-
رسالة الليث إلى مالك
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم
سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد عافانا الله وإياك وأحسن لنا العاقبة في الدنيا والآخرة قد بلغني كتابك تذكر فيه من صلاح حالكم الذي يسرني فأدام الله ذلك لكم وأتمه بالعون على شكره والزيادة من إحسانه وذكرت نظرك في الكتب التي بعثت بها إليك وإقامتك وإياها وختمك عليها بخاتمك وقد أتتنا فجزاك الله عما قدمت منها خيرا فإنها كتب انتهت إلينا عنك فأحببت أن أبلغ حقيقتها بنظرك فيها وذكرت أنه قد أنشطك ما كتبت إليك فيه من تقويم ما أتاني عنك إلى ابتدائي بالنصيحة ورجوت أن يكون لها عندي موضع وأنه لم يمنعك من ذلك فيما خلا إلا أن يكون رأيك فينا جميلا إلا لاني لم أذاكرك مثل هذا وأنه بلغك أني أفتى بأشياء مخالفة لما عليه جماعة الناس عندكم وأني يحق على الخوف على نفسي لاعتماد من قبلي على ما أفتيتهم به وأن الناس تبع لأهل المدينة التي إليها كانت الهجرة وبها نزل القرآن وقد أصبت بالذى كتبت به من ذلك إن شاء الله تعالى ووقع منى بالموقع الذي تحب وما أجد أحدا ينسب إليه العلم أكره لشواذ الفتيا ولا أشد تفضيلا لعلماء أهل المدينة الذين مضوا ولا آخذ لفتياهم فيما اتفقوا عليه مني والحمد لله رب العالمين لا شريك له وأما ما ذكرت من مقام رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png بالمدينة ونزول القرآن بها عليه بين ظهري أصحابه وما علمهم الله منه وأن الناس صاروا به تبعا لهم فيه فكما ذكرت وأما ما ذكرت من قول الله تعالى {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} فإن كثيرا من أولئك السابقين الأولين خرجوا إلى الجهاد في سبيل الله ابتغاء مرضاة الله فجندوا الأجناد واجتمع إليهم الناس فأظهروا بين ظهرانيهم كتاب الله وسنة نبيه ولم يكتموهم شيئا علموه وكان في كل جند منهم طائفة يعلمون كتاب الله وسنة نبيه ويجتهدون برأيهم فيما لم يفسره لهم القرآن والسنة وتقدمهم عليه أبو بكر وعمر وعثمان الذين اختارهم المسلمون لأنفسهم ولم يكن أولئك الثلاثة مضيعين لا جناد المسلمين ولا غافلين عنهم بل كانوا يكتبون في الأمر اليسير لاقامة الدين والحذر من الاختلاف بكتاب الله وسنة نبيه فلم يتركوا أمرا فسره القرآن أو عمل به النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png أو ائتمروا فيه بعده إلا علمو هموه فإذا جاء أمر عمل فيه أصحاب رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png بمصر والشام والعراق على عهد أبي بكر وعمر وعثمان ولم يزالوا عليه حتى قبضوا لم يأمروهم بغيره فلا نراه يجوز لاجناد المسلمين ان يحدثوا اليوم أمرا لم يعمل به سلفهم من أصحاب رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png والتابعين لهم مع ان أصحاب رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png قد اختلفوا بعد في الفتيا في أشياء كثيرة ولولا أني قد عرفت ان قد علمتها كتبت بها إليك ثم اختلف التابعون في أشياء بعد أصحاب رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png سعيد بن المسيب ونظراؤه أشد الاختلاف ثم اختلف الذين كانوا بعدهم فحضرتهم بالمدينة وغيرها ورأسهم يومئذ ابن شهاب وربيعة بن أبي عبد الرحمن وكان من خلاف ربيعة لبعض ما قد مضى ما قد عرفت وحضرت وسمعت قولك فيه وقول ذوي الرأي من أهل المدينة يحيى بن سعيد وعبيدالله ابن عمر وكثير بن فرقد وغير كثير ممن هو أسن منه حتى اضطرك ما كرهت من ذلك إلى فراق مجلسه وذاكرتك أنت وعبد العزيز بن عبد الله بعض ما نعيب على ربيعة من ذلك