(عيادة رقم 14)

الـــــبداية

سمعت صوت طرقِ على الباب – طق طق طق – فتنحنحت قائلاً : تفضل .. دخل علي سكرتيري قائلا : أحم.. أهلين دكتور مستر أي , ( سبانة ) موجود برى وينتظرك طال عمرك .. هززت برأسي كناية عن الدراية و قلت له : أوكي بعد خمس دقايق خله يدخل علي .. بعد أن خرج السكرتير دفعت بقدمي الطاولة فبدأ الكرسي الدوار بالدوران .

أنا ( مستر أي ) دكتور نفسي عرف عنه النجاح والشهرة بين الناس في هذا المجال , لدي عيادة تدعى ( عيادة رقم 14 ) في منطقة راقية ودخلي السنوي يعتبر مرتفعاً جداً مقارنةً بغيري .. ألّفت العديد من الكتب الناجحة كـ ( شرح الذهول .. لأهل العقول ) وأيضاً ( أهل الحاجة .. أولى بالدجاجة !! ) بالإضافة إلى كتاب الرياضيات حق ثاني متوسط <<– جاز له النصب

فور توقف الكرسي عن الدوران رن هاتفي الخلوي , ألقيت نظرة فإذا بزوجتي تتصل بي .. تأففتً : يوووه منيب ناقص هوشه ومشاكل على ذا الصبحية .. ضغطت على الزر الأحمر ( مشغول ) ووضعت الهاتف على الطاولة وما هي إلا لحظات حتى رن مرة أخرى معلناً عن وصول رسالة نصية .. فتحتها لأجد رسالة من زوجتي :

وأنت جاي تجيب معك حليب وخبز.. وتمر على دربك محل الساعات وتجيب ساعتي وبالمرة جب التلفزيون من المصلح بعد , ودامك رايح من هناك جب اللعبة حقت العيال تراها خلصت من التصليح .. وعلى فكرة ترى أختي هي وزوجها توهم جايين من باريس ولازم تشتري لهم هدية .. وأعمل حسابك ترى هالصيفية راح نصيف في باريس , وش زود أختي عني !

وضعت الهاتف على الطاولة مرةً أخرى وأنا أقول في نفسي : وجع وش ذا البيت اللي كأن جايه قصف و كل شي فيه خربان , الظاهر لو أرجع أأثثه من جديد أسرع وأرخص .. لم تمض إلا لحظات وإذا بالهاتف الخلوي يرن مجدداً مشيراً بوصول رسالة .. فتحتها لأجد زوجتي قد أرسلت مرة أخرى :

على فكرة تراني عارفة أن ما عندك مراجعين وأنك معطيني مشغول تو عشان تصرفني ! .. اتصلت على السكرتير وقال لي !

وضعت الجهاز على الطاولة وفتحت الباب كي ألقي نظرةً خارج المكتب فوجدت سكرتيري قد أمسك بسماعة الهاتف ويلوح لي وقد بانت على وجهه علامة الندم لرده على زوجتي ولعمله لدي من الأساس .. لوحت له معزياً وأنا أقول في نفسي ( الله يكون في عونك , بتجلس تسألك عني للظهر ) .. وجدت ( سبانة ) ينتظرني وقد بانت عليه علامة الارتباك , ناديته ودخلنا إلى المكتب .

بعد أن دخلنا خاطبني : كيفك دكتور أن شاء الله بخير ؟؟ عرفتني صح ؟! .. تبسمت في وجهه وأنا أجاوبه : أيه أكيد عرفتك , شلون ما تبيني أعرفك وأنت الزبون الوحيد اللي يدفع لي كاش .. قلتها له وانا قد مددت يدي ملمحاً له بالدفع .. استغرق ( سبانة ) دقيقةً حتى يفهم قصدي فاقترب مني ودفع لي مبلغ الجلسة , زادت ابتسامتي فاستطردت : تفضل اجلس يا ( سبانة ) وقل لي وش موضوعك ؟ صار لي فترة ما شفتك !! .. ازداد اضطرابه وتلعثم قليلاً ثم قال : هاه ؟ وليه حسيت أن عندي موضوع ؟ ليه ما قلت إني مبطي عنك وجاي أشوفك وأسلم عليك مثلاً

أدخلت رسوم الجلسة في جيبي وأنا اقول له : إذا كذا فـ أجل قل آمين , الله يكثر من أمثالك .. المهم بس قل لي وش مشكلتك أو تدري خلني أبدأ بالسؤال الافتراضي عند دكاترة علم النفس , تكلم عن طفولتك ؟ .. تنهد قائلاً : مدري من وين أبدأ يا دكتور , لكن خلني أبين لك في البداية أني أنا وبكل صراحة مو راضي عن تخصصي اللي تخرجت منه .. أذكر لما كنت في سنوات المرحلة المتوسطة رسبت في كل المواد لأني وبكل بساطة كنت بليد وغير مهتم بالدراسة , إللي صار أني في الفصل الثاني شديت على حيلي واجتهدت وذاكرت ونجحت في كل المواد .. ما أخفيك يا دكتور إني بعدها فرحت جداً وصار عندي طموح وصار .. قاطعته قبل أن يكمل حديثة : لدرجة أنك قررت تدخل طب ؟!

