التدخين.. عواقبه قاتلة والمستقبل يبشر بأدوية تساعد في الإقلاع عنه
بالرغم من العواقب الوخيمة والمميتة لعدو الإنسان رقم واحد وهو الادمان على التدخين التي أصبحت معروفة لدى معظم الناس ومؤكدة طبياً لا يزال وللأسف هنالك الملايين من الأشخاص، رجالا ونساءً في كل أنحاء العالم يزاولون تلك العادة الشنيعة والخطيرة غير مهتمين أو ملتزمين لعواقبها عليهم وعلى ذويهم وذلك لأسباب عديدة أبرزها أن بعضهم يصرون أنه لا يوجد أي دليل طبي قاطع على تأثير التدخين على الصحة رغم جميع الدراسات المؤكدة، لذلك والبعص الآخر يتخوف من العناء والعذاب والأعراض المزعجة عند محاولة الاقلاع عنه ويعتقدون أنهم لا يزالون في سن الشباب وغير متعرضين لآفات التدخين الطبية التي تظهر عادة عند المسنين وأن لديهم الوقت الكافي للانقطاع عنه قبل حدوث مضاعفاته، وأما الآخرون فيعتبرونه لذة ونشوة ومهما لازالة الضغوط النفسية والقلق والاكتئاب وتعزيز القدرة العقلية والتركيز الفكري والذاكرة أو أن ممارسة تلك العادة توفر لهم الاستقلالية الذاتية والقدرة على التحكم بحياتهم والتمتع بما يحلو لهم مها كانت عواقبها وانهم بالرغم من محاولاتهم العديدة واستعمال شتى الوسائل لم ينجحوا كما استطاع الملايين من الأشخاص غيرهم من الاقلاع عن التدخين لسبب جوهري هو أنهم باطنيا يستمتعون به ولا يريدون حقاً التخلي عنه. ورغم الحملات المكثفة في الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب ضد التدخين ومنع مزاولته في المستشفيات والمباني الحكومية والتجارية والمطاعم والمطارات وعلى متن الطائرات وحتى النوادي في الولايات المتحدة وغيرها من بعض الدول وزيادة أسعار السجائر واستعمال عدة وسائل تساعد على وضع حد لتلك العادة منها اللصقات أو العلقة أو الرذاذ الأنفي التي تحتوي على «مادة النيكوتين» والمعالجة النفسية واستعمال بعض العقاقير ضد الاكتئاب مثل «بيوبروبريون» ونورثيبثيرلين والتنويم الايحائي والإبر الصينية والأعشاب وغيرها من المعالجات الطبية لا يزال حوالي 46 مليون شخص في الولايات المتحدة وحدها والملايين في كل أنحاء العالم لا يزالون مدمنين على التدخين بالرغم من معرفة معظمهم عواقبه الخطيرة من أمراض قلبية ووعائية والنفاخ الرئوي وشتى أنواع السرطان الذي يصيب الرئة والمثانة والكلية والبنكرياس وأعضاء أخرى وتأثيره على الطاقة الجنسية والانطاف وغيرها من الأمراض المستعصية ناهيك أن حوالي70٪ من المدخنين قد أبدوا استعدادا للتوقف عن التدخين وأن حوالي 83٪ تمنوا لو لم يمارسوا تلك العادة في البداية.
