المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إلى متى ونحن نُقصر في الواجبات؟! ونُفرط في المستحبات؟!!



أهــل الحـديث
09-01-2014, 04:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)، نفعنا الله وإياكم بها.


إلى متى ونحن نُقصر في الواجبات؟! ونُفرط في المستحبات؟!!

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد وعلى آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن الشيطان الرجيم ليسعى بكل الوسائل وشتى الطرق أيها الأحبة الكرام لإبعاد الناس عن ربهم العظيم وذلك بصرفهم عما جاء به نبيهم الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، فإما يريد أن يجعلهم في دينهم القويم من الغالين المتشددين أو من المقصرين المفرطين، فهو لا يبالي بما يظفر من الصنفين، لأن همه هو انحراف الناس عن الصراط المستقيم.
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :" قال بعض السلف : ما أمر الله تعالى بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط وتقصير، وإما إلى مجاوزة وغلو، ولا يبالي بأيهما ظفر". إغاثة اللهفان (1/116)
إن الكثير منا اليوم أيها الأفاضل- إلا من رحمه الحليم- لمقصر في تحقيق الأمر العظيم والغرض الكريم الذي خلقه من أجله العزيز العليم ، يقول السميع الحكيم:(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)[الذاريات :56]
قال الإمام النووي –رحمه الله- :"وهذا تصريح بأنهم خلقوا للعبادة فحق عليهم الاعتناء بما خلقوا من أجله...". رياض الصالحين (ص3)
فقد تنوعت صور الإفراط والتقصير في تحقيق عبادتنا للعلي الكبير !!!.
فمنا- إلا من رحمه المنان- من غلبته نفسه وتمكن منه هواه وتلسط عليه الشيطان فقصر أو ترك ما أوجبه عليه الرحمن وجعل نفسه عاكفة على البدع!! و الفسوق والعصيان!،والله المستعان.
فأين حرصنا على الإتيان بأركان الإسلام كالصلاة و الزكاة و الصيام و حج بيت الله الحرام ؟!.
فكيف أيها الكرام يستقيم لنا الإسلام ويقوى لنا الإيمان؟! ونحن نفرط ونُقصر في تحقيق هذه المباني العظام! وكل ما أمرنا به العزيز العلام!!.
هل نريد أن نكون من أهل السعادة! والسرور! إلى متى ونحن نقابل النعم التي يَمن علينا بها العفو الغفور بالمحدثات والمعاصي والشرور ؟!.
إن من رحمة علام الغيوب أنه لم يعاجلنا بالعقوبة مع ما تُقدمه أيدينا من الذنوب!! بل سبحانه يستر علينا ما يقع منا من العيوب! ويعافينا و يمهلنا لعلنا نرجع فنستغفر ونتوب!!.
مع أنه جل وعلا على ذلك قدير، ولو أخذنا بمعاصينا !!وما كان منا من تقصير!لم يكن لنا ظالم! لأنه جاءنا منها التحذير! وعلى خطرها وأضرارها تذكير !!.
يقول الشيخ السعدي –رحمه الله- :"وسبحان الحليم، الذي لا يعاجل العاصين بالعقوبة، بل يعافيهم ويرزقهن كأنهم ما عصوه مع قدرته عليهم".تفسير السعدي (ص790)
فعلى من كان من هذا الصنف من المسلمين أن يُبادر بالتوبة والاستغفار والرجوع إلى أرحم الراحمين، وليحافظ على دينه الذي هو عصمة أمره وسبب نجاته وليحذر أشد الحذر من الاستمرار والاسترسال في ترك ما أمره به الكبير المتعال مع فعله للمحرمات والأمن من مكر رب الأرض والسموات،فإن العذاب قد يأتيه ويحل به الضرر!والموت قد يُفاجئه وهو لا يشعر! فلا يجد بعد ذلك إلا الحسرة و الألم ولا ينفعه ندم!!.
