فهل يعقل مع كل هذه الحقائق و الارقام وصف الدوري الاسباني بالافضل عالميا و تاريخيا ؟

الدوري الاسباني ، بين التضخيم الاعلامي و ردائة المنتوج الرياضي .
__________________________________________________ __
لا يشك و لو للحظة واحدة معظم متتبعي الدوري الاسباني فيما تروجه الفضائيات العربية و الاجنبية حول كون هذا الدوري هو الاقوى على المستوى العالمي و الامتع و ما الى ذلك من اوصاف تطلق عليه ، فمن حيث المظهر تجد انه بالفعل قابل ليسمى بهذه التسميات ، فبالاضافة الى ثمن الحصول على حقوق البث الذي يبلغ ما يقارب الـ 10 ملايين يورو يحتوي هذا الدوري على نخبة من ابرز النجوم العالمية على مستوى اللاعبين من قبيل كريستيانو رونالدو و ريكاردو كاكا و ليونيل ميسي و زلاتان ابراهيموفتش ... و كذلك على مستوى المدربين من جوزيب غوارديولا و جوزي مورينهو ، ناهيك عن الملاعب حيث يعد ملعب كاتالونيا الكامب نو الخاص بنادي برشلونة الملعب الاكبر من حيث السعة على المستوى الاوروبي بسعة اجمالية تبلغ الـ 96 الف متفرج ، دون ان ننسى المبالغ الضخمة التي تصرفها الاندية الاسبانية في التعاقدات و لو في ظل الازمة المالية التي اصابت مختلف القطاعات الاقتصادية و من بينها القطاع الرياضي فقد قام نادي ريال مدريد في الصائفة الماضية بـدفع مبلغ يقدر بـ 290 مليون يورو في التعاقد مع 6 لاعبين : كريستيانو رونالدو ، ريكاردو كاكا ، تشابي الونسو ، الفارو اربيلوا ، راوول البيول ، كريم بنزيمة ، بينما صرف نادي برشلونة مبلغ يناهز الـ 50 مليون يورو في لاعب واحد و هو زلاتان ابراهيموفتش .

يمكن القول ان الدوري الاسباني بالفعل هو الافضل لكن فقط من الناحية الاعلامية ، فهو يعتمد على الترويج بهذه الامور بدل التركيز على الجانب الرياضي في الدوري ، فعلى سبيل المثال ان لاعبا مثل شنايدر الذي باعه الريال الى نادي انتر ميلان الايطالي بـ 12 مليون يورو و جلب في مكانه اللاعب ريكاردو كاكا بـ 65 مليون يورو قد قدم مع فريقه الايطالي موسما ممتازا و حقق معه كل الالقاب الممكنة بينما لم يستطع فريق ريال مدريد تحقيق اي لقب يذكر ، فما الفرق اذا بين كاكا و شنايدر مادام الاول قد كان قابلا لتحقيق الالقاب و الثاني لا ؟ الجواب واضح ان اللاعب كاكا هو لاعب اعلامي و مشهور جدا ، و مجرد التعاقد معه اذر على نادي الريال ارباحا مادية كبيرة فقط من خلال بيع الاقمصة التي تحمل على ظهرها اسم كاكا ، بينما لم يكن شنايدر ليحقق للريال حتى ربع الارباح التي جناها من بيع اقمصة كاكا فقط ، و هذا يدفعنا للتساؤل هل الاندية الاسبانية تبحث عن الالقاب ام تبحث عن الربح المادي و الترويج الاعلامي ؟

