حول العالم
سياسة منع التستيرون
(الخصيّ) اسم يطلق على كل ذكر فقد رجولته باستئصال خصيتيه في سن الطفولة .. وهذا الإجراء يحرم الذكر من إفراز هرمون التستيرون فيشب أمردَ، رخواً، غير قادر على الإنجاب . وهي عادة كانت شائعة بين الآشوريين والبابليين والفراعنة والإغريق قبل أن تنتقل إلى الرومان فالإفرنج فالعرب فالعثمانيين !!
وكان لكل أمة غرضها الخاص من اتخاذ الخصيان والمتاجرة بهم ؛ فالملكة سيراميس مثلا (ملكة آشور قبل 4000عام) أمرت بهذه العادة للحد من سطوة الذكور في بلادها .. أما الاغريق والرومان فكان هدفهما الأساسي التسري (لدرجة امتلك السادة أخلاء من الخصيان ؛ كالاسكندر الأكبر القائد الإغريقي، ونيرون الامبراطور الروماني) !
ورغم ان عادة الاخصاء لم تكن شائعة في الجاهلية إلا أن فرض الحجاب على نساء المسلمين شجع على استخدامهم في البيوت . وكان يزيد بن معاوية أول من اتخذ الخصيان في ديوانه ثم اقتدى به غيره من الأمراء والخلفاء . وفي الدولة العباسية ظهر الخليفة الأمين كأول من أشاع عادة امتلاك الخصيان والغلمان بين السروات .. وبهذا الخصوص يقول المسعودي : "كان الخليفة الأمين قد قدَّم الخدم ورفع منازلهم بحيث إن والدته الأميرة زبيدة أشاعت عادة الغلاميات لاجتذاب ابنها للنساء" .. ( والغلاميات هن الجواري الحسان يلبسن ملابس الغلمان والصبيان)!!
وحين أتى الدور على العثمانيين اتخذوا "الخصيان السود" لحراسة قصور الحريم في حين اتخذوا "الخصيان البيض" كخدم ومستشارين . وكان الخصيان السود يكلفون بمهام الحراسة بسبب عجزهم الجنسي وعدم ميلهم للنساء أو ميل النساء إليهم .. في حين كان "البيض" مفضلين لإدارة شؤون القصر والدولة بسبب انقطاع جذورهم العائلية وعجزهم عن الإنجاب (وبالتالي عدم تفكيرهم بالتمرد وتوريث الحكم لأبنائهم) ..
وفي حين كانت أفريقيا المُصدر الأول للخصيان السود كانت أوربا المُصدر الأول للبيض (سواء للدولة العثمانية أو الدولة الأندلسية قبلها) . ولأن أهالي الأندلس كانوا يفضلون الخصيان للعمل في بيوتهم عمد تجار الرقيق الأوربيين لإخصاء صغار السن في مراكز متخصصة (أشهرها مركز مدينة فردون في جنوب فرنسا) .. وحين ظهرت الدولة العثمانية انتقلت مراكز "تجهيز الخصيان" إلى شرق أوربا لتلبية الطلب الكبير عليهم من قبل الأمراء والسلاطين ..
ورغم أن الخصيان تدخلوا في شؤون الحكم والسياسة (بطريقة غير مباشرة) زمن الرومان والعباسيين ؛ إلا أنهم لعبوا دورا سياسيا (مباشرا وصريحا) في الصين وتركيا ..
فهم - كما ذكرنا سابقا - لا يملكون مطامع سياسية تشجعهم على الثورة أو الانقلاب . ولأن كثيراً منهم تلقى تعليمه في قصر الحاكم نفسه (وهي ميزة لا تتوفر لكثير من فئات الشعب الأخرى) أصبحوا أكثر ولاء وتأهيلا لإدارة شؤون الدولة .. ففي الصين القديمة مثلا سيطر الخصيان على وظائف الدولة وإدارات المناطق وتربعوا على قمة الهرم الاجتماعي . وفي نهاية سلالة مينج الحاكمة (قبل 1600سنة تقريبا) كان يوجد منهم أكثر من 70ألفاً بين حاكم ومستشار ومندوب سام .. وهذه المفارقة العجيبة تكررت زمن الدولة العثمانية حين اهتم السلاطين بتعليم الخصيان البيض (وتربيتهم في مدارس للنخبة) فظهر منهم مستشارون ووزراء تحملوا قدرا كبيرا من المسؤولية السياسية والإدارية !
... ولم تنته هذه الظاهرة (بشكل رسمي) إلا عام 1909حين عُزل عبد الحميد الثاني آخر سلاطين آل عثمان وتحول خصيانه ومحظياته إلى مواطنين عاديين . واليوم لا نملك غير الاستغراب إزاء نظرة التسامح واللامبالاة القديمة تجاه هذه الظاهرة البشعة (...... الظاهرة الوحيدة التي اجتمع فيها الاستعباد بالطفولة، والاختطاف بالعنصرية، وبشاعة الإجراء مع دناءة الهدف) !