فلماذا إذاً لا يستطيع هؤلاء التخلي عن التدخين رغم رغبتهم في ذلك؟ الجواب كما أوضحه الدكتور «جرفيس» أستاذ العلوم النفسية في جامعة لندن الذي أمضى 27 سنة من حياته للاجابة على هذا السؤال والذي نشر مقالته القيمة في المجلة الطبية البريطانية بعنوان «ما يدفع الناس إلى التدخين» يلخص بكلمة واحدة «الادمان» فبعض المواد الموجودة في التبغ تسبب الادمان كالمواد الأخرى المحتوية في المخدرات رغم اختلاف بعض ميزاتها الكيماوية وأنها تؤثر على بعض مراكز اللذة في الدماغ فتنعشها وتحثها مما يؤدي إلى شعور الملذات والابتهاج والمتع الحسية التي تغمر المدخن كلما يولع سيجارة وتدفعه إلى الاستمرار على المتع الحسية التي تغمر المدخن كلما يولع سيجارة وتدفعه إلى الاستمرار على التدخين فضلا عن أن بعض الدراسات قد أوضحت العوامل الجينية التي قد تتحكم في الادمان على هذه العادة الشاذة والخطيرة، فذلك يعني أنه قد لا يكفي أحياناً أن يقرر الإنسان بناءً على اقتناعه الشخصي أو تحت الضغط العائلي أو الاجتماعي أو الطبي أن يكف عن التدخين رغم نجاح الملايين على ذلك بقوة ارادتهم بل قد يحتاج إلى معالجة طبية تتعدى العلكة أو اللصقات أو الرذاذ الأنفي التي تحتوي على «النيكوتين» والتي قد تساعد حوالي 23٪ من المدخنين على التوقف خصوصا إذا ما اندمجت تلك الوسائل مع المعالجة النفسية.
وحول موضوع الأدوية المساعدة في الاقلاع من التدخين نشير الى انه قد برزت حديثا في الأفق علاجات متقدمة ومتطورة قد تعطي بريقا جديدا في هذا المجال وانها رغم اننا لا نستطيع ان نلقبها «بالعلاج العجائبي» لكنها برهنت فعاليتها وقدرتها على وضع حد للادمان على التدخين في العديد من الحالات بطريقة علمية ترتكز على المعالجة الخاصة والانتقائية لأسبابه وتعطي املا براقا جديدا لكل هؤلاء المدمنين الذين يرغبون فعليا كسر طوق ادمانهم ومن ابرز تلك المستحضرات الجديدة عقار فارينسيكلين والذي كما اوضحته الرسالة الاخبارية بمركز الانقطاع عن التدخين التابع للمركز الوطني للسرطان الاميركي يؤخذ من الفم مرة يوميا قد اعطى نتائج اولية مشجعة مع نجاح بنسبة حوالي 50٪ بعد حوالي 7 اسابيع من استعماله ويشبه بتأثيره الكيماوي مفعول مادة النيكوتين الموجودة في السجائر على بعض خلايا ومستقبلات الدماغ، ولكنه لا يزال تحت الدراسة ويمكنه انزاله الى الصيدليات في العام المقبل ان شاء الله. وهنالك عقار آخر هو «سانوفي سينشيلابف» الذي لم ينفع على الاقلاع عن التدخين وحسب لكنه اعطى نتائج جيدة في تخفيض الوزن كما اكدته عدة دراسات أوروبية وقد سمي هذا العقار «اكونيليا» ويعمل على وضع حد «للمكافأة» التي يجنيها الجسم من التدخين أو الكحول او الافراط في الأكل ويحبط أو يقلل من التوق الشديد اليها وقد اظهرت دراسة على 800 مدخن ان بعد حوالي 10 اسابيع من المعالجة بهذا العقار او بالحبوب الكاذبة ان 28٪ من هؤلاء المدمنين توقفوا عن التدخين مع العقار «اكونيليا» مقارنة بـ 16٪ للحبوب الكاذبة كما نشرته الرسالة الاخبارية المشار اليها سابقاً وذلك بدون اية زيادة في الوزن واسفرت عدة اختبارات على هذا العقار انه يعمل على تثبيط مستقبل Cannabinoid في الدماغ، ويساعد على التوقف عن التدخين وازالة السمنة، وتقوم حاليا عدة شركات اخرى باختبارات مكثفة لانتاج لقاحات ضد النيكوتين مع نتائج أولية مشجعة ومن ابرزها لقا «نكفاكس» الذي تنتجه شركة «نابي» الاميركية والذي يعمل على الترابط مع المضادات ضد النيكوتين الموجودة في الدم التي تلتصق بجزيئاته وتمضيها على التفاعل مع مستقبلاته في الدماغ. ويستعمل هذا اللقاح بحقن عضلية بمعدل 18 حقنة في غضون 12 شهرا ومن اللقاحات الاخرى لقاح «تانيك» والذي اعطى نتائج اولية جيدة وهو لا يزال في اوائل مراحل التطوير.