بدأت في الضحك بعد مقاطعتي له , أحرجت فتنحنحت قائلاً : أحم أحم أسلم يا ( صالح ) .. نظر إلي بتعجب ثم أردف : اسمي ( سبانة ) لكن ما علينا , المهم بعد ما خلصت المتوسط ومر أول يوم لي في المرحلة الثانوية تراجعت عن قراري إللي اتخذته بشأن الطب وقررت أتخصص في الرياضيات .. حبيت المادة جداً وكانت عندي قدرة على الحسابات بسرعة كبيرة , درجاتي في المادة كانت عالية جداً .. قاطعته لا إرادياً : لدرجة أنك كنت شوي وتقوم تشرح بدال الأستاذ من شدة فهمك !! تلعثمت ثم استطردت : سوري على المقاطعة , أسلم يا ( محمد ) .. أكمل وهو متعجب : قلت لك اسمي ( سبانة ) , عموماً الحاصل أني بعد ما تخرجت من الثانوي ما قدرت أدخل تخصص رياضيات لأن التخصصات عندنا مربوطة بالمعدل العام للمرحلة ولا يهمهم درجاتك في المواد .. يعني عشاني ما كنت أقدر أحفظ الأدب ومشتقاته من المواد الأدبية أنحرمت من التخصص إللي حبيته وكنت مبدع فيه !!

أبي أعرف بس يا دكتور .. ليه ما يحطون موظف مختص أو يكلفون المرشد الطلابي أنه يرفع كشوفات الطلاب نهاية كل سنة لبعض الجامعات وعلى ضوئها يختارون للطلاب التخصصات اللي هم متميزيين فيها ؟! .. مهوب معقول أني أحرم طالب نابغة في العلوم أو الرياضيات والحساب أنه يتخصص فيها ويبدع عشان باقي المواد وأحكم عليه بحكم شبيه بالإعدام وقتها وهو إني أدخله قسم تاريخ أو إعلام أو غيره !!

ليه ما تكون الثانوية عندنا شبيهة بالمرحلة الجامعية .. يعني تكون مزيج بين الاثنين بحيث أن الطالب يتعود ويتأقلم على جوها وعلى الاعتماد على نفسه في مثل هالأمور .. مهوب مثل ما هو صاير الحين , الطالب الين يتخرج من الثانوي وهو يعامل كـ طفل وكل شيء بالغصب من ناحية دوام وحضور .. وبعدها وخلال فترة قصيرة ينقال له أنت خلاص صرت رجال رح للجامعة واختر التخصص اللي تبي وترى الدوام على كيفك متى ما تبي تطلع بين المحاضرات عادي و ما إلى ذلك من الحرية .. طبيعي لما شخص مكبوت يدخل في مرحلة مفتوحة زي الجامعة أنه يضيع في بداية الامر .

وعشان كذا نلاحظ كثير تكون معدلاتهم منخفضة أو يتركون الجامعة خلال السنة الأولى أو تضيع عليهم كذا سنة وهم بس شغلتهم التحويل بين الكليات .. بمجرد ما شخص يمدح له دكتور في كلية تلقاه يشيل عفشه ويحول لها سواء كان تخصصها زين أو لا ؟ مكتفي سوق العمل منه أو لا ؟ صح وإلا لا يا دكتور؟! صح وإلا لا ؟؟!! .. شهق ( سبانة ) وبدأت تنتابه حالة هستيرية , فتحت الثلاجة الصغيرة الموجودة بقرب مكتبي وأخذت منها ( قارورة ماء ) ومددتها له بسرعة .

