شرح كتاب الشمائل

أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


شرح الشمائل للإمام الترمذى


الباب الأول : باب ما جاء في خَلق رسول الله ﷺ

الحديث (1) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَهُ ، يَقُولُ : كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ ، وَلاَ بِالْقَصِيرِ ، وَلاَ بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ ، وَلاَ بِالآدَمِ ، وَلاَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ ، وَلاَ بِالسَّبْطِ ، بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ ، وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً ، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ ﷺ

شرح الحديث :
لم يكن النبى بالطويل الظاهر الطول ، بل كان النبى مربوعاً أى لا بالطويل ولا بالقصير لكن إلى الطول أقرب.
ولم يكن النبى شديد البياض بل ثبت فى الصحيحين ان النبى كان (أزهر اللون ) أى كان ابيض مخالط بحُمرة ،ولم يكن النبى آدما أى أسمراً ، ولم يكن شعر النبى ملتويا ً متداخل بعضه فى بعض ،ولم يكن بالمسترسل ، بل كان شَعْر النبى وسطاً بينها .

* أقام النبى بمكة ثلاث عشر سنة ، ويُحمل هذا الحديث إما أن الراوى حسب مدة الجهر بالدعوة فى مكة ، أو يُقال أن الراوى ألغى الكسر وهذا هو الظاهر لأنه ألغى الكسر فى مدة حياة النبى ، لأن أنس رضى الله عنه قال كما فى صحيح مسلم أن النبى قُبض وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وأما ما ذكره ابن عباس أن ّ النبى مات وهو ابن خمس وستين ، فقد ذكره ابن عباس بالتقريب لا بالتحديد والله أعلى وأعلم

حديث رقم (2) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ،قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ رَبْعَةً ، وَليْسَ بِالطَّوِيلِ وَلا بِالْقَصِيرِ ، حَسَنَ الْجِسْمِ ، وَكَانَ شَعَرُهُ لَيْسَ بِجَعْدٍ ، وَلا سَبْطٍ أَسْمَرَ اللَّوْنِ ، إِذَا مَشَى يَتَكَفَّأُ .
شرح الحديث
هذا الحديث صحيح دون لفظة (أسمر اللون ) فقد أعلها الحافظ العراقى والدارقطنى بالشذوذ.

وكان النبى (حسن الجسم ) أى متناسق الأعضاء وكانت صورتة حسنة دالا على كماله عليه الصلاة والسلام ، قوله (إذا مشى يتكفأ ) أى يتمايل إلى قُُدَّام كأنما ينزل من منحدر .
الحديث رقم (3) عن الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رضي الله عنه ، يَقُولُ : كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ، رَجُلا مَرْبُوعًا ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ ، عَظِيمَ الْجُمَّةِ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ ، مَا رَأَيْتُ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ .

شرح الحديث
قوله (بعيد ما بين المنكبين ) : أى عريض أعلى الظهر ، ويلزم منه أن يكون صدره عليه الصلاة و السلام رحب أى واسع .
* وشَعْر الرسول كان يختلف أحواله فتارة يكون قصيراً وتارة يكون طويلا إلى منكبيه أو إلى أنصاف أذنيه وهكذا ، وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم وكان المشركون يفرقون رؤسهم ، فسدل رسول الله ثم فرًق بعد ذلك لما أسلم غالب عُبّاد الأوثان ، وتبين انحراف أهل الكتاب ، حينئذ أحب النبى مخالفة أهل الكتاب .
قوله (ما رأيتُ شيئاً قط أحسن منه ) : وإنما قال شيئا دون إنسانا ليشمل غير البشر كالشمس والقمر ، وعبر بقط إشارة إلى أنه كان كذلك من المهد إلى اللحد لأن معنى قط : الزمن الماضي ، ولا يستعمل إلا في النفي .

حديث (4) عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، قَالَ : مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ ، لَهُ شَعَرٌ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ ، بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ ، لَمْ يَكُنْ بِالْقَصِيرِ ، وَلا بِالطَّوِيلِ

حديث رقم (5) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه ، قَالَ : لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ بِالطَّوِيلِ ، وَلا بِالْقَصِيرِ ِ، ضَخْمُ الرَّأْسِ، ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ ، طَوِيلُ الْمَسْرُبَةِ ،إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا ، كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ ، لَمْ أَرَقَبْلَهُ ، وَلا بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، ﷺ
شرح الحديث :
قوله (ضخم الرأس ) أى عظيم الرأس ، وهذا يدل على كمال القوة الدماغية ، وهذه من علامات النجابة

قوله (ضخم الكراديس ) والكراديس هى العظام ، أى أن النبى ضخم الأعضاء بالجملة .

