السلام عليكم ورحمة الله
الغزو الفكري للعالم الإسلامي
الغزو الفكري لفظ مستعار من مجال السياسة والعلوم العسكرية بمعنى أنه مشبع بشكل من أشكال الهيمنة وهذا يعني وجود ثقافتين إحداهما قوية وسائدة ومسيطرة تواجه الأخرى الأضعف منها وتحاول أن تهيمن عليها كي تنشر ثقافتها كما أن نشوءه مرتبط بتغير علاقات القوى في العالم
سبق الغزو الفكري للعالم العربي والإسلامي الغزو العسكري والذي تكبدت فيه الدول الغازية الكثير من الخسائر لعدم قدرتها على السيطرة الكلية على الشعوب وإن كانت سيطرت على الأرض لكنها عجزت عن السيطرة على العقول والقلوب وضرب المسلمين أروع الأمثلة في البطولة وتحدي الغزو العسكري حتى إستطاعت الدول أن تنال إستقلالها
وهذا ما إستيقنه الملك لويس التاسع ملك فرسنا وجاء في وصيته حيث قال : إنه لا سبيل إلى السيطرة على المسلمين عن طريق الحرب أو القوة ذلك لأن في دينهم عاملاً حاسماً هو عامل المواجهة والمقاومة وبذل النفس وهدم الرخيص في سبيل حماية العرض والأرض
وأنه مع وجود هذا المعنى عند المسلمين فمن المستحيل السيطرة عليهم لأنهم قادرون دوماً انطلاقاً من عقيدتهم على المقاومة ودحر الغزو الذي يقتحم بلادهم
وأنه لابد من إيجاد سبيل آخر من شأنه أن يزيف هذا المفهوم عند المسلمين حتى يصبح مفهوماً أدبياً أو وجدانياً وإيجاد ما يبرره على نحو من الاتجاهين ما يسقط خطورته واندفاعه وأن ذلك لا يتم إلا بتركيز واسع على الفكر الإسلامي وتحويله عن منطلقاته وأهدافه حتى يستسلم المسلمون أمام بقاء القوة الغربية وتروض أنفسهم على تقبلها على نحو من اتجاه الأهواء والصداقة والتعاون
إقتنع الغرب بأن المواجهة العسكرية المباشرة في العالم العربي غير مجدية والمجدي هو أسلوب التفكيك ومن ثم الضرب لهذا بدأغزو المجتمع فكرياً وثقافياً مبتدئاً بالأسرة وهي اللبنة الأساسية في المجتمع وللأسف إتضح بأننا ليس لدينا ممانعة ذاتية أو ممانعة للاستعمارن وكون الأفق الحضاري العربي الاسلامي قد انكمش كثيراً وأصبحت المرجعية هي المرجعية الغربية وبالذات فرنسا وانكلترا كما هو الحال في الكثير من البلاد العربية وخاصة مصر وبلاد الشام والذي يسود بها القانون الفرنسي بعد إستقلالها
أما اليوم فنرى الولايات المتحدة الأمريكة تحذو حذو من سبقها وتحاول أن تطبق نظرية لويس التاسع عشر ملك فرنسا
لذا يتوجب علينا أن لا نتكلم عن هيمنة ثقافية دون ربطها بالهدف السياسي
فالغزو الفكري يمتاز عن العسكري بالشمول والامتداد فهو حرب دائمة وذاتية لا يحصرها ميدان بل إنها تمتد إلى جميع شؤون الحياة وهو يسبق الغزو العسكري ويواكبه ويستمر بعده
وإن اردنا تعريف الغزو الفكري فهو :
لغة : مركب من كلمتين هما : غزو وفكري
فأصل الغزو كما يقول صاحب معجم مقاييس اللغة : الطلب والقصد أو اللِّقاح / ج 4/ ص 423
وأما الفكر : تردد القلب في الشيء للاعتبار يقال تفكر إذا ردد قلبه معتبِراً ورجل فِكِيْر كثير الفكر / ج 4/ ص 446 .
الغزو الفكري اصطلاحاً : استعمال الوسائل غير العسكرية التي اتخذها النصارى وغيرهم من أعداء الله لإزالة مظاهر الحياة الإسلامية وصرف المسلمين عن التمسك بالإسلام عقيدةً وسلوكا
فالغزو الفكري قد دخل إلى جميع المقومات الأساسية للإسلام من العقيدة والاقتصاد ونظام الحكم ونظام التعليم و وسائل الإعلام.......إلخ
أهداف الغزو الفكري :
فالغزو الفكري كما هو واضح من تعريفه ، يهدف إلى :
إزالة مظاهر الحياة الإسلامية من حياة المسلمين
إقامة سلوكيات النصارى مكانها . قال تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم )
إذا لم يتقبل المسلمون التنصير فلا مانع من إخراجهم من الإسلام وإبقائهم بغير دين
بنى غزاة الفكر مناهجهم وطرقهم لتحقيق هذه الغاية على أسس أهمها :
1 - بث الشبهات حول مصادر الإسلام من القرآن والسنة والإجماع والقياس والاجتهاد والاستحسان والمصالح المرسلة .
