بكت عيني اليمى فلما نهرتها عن الجهل بعد الحلم اسبلتا معا
نعم " ان العين لتدمع و " ان القلب ليحزن " هكذا عبر سيد الامة يوم الفجيعة عندما اختار الله ابراهيم اليه وترك للامة ابكوا كيف تبرد جراحكم صلى الله عليه وسلم.
ولان الموقف عن دموع الرجال فقد استفتحت بهدي سيدي وقدوتي محمد صلى الله عليه وسلم، واشكر لصاحب عنوان دموع الرجال مبادرته ليترك لنا فرصة ان نقرا ونبحث. وليته ترك العنوان اوسع. وادعوه الى مبادرة اوسع وتجدديد متواصل.
البكاء فلسفة الكثيرين " ان من لا يبكي تبكي بقية اغظاءه: معدته وقولونه وقلبه وراسه .... " ولاننا نتباحث الادب الأصيل منه والمقلد فساترك للادب ان يعبر ما استطعت. قالوا: يستقبل الوليد دنياه باكيا:
ولدتك امك يابن ادم باكيا والناس حولك يضحكون سرورا
فاحرص على زمن تكون به- متى يبكون حولك- ضاحكا مسرورا
هكذا يستقبل الوليد الدنيا ذكرا كان ام انثى. وهي اولى مداعبات ابليس، وان اسميناها بمدلول العلم " صرخة الحياة ". هوجو صاحب البؤساء، واعدها تنادرة ادبية في تراجيدية الموقف، يقول: " الحب دمعة فابتسامة، دمعة في سماء التفكير، وابتسامة في سماء النفس". وكذا كانت the idle tears او الدموع الكسالى دمعة تسير على القلب كما كانت رائعة همنجواي the ancient mariner وكذا the deed crab او السرطعون الميت كلها كانت من روائع البكاء اللفظي لرجالات يعدها الادباء وارباب النقد من الهاملت العلا واغفل الدين والمعتقد نعوذ بالله من الضلال.
وحفل التاريخ الادبي العربي بنماذج مشابهة تتفوق في الروعة والصنعة. ومن ابرز ما يميز شعر الفترة الاولى، والجاهلي منه بالخصوص وقفة الشاعر على الاطلال وبكائه مرابع الاحبة ودرس الاثار. هاهو ذي امرؤ القيس يبكي الاطلال:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
.....
وان شفائي عبرة مهراقة وهل عند رسم دارس من معول
بينما يقول عنترة في احدى روائعه:
يا عبل لا اخشى الحمام وانما اخشى على عينيك وقت بكاك
ويقول طرفة بن العبد:
لخولة اطلال ببرقة ثهمد تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
وقوفا بها صحبي على مطيهم يقولون: لا تهلك اسى وتجلد
وتعد رائعة ابن زيدون في ولادة بنت الخليفة المستكفي في الحب والبكاء طعما مختلفا لذيذا اذ يقول:
اضحى التنائي بديلا عن تدانينا وناب عن طيب لقيانا تجافينا
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقا اليكم ولا جفت ماقينا
نكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الاسى لولا تاسينا
ويقول الداهية جرير في ان الحب يصبي الحليم ويبكية:
يا ام عثمان ان الحب عن عرض يصبي الحليم ويبكي العين احيانا
ان العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
وقد سخر ابو نواس على الباكين على الامس والواقفين على الاطلال في تهكم واضح فاضح حين قال:
ايها الباكي على رسم درس واقفا ما ضر لو كان جلس
ومن البكاء الصادق البكاء على الشباب والوطن والصحة. وفيها يقول ابو العتاهية ناصحا بالتزود في الشباب من التقى لا يبكى عليه:
بكيت على الشباب بدمع عيني فلم يغني البكاء ولا النحيب
فياليت الشباب يعود يوما فاخبره بما فعل المشيب
ومن المحدثين الذين اثار بكائهم قلوب كل المغتربين عن اوطانهم اعادنا الله اليها سالمين وجمعنا فيها بمن نحب يقول استاذي شاعر المهجر السوري محمد العيسى في رائعة عارض فيها معلقات الدنيا السبع في مقطع تعطن عنده النوق وتروى من مدامع المشتاقين الى ديارهم يقول:
اطلق صهيلك هذا الرسم والطلل هذي جذورك في عينيك تشتعل
يا دار عبلة اني دمعة طفرت ورحت في شهقة الصحراء ارتحل
طفولتي في يدي اذرو برائتها على الطريق وجدر الخد معتقل
غفر الله لمحمد العيسى ومن تبعه من اعلام الادب الطيبي الذكر احيائا وامواتا.
ويقول الكوفي يبكي الوطن في سرد سلس متناغم و والله لا يلام محب وطن في وطنه ولا ينسى فضل الوطن الا عاق يقول:
ان لم تقرح ادمعي اجفاني من بعد بعدكم فما اجفاني
.....
ما للمنازل اصبحت لا اهلها اهلي ولا جيرانها جيراني
يقول الشاعر الروماني ( اوفيد ) منذ اكثر من الفي عام حول الدموع انها " تهدهد الحزن وتغسله "
وللطب راي اخر يقول هنري ( هنري مودسلي ) ان " الحزن الذي لا يجد طريقه الى الدموع يستطيع ان يجعل بقية الاعضاء تبكي ". والحياة في تقلبها بين السعد والحزن ويوم لك ويوم عليك
ورب يوم بكيت فيه فلما صرت في غيره بكيت عليه