وهنُ العزائم! - مقالٌ بقملي.
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم
الحمدُ للهِ الذي علّمنا ما لم نكن نعلم، وكان فضلهُ علينا كبيرًا.
والصلاةُ والسلام على أشرف خلقه، وخير رسله، فصلّوا عليه وسلموا تسليمًا.
أما بعد،
أفياءُ هِممنا ما أشدّها وما أعظمَها إن خُطّت على الورق، وزُينت بأبهى حُلل، وعُنونت بأسمى كَلِم، فصيّرت من المرءِ إنجازاتٍ عظيمة عندما يحينُ النصاب، حتى إذا ما عُدنا للعامِ القادم وجدنا ما كتبنا لم يتعدَ ورقةٍ طالما تأملناها آملين برؤيتها عيانًا!
ثم ماذا؟
تُصيبنا المعرّة، يُوجعنا مُضيّ الأجل دون عملٍ يُذكر!
ثم ماذا؟
نقسو على أنفسنا، ونُوبقها عِتابًا لا تُطيقه، فنتوجّع أكثر!
ثم ماذا؟
يعودُ العام لتتكرر ذات المواقف، وفي كل مرةٍ نوعدُ أنفسنا بالتغيير ولا يكادُ يكون الوعد إلا تهديدًا سرعان ما ينقضي أمده!
في الليلة الماضية شرعتُ بإستذكار مادة "تاريخ الأدب" وهي مادةٌ دسمة -كما هي أغلب مواد الجامعة- وكنتُ قد عزمتُ على الإنتهاء من وردٍ قد قطعته على نفسي، ثم مضى الأمر، وما إن دقت الساعة مُشيرة إلى وقتٍ متأخر إلا وأجدني لم أتعدَ ربع ما خططتُ له، زملّني الأسى من كل حدبٍ وصوب، ومكثتُ بمعرّتي، وما أشدَ سياط الضمير!
بعدها بثوانٍ معدودات فتحتُ برنامج التواصل "الواتساب" لأجد رسالة من صديقتي -وهي متخصصة في الطب- فيما معنى حديثها:
" لقد سئمتُ يا أمجاد من فرط الضغوط، لم أعد أستطيع التوفيق بين دراستي وبحوثي وما يُفترض أن أبدأ به، فضلًا عن المهام اليومية، وغيرها"!
وأعادتْ إلي ما أدّعيتُ نسيانه، وغشيني من الهمِّ ما غشيني!
ثم ختمت الرسالة بقولها:
" حفزيني، وأخبريني ماذا عليّ أن أفعل؟ "
هل يستقيمُ أن يُداوي العليل أحدًا؟
هل يبدو منطقيًا أن أُحفز وأنا أبعد ما أكون عن فعل ما أقوله؟
ولأنني لا أحبُ المثاليات، ولا من يسردها على الناس وهو أبعد ما يكون عنها، مقتُ نفسي وأنا أنظر للكلم لأستطيع الرد!
آواهُ .. لو تنفعُ المعلول آواه!
عقدتُ العزم مجددًا، وأردتُ أن أُجمع الكلم كيما أسرده إليها، فطفقتُ أُقلّب في البرامج، وأتصفّح ما يُرسلنه لي طالبات العلم للخوض في هذهِ العثرات، ففتحتُ تويتر فوجدتُ تغريدة للشيخ د. عمر المقبل -يكلؤه الله- يقولُ فيها:
" إن كنتَ ترجو المعالي دون بذل الغالي من وقتك وجهدك، فتذكر هذه:
قال إبراهيم الحربي: أجمع عقلاءُ كُلِّ أمّة على أن النعيم لا يُدرك بالنعيم! "
تاللهِ ما أشد وقعها على النفس!
ورُب تغريدة أيقظت من غفلة!
ورُب عبارة أشدُ من صفعة!
ورُب من يكتبُ ما تحتاجُه دون أن يعلم عنك!