يقول عبد الحق الاشبيلي –رحمه الله- :" واعلم أن سوء الخاتمة أعاذنا الله منها لا يكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه، وإنما يكون ذلك لمن كان له فساد في العقل وإصرار على الكبائر، وإقدام على العظائم، فربما غلب ذلك عليه حتى ينزل به الموت قبل التوبة ويثب عليه قبل الإنابة ويأخذه قبل إصلاح الطوية، فيصطلمه الشيطان عند تلك الصدمة ويختطفه عند تلك الدهشة، والعياذ بالله ". العاقبة في ذكر الموت (ص180)
ومن المسلمين والمسلمات–ولله الحمد- من وفقه رب البريات ويسر له عمل الفرائض وفعل الواجبات ونراه باذل الجهد في ترك المحرمات والابتعاد عن المنكرات، إلا أن عنده تفريط في الإتيان بالرواتب والمستحبات!وقد يُكثر من فعل المكروهات!.
إن من كان من هذا الصنف أيها الأحباب عليه أن يُكثر من شكر العزيز الوهاب ويجتهد في حفظ ما وفق إليه من صواب، وليحذر أشد الحذر من تضييع النوافل لأنها سياج الفرائض و حصنها المنيع، وفي إهمالها مدخل للشيطان للتفريط فيما أوجب عليه الرحمن.
فلإبليس اللعين خطوات!حيث يبدأ أولا بالتزهيد في العمل بالسنن والخيرات! حتى إذا تمكن من العبد!! شغله وصرفه بعد ذلك عن فعل الفرائض والواجبات، ولقد حذرنا من ذلك رب الأرض السموات، فقال سبحانه:(ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) [البقرة :208]
يقول الشيخ السعدي-رحمه الله-:"العدو المبين،لا يأمر إلا بالسوء والفحشاء،وما به الضرر عليكم".تفسير السعدي (ص94)
فعلينا أن نحرص على فعل السنن والمستحبات كما نحرص على الإتيان بالفرائض والواجبات كما كان هدي من سبقنا من الصالحين أهل الخيرات.
فعن النعمان بن سالم –رحمه الله – عن عمر بن أوس –رحمه الله- قال حدثني عنبسة بن أبي سفيان في مرضه الذي مات فيه بحديث يُتسار إليه، قال سمعت أم حبيبة – رضي الله عنها- تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "منْ صَلَّى اثْنَتَي عَشْرَةَ رَكْعَةً في يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِي لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ في الْجَنَّةِ".
قالت أم المؤمنين أم حبيبه –رضي الله عنها- فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال عنبسة : فما تركتهن منذ سمعتهن من أم حبيبة – رضي الله عنها-.
وقال عمرو بن أوس : ما تركتهن منذ سمعتهن من عنبسة.
وقال النعمان بن سالم ما تركتهن منذ سمعتهن من عمرو بن أوس. صحيح مسلم ( 1727)
وقد جاء عند الإمام الترمذي(417) بيان أوقات هذه الصلوات، فعن عنبسه بن أب سفيان عن أم حبيبة –رضي الله عنه- قالت : قال رسول الله عليه وسلم :" مَنْ صَلَّى في يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَىْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِىَ لَهُ بَيْتٌ فِى الْجَنَّةِ، أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْفَجْرِ ".
وهذا عبد الله ببن عمر-رضي الله عنهما – كان يصلي على الجنازة ثم ينصرف ولا يتبعها ظانَّاً أن هذا هو كمال السنة, ولم يعلم بما جاء في الفضل الوارد في إتباعها حتى تدفن, فلما بلغه حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- ندم على ما فوت من حسنات وأجور مضاعفات، فعن عامر بن سعد بن أبي وقاص،أنه كان قاعدا عند عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- إذ طلع خَبَّابٌ صَاحِبُ الْمَقْصُورَةِ، فقال يا عبد الله بن عمر ألا تسمع ما يقول أبو هريرة؟! إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ خَرَجَ مَعَ جِنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ أَجْرٍ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ مِنَ الاٌّجْرِ مِثْلُ أُحُدٍ»؟ فأرسل ابن عمر خبابا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة .ثم يرجع إليه فيخبره ما قالت ، وأخذ ابن عمر قبضة من حصباء المسجد يقلبها بيده حتى رجع إليه الرسول,فقال : قالت عائشة : صدق أبو هريرة، فضرب ابن عمر بالحصى التي كانت في يده الأرض، ثم قال:( لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ).رواه البخاري( 1224) ومسلم(2238) واللفظ له.