شرب منها ( سبانة ) اأسترد انفاسه واسترخى .. اقتربت منه وقلت له : صحة صحة .. استرح واترك جسمك يسترخي , على فكرة ترى علبة المويه عندنا بخمسة ريال .. بعد أن أكمل ( سبانة ) شربه للماء استطردت سأئلاً : تراني للحين ما عرفت وش مشكلتك وليه جاي بالضبط ؟ .. أخذ ( سبانة ) نفساً عميقاً ثم أجابني : ليه لا يكون مستعجل بس ؟

أجبته على الفور : لا ما عندي شي وش دعوة .. عموماً وعلى طاري الدراسة خلني أقول لك قصة شبيهة وهي قصتي يوم كنت أطبق في مدرسة في أخر ترم لي في الجامعة .. أذكر للحين أول يوم لي عندهم , قمت الصبح وكلي نشاط وحيوية وحماس , طلعت من البيت وشغلت السيارة ولكنها للأسف ما اشتغلت فاضطريت أخذ تاكسي .. وصلت للمدرسة ولقيت واحد من المدرسين ينتظرني عشان يعطيني جدولي ويعطيني نبذة شوي عن المدرسة والطلاب .. أذكر قال لي : أهم شيء التحضير الذهني للدرس و" الكنترول " على الفصل عشان تقدر تسيطر عليه بسهولة ودرسك يمشي بدون مشاكل وطبعاً لازم تكون شديد وتخوفهم بشخصيتك

طبعاً بحكم أن وجهي مثل ما أنت شايف ما يدل إلا على السكون والطمأنينة .. واللي على فكرة صار لي فترة أطالب أنهم يحطونه في " راية السلام ":مزون: بدال هالعلّم الأبيض بس ما حولك أحد .. عموماً اضطريت أني أوقف عند الباب شوي قبل ما أدخل على أول فصل عشان أتصنع العصبية واعفط وجهي وأحسسهم بالخوف , ما أمداني أدخل إلا واحد من الطلاب يهمس : يووه يا شين السرج على البقر , وش هالمهرج اللي دخل علينا يا عيال ؟! .. تجاهلت كلامه وكتبت عنوان الدرس على السبورة وبعدها التفت عليهم وصرخت بصوت عالي ( جبتوا الكنترول معكم وإلا لا ؟! ) شفتهم جالسين يتلفتون على بعض وما فهموا شيء فقلت ( ما شاء الله عليكم , وتبون تنجحون بعد !! بكرة ما أحد يجي إلا وهو جايبه معه , ومحلول بالقلم الأزرق بعد ! ) .. فتحت الكتاب وجلست أشرح لهم وصرت كل ما نزلت رأسي عشان أقرأ فقرة من الكتاب أسمع صوت واحد يصفر

رفعت رأسي وأنا معصب وجلست أمشي بين الصفوف وأنا أقول ( الظريف اللي أهله لاعبين عليه وقايلين له أنه ينفع يشتغل ببغاء , يقوم بسرعة ) وصلت لأخر الفصل وشفت طالب قصير متوزي وجالس يضحك .. وقفت جمبه وقلت له ( أنت معنا هنا في الفصل صدق ؟! صراحة شكلك مزور الشهادة !! يلا اطلع برى الفصل ولا تتكلم مع أحد وانتظرني الين أجيك , وبكرة تكون جايب معك الكنترول ترى أول واحد بشيك على دفتره أنت !! .. وبالمرة إذا طلعت برى تمسك بأي شيء عشان ما يطيرك الهواء )

رجعت لمقدمة الفصل وكملت الشرح وطبعاً تخلل الدرس كذا سؤال محرج من الطلاب ولكني قدرت أسيطر على الدرس عن طريق إتباع القاعدة المشهورة " اي طالب يسألك سؤال في الدرس ولا تعرف جوابه !! على طول خله واجب في البيت " .. بعد ما خلصت الشرح شفت طالب ما فتح الكتاب ومنزل راسه جالس يكتب .. قربت منه ولقيته قاعد يكتب اسمه حرف حرف .. قلت له ( جالس تنقش اسمك على الكتاب أنت ؟! .. يلا أفتح كتابك بسرعة .. من زينك بعد ما جبت الكنترول وما تبي تنتبه للدرس !! )

قاطعني ( سبانة ) : طبعاً أنت الحين ضايق صدرك وحاس بالذنب وتأنيب الضمير عشانك هاوشت الطلاب وتركت أحدهم يوقف برى الفصل ؟! عشان كذا فتحت طاري هالموضوع يا دكتور مستر صح ؟! .. نظرت إليه باستغراب ثم قلت : أي طالب ؟!:مزون:
وأي ضمير وتأنيب اللي تتكلم عنه ؟! اهااا إيه صح هذاك الطالب , تصدق أني نسيته وما رحت له .. ظنك للحين ينتظرني ؟ عموماً احسن يستاهل الكسلان , من قال له ما يجيب الكنترول !! على فكرة يا ( عبد المحسن ) ترى بدت ساعة جديدة للجلسة .. اتكأت على كرسيي وتمدت بعد أن أمسكت بالجريدة لأستطرد ببرود : أسلم يا ( خالد )

