محمود المقيد ..الشاب الذي أبدع الرسم بلا حاستي السمع والبصر

http://www.lahaonline.com/media/imag...ha22814311.jpg

محمود المقيد، في ملامح وجهه تقرأ حكاية مدادها الألم، وعنوانها صبر أثمر إبداعا وابتكارا، في أول
مراحل الشباب لم يتجاوز ربيع عمره الخمسة عشر عاماً لكنها مليئة بتفاصيل تستحق التوقف عندها.

خرج من رحم أمه أصماً أبكماً بفعل مرض وراثي، لكن عائلته منحته الكثير من العناية والحب، فكان نعم الابن البار
والشقيق الحاني على أشقائه، خاصة الشقيقتين اللتين تشاركاه إعاقة الصمم، طموح لا يعرف الملل، ولا يحد أحلامه سقف.

تدرج في التعليم الابتدائي والمتوسط متحدياً ظروف إعاقته ومعيشته الصعبة في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، فلم تمنعه إعاقته المزدوجة بين
السمع والكف الجزئي للبصر من ممارسة حياته الاجتماعية، سواء في المدرسة، أو الأسرة أو الشارع فهو كثير الأصدقاء غير انطوائي، استطاع أن يحول إعاقته إلى إبداع وابتكار، بعد أن امتلك موهبة الرسم، بأنامله الصغيرة يخط خريطة الوطن وينثر على وجهها تفاصيل حياة الفلسطينيين فيها، في القرى يصورهم بين الجداول والينابيع، فهم يعيشون حياة بسيطة وهو يترجم مشاعرهم بريشته على الأوراق بألوان تتموج كقوس المطر (قزح) وفي لوحات أخرى يصور آلامهم ونكباتهم.

لوحات بمداد الإحساس
حين تبصر لوحاته تأسر قلبك؛ فهي ليس كأي لوحات أخرى خطت وفقاً لرؤية بصرية ارتأت تناسق الألوان والوحدات الهندسية والتفاصيل الطبيعية للوحة، فقد خطها من إحساسه بالأشياء وليس إدراكه لها بالعين المجردة، بسبب العجز الجزئي في البصر الذي رافقه على امتداد سنوات الطفولة الأولى، بعد أن انفجرت لعبة نارية بوجهه اقتلعت عينه اليسرى، وأضرت اليمنى كثيراً إلا من بصيص فقط، بإشارات يده يتحدث عن مشوار مكلل بالتميز والإبداع على الرغم من قصر سنواته، وتترجم والدته قائلة على لسانه ما لم يستطع قوله: "ولد ابني أصماً، وبعد سنوات عانى من عجز البصر الجزئي، لم ييأس ولم يتوار عن الأنظار، وبدأ يرسم عالمه بيده، خاصة أنه كان ابني موهوباً بالرسم ومولعاً به، فهو لسانه الناطق".

ويتابع الفتى أنه نمى موهبته من خلال دراسته في مدرسة الصم التابعة لجمعية أطفالنا للصم بمدينة غزة، واستطاع أن يشارك بلوحاته الفنية في الكثير من المعارض المحلية والدولية، مشيراً إلى أنها لم تنل فقط إعجاب من يبصروها، بل أيضاً استحقت الجوائز، حيث حصل على المرتبة الثالثة ضمن جائزة فلسطين الدولية للإبداع والتميز عن فئة ذوي الاحتياجات الخاصة قبل أعوام.
وتحدث المقيد عن أهمية الرسم في حياته قائلاً بالإشارات:"أنه وطنه وملاذه، ويتعدى كونه نشاط ترفيهي إلى أداة لإيصال رسالة سامية".
ويؤكد أنه من خلال الرسم يعبر عما يدور على الساحة الفلسطينية، اجتماعياً وإنسانياً وسياسياً، فينسج لوحات القدس من تفاصيل واقعها الأليم، من دموع المصلين، وأمل المرابطين في حفظها، ولوحات أخرى ينسجها من أحلام وردية يتمنى أن تحقق واقعاً، لا تبتعد كثيراً عن الحرية والوحدة والحياة الآمنة، ولوحات ثالثة من حكايا الأجداد تعكس التاريخ والتراث والعادات والتقاليد الفلسطينية، تعيد من يبصرها إلى الوراء، وتدعوه إلى التمسك بذلك الحق الذي أوشك أن يسلب ليس عنوة وبإرادة واهنة غير مدافعة عن الحق والأرض والتراث، قائلاً بلغة الإشارة أنه استطاع نسج تفاصيل الحياة الفلسطينية بكافة مكوناتها البسيطة والمعقدة، مشيراً إلى أحد اللوحات يبرز فيها الزرع في الأرض، وقد روي بعرق الفلسطيني، وغير بعيد في لوحة أخرى يصور رحى القمح، معبراً عن بساطة الحياة وأصالتها، وفي لوحات إبداعية أخرى يعرف بالتراث الذي اغتاله الاحتلال وزيفه.

أحلام بسيطة
على مدار رحلة الإبداع والتميز في الرسم والفن التشكيلي؛ واجه محمود المقيد العديد من العقبات، لكنه كان يحولها إلى أحلام وردية، يؤكد أنه طالما حلم بمساحة واسعة في بيته المحدود المساحة والمتواضع جداً في بنائه وأثاثه؛ ليتمكن من وضع رسوماته ولوحاته فيها، لكنه لم يستطع بسبب حالة الفقر التي يعانيها والديه، ويضيف أنه حلم أيضاً بفرصة للخروج إلى إحدى المستشفيات المتخصصة في جراحة العيون؛ ليتمكن من إجراء عملية قد تساعده في تحسين بصره قليلاً، لكنه أبداً لم يحظ بها بسبب الوضع المادي أيضاً بحسب تعبيره، لكنه أبداً لم يفقد الأمل.
على الرغم من أن أحلام الفتى مرتفعة في قيمتها المادية؛ إلا أنها بسيطة لا تتعدى كونها حقوق إنسانية كفلتها المواثيق والأعراف الدولية، فقد منحه بعضها برنامج "أحلام بسيطة" الذي يذاع على فضائية الأقصى، فقد تكمن من مساعدته لافتتاح معرضه الأول بعد أن عانى من نقص المواد والمعدات التي يحتاجها لترى لوحاته النور.
يقول الفتى ولغته الإشارة :"أنه استطاع أن يفتتح معرضه الفني الأول عبر قناة القدس الفضائية، وبدعم من جمعية الشيخ عيد القطرية" وأضاف أن الكثيرين قدموا له الدعم المادي والمعنوي، فقد أهداه مدير دائرة الإبداع بوزارة الثقافة يسري الغول حقيبة تضج بأنواع مختلفة من أدوات الرسم، بالإضافة إلى عقد عمل مؤقت على نظام "البطالة" لمدة شهرين على سبيل الدعم المعنوي والتشجيع.