يقول الإمام النووي – رحمه الله- :"وفيه ما كان الصحابة عليه من الرغبة في الطاعات حين يبلغهم , والتأسف على ما يفوتهم منها وإن كانوا لا يعلمون لَا يَعْلَمُونَ عِظَم مَوْقِعه". الشرح على صحيح مسلم (3/363)
ويقول الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- :" ولما بلغ عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما -هذا الحديث قال : (لقد فرطنا في قراريط كثيرة)، ثم صار بعد ذلك لا يرى جنازة إلا تبعها رضي الله عنه؛ لأن هذه غنيمة؛ غنيمة أن يحصل الإنسان مثل الجبلين العظيمين في عمل يسير ، هذا الأجر متى يلقاه ؟ يلقاه في يوم هو أحوج ما يكون إليه ؛ في يوم ليس عنده درهم، ولا دينار ولا متاع ، ولا قرابة، ولا زوجة تنفعه يوم القيامة إلا العمل الصالح، فهو إذا تبع الجنازة حتى يصلى عليها ، ثم حتى تدفن، فله قيراطان مثل الجبلين العظيمين أصغرهما مثل أحد". شرح رياض الصالحين (2/598)
ويقول الإمام عبد الرحمن بن مهدي –رحمه الله- : "سمعت سفيان الثوري يقول : ما بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط إلا عملت به ولو مرة".سير أعلام النبلاء للذهبي (7/242)
فعلينا أن نقتدي بهؤلاء الأصفياء ولنحرص ولا نتهاون، ولا نُفرط في سنة خير الأنبياء، فلنعمل بها ولنحييها بين الأحباب والأصحاب فإن هذا هو هدي الأتقياء وسبيل الأوفياء.
وينبغي أن نعلم أن فعل العبد للواجبات وإتيانه بالمستحبات لهو دليل على حرصه على اتباع سنة خير البريات، وهو من ثمرات محبته لرسول رب الأرض والسموات .
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :" ولا يحبك الله إلا إذا اتبعت حبيبه ظاهرا وباطنا، وصدقته خبرا وأطعته أمرا، وأجبته دعوة، وآثرته طوعا، وفنيت عن حكم غيره بحكمه، وعن محبته غيره من الخلق بمحبته، وعن طاعة غيره بطاعته، وإن لم يكن ذلك فلا تتعن وارجع من حيث شئت، فالتمس نورا فلست على شيء ". مدارج السالكين (3/37)
فالبدار البدار أيها الإخوة والأخوات لاغتنام ما بقي من أعمارنا من أيام وساعات واستثمارها في الخيرات،قبل أن لا ينفعنا الندم وتجزي عن الحسرات.
ولنحرص وفقكم رب البريات على فعل الطاعات من الواجبات والمستحبات, ولنحذر من التسويف في التوبة و الإكثار من عمل المحرمات والوقوع في الزلات واستصغار المنكرات والانشغال بالملذات والشهوات.
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله-:"إن العبد لا يزال يرتكب الذنب حتى يهون عليه ويصغر في قلبه، وذلك علامة الهلاك، فإن الذنب كلما صغر في عبن العبد عظم عند الله". الجواب الكافي (ص38)
فالله تعالى أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجعلنا وإياكم وكل المسلمين من الصالحين السابقين الحريصين على كل ما ينفعنا في الدارين ، ويُجنبنا كل ما يضرنا في دنيانا ويوم الدين ، فهو سبحانه ولي ذلك وأرحم الراحمين.


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


أبو عبد الله حمزة النايلي