وبعدها عزمتُ الأمر مجددًا، وكنتُ قد بدأت أتناسى أمر تفريطي، حتى دخلتُ لبرنامج "الإنستقرام" فكانت إحداهن قد وضعت جُزءٌ من مقال الشيخ المُسدد د.إبراهيم السكران لكتابه "مسلكيات" في تحفيز الأمر، وشد وثاق النفس، وأرفقته بكلماتها العذبة، التي ما إن تقرأها حتى تدرك كم فاتك من الوقت! وكم فرّطت فيه!
هذا جزءٌ من مقاله:
"معاليَ الأمور، والطموحاتُ الكبرى، في العلم والتعليم والتأليف والإصلاح والتغيير والنهضة بالأمة، لا تكشف وجهها لك، حتى تمسح العرق عن جبينك بيدٍ ترتعش من العناء"
فعلمتُ أن هذه رسائلٌ من الله، يسوقها للعبدِ؛ ليُريه عِظم تفريطه في وقته!
وما يجنيه من الخسارات بكل وقتٍ يُضيّعه في الملهيات وغيرها!
كم من مرةٍ قطعنا على أنفسنا عهدًا، ثم ما إن نلبث حتى يساورنا الوهن فنُخلفه!
كم من مرةٍ خططنا جداول وأهداف، حتى إذا ما غشيتنا الضغوطات رمينا بها عرضَ الحائط!
كم من مرةٍ سمعنا شكاوى، ووصلتنا شكاوى، في حينِ كنا نحن من يُريد الشكوى!
كم من مرةٍ أصابتنا المعرّة بتفريطنا، ثم ما إن يمضي وقتٌ حتى أصابتنا البلادة فيه!
كم؟ وكم؟ وكم؟ ... !
الأمور العِظام لا تُنال وأنت لا تزالُ من برنامج لآخر، وتنامُ أكثر من 5 ساعات، ولا تعتذر عن مكالمة هاتفية قد يطول أمدها، ولا تُفرط في جلساتٍ متتاليات مع أقرانك!
وإن النعيم لا يُدرك بالنعيم!
وقد ذكر أحدهم وصية لا تزال عالقة في ذهني، وأحسبه قد كتبها بصدقٍ فبلغت مني مبلغًا عظيمًا.
" إذا أردت أن تنال حظًا وافرًا من العلم، وبلوغ آمالك، وأهدافك، قلل من ساعات نومك " !
ولقد صدق والله!
نحن الذين فرّطنا، وحقٌ علينا أن نرى ما جنيناه بأنفسنا إليها!
وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: " وعن عمره فيما أفناه " !
سُتسأل عن عمرك فيما أمضيته؟
فأعدّ له عُدة بعلمٍ نافع، وعملٍ صالح !
والنعيمُ لا يُدرك بالنعيم!
هذا ليس في مجال العلم فقط، بل في كل ما نفعله، وتصير عليه نهج حياتنا!
فإنك لن تدرك شيئًا حتى يُصيبك فيه من التعب، والمشقة، ما لو وضعته على الجبالِ الراسيات لنسفنّها!
فقُل لمن خالط الناس بخُلقٍ حسن، وكابد سوء أخلاقهم، وتضرر منهم: إن النعيم لا يُدرك بالنعيم!
قل لمن نوى التغيير، وجاهد نفسه على ترك ذنب، ولا يزال الشيطان به: إن النعيم لا يُدرك بالنعيم!
قل لمن امتطى الجَوزاء، ليصل معالي الأمور، وتألم من طول الطريق: إن النعيم لا يُدرك بالنعيم!
قل لمن رامَ بلوغ علمٍ عالٍ، خالصًا لوجهه، يُريد به رفع الجهل عن نفسه والناس: إن النعيم لا يُدرك بالنعيم!
قل لمن خاض جميع ما يلزم لنيل منصبٍ كان يحلمُ به: إن النعيم لا يدرك بالنعيم!
فكل مطايا الآلام، وغاشيات الأوجاع، وسجلات الأحزان، تنجلي إذا ما تذكرنا أن الله يجزي العبد بقدر مشقّته، وعلى قدرِ ما يُصيبك تنال أجرك!
وقد قال الله في مُحكم كتابه: "والذين جاهدُوا فينا لنهدينهم سُبلنا وإن الله لمع المحسنين"
ثم والله إنها لمثلبة ..