بدأ ( سبانة ) في دعك وجهه باضطراب وقال : أممم مدري وش أقول لك يا دكتور ؟ ما عمرك سألت نفسك ليه الناس تحب التدخين ؟! ليه الدخان مسموح به في السعودية أساساً ؟! ما أشوف فيه أي ميزة أو شيء مميز حتى !! شيء غير ملموس أو محسوس , يقولون إنه يزيل التوتر ولكن اللي أشوفه العكس ! وبعدين أبي أفهم بس ليه يكون مسموح به إذا كانت الوزارة بتحط حملات مكلفة وعيادات ودورات عشان الناس تتركه ؟! طيب ليه نسمح به من الأساس ؟! وبعدين ليه ما يكون فيه منع منعاً باتاً التدخين في الأماكن العامة ؟! لما تدخل مطعم تلقى اللي جنبك يدخنون ويسدون نفسك عن الأكل وعن الكلام زيادة على أنهم بيعطرونك بريحة التتن

اللي قاهرني يا دكتور أن أغلب المدخنين مستحيل يأكلون أي وجبة حتى لو يموتون جوع لو كان جمبهم واحد يدخن .. واللي قاهرني أكثر أن كلهم لما يخلصون أكل يدخنون على طول وما يهمهم سواء جمبهم أحد أو لا !! ملاحظ يا دكتور هالشي وإلا أنا اللي … لم يكد يكمل جملته إلا وقد قاطعته سائلاً : بالله فكر معي , مدينة في جنوب السعودية وتتكون من خمس حروف ؟! .. أجابني : قاعد تلعب يا دكتور ؟! .. رديت عليه مصرفاً : هاه ؟! لا من قال لك ؟! وبعدين أي كلمات متقاطعة اللي تتكلم عنها ؟! أنا جالس أحلل شخصيتك وأدرسها ضمن خطط ودراسات علمية مدروسة ! وعلى فكرة , تراك ما قلت لي للحين وش هي المدينة من خمس حروف:مزون:

وضعت الجريدة على الطاولة واستطردت : بما أنك فتحت طاري القهر , تدري وش أكثر شي يقهرني أنا ؟! قمة القهر عندي لما أكون تعبان وتوني مرجع أهلي من مشوار طويل عريض في السوق ويقولون لي ( يووه طلع المقاس غلط , رح رجعه ! ) .. وعلى النقيض قمة الفرح عندي هي لما يقولون لي هالكلام وقت تسكيرة السوق عشان اقول لهم : صراحةً بودي بس السوق سكر الحين , لذا خلوها بعدين بس

استرخى ( سبانة ) مجدداً غير مبالي بي ثم تنهد : تصدق يا دكتور , مرة رحت لموظف حكومي أبيه يوقع لي ورقة لما دخلت عليه في المكتب لقيته جالس يقرأ جريدة وفيه شايب ومعه ولده جالسين ينتظرونه , مديت له ورقتي , أخذها وحطها على الطاولة ورجع يقرأ الجريدة .. قلت له : لو سمحت خلص المراجعين اللي عندك .. عطاني نظرة غريبة ثم قال : اصبر شوي .. ورجع يتصفح الجريدة ولا كأننا موجودين .. قلت له : لو سمحت الجريدة مهيب طايرة ولا حطوك هنا عشان تقراها , خلصنا أول بعدين اقرأ اللي تبي ! .. نزل الجريدة شوي وعطاني نظرة غريبة مرة ثانية وقال : تعلمني شغلني أنت ؟! خلاص أجل ورقتك تجي تستلمها بعد الظهر !!

ما أخفيك يا دكتور أني انقهرت من تصرفه الأحمق وتجاهله للشايب اللي جالس ينتظره وكله عشان جريدة !! فـ أخذت ورقتي منه وقلت له : أيه أعلمك شغلك اللي ما تعرفه للحين , عموماً أنا بطلع لمكتب المدير ونشوف من اللي يعلم الثاني شغله !! .. الله وكيلك يا دكتور ما أمداني أوصل للمصعد إلا والقاه ناقز في وجهي ويقول لي : وش فيك عصبت الله يهديك , هات ورقتك بس .. أخذ الورقة ورجعنا للمكتب ولما دخلنا كل اللي سواه هو أنه تنزل و وقع عليها وعلى ورقة الشايب اللي جالس ينتظره .. وكل هذا ما أخذ منه ثلاثين ثانية !!!
نظر إلي ( سبانة ) وهو يقول : تشوف يا دكتور وشلون وصل بنا الحال في بعض الدوائر الحكومية ؟! .. لم أجبه على سؤاله لأنني كنت منهمكاً في النظر إلى ساعتي وأنا أعد تنازلياً : 8 7 6 5 4 3 2 1 .. توقفت عن النظر إلى ساعتي ثم قلت : ترى بدت ساعة جديدة للجلسة ! .. المهم بس اسمع هالسالفة يا ( صالح ) , ذاك اليوم .. لم أكد أكمل جملتي إلا وقد قاطعني : قصدك تقول يا ( سبانة ) مهوب يا ( صالح ) !! .. نظرت إليه مستغرباً و قلت : اهاا طيب اللي هو .. المهم يا ( صالح ) , ذاك اليوم أخذت لابتوب ولد أختي الصغير الخربان للمحل عشان يصلحه .. الجهاز كان قديم جداً جداً لدرجة أن كمبيوتر صخر يعتبر جديد بالنسبة له !!