فكنتما من الموافقين فيما أنكرت تكرهان منه ما أكرهه ومع ذلك بحمد الله عند ربيعه خير كثير وعقل أصيل ولسان بليغ وفضل مستبين وطريقة حسنة في الإسلام ومودة لإخوانه عامة ولنا خاصة رحمه الله وغفر له وجزاه بأحسن من عمله وكان يكون من ابن شهاب اختلاف كثير إذا لقيناه وإذا كاتبه بعضنا فربما كتب إليه في الشيء الواحد على فضل رأيه وعلمه بثلاثة أنواع ينقض بعضها بعضا ولا يشعر بالذي مضى من رأيه في ذلك فهذا الذي يدعوني إلى ترك ما أنكرت تركي إياه وقد عرفت أيضا عيب إنكاري إياه أن يجمع أحد من أجناد المسلمين بين الصلاتين ليلة المطر ومطر الشام أكثر من مطر المدينة بما لا يعلمه الا الله لم يجمع منهم إمام قط في ليلة مطر وفيهم أبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد ويزيد ابن أبي سفيان وعمرو بن العاص ومعاذ بن جبل وقد بلغنا ان رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png قال أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وقال يأتى معاذ يوم القيامة بين يدى العلماء برتوة وشرحبيل بن حسنة وأبو الدرداء وبلال بن رباح وكان أبو ذر بمصر والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وبحمص سبعون من أهل بدر وبأجناد المسلمين كلها وبالعراق ابن مسعود وحذيفة بن اليمان وعمران بن حصين ونزلها أمير المؤمنين على بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة سنين وكان معه من أصحاب رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png فلم يجمعوا بين المغرب والعشاء قط.
ومن ذلك القضاء بشهادة شاهد ويمين صاحب الحق وقد عرفت انه لم يزل يقضي بالمدينة به ولم يقض به أصحاب رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png بالشام وبحمص ولا بمصر ولا بالعراق ولم يكتب به إليهم الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ثم ولي عمر بن عبد العزيز وكان كما قد علمت في إحياء السنن والجد في إقامة الدين والاصابة في الرأي والعلم بما مضى من أمر الناس فكتب إليه رزيق بن الحكم إنك كنت تقضي بالمدينة بشهادة الشاهد الواحد ويمين صاحب الحق فكتب إليه عمر بن عبد العزيز إنا كنا نقضي بذلك بالمدينة فوجدنا أهل الشام على غير ذلك فلا نقضي إلا بشهادة رجلين عدلين أو رجل وامرأتين ولم يجمع بين العشاء والمغرب قط ليلة المطر والمطر يسكب عليه في منزله الذي كان فيه بخناصرة ساكنا.
ومن ذلك أن أهل المدينة يقضون في صدقات النساء أنها متى شاءت أن تتكلم في مؤخر صداقها تكلمت فدفع إليها وقد وافق أهل العراق أهل المدينة على ذلك وأهل الشام وأهل مصر ولم يقض أحد من أصحاب رسول الله http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png ولا من بعدهم لامرأة بصداقها المؤخر إلا أن يفرق بينهما موت أو طلاق فتقوم على حقها.
ومن ذلك قولهم في الايلاء إنه لا يكون عليه طلاق حتى يوقف وان مرت أربعة الاشهر وقد حدثني نافع عن عبد الله بن عمر وهو الذي كان يروي عنه ذلك التوقيف بعد الاشهر انه كان يقول في الايلاء الذي ذكر الله في كتابه لا يحل للمولي إذا بلغ الاجل الا ان يفئ كما أمر الله أو يعزم الطلاق وانتم تقولون إن لبث بعد أربعة الاشهر التي سمى الله في كتابه ولم يوقف لم يكن عليه طلاق وقد بلغنا ان عثمان بن عفان وزيد بن ثابت وقبيصة بن ذؤيب وابا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قالوا في الايلاء إذا مضت أربعة الاشهر فهى تطليقة بائنة وقال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وابن شهاب إذا مضت أربعة الأشهر فهي تطليقة وله الرجعة في العدة.