أن ترى من هم دُونك -سِنًا- قد بلغوا مفارق الفراقد، وأنت لا تزال هائمًا في صبوتك!
وترى من يجاهدُ في صلاتِه لتستقيم، وأنت لا تزال تنقرها نقر الغراب!
وترى من يسهر الليالي؛ ليعكف على مسألةٍ يحفظها ويفهمها، وأنت لا تزال مُفرّطًا!
وترى من يتخفف من برامج التواصل، وأنت كلما جاءك نبأُ برنامجٍ ولجته!
وترى من يبتعد عن كثرة الإختلاط، وأنت تفتحُ لنفسك أبوابًا -للدراما- لأن أحدهم خذلك!
الزمنُ يمضي يا أُخيّ وأنت لا زلت أنت!
هذا لا يستقيمُ عقلًا ولا نقلًا -فضلًا- عن كونه شرعًا!
الوقتُ مُهمٌ جدًا، فأمتثل الوصية النبوية:
"احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز".
وما سَلف من الكلام أعلاه، لا أقصد به قطعًا أن تنفرّ كل من حولك، وأن توصد جميع برامج التواصل، وأن تُضيّق على نفسك!
إنما هو حثٌ على الموازنة .. [ولا تنسَ نصيبك من الدنيا]
والله الله .. في خبيئةٍ بينك وبين الله لا يعلمها أحدٌ غيرك!
الله الله .. في برّك بوالديك فإن كل علمٍ ترجوه، أو نوالٍ تطلبه، وأنت مفرطٌ فيهما لن تناله!
الله الله .. في الإخلاص، وأن تبتغي وجهه سبحانه، لا شهرة ولا محمدة!
الله الله .. في برامج التواصل، لا تدعهَا تفتح لك أبواب شرٍ، وتوصد عنك الخير!
وأخيرًا :
" لا تركنن إلى القصور الفاخرة، واذكر عظامك حين تُمسي ناخرة، وإذا ذكرت زخارف الدنيا فقل: لبيكَ إن العيش عيشُ الآخرة" !
ثم أوصيكم ونفسي أولًا:
بتخصيص وردٍ من القرآن لا يُفرّط به مهما كانت الظروف، وعلى قدر ما تقرأ منه على قدر نيلك البركة منه.
سؤال الله العون والتوفيق في الأمر كله.
التخفف ما أمكن من برامج التواصل ولو كلّفك هجرها فترة إلى أن تُقضى مشاغلك.
الإستغفار، ثم الإستغفار، ثم الإستغفار، إنه يفتح أبوابًا موصدة، ما كنتَ تحسبُها ستفتح.
التوبة لله من المعاصي، وقد قال الإمام الشافعي:
شكوتُ إلى وكيعٍ سوء حفظي .. فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نورٌ .. ونورُ الله لا يُهدى لعاصي.
هذه الكلمات إن استطعتهم حملها محملَ خيرٍ فأفعلوا.
وأنّي يعلمُ الله سقتُه لنفسي قبلكم، وما وددتُ أن أحرمكم الفائدة معي.
أسألُ الله أن يهديني بها، ويهدي من هم على نهجي، وأن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، وألا يجعلنا أشقياء ولا محرومين، وألا يحرمنا خيرَ ما عنده بسوء ما عندنا.
وأن يتقبلها برحمته وفضله، ولا يذرها صلدًا لا تنفع ولا يُنتفع بها.
هذا وأختم .. بثلاثة مقاطع:
أولها: الشباب وإدارة الوقت، للدكتور/ علي الشبيلي.
http://youtu.be/uJgB978PBFs
ثانيها: تنظيم الشيخ الدكتور/ عبد الرحمن الشهري لوقته.
http://youtu.be/8c8V7ke22jo
ثالثها: مقال جسر التعب للباحث الشرعي/ إبراهيم السكران.
http://www.qk.org.sa/vb/showthread.php?t=21062
لا تفتكم!
/
أمجَاد محمد باجخيف
@amjaad_m_