عطيتهم إياه وقالوا لي خذ لفه وتعال , اللي حصل هو إني بعد ما رجعت للمحل لقيت الجهاز محطوط على الطاولة فـ جلست أنتظر الموظف يجي يقول لي كم الحساب و وش زين فيه بالضبط .. فجأة دخلت علينا في المحل بنت معها لاب توب جديد مرة , الظاهر ما بعد نزل حتى في أمريكا ( ما أعرف أبالغ أبد ) .. طبعاً سبحان الله مهما كانت البنت كيوت , ومهما كانت كاش , ومهما كان اللاب توب جديد لازم يكون فيه علامة الجودة المشتركة بينهم واللي هي " لزقة الجروح " المحطوطه على الكام !

حطت لابتوبها على الطاولة وبدت تقول لـ راعي المحل وش مشكلته , أول ما خلص منها التفت علي ودف اللابتوب الخايس حق ولد أختي لمي وهو يقول : ترى جهازك خلص خلاص ! .. رجعت دفيت الجهاز لمه وأنا أقول: أي جهاز الله يعافيك ؟! أنا جاي هنا أشتري سيديات اصلاً ! .. دف الجهاز لمي وهو يقول : السيديات عندنا بخمسين ومع الخمسين حقت تصليح اللابتوب حقك يصير حسابك مية ريال .. رجعت دفيت الجهاز لمه وأنا أقول : قصدك تقول يصير حسابك خمسين , لأني متأكد أني ما حطيت عندك لابتوب ولد أختي عشان تصلحه ! <<– وشو نكبته

أستمرينا في الشجار إلى أن زعقت الفتاة علينا وقالت : خلاص وقفوا حسيت أنكم جالسين تقشرون الطاولة من كثر ما تدفون اللابتوب على بعض !! .. نظرت إليها باستحياء ثم دفعت الجهاز بسرعة بيدي وقلت : صدقيني مهوب لي ! .. سكت قليلاً فسألني ( سبانة ) : طيب وبعدين وش صار ؟! .. أجبته بابتسامة : أبد طلعت البنت وبعدها جلست أتهاوش مع راعي المحل .. أنا أقول له عطني اللاب توب وهو يقول توك تقول ما عندنا لك شيء !!

سألني ( سبانة ) : يعني يا ( دكتور مستر أي ) أنت قصدك من القصة ذي إني ما أهتم للناس وما أقهر نفسي من تصرفاتهم ؟! .. جاوبته : لا لا , إي ناس وأي تصرفات الله يهديك .. أنا قلت لك كذا عشان أولاً ما تصلح جهاز ولد أختك مهما كان , ولو غلب على أمرك ورحت عشان تصلحه تأكد أنه ما يكون في المحل بنات !! .. وثانياً عشان أسألك , تتوقع بترجع البنت تأخذ جهازها وإلا بترسل أخوها ؟! <<– كل يوم يحتريها في المحل
تجاهلني ( سبانة ) وأستمر في الحديث : قبل فترة يا دكتور سمعت أنهم راح يجربون يدمجون الطلاب والطالبات في الصفوف الدنيا ( اختلاط يعني والعياذ بالله ) ! المشكلة يا دكتور أن الجيل الجديد تلكع وما عاد هو بريء زينا منول .. أيام ما كنا نوصل للمتوسط وحنا على بالنا أن العيال ينبتون في التراب !! .. تعبت يا دكتور وأنا أفكر وش بيصير مصير عيالنا , خايف مرة عليهم صراحة .. يعني الحين عيالنا خلقة يرجعون مكفخين من المدرسة كل يوم بدون بنات فما بالك إذا صار فيه اختلاط وتميلح , صدقني بتنقلب المدرسة حلبة مصارعة .

نظرت إليه بتعجب ثم قلت : يا رجال ربعنا ما ينعرف لهم , إذا تفتح جامعة من أفضل الجامعات البحثية واللي تضم طاقم طلابي نادر جداً .. تذكر الطلاب اللي معنا في الفصول منول ؟! اللي يصيرون دوافير مرة وجالسين قدام ولابسين نظارات وكل همهم الدارسة ؟! تخيل جامعة كلها كذا .. ومع ذلك يقولون لك : اختلاط ومدري أيش .. ولما تدمج طلاب مع بعض يقولون لك هذولي مجرد أطفال , مع العلم أن الطفل في مرحلة تعود وتعليم ومن شب على شيء شاب عليه !