وبالخلاصة رغم الحملات الاعلامية المكثفة والعالمية ضد التدخين ومحاولة منعه في المؤسسات الحكومية والخاصة واماكن العمل وغيرها وتثقيف الشعوب حول اضراره والاستشهاد بالاحصائيات حول مسؤوليته عنه حوالي 450,000 وفاة في الولايات المتحدة سنوياً والملايين من المضاعفات الخطيرة والمميتة في كل انحاء العالم، واستعمال عدة وسائل لمساعدة المدخنين على الاقلاع عن التدخين خشية على صحتهم وصحة عائلاتهم واحبائهم نتيجة تأثيره السلبي والكامن على زوجاتهم واولادهم والساكنين معهم في نفس البيت فضلا عن احتمال احداثه المضاعفات الطبية الخطيرة عند الجنين اثناء الحمل اذا ما ادمنت الام عليه، ورغم التحذيرات والتوعية والقيود وزيادة كلفة السجائر والضغط العائلي والطبي والاجتماعي على المدخنين لا يزال هنالك الملايين من المدمنين على التدخين عالميا لا يبالون او يتجاهلون جميع النتائج الطبية حول تأثير التدخين على الصحة الفردية والعامة ويفشلون بعد عدة محاولات يائسة عن كسر طوق تلك العادة الخطيرة والمميتة معتبرين ان المضاعفات حول هذه العادة قد تصيب غيرهم او انهم يعرفون الكثير من المدخنين الذين عاشوا لعمر متقدم بدون اية امراض خطيرة او اعراض جانبية شديدة او انهم لا يؤمنون بكافة الاختبارات الطبية حول هذا الموضوع او لأنهم يفتقرون الى الدوافع الشخصية للامتناع عن التدخين او لأن دخان السجاير قد اعمى بصرهم للحقيقة. ولابد من التذكير هنا انه من الصحيح ان كل المضاعفات المذكورة قد لا تصيب كل المدخنين ولكن وبدون أي شك انها تزيد نسبة اصابتهم بها اضعافا علاوة على ذلك ان التدخين اذا ما كان بالسجاير او السيجار او الشيشة لا يتسم بالاضرار الطبية وحسب بل انه قد يؤثر ماليا واجتماعيا بسبب رائحة المدخن المزعجة للعديد من الناس قد يسبب بعض المشاكل العائلية والجنسية فيا لها من «شجاعة مزيفة» لهؤلاء المدخنين الذين يعرضون حياتهم وحياة احبائهم الى الخطر بكل أنانية وعدم الاكتراث ويتقبلون ان يكونوا ضحية تلك اللفافة في فمهم التي تتحكم بإرادتهم ومستقبلهم ولكن قبل رميهم بالاحكام الطاغية علينا ان نستدرك ان اكثرية هؤلاء المدمنين يودون بكل صدق وايمان الاقلاع عن التدخين وقد حاول معظمهم ذلك عدة مرات بدون اي نجاح واملنا ان العقاقير واللقاحات المبتكرة التي تلوح في الافق ومنها عقار «اكونيبيليا» الذي سوف يتم توزيعه في الصيدليات في الاشهر القادمة ان شاء الله قد تساعدنا على كسر طوق الادمان والتحرر من تلك العادة الخطيرة والقاتلة بعون الله عز وجل واحباط هذا الكابوس العالمي.
منقول
جريدة الرياض
عدد 13439
الاحد 1 صفر 1426هـ