قوله (طويل المسرُبة ) وهو ما دق من الشعر النازل من الصدر إلى السرة ، ولم يكن منتشرا ، بل مستطيلا ً .

قوله (عليه حُلة حمراء ) أى لباس مكوّن من إزار ورداء من اللون الأحمر ، ولم يثبت نهى فى اللباس للون الأحمر خصوصاً ، والأحاديث التى وردت فى النهى إنما وردت فيما إذا كانت من حرير أو نحوه فقد نهى النبى عن المياثر الحمراء أو الأرجوان وهما أنواع من الحرير ، وأما ما قاله ابن القيم من أنها حلة حمراء مخططة فليس عليه دليل والله أعلى وأعلم .

الحديث رقم (9 )
عن جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ رَضِيَّ الله عَنْهَ قال : كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ضَلِيعَ الْفَمِ ، أَشْكَلَ الْعَيْنِ ،مَنْهُوسَ الْعَقِبِ .
قَالَ شُعْبَةُ : قُلْتُ لِسِمَاكٍ :
مَا ضَلِيعُ الْفَمِ ؟ قَالَ :عَظِيمُ الْفَمِ .
قُلْتُ : مَا أَشْكَلُ الْعَيْنِ ؟قَالَ : طَوِيلُ شِقِّ الْعَيْنِ .
قُلْتُ : مَا مَنْهُوسُ الْعَقِبِ ؟ قَالَ: قَلِيلُ لَحْمِ الْعَقِبِ .

شرح الحديث : قوله (ضليع الفم ) أى أنّ فمه عليه الصلاة والسلام ليست ضيقة وليست صغيرة .

وقد عدّ القاضى تفسير سماك فى قوله (أشكل العين ) من الأوهام ،وهذا غلط ،لأن الراوى عنه شعبة بن الحجاج ثبت ، فيتقوى حديث سماك كما جاء فى تهذيب الكمال.

حديث (11) عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَّ الله عَنْه : أَكَانَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ ﷺ مِثْلَ السَّيْفِ ؟ قَالَ : لا ، بَلْ مِثْلَ الْقَمَر.
ِ
قال الحافظ ابن حجر (كأن السائل أراد أنه مثل السيف فى الطول ،فرد عليه البراء ، فقال : بل مثل القمر أى فى التدوير ، ويُحتمل أن يكون أراد مثل السيف فى اللمعان والصقال فقال : بل فوق ذلك _قلت البهات : يعنى الضياء والنور _ وعدل إلى القمر لجمعه الصفتين من التدوير واللمعان )

حديث (13 ) عن عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَّ الله عَنْهَ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ ، قَالَ : عُرِضَ عَلَيَّ الأَنْبِيَاءُ ، فَإِذَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ ، وَرَأَيْتُ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ ، وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ،فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا صَاحِبُكُمْ ، -يَعْنِي : نَفْسَهُ-، وَرَأَيْتُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ ، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا دِحْيَةُ .

شرح الحديث : قول النبى ( عُرض علىّ الأنبياء ) يُحتمل أن يكون هذا العرض فى المنام ، ويُحتمل أن يكون فى معراجه عليه الصلاة والسلام .

قول النبى (ضرب من الرجال ) أى حيث يكون جسما بين جسمين لا خفيف ولا سمين ، و شنوءة هى قبيلة يمنية ، ورجال هذه القبيلة متوسّطون بين الخفة والسمن ، وعروة ابن مسعود هو الذى أرسلته قريشاً يوم الحديبية ، وأسلم فى السنة التاسعة من الهجرة ، ودحية بفتح الدال أو كسرها هو الصحابى دحية الكلبى وكان صحابى ذو قدر من الجمال .

حديث (15)
عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الطُّفَيْلِ ، يَقُولُ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَمَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَحَدٌ رَآهُ غَيْرِي ، قُلْتُ : صِفْهُ لِي ، قَالَ : كَانَ أَبْيَضَ ، مَلِيحًا ، مُقَصَّدًا .

قال النووى : ( اى ليس بجسيم ولا نحيف ، ولا طويل ولا قصير ) أى معتدل الخلقة ، فلا يُنسب إلى الطول ولا إلى القصر ، كما لا يُنسب إلى الضخامة ولا إلى النحافة ، وهكذا فى سائر أوصافه .

***
إن معانى هذه الصفات مهمة ، فإذا رأى شخص النبى فى المنام ، فنقول له صفه لنا ، فإذا وصفه رجل (يُرى عليه سمت الصلاح ) على هذه الأوصاف ، فيكون هو النبى ، وإلا فلا .