أذكر كانت فيه حرمة تقص قصتها مع عيالها الاثنين على أختي .. هي عندها ولد وبنت وأظن أعمارهم على سبع وثمان سنين تقريباً .. اللي حاصل أنهم سألوها مره : ماما وشلون جبتينا ؟! .. الأم توهقت في الإجابة فـ قالت لهم من باب التصريف : جلست أدعي ربي ( يارب يجيني ولد وبنت حلوين وشاطرين ) زيكم بالضبط , والحمد الله رزقني ربي بكم ! .. بدأ الولد والبنت ينظرون لبعضهم وبعدين قالوا : مسكينه ما تعرف !! .. ظنك نعلمها شلون ؟!

عموماً ما علينا , خلني أقول لك وش ذكرتني فيه يوم جبت لي طاري الخوف تو !! مرة من المرات كنت ناوي أرسل كتب لواحد من زملائي في أحد مناطق المملكة .. مريت مكتب البريد السعودي عشان أسأل عن الأسعار وعن طريقة الإرسال , فقال لي الموظف : البريد السعودي تطور وما عاد هو مثل قبل وبعدين أنت بترسله في الممتاز يعني بمجرد ما تطلع من عندنا يمكن يوصل للمكان اللي أنت بترسله له !! لا يهمك شركات النقل الأجنبية وغيرها , الجودة وسرعة النقل هي نفسها بالضبط , صدقني هم مجرد خساير فلوس

وبس !! .. فـ الحاصل إني اقتنعت بكلامه وأرسلت الكتب عن طريقهم .
سألني ( سبانة ) مستفهماً : طيب وبعدين وش صار معك ؟! .. أجبته بسخرية : أبد بس ضاعت الكتب وجلسنا أربع أسابيع عشان نقدر نحدد هي في أي فرع في السعودية !! عموماً زين على الأقل لقوها وما ضاعت وإلا وصلت للبرزيل بالغلط .. عاد كأني أشوف الكتب واصلة لـ ( رونالدينو ) وهو ضامها وفرحان ويقول : وأخيراً حصلت على كتاب !

دخل علينا ( كومار ) بأكواب الشاي , قمت من مكاني وجلست بقرب ( سبانة ) ووضعت قدمي على الطاولة الصغيرة الموجودة أمام الكرسي .. قدم ( كومار ) لنا الشاي وما إن خرج إلا و ( سبانة ) يقول لي ساخراً : تصدق من يوم جلست هنا وأنا ودي أمدد رجولي وأحطها فوق الطاولة , بس خفت تقول لي أن فيه رسوم على هالحركة !! .. ضحكت وقلت له وأنا أحتسي الشاي : هههههه لا وش دعوة ؟ مدد رجولك زي ما تبي .. وما إن وضعها وتمدد إلا وقد استطردت : بس على فكرة ترى نسيت أقول لك أن الشاهي بعشرة ريال .. المهم يا ( سعد ) كمل كلامك .

رد علي متأففاً : كم مرة قلت لك أن اسمي ( سبانة ) .. سكت للحظة ثم استطرد : وأنا جالس أنتظر برى مكتبك , قبل ما أدخل عليك شفت لك إعلان عن الاشتراك في خدمة الرسائل على الجوال , ما شاء الله متى فتحت الخدمة ؟! .. أجبته وأنا أحك ذقني : اممم والله ما أذكر بالضبط , بس خبرك الناس كلها صارت تحط وهالخدمة انتشرت انتشار قوي لدرجة أن حقين الورش شوي ويحطونها عشان يرسلون للزباين إذا خلصت سيارتهم !

تنهد ( سبانة ) : مرة من المرات اشتركت في إحدى الخدمات ولما جيت ألغيها ما قدرت , مريت أحد فروع مزودي الخدمة وقالوا لي أن مالهم صلاحيات إلغاء ولازم اتصل على خدمة العملاء .. اتصلت على خدمة العملاء وقالوا أنهم ما عندهم صلاحيات , دورت على رقم إلغاء الاشتراك من الخدمة في الإنترنت وفي الجرايد وفي مناهج الطلاب حتى وما لقيته .. أخر شيء كسرت الشريحة لا أبوهم لا أبو جوالهم !! .. سألته مستفهماً : وطيب وش سويت بعدها يا ( مهند ) ؟! .. تنهد مرة أخرى ثم جاوبني : أبد جلست يومين بدون جوال وبعدها رحت لأقرب فرع ودفعت رسوم استخراج شريحة جديدة والخدمة ذيك للحين عندي ! وبعدين ترى والله اسمي ( سبانة ) .