هذا ناهيك عن المستوى الفني و التنافسي للدوري ، فلا شك ان ما قاله رئيس نادي اشبيلية خوسي ماريا ديل نيدو : " نحن نفكر في انشاء دوري اسباني من دون برشلونة و ريال مدريد " يطرح العديد من التساؤلات حول المستوى التنافسي المتدني في الدوري الاسباني ، ففي السنوات العشرة الاخيرة توج نادي برشلونة بالمسابقة 4 مرات و توج بها ريال مدريد 4 مرات و فالينسيا مرتين مع العلم ان الدوري الاسباني الممتاز يحتوي على 20 ناديا ، بل الاكثر من ذلك ان الدوري الاسباني منذ انطلاقته سنة 1928 الى حدود اليوم في 79 نسخة توج به ناديا برشلونة و ريال مدريد لوحدهما 51 مرة بينما تتقاسم بقية الاندية فيما بينها 28 لقبا فقط ، و في الموسم المنصرم 2009/2010 جاء نادي برشلونة اولا بـ 99 نقطة يليه في المركز الثاني ريال مدريد بـ 96 نقطة ثم المركز الثالث لنادي فالينسيا بـ 71 نقطة مما يعني 15 نقطة كفرق بين الثاني و الثالث ، فهل يعقل مع كل هذه الحقائق و الارقام وصف الدوري الاسباني بالافضل عالميا و تاريخيا ؟ فالمفروض ان الدوري الافضل يجب ان يحتوي على نسبة كبيرة من التنافسية بين عدد محترم من الاندية و ليس ناديين فقط ، كالدوري الانجليزي مثلا بـ 4 اندية كبيرة على رأسها تشلسي و مانشستر يونايتد و ليفربول و ارسنال التي تتنافس سنويا على الدوري و لا يتم الحسم في الفائز الا في الجولة الاخيرة بفارق لا يتجاوز الـنقطة الواحدة كما حصل الموسم الماضي بين تشلسي و مانشستر .وكذلك الدوري الايطالي لايحسم فيه الا اخر جوله وبنقطه او نقطتين !

هناك كذلك قولة مشهورة : " الدوري القوي يعطي منتخبا قويا "

فاذا استثنينا السنتين الاخيرتين منذ 2008 حتى 2010 حين تألق المنتخب الاسباني و فاز بكأس اوروبا للأمم و كأس العالم ، اين هو المنتخب الاسباني من كبار الكرة العالمية حتى يتم وصف دوريه بالافضل عالميا ؟ فقد كان هذا اول تتويج عالمي للكرة الاسبانية بينما المنتخبات القوية كالبرازيل و ايطاليا متوجة بـ 5 للاول و 4 للثاني من كأس العالم و المانيا ايضا تملك 3 كؤوس عالمية ، كما عرفت 2008 ثاني تتويج اسباني بكأس الامم الاوروبية منذ سنة 1964 . و اذا تأملنا في المنتخب الاسباني بطل العالم 2010 فسنجد انه متكون اساسا من 7 لاعبين من الفريق بطل الدوري برشلونة : بيكي و بويول و بوسكيتس و انييستا و بيدرو و فيا و تشافي و 3 لاعبين من ريال مدريد الوصيف كاسياس و راموس و تشابي الونسو و لاعب واحد فقط من نادي فياريال و هو خوان كابديفيلا الظهير الايسر .

فأين اذن كان الدوري الافضل تاريخيا و عالميا قبل 2008 ؟ و هل يجوز ان يطلق عليه هذا الوصف بينما لم يمكن منتخبه من تحقيق انجاز عالمي الا في 2010 السنة التي تعرف مرحلة انتقالية لدى مختلف المنتخبات الكبرى : البرازيل و ايطاليا و انجلترا ، و لولا ذلك لما كان لاسبانيا حظ في تجاوز الدور النصف النهائي مع العلم ان اسبانيا لم تواجه قوى كبرى في كرة القدم في الادوار الاولى حيث واجهت الهوندوراس و تشيلي و سويسرا في الدور الاول و البرتغال و الباراغواي في الثمن و الربع .

من الغريب مع كل هذه المعطيات تصنيف الدوري الاسباني في خانة الصدارة للدوريات العالمية ، فلا يكفي امتلاك عدد كبير من النجوم و صرف اموال ضخمة في التعاقدات و بناء الملاعب للحصول على افضل دوريات الكرة الارضية ، بل يجب امتلاك ما يسمى بـصناعة كرة القدم ، و هذه لا تأتي بين ليلة و ضحاها او في سنتين فقط من التألق بل تلزمها حكمة و خبرة متراكمة على مدة سنين من الاحتكاك و التجربة الدولية ، فريال مدريد بـ 290 مليون يورو للتعاقد فقط مع بضعة لاعبين خرج ذليلا من الدور الثاني في رابطة ابطال اوروبا امام ناد فرنسي اسمه ليون لم يصرف حتى ربع ما صرفه نادي ريال مدريد في صيف واحد ، بل ربما ان ميزانية ليون ككل لا تبلغ الـ 290 مليون يورو تلك .