ومن ذلك أن زيد بن ثابت كان يقول إذا ملك الرجل امرأته فأختارت زوجها فهي تطليقة وان طلقت نفسها ثلاث فهي تطليقة وقضى بذلك عبد الملك بن مروان وكان ربيعه بن عبد الرحمن يقوله وقد كاد الناس يجتمون على انها ان اختارت زوجها لم يكن فيه طلاق وان اختارت نفسها واحدة أو اثنتين كانت له عليها الرجعة وان طلقت نفسها ثلاثا بانت منه ولم تحل له حتى تنكح زوجا غيره فيدخل بها ثم يموت أو يطلقها إلا أن يرد عليها في مجلسه فيقول انما ملكتك واحدة فيستحلف ويخلى بينه وبين امرأته.
ومن ذلك أن عبد الله بن مسعود كان يقول ايما رجل تزوج أمة ثم اشتراها زوجها فاشتراؤه إياها ثلاث تطليقات وكان ربيعة يقول ذلك وان تزوجت المرأة الحرة عبدا فاشترته فمثل ذلك.
وقد بلغنا عنكم شيئا من الفتيا مستكرها وقد كنت كتبت إليك في بعضها فلم تجبني في كتابي فتخوفت ان تكون استثقلت ذلك فتركت الكتاب إليك في شيء مما أنكره وفيما أوردت فيه على رأيك وذلك انه بلغني انك امرت زفر بن عاصم الهلالي حين أراد أن يستسقي أن يقدم الصلاة قبل الخطبة فأعظمت ذلك لأن الخطبة والاستسقاء كهيئة يوم الجمعة إلا أن الإمام إذا دنا من فراغه من الخطبة فدعا حول رداءه ثم نزل فصلى وقد استسقى عمر بن عبد العزيز وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وغيرهما فكلهم يقدم الخطبة والدعاء قبل الصلاة فاستهتر الناس كلهم فعل زفر بن عاصم من ذلك واستنكروه.
ومن ذلك انه بلغني انك تقول في الخليطين في المال إنه لا تجب عليهما الصدقة حتى يكون لكل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة وفي كتاب عمر بن الخطاب انه يجب عليهما الصدقة ويترادان بالسوية وقد كان ذلك يعمل به في ولاية عمر بن عبد العزيز قبلكم وغيره والذي حدثنا به يحيى بن سعيد ولم يكن بدون افاضل العلماء في زمانه فرحمه الله وغفر له وجعل الجنة مصيره.
ومن ذلك انه بلغني انك تقول إذا افلس الرجل وقد باعه الرجل سلعة فتقاضى طائفة من ثمنها أو أنفق المشتري طائفة منها أنه يأخذ ما وجد من متاعه وكان الناس على أن البائع إذا تقاضى من ثمنها شيئا أو أنفق المشتري منها شيئا فليست بعينها.
ومن ذلك انك تذكر أن النبي http://upload.wikimedia.org/wikisour...%D9%85.svg.png لم يعط الزبير بن العوام إلا لفرس واحد والناس كلهم يحدثون انه أعطاه أربعة أسهم لفرسين ومنعه الفرس الثالث والأمة كلهم على هذا الحديث أهل الشام وأهل مصر وأهل العراق وأهل إفريقية لا يختلف فيه اثنان فلم يكن ينبغي لك وان كنت سمعته من رجل مرضي أن تخالف الأمة أجمعين.
وقد تركت أشياء كثيرة من أشباه هذا وأنا أحب توفيق الله إياك وطول بقائك لما أرجو للناس في ذلك من المنفعة وما أخاف من الضيعة إذا ذهب مثلك مع استئناسي بمكانك وإن نأت الدار فهذه منزلتك عندي ورأي فيك فاستيقنه ولا تترك الكتاب إلي بخبرك وحالك وحال ولدك واهلك وحاجة ان كانت لك أو لأحد يوصل بك فإني اسر بذلك كتبت إليك ونحن صالحون معافون والحمد لله نسأل الله ان يرزقنا وإياكم شكر ما أولانا وتمام ما انعم به علينا والسلام عليك ورحمة الله.