وضع ( سبانة ) كوب الشاي ثم استطرد : قبل فترة قريت إيميل بخصوص إضافة حصص التربية البدنية عند البنات , الصراحة مدري وش يبي هالقرار !! البنات معروفة أجساهم ناعمه ومهيب مهيئة للرياضة .. وحتى ولو كانت ما أعتقد حصة وحدة في الأسبوع بتغير شي ! حتى أذكر قالوا أن فيه مديرة مدرسة خاصة في المنطقة الغربية كانت مطبقة التربية الرياضية في مدرستها لمدة كذا سنة وسوت دراسة وتابعت الايجابيات والسلبيات واكتشفت مدى فشلها ويقال حتى أنها أرسلت الملف كامل للوزارة ولكنه لم ينظر له حتى !!

وضعت كوبي أنا أيضاً ثم قلت : تبي أطلب لك شاهي ثاني يا ( سعود ) ؟ .. هز برأسه كناية عن الرفض , فـ استطردت : ليه ؟ ترى التعبية عندنا بخمسة بس ؟ عموماً , المشكلة مهيب في حاجة البنات للرياضة أو لا ؟ .. المشكلة يا ( حسن ) أن البنات فيهم طبع الترزز بالتصاميم والماركات .. يعني حتى لو فرضوا عليهم زي معين بلون معين , ما راح يستمر هالشي وبعدها بفترة بيصيرون يأخذونها استعراض .

نظر إلي ( سبانة ) بتعجب على ما بدر مني من كلامٍ عقلاني وقال : من يوم دخلت عندك هذا أول كلام عقلاني وجاد تقوله لي , قلت لي نفس الكلام اللي كنت بقوله .. بادلته النظرات وأنا أضحك : وش فيك صرت تناظرني كذا ومستغرب ؟! شفت الإيميل اللي وصلك ؟! نفسه وصلني بس مكتوب فيه تعليق زيادة واللي هو الكلام اللي قلته لك تو .

وقف ( سبانة ) وهو متعكر المزاج وقال بنبرة غضب : ياأخي حالنا غريب في هالدنيا , الشعب متناقض وما تعرف له أبد ! بعض الناس يدفع فلوس عشان يوصخ سيارته ويحط عليها غبار ( صورة مع التحية لأصحاب الهايلوكسات والجيوب ) بينما ثاني يدفع فلوس عشان يغسلها وينظفها ! .. ناس توقف سيارتها في الشوارع وتنسم الكفرات عشان يصير منظرها حلو ( صورة مرة ثانية لأصاحب الهايلوكسات برضو ) وبينما ثانين مبنشر عليهم كفر وهم على أحد الطرق ومعهم عوائل ومتوهقين !!

تنهد ليكمل كلامه : هيئة حقوق الإنسان متشددة ودينها ودين أن أي واحد عندنا يسرق وتنقطع يده ( واللي هو مشرع من قبل الدين ) بينما تترك العمال يشتغلون في الطرقات تحت درجات حرارة مرتفعة جداً ويتنقلون في وسائل نقل ما تنقل فيها حتى الحيوانات !! .. ناهيك عن تركهم للمدرسين والمدرسات اللي تعينوا على أحد البنود الغبية ولم تحسب لهم خدمة لعدة سنوات وزيادة على كذا برواتب متدنية جداً مع العلم أنهم جامعيين !! .. وحتى الشرطة صار شغلها الشاغل الحين تدور مراهق مسوي بشعره كدش ولابس طيحني وبينما لو بتروح تبلغ عن سرقة بيت أو سيارة بيقول لك : يا رجال احمد ربك ما صار لك أعظم !

الحين الواحد صاير يوقف عند مكينة الصراف وهو حاط يده على قلبه عشان ما تطلع له فلوس مزورة , من كثر ما صايره هالحركة تتكرر ولا حولك أي حسيب أو رقيب ! .. لو واحد راتبه ثلاث ألاف وسحبها كلها من الصراف وطلع له منها الفين ريال مزورة .. وش يسوي بالله ؟!!! .. مستحيل يقبلها أي أحد ومستحيل يبلغ لأنه بيدخل في سين وجيم و و و و … وكيف الحال بس !

تعبت يا دكتور تعبت !! .. أنا عارف ومؤمن بأن العلاج النفسي مهم ومؤمن أنه يأثر تأثير إيجابي علي وعلى غيري , بدليل أنك لما تكون مصدع وراسك يعورك بمجرد ما تمسك حبوب البندول في يدك بتقول : الحمد الله راح الألم .. مع العلم أن بعض الحبوب ما يبدأ تأثيرها إلا بعد ساعتين .. وعلى فكرة تراني عارف إنك دايم تعطيني حبوب بندول وتقول لي أنها حبوب مهدئة ومسكنات ممنوعة في الصيدليات !

