرات، وليت الأمر وقف عند ذلك الحد بل تجاوزه إلى سؤاله مراراً عن بعض الشبه التي سمعها من الرافضي وعلقت في ذهنه يبحث عن حلٍ لها. ومثله كثير.
ولا ريب أن لانتشار المناظرات التلفزيونية أثر سيء على العامة وأذكر في هذا الصدد أن زميلاً لي في التعليم ذكر أنه شاهد مناظرة حول الإمام ابن تيمية وقال إن المحاور ذكر شبهة قوية، قلت وما هي؟ قال: إنّ ابن تيمية شخصية رمزية ليس لها وجود في الواقع، وإنما هي من صنع الوهابية لفقوا عليها ما استطاعوا من أقوال ونسبوها إليه، وقال أتحدى من يثبت أنه شخصية حقيقية. [ولم أتحقق من تلك المقولة ولا القائل] فقلت هذه سفسطة غاية في السقوط، فأنت تستطيع أن تنكر كل شيء إذا لم يسند إلى أمر محسوس، وليس مصدر العلم الحواس فقط، وعلى هذه السفسطة يمكنك أن تنكر كل الشخصيات والأحداث التاريخية بل وجميع الأمكنة التي لم تشاهدها، ولك أن تتحداه بمثل قوله بأن يبين للعالم أن أباه ابناً حقيقياً لوالديه قبل وجود مصادر الإثبات المعاصرة، أقصد من هذا أن قلوب كثير من العوام لا تحسن الاستماع إلى الشبهة وإذا سمعتها لا تحسن الفكاك منها، فكان في محاورة أهل البدع أمام العامة أمرٌ ظاهر الخطر.
يتبين مما سبق أن المناظرة المرتقبة في رمضان على قناة دليل بين المشايخ محمد الحسن الددو والشريف حاتم العوني من جهة وعدنان إبراهيم من جهة أخرى أن ضررها أكبر من نفعها لأمور:
1- أنّ القضية المتناظر عليها (عدالة معاوية رضي الله عنه) هي من القواطع عند أهل السنة، وهم الأكثر والأشهر، فهي لن تفيد أهل السنة شيئاً إلا صحة مذهبهم ولم يتطرق الشك في نفوس أهل السنة حتى نحتاج إلى من يزيل هذا الشك، وقد يقع عند بعضهم شك أو لبس من شبهة يوردها الخصم.
2- يتعلل بعضهم بأن لهذا الرجل أتباعاً ومريدين، والذي يظهر أن أتباعه ليسوا من الكثرة حتى نقول إنهم جمع غفير من الناس يحتاج المرء إلى إزالة الشبهة عنهم ولو احتجنا إلى ذلك فإن طريق الرد العام تكفي وتشفي دون الحاجة إلى مناظرة تلفزيونية عامة.
ووجود من يطبل لهذا الرجل في بعض المواقع الاجتماعية لا يعني أنهم عدد كبير، ولو قلنا بتعين هذه المناظرة لكان الأولى أن تكون في المكان الذي اشتهر فيه أقوال هذا الرجل لا أن تكون في وسيلة إعلامية ذائعة تستهدف عامة الناس فقد تكون هذه المناظرة سببا في فساد قلوبهم، ذلك أن كثيراً من العوام لا يعرفون ما يدور في اليوتيوب أو التويتر أو الفيس بوك أو غيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، بخلاف القنوات فهي تستهدف الجميع، وتصل إليهم.
3- العدد في المناظرة اثنان مقابل واحد مما يصوّر للعوام قوة المناظر وتمكنه فحتى لو ظهر قولهم عليه لكان العذر قريباً وكما قيل الكثرة تغلب الشجاعة، فهذا العدد مما يروّج لهذا المبتدع ويظهره بمظهر القوي الذي لا يغلب إلا بهذا العدد.
4- أن أحد المناظِرَين من أهل السنة وهو الدكتور الشريف حاتم العوني قد وصف هذا المبتدع بأن لديه علماً وتحقيقاً بل لمز بعض من رد عليه بأن المردود عليه أعلم منهم بل ومن شيوخهم كما في صفحته في الفيس بوك، فهذا القول من الدكتور العوني يزكي هذا المبتدع فإذا سمع العامي مثل هذا الكلام بأن الخصم عالم ومتدين فما المانع عنده أن يكون قوله صحيحاً معتبرا، أو على أقل تقدير من المسائل السهلة التي يمكن للإنسان أن يختار فيها قولا.
هذا ما ظهر لي من خلال النظر في نصوص أهل العلم، وتطبيقها على هذه الواقعة، أعرضها بين يدي المشايخ الكرام لتقويمها وتصويبي فيما أخطأت فيه.
أسأل ربي برحمته التي وسعت كل شيء أن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر وأن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.