2 - إيجاد روح التخاذل والذل النفسي كنتيجة لتلك الشبهات بين المسلمين وإيحائهم أن تراث الإسلام غير قادر على مسايرة الحضارة والتثقيف الحديث وأن تخلف المسلمين لم يأت إلا كنتيجة لتمسكهم بمبادئ لا تنسجم مع متطلبات العصر
3- تقديم دراسات مشوهة عن الحياة الإسلامية العملية تُنَفر النفس البشرية من الإسلام مع تقديم البديل الغربي في أبهى حُلَّة وأجمل صورة وقادة هذا الميدان هم المستشرقون ودراساتهم الإستشراقية
4 - ترجمة الدراسات الإستشراقية إلى أغلب اللغات التي تتكلم بها الشعوب المسلمة من العربية والأردية والإندونيسية والسوا حلية وغيريها
5 – بما أن العالم الإسلامي مغلوب في ميادين المعرفة والاختراع الماديين فيقوم بإرسال أفضل أدمغته إلى الغرب لاكتساب التقنية فيقوم الغرب بغسيل أدمغة هؤلاء من الإسلام في الأعم الأغلب كما حدث مع رفاعة الطهطاوي فلا يعودون إلى بلدانهم إلا متشبعين بالثقافة الغربية تمجيداً واستحساناً ينظرون إلى حضارة الإسلام ومبادئها بمنظار النقد والهدم ويزداد الأمر سوءاً حين تُوكَلُ إلى هؤلاء المناصب القيادية من التخطيط ووضع الأسس للرقي والتقدم.
ومدرسة الإمام محمد عبده في مصر ومدرسة سر سيد أحمد خان في شبه القارة الهندية خير تمثيل لهذا الواقع المؤلم
6- استعمار العالم الإسلامي بقوة السلاح وفرض عقيدة التنصير على الشعوب المسلمة تحت وطأة الحاجة ولقمة العيش
7 – فرض قيادات على الدول الإسلامية تخرجت على مناهج معينة في مدارس معين مهمتها تخريج القيادات الموالية للغرب
نخلص إلى الأتي:
أن الهدف تحويل وتزييف العقيدة الإسلامية التي تحمل فكرة الجهاد وتحويل الحملات العسكرية الصليبية إلى حملات سلمية فكرية
وهناك عنصر مهم جدا ساعد في إنتشار وقوة الغزو الفكري ألا وهو الإستشراق الذي خدم الحملات الصليبية الفكرية وساهم في إنجاحها
يقول المستشرق الأمريكي روبرت بين: في مقدمة كتابه السيف المقدس The Sacred Sword:
إنا لدينا أسباباً قوية لدراسة العرب والتعرف على طريقتهم,فقد غزو الدنيا كلها من قبل وقد يفعلونها مرة أخرى فإن النار التي أشعلها محمد( عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم )ما تزال تشتعل بقوة وهناك ألف سبب للاعتقاد بأنها شعلة غير قابلة للانطفاء
ويقول المستشرق النمساوي المعاصر فون جرو نيباوم في كتاب له يسمى الإسلام الحديث Modern Islam:
إن الحاجز الذي يحجز المسلم عن التغريب هو استعلاؤه بإيمانه وأنه لا بد من تحطيم ذلك الحاجز لكي تتم عملية التغريب
لذلك أرى اننا بحاجة ماسة إلى درع واقي ضد هذا الغزو الذي يستهدف العقول والقلوب وأن يكون درعا قويا قادرا على التحدي والوقوف بقوة ضد هجمة التغريب التى يقودها الصليب على بلاد المسلمين وتستهدف عقيدته وإيمانه بالله الواحد الأحد القهار ويسعى إلى تحطيم كل مايعزز هذه القوة التى يتمتع بها المسلمون وليس هناك أقوى من التحصن بالإيمان والتمسك بكتاب الله سبحان وتعالى وسنة نبيه الكريم حيث قال جل في علاه : {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة256
وقال صلى الله عليه وسلم : ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي : كتاب الله وسنتي ))
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم : (( تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا هالك ))
أتمنى ان أكون قدمت مايستحق القراءة
تحياتي وتقديري للجميع
أخوكم
أعذب ميسان