أزلت علبة البندول الموجودة على مكتبي وأدخلتها في جيبي وأنا أقول : لا من قال لك !! .. تنهد ليكمل كلامه : يا خسارة يا دكتور , كنت أحسك غير الناس , كنت متأمل فيك .. أخرج من جيبه أوراقاً ورماها على الطاولة ومن ثم خرج .. أمسكت بالأوراق فإذا بها مقالات كنت قد كتبتها فور تخرجي من الجامعة .. قد حدد منها هذه المقاطع :

- - -

…. لماذا ندعى بالرجال ؟! ليس لكبر حجم شواربنا أو أجسادنا , وليس بشدة ضرب يدينا وبطشهما , بل سمينا كذالك تيمناً بأفعالنا وصفاتنا والتي للأسف قلت في هذا الزمن ! فتجد من يضرب أولاده , ومن يضرب زوجته , ومن وجهة نظري ليس هنالك أجبن ممن يفعل أحدهما – بل إن كلمة الجبن تعتبر مديحاً في هذه الحالة أيضاً – لا أعرف كيف يستطيع من يطلق على نفسه مسمى الرجل أن يضرب امرأة , فما بالكم بمن يضرب زوجته !! نصف دينه وأم أولاده ! .. المشكلة هي في أنه لا يريد أن يسرح بالمعروف ولا يريد أن يعاشر بالمعروف .. فلو ذهبت الزوجة إلى منزل أهلها تجده ينهال عليها بالمكالمات والرسائل , كـ ( ارجعي ما أقدر بدونك – انتي أم عيالي كبري عقلك وارجعي ) وكأنها هي من ظلمته وتركته !! .. وحين ترجع كي تستر نفسها وتحافظ على مستقبل أولادها .. في اليوم الأول ترى ابتسامته الزائفة .. وفي اليوم الثاني لا تكاد المسكينة أن ترى شيئاً من شدة الضرب !! …… - - -

قلبت الورقة وفتحت على الأخرى لأقرأ :

- - -
….. أنرمي أنفسنا في البحر نحن يا سكان الرياض ؟! المشكلة هي أننا حتى لو أردنا ذلك فلن نستطيع لعدم توفر البحر !! .. إذا لا قدر الله مرض أو أصيب أو .. الخ أحد سكان أقصى الشمال أو أقصى الجنوب فإن أقرب مستشفى حكومي لهم قد يبعد حوالي الثلاثين كيلومتر ناهيكم عن زحمة الطرقات والتي بدورها ستجعل مدة الطريق تتجاوز الساعة بكل سهولة ! .. وبعد هذا المشوار الطويل هل سيجد المريض سريراً يؤويه ؟! .. أترك الإجابة لكم ..!

طبعاً وللأسف الشديد أن مستشفى الجامعي هو من ضمن المستشفيات الحكومية !! ليس لأنه دائماً ما يرفض الحالات بحجة عدم توفر الأسرة وبحجة أنه قد خصص لمنسوبي الجامعة بل لأنهم قد سبق و وضعوا لوحة على بوابة المستشفى , كتب فيها بكل بجاحة ( لا نستقبل كبار السن ) .. لا أريد أن أسال أين وزارة الصحة وحقوق الإنسان ومشتقاتها من – المنشأة الاسمية – لدينا .. ولكني أريد أن أعرف شيئاً واحداً فقط .. من هم كبار السن ؟! .. نعم نعم لقد صدقت أنه أبي وأبيك !!

لقد أصبحنا ضحية للمستشفيات الخاصة التي لا ترحم والتي استغلت غفلة قطاع الصحة , فصار أغلب أبناء البلد يقفون بالطوابير وبكل أسف مقابل العلاج بينما يقف بجانبهم طابوراً أخرى مليء بالأجانب , والفرق بينهم أن أحد الطوابير سيخرج بطاقة الصراف بينما الأخر سيكتفي بإخراج بطاقة التأمين ! , ولن أحدد أيهم نحن !!!…… - - -
رفعت رأسي لأرى ( عبد الله ) لا لا ( سلطان ) يوووه لا لا , أقصد ( سبانة ) يمشي وهو يتمتم بمشاكله , مبتعداً عني ! .. نعم لقد أصبحت أنا كالعديد ممن أغواهم المال والسلطة وتناسوا حال الأخرين غير مبالين لما يحدث لهم من مشاكل وتعقيدات .. أبتعد عني وأنا أسأل نفسي , يا ترى هل سيكفي المال الذي كسبته منه كي أسافر أنا وزوجتي .. أم سأحتاج الى زبون أخر ؟!:مزون:

مما راق لي ..